كيف يُستخدم تحليل البيانات في رياضة كرة القدم؟

6 دقيقة
كيف يُستخدم تحليل البيانات في رياضة كرة القدم؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Gorodenkoff

أصبحت رياضة كرة القدم أكثر احترافية من أي وقتٍ مضى خلال العقدين الماضيين، حيث حوّلت أموال البث التلفزيوني والرعاية كرة القدم إلى لعبة يُعدّ الفوز فيها مطلباً ضرورياً أكثر من أي وقتٍ مضى، إذ بدأت الفرق التي تتطلع إلى الفوز بالألقاب تعرف جيداً أن أصغر كتلة من البيانات يمكن أن تُحدِث فرقاً بين النجاح والفشل، لذا نجد أن العلاقة بين التكنولوجيا ورياضة كرة القدم قد تطورت بشكلٍ كبير في السنوات الأخيرة، حيث أصبح علم تحليل البيانات جزءاً لا يتجزأ من اللعبة حالياً.

يُستخدم تحليل البيانات بصورة أساسية لجمع كميات كبيرة من البيانات المتعلقة بحركة اللاعب وأدائه من خلال استخدام العديد من الطرق، مثل الأجهزة القابلة للارتداء، وبرامج تتبع الفيديو عالية الدقة والإدخال اليدوي، لاستخدامها في تعزيز الأداء الفردي والجماعي للفِرق والمنتخبات.

ومع هذه البيانات كلها التي تُحوَّل لاحقاً إلى معلومات قابلة للقراءة يمكن للمدربين اتخاذ قرارات أكثر فاعلية بشأن أداء فِرقهم ومنتخباتهم، ولكن كيف تعمل علوم تحليل البيانات على تحسين رياضة كرة القدم؟ وما أبرز الأمثلة التي لاقت نجاحاً عند استخدامها؟

اقرأ أيضاً: كيف تستخدم صناعة كرة القدم علم البيانات والتحليلات لتحسين أداء الفرق؟

متى أصبح تحليل البيانات جزءاً من رياضة كرة القدم؟

شهد الاستخدام الواسع لعلم تحليل البيانات في رياضة كرة القدم تطوراً في الآونة الأخيرة مع تطور التكنولوجيات المساعدة مثل الذكاء الاصطناعي وتقنيات جمع البيانات الضخمة والتعلم الآلي وغيرها، لكن استخدام التحليل الإحصائي في رياضة كرة القدم موجود منذ خمسينيات القرن الماضي.

إذ يُعتبر الإنجليزي ثورولد تشارلز ريب (Thorold Charles Reep) أولَ محلل أداء جعله شغفه بكرة القدم بارعاً في التخطيط الاستراتيجي وتقييم أداء الفرق، ولاحقاً كان المنتخب البرازيلي من أوائل المنتخبات التي استخدمت اختبارات القياس النفسي للاستعداد لبطولة كبرى وهي كأس العالم 1958 التي أقيمت في السويد، حيث تُعتبر واحدةً من أقدم حالات تحليل البيانات المستخدمة لتقييم الأداء الجماعي للمنتخبات.

ومروراً إلى الوقت الحالي، نجد أن دمج تحليلات البيانات في رياضة كرة القدم أصبح أكثر من مجرد تبني عابر للتكنولوجيا، بدلاً من ذلك يُعدّ تحولاً عميقاً في جوهر اللعبة بحد ذاته، ويُعيد تشكيل الركائز الأساسية لكرة القدم، من الطريقة التي تستكشف بها الأندية المواهب الناشئة إلى الاستراتيجيات المعقدة التي تنشرها على أرض الملعب، حيث إن المنهجيات التي كانت تعتمد في السابق فقط على الحدس البشري تُعزَّز الآن برؤى تعتمد على البيانات، ما يوفّر نهجاً أكثر شمولاً للعبة كرة القدم.

اقرأ أيضاً: ما أبرز خطوات تحويل البيانات الضخمة إلى بيانات حقيقية؟

تحليلات البيانات المعتمدة على الفيديو

بدأ تحليل البيانات باستخدام مقاطع الفيديو في كرة القدم منذ أواخر تسعينيات القرن العشرين، إذ اعتمدت غالبية أندية النُخبة في كرة القدم الأوروبية على أساليب تحليل منهجية، وأدخلت وظيفة محلل الأداء (Performance Analyst) ضمن طواقمها التدريبية التي تتكون أحياناً من فريق كامل بتخصصات مختلفة مهمته الأساسية استخدام البيانات التي تُجمع من الجلسات التدريبية والمباريات وتحليلها وتحويلها إلى رؤي قابلة للقياس، ثم تقديمها للمدرب لاتخاذ القرارات سواء في أثناء اللعب أو لاحقاً.

بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من أن تركيز الكشافة السابقين الذين غالباً ما كانوا من اللاعبين القدامى عند البحث عن مهاجم كان مبنياً على عدد الأهداف التي سجلها، فإن محللي البيانات في الوقت الحالي يعطون أولوية لمقاييس أخرى مثل معدل تحويل اللاعب بتحويل للتسديدات إلى أهداف أو نجاحه في التمركز في أثناء الهجمات وحركته بدون الكرة وغيرها.

على سبيل المثال، قد يوصي الكشاف بالتعاقد مع لاعب ما بعد مراقبته فترة من الزمن، ولكن يمكن لمحلل الأداء تحليل أداء اللاعب بناءً على مقاطع الفيديو واستخراج العديد من نقاط القوة والضعف له، ما يساعد على إصدار أحكام أفضل على قدرات اللاعبين على المدى الطويل وما يمكنهم تقديمه للنادي حالياً وفي المستقبل أيضاً.

اقرأ أيضاً: ما هو علم البيانات ولماذا أصبح مهماً للشركات والأعمال التجارية؟

كيف يُستخدم تحليل البيانات في رياضة كرة القدم؟

أصبحت تقنيات مثل تحليل السلاسل الزمنية لاتجاهات الأداء والتحليل العنقودي (Cluster Analysis) والشبكات العصبونية للتنبؤ بالإصابات شائعة الآن، حيث تسمح هذه المنهجيات للفرق بمحاكاة سيناريوهات لا حصر لها وتوقع استراتيجيات الخصم وتحسين أنظمة التدريب، ما يؤدي إلى تحسين النتائج داخل الملعب وخارجه.

تحليل الأداء

ينطوي هذا المجال على استخدام تقنيات التتبع المختلفة لتسجيل البيانات وجمعها وتحليلها في الوقت الفعلي، على سبيل المثال يرتدي اللاعبون سترات داخلية تحتوي على أجهزة تحديد المواقع العالمية جي بي إس (GPS) قادرة على التقاط أكثر من 1250 نقطة بيانات في الثانية لقياس أداء اللاعب، مثل المسافة الإجمالية المقطوعة والسرعة القصوى وغيرها من البيانات التي تساعد المدربين على اتخاذ القرارات المناسبة واللاعبين على مراقبة أدائهم في التمارين والمباريات.

اقرأ أيضاً: كيف يمكنك بدء دراسة علم البيانات وتعزيز مهاراتك لدفع مسارك المهني؟

البيانات الإحصائية

ظهرت العديد من الشركات المتخصصة التي تعمل على جمع العديد من البيانات الإحصائية لكل لعبة ولكل لاعب، على سبيل المثال تحتوي منصة واي سكوت (Wyscout) على ملايين البيانات الإحصائية، بما في ذلك الفيديو، تصل إلى نحو 100 مقياس فردي لمعظم اللاعبين الحاليين على مستوى العالم،  حيث تُستخدم بيانات اللاعبين مثل الأهداف والتسديدات والمراوغات والتمريرات وغيرها لإنشاء تحليلات تفصيلية خاصة لتقييم الأداء.

المقاييس المتقدمة

أصبحت مصطلحات مثل التمريرات الحاسمة المتوقعة (xA) والتهديد المتوقع (xT) وسلاسل الأهداف المتوقعة (xGC) والتمريرات المسموح بها لكل إجراء دفاعي (PPDA) وغيرها من ثوابت تحليل رياضة كرة القدم، وهذا يعود إلى أن كرة القدم رياضة قليلة الأهداف، وهذا هو السبب في أن النتيجة في كثير من الأحيان لا تتوافق مع المسار الفعلي للعبة أو الفرص التي صُنعت، لذا تُستخدم هذه المقاييس لتحليل الأداء لتحسينها في المستقبل.

اقرأ أيضاً: كيف يُستخدم الحمض النووي لتخزين البيانات؟

كيف تستخدم فرق ومنتخبات كرة القدم تحليل البيانات لتحقيق نتائج إيجابية؟

تستخدم العديد من فرق كرة القدم والمنتخبات حول العالم البيانات والتحليل الإحصائي لتحقيق نتائج إيجابية والفوز بالبطولات، وبعض من أبرز الأمثلة تشمل:

التوقيع مع اللاعبين: تأثير لاعب الوسط الفرنسي نغولو كانتي  

أحد الأهداف الأساسية التي تُستخدم لها تحليلات البيانات في كرة القدم هو التوقيع مع اللاعبين، حيث تستخدم الفرق تحليلات البيانات لتحديد اللاعبين الذين لديهم القدرة على الأداء الجيد، من خلال تحليل أدائهم مثل أسلوب اللعب وإحصائيات الأهداف المسجلة والتمريرات المقدمة والتمريرات المكتملة وغيرها من مقاييس الأداء الأخرى.

