حليب بدون أبقار: اكتشف كيف تقود التكنولوجيا الحيوية هذا التحول الجديد

4 دقيقة
حليب بدون أبقار: اكتشف كيف تقود التكنولوجيا الحيوية هذا التحول الجديد
مصدر الصورة: ريميلك (Remilk)

أدى تفشي إنفلونزا الطيور في مزارع الألبان الأميركية إلى إفساد الحليب. فالحليب النيء أو غير المبستر يمكن أن يؤدي في الواقع إلى إصابة الفئران التي تشربه بهذا المرض، كما أصيب بالعدوى بضعة من العاملين في هذه المزارع.

تقول إدارة الغذاء والدواء الأميركية إن الحليب التجاري آمن لأنه مبستر، ما يؤدي إلى قتل الجراثيم. وعلى الرغم من هذا، فإن هذه الأخبار تكفي لدفع أي شخص إلى التفكير فيما سيحدث في حياته إذا استغنى عن الحليب، مثل تناول القهوة دون حليب، أو حتى شرب حليب الشوفان.

إلا أنه بالنسبة إلى أولئك منا الذين لا يستطيعون الاستغناء عن الحليب الحقيقي، فقد تبين أن بعض مهندسي الوراثة يعملون على وسائل تتيح الحفاظ على الحليب، والاستغناء عن الأبقار بدلاً من ذلك. يحاول المهندسون تحقيق ذلك من خلال تعديل الخمائر والنباتات باستخدام الجينات البقرية، وذلك حتى تصنع البروتينات الرئيسية التي تمنح الحليب لونه ومذاقه اللذيذ وقيمته الغذائية.

اقرأ أيضاً: شركة تكنولوجيا حيوية تطرح علاجاً واعداً للصرع يعتمد على الخلايا الجذعية

استنساخ بروتينات الحليب

أما البروتينات التي يعملون على استنساخها فهي الكازين (casein)، وهو بوليمر رخو يُعد الأوفر من نوعه في الحليب، وهو ما يجعل جبن البيتزا مطاطاً، والمصل، وهو مزيج مغذٍ من الأحماض الأمينية الأساسية، وغالباً ما يُستخدم في المساحيق الغذائية المخصصة لتقديم الطاقة إلى الجسم.

يمثل هذا العمل جزءاً من توجه أكبر للاستعاضة عن الحيوانات بالمواد المستزرعة في المختبرات، أو الأوعية الفولاذية، أو المحاصيل النباتية. ويشبه هذا العمل، على سبيل المثال، إمبوسيبل برغر (Impossible burger)، فطيرة الخضروات المصنوعة بنكهة لذيذة من خلال إضافة الهيم، وهو أحد مكونات الدم وتنتجه الشركة المصنعة في جذور فول الصويا المعدل جينياً.

من الشركات المبتكرة للحليب، ريميلك (Remilk)، وهي شركة ناشئة تأسست في 2019، وتعمل على تعديل الخميرة بحيث تنتج البيتا لاكتوغلوبولين (beta-lactoglobulin)، وهو المكون الرئيسي للمصل. يقول المؤسس المشارك في الشركة، أوري كوهافي، إن مصنعاً واحداً يعتمد على التكنولوجيا الحيوية من خلال أحواض الخميرة الفوارة التي تتغذى على السكر يمكن له نظرياً أن "يحل محل 50,000 إلى 100,000 بقرة".

تصنيع حليب بدون أبقار

تصنع ريميلك دفعات تجريبية، وهي تختبر أساليب لتركيب البروتين باستخدام الزيوت النباتية والسكر لصنع الجبن القابل للدهن، والمثلجات، ومشروبات الحليب. إذاً، نحن نتحدث بالفعل عن أغذية "معالجة"، فأحد الشركاء في هذه الشركة شركة محلية لتعبئة مشروب الكوكاكولا، كما أن مستشاري الشركة يتضمنون مسؤولين تنفيذيين سابقين في شركات نستله (Nestle) ودانون (Danone) وبيبسيكو (PepsiCo).

اقرأ أيضاً: تقنيات إنتاج الغذاء الحديثة قد تعيد 80% من الأراضي الزراعية في العالم إلى الطبيعة

لكن الحليب العادي ليس طبيعياً تماماً أيضاً. فعند استخراج الحليب، تقف الحيوانات داخل روبوتات متقنة، ويبدو مظهرها لأي شخص ينظر إليها كما لو أن كائنات فضائية قد اختطفتها. يقول كوهافي: "إن فكرة وقوف البقرة ضمن مشهد جميل من النباتات الخضراء النضرة بعيد للغاية عن الطريقة الفعلية لإنتاج الحليب". إضافة إلى هذا، ثمة آثار بيئية أيضاً، فالمواشي تتجشأ الميثان، وهو أحد غازات الدفيئة ذات التأثير القوي، كما أن الأبقار الحلوب تحتاج إلى أن تشرب نحو 150 لتراً من الماء تقريباً كل يوم.

