كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تقليل الأخطاء الطبية وتحسين الرعاية الصحية؟

3 دقيقة
كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تقليل الأخطاء الطبية وتحسين الرعاية الصحية؟
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت/ إم آي تي تكنولوجي ريفيو| إنفاتو

كل عام، يموت 22,000 شخص تقريباً في أميركا بسبب الأخطاء الطبية الجسيمة في المستشفيات، وتحدث نسبة كبيرة من هذه الوفيات على طاولات العمليات الجراحية. وثمة حالات كثيرة نسي فيها الجراحون إسفنجات جراحية داخل أجسام المرضى، أو أجروا عملية جراحية خاطئة بالكامل.

ويعتقد أستاذ الجراحة في جامعة ستانفورد، تيودور غرانتشاروف، أنه وجد أداة تجعل الجراحة أكثر أماناً، وتقلل الأخطاء البشرية إلى أقصى حد؛ وهي "صناديق سوداء" في غرف العمليات الجراحية تعمل بأسلوب مشابه للصندوق الأسود في الطائرة. تعمل هذه الأجهزة التي بنتها شركة سورجيكال سيفتي تكنولوجيز (Surgical Safety Technologies) التي يملكها غرانتشاروف، على تسجيل كل شيء في غرفة العمليات الجراحية من خلال كاميرات بانورامية شاملة الرؤية، وميكروفونات مثبتة إلى السقف، وأنظمة مراقبة للتخدير، قبل استخدام الذكاء الاصطناعي لمساعدة الجراحين على استيعاب محتوى البيانات.

اقرأ أيضاً: هل كان فيديو استبدال الرأس حقيقياً؟ وما مدى نجاح هذه العمليات مستقبلاً؟

تلتقط هذه الأجهزة ما يجري كلّه داخل غرفة العمليات الجراحية، بدءاً من عدد المرات التي يُفتح فيها الباب، وصولاً إلى عدد الأحاديث الخارجة عن إطار الحالة المرضية خلال العمل الجراحي. تُستخدم هذه الصناديق السوداء في 40 مؤسسة تقريباً في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا الغربية، بدءاً من مستشفى ماونت سيناي (Mount Sinai) ومستشفى جامعة ديوك (Duke) وصولاً إلى عيادة مايو كلينك (Mayo Clinic). لكنْ، هل يعني هذا أن المستشفيات أصبحت على أعتاب حقبة جديدة من السلامة أمْ أن هذا يخلق بيئة ينتشر فيها جو من الارتباك والذعر؟ يمكنك قراءة المقال الكامل بقلم سيمار باجاج هنا.

الدروس المستفادة من الذكاء الاصطناعي كمراقب في غرف العمليات الجراحية

أحدث هذا المقال صدى في نفسي نظراً لما يحمله من مضامين واسعة النطاق؛ فالمؤسسات العاملة في القطاعات كافة تفكر في كيفية تبنّي الذكاء الاصطناعي لرفع مستوى الأمان أو الفاعلية. ويظهر لنا هذا المثال من المستشفيات أن الحدود بين السلبيات والإيجابيات غير واضحة على الدوام، وأنه ثمة الكثير من المزالق التي يجب أن نتفادى الوقوع فيها. ونعرض فيما يلي 3 دروس يمكن أن نستقيها من هذه القصة حول تبني الذكاء الاصطناعي:

1. الخصوصية مهمة لكنها ليست مضمونة على الدوام

أدرك غرانتشاروف بسرعة كبيرة أن الطريقة الوحيدة التي ستدفع الجراحين إلى استخدام الصندوق الأسود هي جعلهم يشعرون بالحماية من التداعيات المحتملة؛ فقد صُمِم النظام كي يسجّل الأفعال مع إخفاء هويات المرضى وطاقم العمل، بل وحتى حذف التسجيلات كلّها في غضون 30 يوماً. وتتلخص فكرته بأننا يجب ألّا نعاقب أي شخص بسبب ارتكابه خطأً ما. تجعل الصناديق السوداء كل شخص في التسجيل مجهول الهوية، حيث تعمل خوارزمية خاصة على تشويه أصوات الأشخاص وطمس وجوههم، بحيث يتحولون إلى شخصيات يطغى عليها اللون الأسود ومعالمها غير واضحة.