على سبيل المثال، استخدم نادي ليستر سيتي الإنجليزي تحليلات البيانات للتوقيع مع لاعب الوسط الفرنسي نغولو كانتي في موسم انتقالات 2015، حيث برز اللاعب وسط عشرات اللاعبين المرشحين لاعباً يتمتّع بإحصائيات دفاعية عالية، والنتيجة أنه كان لاعباً حاسماً في نجاح النادي وتتويجه باللقب، إذ كان له أكبر عدد من التدخلات والاعتراضات من أي لاعب آخر في الدوريات الخمسة الكبرى في أوروبا في ذلك الموسم.

اقرأ أيضاً: ما الفرق بين علم المعلومات وعلم البيانات؟

التحليل التكتيكي: نادي برشلونة والمدرب بيب غوارديولا

يمكن للمدربين استخدام تحليلات البيانات لتحليل أداء فِرقهم وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين، حيث يمكنهم تحليل البيانات المتعلقة بعدد التسديدات والتمريرات المكتملة والتدخلات لكل لاعب على حدة لتحديد أداء فريقهم.

على سبيل المثال، استخدم مدرب فريق برشلونة الإسباني بيب غوارديولا في موسم 2010-2011 تحليلات البيانات على نطاق واسع لتحليل أداء الفريق وتطوير استراتيجيات جديدة لتحسين جودة الفريق، وقد ساعد هذا النهج الفريق الإسباني على أن يصبح أحد أنجح الفرق في العالم في تاريخ كرة القدم.

اقرأ أيضاً: علم الشبكات يفسّر أسباب تفوّق برشلونة في عهد جوارديولا على باقي الفرق

الوقاية من الإصابات: المنتخب الألماني في كأس العالم 2014

يستخدم العديد من الفرق والمنتخبات تحليلات البيانات لتحديد الأنماط التي تؤدي إلى إصابات اللاعبين من خلال تحليل البيانات المتعلقة بأنواع الإصابات التي تحدث بشكلٍ متكرر لاتخاذ تدابير استباقية لمنعها.

على سبيل المثال، خلال بطولة كأس العالم 2014 استخدم المنتخب الألماني تحليلات البيانات لمراقبة الحالة البدنية للاعبيه، حيث استخدم الطاقم الطبي للمنتخب أجهزة استشعار يمكن ارتداؤها لتتبع تحركات اللاعبين وتحليل البيانات المتعلقة بأدائهم وحالتهم البدنية، ونتيجة لهذا النهج فاز المنتخب بلقب كأس العالم للمرة الرابعة دون تسجيل أي إصابات مؤثرة.

تحليل أداء الخصوم: أفضل مركز للمنتخب الإنجليزي في كأس العالم 2018

تُستخدم تحليلات البيانات لتحليل أداء الخصوم من أجل تطوير استراتيجيات فعّالة للتغلب عليهم، من خلال تحليل البيانات المتعلقة بأسلوب لعبهم وتشكيلة اللاعبين. على سبيل المثال في كأس العالم 2018 استخدم المنتخب الإنجليزي تحليلات البيانات لتحليل الخصوم وتطوير استراتيجيات فعّالة ساعدت المنتخب على الوصول إلى أفضل مركز له في البطولة منذ فوزه باللقب عام 1966.

اقرأ أيضاً: ما أبرز طرق وأدوات تحليل البيانات الضخمة؟

طرق فعّالة لاستخدام تحليل البيانات في رياضة كرة القدم

  • مع زيادة توفر البيانات سيتمكن المحللون من اكتساب المزيد من الأفكار حول اللعبة، على سبيل المثال يمكن أن تساعد بيانات التتبع على تحديد مناطق الملعب التي يكون فيها الفريق أكثر عرضة للخطر، بينما يمكن أن تساعد بيانات التمرير على تحديد أنماط التمرير الأكثر فاعلية.
  • على الرغم من أن تحليل البيانات يركّز بشكلٍ أكبر على أداء الفريق، فإن الحاجة إلى التركيز على الأداء الفردي مطلوبة بشدة، خاصة مع لاعبي الهجوم، حيث يمكن أن يكون للأداء الفردي تأثير كبير في نتيجة المباراة.
  • استخدام خوارزميات التعلم الآلي لتحديد الأنماط في البيانات وتطوير نماذج تنبؤية يمكن أن يساعد المدربين على اتخاذ قرارات أكثر فاعلية، على سبيل المثال يمكن استخدام خوارزميات التعلم الآلي للتنبؤ باحتمالية إصابة اللاعب أو لتحديد التبديلات الأكثر فاعلية التي يجب إجراؤها في أثناء المباراة.
  • استخدام تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز لإنشاء بيئات تدريب غامرة بحيث يمكن للاعبين ممارسة سيناريوهات محددة في بيئة واقعية، على سبيل المثال يمكن استخدام الواقع الافتراضي لإنشاء سيناريو واقعي لركلات الترجيح، ما يسمح للاعبين بممارسة مهاراتهم في تنفيذ ركلات الجزاء في بيئة عالية الضغط.

المحتوى محمي