يقول كوهافي: "ثمة مئات الملايين من الأبقار الحلوب على سطح هذا الكوكب، وهي تنتج مخلفات تحتوي على غازات الدفيئة، وتحتاج إلى الكثير من الماء والأراضي. من المستحيل أن يكون هذا أفضل أسلوب لإنتاج الغذاء".

التحدي أمام شركات التكنولوجيا الحيوية لإنتاج حليب منخفض التكلفة

بالنسبة إلى شركات التكنولوجيا الحيوية التي تحاول استبدال الحليب، يكمن التحدي الكبير في الحفاظ على تكاليف الإنتاج لديها منخفضة بما يكفي لمنافسة الإنتاج التقليدي من خلال الأبقار. تحصل مزارع الألبان على الحماية وأشكال الدعم المختلفة التي تقدمها الحكومة، كما أنها لا تنتج الحليب فقط. فالأبقار الحلوب تتحول في نهاية المطاف إلى جيلاتين، وبرغر ماكدونالدز، ومقاعد جلدية للسيارات الفاخرة، ولا يُهدر أي شيء تُمكن الاستفادة منه.

في شركة التكنولوجيا الحيوية ألباين بايو (Alpine Bio)، المعروفة أيضاً باسم نوبل فودز (Nobell Foods) في مدينة سان فرانسيسكو، عدل الباحثون فول الصويا لإنتاج الكازين. وعلى الرغم من أن الشركة لم تحصل بعد على ترخيص لبيع حبوب فول الصويا هذه، فإنها بدأت تزرع في أراضٍ مخصصة للاختبارات في مناطق تقع في الغرب الأوسط الأميركي بترخيص من وزارة الزراعة الأميركية، على حد قول الرئيسة التنفيذية لشركة ألباين، ماغي ريتشاني.

اختارت ريتشاني فول الصويا لأنه يعد أحد السلع الرئيسية، كما أنه أقل مصادر البروتين المتاحة تكلفة. وتقول: "نحن نعمل مع المزارعين الذين عادة ما يشكل فول الصويا جزءاً من محاصيلهم الزراعية ليكون علفاً للحيوانات. ونقول لهم إن بإمكانهم زراعة هذه الحبوب لإطعام البشر أيضاً. إذا أردت أن تنافس نظام السلع، يجب أن يكون لديك محصول يمثل سلعة رائجة".

تنوي ألباين طحن حبوب فول الصويا، واستخراج البروتين، وبيع المكونات إلى شركات الأغذية الكبرى، على غرار ما تفعله شركة ريميلك بالضبط.

يتفق الجميع بشأن صعوبة استبدال حليب الأبقار، فهو يتمتع بمكانة خاصة في النفس البشرية، ونحن مدينون للحيوانات المدجنة بإسهاماتها في بناء الحضارة نفسها. في الواقع، تركت هذه الحيوانات بصمتها الخاصة في جيناتنا، حيث يحمل الكثيرون منا في الحمض النووي طفرات تسهل هضم الحليب.

اقرأ أيضاً: لماذا لم تحظَ اللحوم المستنبتة مخبرياً بثقة المستهلكين حتى الآن؟

لكن قد يكون هذا السبب الذي يجعل الوقت مناسباً لاتخاذ الخطوة التكنولوجية التالية، على حد قول ريتشاني. وتقول: "نحن نربي 60 مليار حيوان سنوياً لتوفير الغذاء، وهذا ضرب من الجنون. لقد بالغنا كثيراً في هذا الأسلوب، ونحن في حاجة إلى خيارات أخرى. نحن في حاجة إلى خيارات أفضل بالنسبة إلى البيئة، وتتيح الاستغناء عن استخدام المضادات الحيوية، وعدم التعرض لخطر الأمراض".

ليس من الواضح حتى الآن إن كان تفشي إنفلونزا الطيور في مزارع الألبان يشكل خطراً كبيراً على البشر. لكن الاستغناء عن الأبقار في صنع الحليب سيؤدي دون شك إلى تقليل خطر تسبب فيروس حيواني في حدوث جائحة جديدة. وكما تقول ريتشاني: "لا تنتقل الأمراض من فول الصويا إلى البشر".

المحتوى محمي