التكنولوجيا تساعد على معرفة مكان دفن الفيلسوف اليوناني أفلاطون

4 دقيقة
التكنولوجيا تُساعد في معرفة مكان دفن الفيلسوف اليوناني أفلاطون
حقوق الصورة: shutterstock.com/Richard Panasevich

اختلفت الروايات التاريخية وتعددت حول سبب موت الفيلسوف اليوناني أفلاطون ومكان دفنه، ويعود ذلك إلى عدم تمكن العلماء من قراءة الوثائق المكتوبة على ورق البردي (Papyrus) لهشاشتها وعدم وضوحها، ولكن أخيراً تمكن الباحثون من استخدام عدة أدوات تكنولوجية متقدمة مدعومة بالذكاء الاصطناعي لقراءة إحدى أهم الوثائق (البرديات) التي عُثر عليها سابقاً وكشفت عن محطات وأحداث مهمة في حياة أحد أشهر فلاسفة العصر اليوناني القديم.

التكنولوجيا تُساعد في معرفة مكان دفن الفيلسوف اليوناني أفلاطون

في أواخر القرن السابع عشر عثر المنقبون على العديد من اللفائف القديمة في مدينة هيركولانيوم (Herculaneum) التي تقع على بُعد 8 كيلومترات جنوب شرق مدينة نابولي الإيطالية الحالية، التي كانت ضمن عدة مدن دُفنت بالكامل نتيجة ثوران بركان فيزوف في العام 79 بعد الميلاد.

لكن أكثر من 600 لفافة كانت هشة لدرجة أنه كان يعتقد منذ فترة طويلة أنها لن تكون قابلة للقراءة لأن لمسها قد يؤدي إلى تفتيتها، من أجل ذلك استخدم العلماء جميع أنواع الأدوات المتطورة لفك رموز نصوص اللفائف القديمة المتفحمة التي استخرجت من أنقاض مدينة هيركولانيوم.

اقرأ أيضاً: المهندسون يستخدمون الذكاء الاصطناعي لإيصال شبكة الإنترنت إلى الآثار الرومانية المغمورة بالمياه

استخدم الباحثون عدداً من تقنيات التصوير الحديثة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ومنها تقنية التصوير المقطعي للتماسك البصري، أو سي تي (OCT)، التي سمحت لهم بتجاوز طبقات الكربون لقراءة جزء كبير من الكتابة اليدوية التي لم تعد العين البشرية قادرة على رؤيتها وتحديد ما يقرب من ألف كلمة (نحو 30% من النص بأكمله)، وساهمت في ظهور تفاصيل جديدة حول حياة الفيلسوف أفلاطون ومكان دفنه بدقة.

عرف الباحثون أن أفلاطون دُفن حقاً في مكان ما في الأكاديمية الأفلاطونية التي دمرها الجنرال الروماني سولا عام 86 قبل الميلاد، وبدقة أكبر في الحديقة المخصصة له بالقرب من ضريح القديس موسى، وفقاً لمديرة معهد علوم التراث في المجلس الوطني للبحوث في إيطاليا وقائدة الفريق كونستانزا ميلاني (Costanza Miliani).

تفاصيل أخرى مكتشفة من حياة أفلاطون

أظهرت البرديات المكتشفة أيضاً أن أفلاطون قد بِيع عبداً في بدايات عام 404 قبل الميلاد، أو بعد وقت قصير من وفاة معلمه وملهمه الفيلسوف اليوناني الأشهر، سقراط، عام 399 قبل الميلاد؛ ما ينفي الرواية التاريخية التي ذكرت أن أفلاطون قد استُعبد في عام 387 قبل الميلاد بعد خلافه مع الحاكم المستبد ديونيسيوس الأول.

وفي هذا الصدد يذكر الباحث الرئيسي للمشروع وعالم البرديات، غرازيانو رانوكيا (Graziano Ranocchia): "بالمقارنة مع الإصدارات السابقة نجد الآن نصاً متغيراً بدرجة شبه كاملة، ما يعني توفر سلسلة من الحقائق الجديدة والملموسة حول مختلف الفلاسفة الأكاديميين، بالإضافة إلى ذلك ومن خلال الطبعة الجديدة وسياقها توصلنا إلى استنتاجات متعددة التخصصات غير متوقعة للفلسفة القديمة والسيرة والأدب اليوناني وتاريخ الكتّاب".