ولهذا، حتى لو أدركت ما حدث، فلن تستطيع استخدام التسجيلات دليلاً ضد شخص محدد. لكن هذه العملية غير مثالية، فخلال مهلة الثلاثين يوماً التي تسبق حذف التسجيلات تلقائياً، يبقى بوسع إدارة المستشفى رؤية رقم غرفة العمليات، وموعد العملية، ورقم السجل الطبي للمريض، ولهذا حتى لو طُمِست هويات الموظفين تقنياً، فإنهم ليسوا مجهولي الهوية حقاً. يقول نائب رئيس مجلس الإدارة للعمليات السريرية في مستشفى جامعة ديوك، حيث توجد صناديق سوداء في 7 غرف عمليات، كريستوفر مانتي، إن النتيجة هي انطباع بأن "الأخ الأكبر يراقب كل شيء".

2. لا يمكن تبنّي التكنولوجيات الجديدة دون إقناع الناس أولاً

غالباً ما ينظر الناس إلى الأدوات الجديدة بعين الريبة، وهم محقون في ذلك، وقد كانت عيوب النظام فيما يتعلق بالخصوصية جزءاً من الأسباب التي دفعت بالطاقم الطبي إلى التردد في تبنيه. وقد قاطع الكثير من الأطباء والممرضات أدوات المراقبة الجديدة. ففي أحد المستشفيات، تعرضت الكاميرات للتخريب، إمّا من خلال فتلها وإمّا من خلال فصلها عمداً، كما رفض بعض الجراحين وأفراد الطاقم الطبي العمل في الغرف المزودة بأنظمة المراقبة.

وفي المستشفى الذي تعرض بعض كاميراته للتخريب في البداية، استغرق الأمر ما يصل إلى 6 أشهر حتى اعتاد الجراحون عليها، لكن الأمور سارت بسلاسة أكثر بكثير ما إن أدرك الطاقم الطبي الإجراءات الوقائية التي تضبط عمل هذه التكنولوجيا، وقد بدأت ثقة أفراد الطاقم بهذه التكنولوجيا تزداد بعد إجراء محادثات ثنائية شرح فيها المدراء كيف تعمل هذه الأنظمة بصورة تلقائية على طمس هويات الأشخاص من البيانات وحذف هذه البيانات.

اقرأ أيضاً: كيف سيعمل الذكاء الاصطناعي مع البشر لمستقبل أفضل في الرعاية الصحية؟

3. لا تعني زيادة البيانات التوصل إلى حلول بالضرورة

علينا ألّا نتبنى تكنولوجيات جديدة لمجرد تبني تكنولوجيات جديدة، إذا لم تكن مفيدة فعلاً. لكن تحديد مدى فائدة تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي بالنسبة لك يتطلب منك طرح بعض الأسئلة الصعبة، فقد أفاد بعض المستشفيات بأنها حققت تحسينات طفيفة بناءً على بيانات الصناديق السوداء. وقد استخدم الأطباء في مستشفى جامعة ديوك البيانات للتحقق من عدد المرات التي تُعطى فيها المضادات الحيوية في الوقت المناسب، كما قالوا إنهم اعتمدوا على هذه البيانات حتى تساعدهم على تقليل الوقت الذي تظل فيه غرف العمليات شاغرة بين الحالات المختلفة. لكن الحصول على موافقة بعض المستشفيات كان صعباً، لأنه لا توجد حتى الآن دراسات كبيرة وخاضعة لمراجعة الأقران وتبين كيف تساعد الصناديق السوداء فعلياً على الحد من مضاعفات المرضى وإنقاذ الأرواح. تقول رئيسة قسم الجراحة العامة في مستشفى ماونت سيناي، سيليا ديفينو، إن المبالغة في حجم البيانات قد يشل العمل. تتساءل ديفينو: "كيف تفسر هذه البيانات؟ وماذا ستفعل بها؟ هذه مشكلة دائمة".

المحتوى محمي