اقرأ أيضاً: بعد حادثة تايلور سويفت: ما الطرق المتوفرة حالياً لمكافحة الصور المزيفة بالذكاء الاصطناعي؟

جدير بالذكر أن مشروع هذا الاكتشاف بدأ قبل ثلاث سنوات وسيستمر حتى عام 2026 تحت رعاية مشروع المدارس اليونانية (Greek Schools Project)، ويستخدم الباحثون والعلماء لفحص اللفائف المتفحمة التي وُجدت في مدينة هيركولانيوم القديمة العديد من  تقنيات المسح المتقدمة، ومنها تقنية الأشعة تحت الحمراء والتصوير البصري فوق البنفسجي والتصوير الحراري والتصوير المقطعي والمجهر البصري الرقمي، وتُسمى هذه التقنيات مجتمعة العين الإلكترونية (Bionic Eye).

كما يهدف المشروع أيضاً إلى تطوير طرق للتحقيق في المخطوطات من خلال تطبيق تقنيات التصوير التشخيصي الأكثر تقدما المتاحة اليوم، بالإضافة إلى تطبيق تقنيات غير تدخلية (غير اختراقية أو تلامسية تُفسد العينة) على البرديات لقراءة النصوص التي يتعذر الوصول إليها أو المخفية داخل طبقات متعددة.

تحدي فيزوف لقراءة وثائق العصر اليوناني القديم

 لا تزال جهود قراءة نصوص اللفائف الأخرى المكتشفة من مدينة هيركولانيوم جارية على قدم وساق، حيث يعمل العديد من علماء الآثار والطلاب والباحثين على استخدام التكنولوجيا الحديثة لقراءة النصوص التي تضررت بشدة بفعل البركان، ومن ضمن هذه الجهود مسابقة تحدي فيزوف (Vesuvius challenge) التي تتيح للباحثين استخدام التقنيات الحديثة مثل التعلم الآلي والرؤية الحاسوبية لقراءة وثائق (برديات) العصر اليوناني القديم.

على سبيل المثال، في عام 2023 حصل طالب في جامعة نبراسكا لينكولن على جائزة مالية قدرها 40 ألف دولار بعد نجاحه في قراءة النص الأول المخفي داخل إحدى اللفائف باستخدام نموذج تعلم آلي، وفي وقت سابق من هذا العام أعلن رائد الأعمال والمؤسس المشارك للتحدي، نات فريدمان (Nat Friedman)، عن منح الجائزة الكبرى البالغة 700 ألف دولار لفريق يتكون من ثلاثة طلاب تمكنوا من إنتاج أول نص قابل للقراءة.

ويستمر التحدي في هذا العام، إذ أعلن القائمون عليه عن جائزة مالية تصل إلى 100 ألف دولار لمن يتمكن من قراءة نحو 90% من اللفائف الأربعة الممسوحة ضوئياً حتى الآن، وذلك ضمن أهداف المشروع الذي يريد وضع حجر الأساس لاستخدام التكنولوجيات الحديثة لمسح جميع اللفائف الـ 800 المكتشفة حتى الآن وقراءتها، بالإضافة إلى أي لفائف إضافية ستُكتشف لاحقاً عند حفر المستويات المتبقية من الفيلا الموجودة في مدينة هيركولانيوم القديمة.

جدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها الباحثون الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي لقراءة اللفائف القديمة الناجية من ثوران بركان جبل فيزوف، ففي وقت سابق من هذا العام استطاع الباحثون فك شيفرة لفافة مختلفة كانت متفحمة في أثناء الثوران البركاني في فيلا قريبة كانت ذات يوم ملكاً لوالد زوجة يوليوس قيصر.

بالإضافة إلى ذلك يعمل مختبر برنت سيلز في جامعة كنتاكي على قراءة نصوص لفائف مدينة هيركولانيوم منذ سنوات عديدة، إذ يستخدم علماؤه تقنية المسح الرقمي مع التصوير المقطعي المحوسب الدقيق -وهي تقنية غير تدخلية تستخدم غالباً لتصوير السرطان- لفك اللفائف التالفة وتجزئتها بهدف إنشاء صفحات رقمية معززة بتقنيات التركيب والتسطيح.

اقرأ أيضاً: باحثون يستخدمون الذكاء الاصطناعي لقراءة نصوص أثرية بابلية

كما تمكن علماء ألمان في عام 2019 من استخدام مجموعة من تقنيات الفيزياء (إشعاع السنكروترون والتحليل الطيفي بالأشعة تحت الحمراء وومضان الأشعة السينية) لكشف نصوص بردية مصرية قديمة بدلاً من استخدام  الأسلوب اليدوي الذي غالباً ما يكون محفوفاً بالمخاطر نظراً لهشاشة أجزاء البرديات التي تعود معظمها إلى أكثر من ألفي عام، إذ يمكن أن يؤدي العمل اليدوي إلى تفتيت المستند وبعثرته بالكامل.

المحتوى محمي