في عام 2013 رفض مطورو تطبيق سناب شات (SnapChat) الناشئ حينها عرضاً مغرياً وصل إلى 3 مليارات دولار للاستحواذ عليها من قِبل شركة فيسبوك (ميتا حالياً)، وقد كان لهذا الرفض صدى واسع في وادي السيليكون، فكيف لمطور تطبيق ناشئ أُسس قبل عامين فقط أن يرفض هذا المبلغ الضخم من شركة يستخدم منتجها أكثر من مليار شخص شهرياً؟
يمكن للتطبيق أن يجذب المراهقين والمستخدمين الأصغر سناً بسبب تركيزه على الصور ومقاطع الفيديو، ولكن السبب الأساسي لنمو شعبيته وسط هذه الفئة العمرية هو تقديمه أول مرة ميزة القصص (Stories) التي تسمح لهم بمشاركة الصور ومقاطع الفيديو التي تختفي بعد 24 ساعة، وكانت أكثر جاذبية من المنشورات التقليدية.
أثارت هذه الميزة فضول المراهقين، ما أدّى إلى اعتمادها بسرعة وجعلت شركة فيسبوك نفسها تنسخها في تطبيقاتها المختلفة، ثم أصبحت لاحقاً ميزة أساسية في منصات التواصل الاجتماعي كلها الموجودة حالياً.
لم تكتفِ فيسبوك فقط بنسخ الميزة، بل جندت أيضاً فِرقها الهندسية والبرمجية لإنشاء برمجيات للتجسس على التطبيق الناشئ لفهم سلوك مستخدمي، ولمساعدتها على التنافس معه أو حتى التغلب عليه، وفقاً لأوراق محكمة كُشِف عنها حديثاً.
اقرأ أيضاً: لماذا تعتمد فيسبوك على راي بان للاستيلاء على وجوهنا؟
ما هو مشروع فيسبوك السري للتجسس على تطبيق سناب شات؟
في رسالة بريد إلكتروني بتاريخ 9 يونيو/حزيران 2016 نُشرت كجزء من الدعوى القضائية، وجّه الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك مارك زوكربيرغ أمراً إلى كلٍّ من أليكس شولتز (Alex Schultz) نائب رئيس التحليلات ومدير العمليات حالياً، ورئيس فريق النمو وقتها خافيير أوليفان (Javier Olivan)، لإيجاد طريقة لمعرفة كيفية الحصول على تحليلات موثوقة من تطبيق سناب شات الذي أصبح تهديداً ومنافساً خطيراً لتطبيق فيسبوك.
ذكر مارك في رسالته: "بالنظر إلى مدى سرعة نموه يبدو من المهم اكتشاف طريقة جديدة للحصول على تحليلات موثوقة عنه، ربما نحتاج إلى عمل لوحات أو كتابة برامج مخصصة، يجب عليك معرفة كيفية القيام بذلك".
وتشير وثائق المحكمة التي ظهرت في يوم 23 من شهر مارس/آذار الماضي والتي تُتهم فيها شركة ميتا (فيسبوك سابقاً) بالسلوك المناهض للمنافسة الذي يمنع المنافسين من المنافسة في سوق إعلانات منصات التواصل الاجتماعي، إلى أن فِرق الهندسة داخل الشركة أنشأت برنامجاً للتجسس ليس على سناب شات فقط، بل امتد الأمر حتى إلى يوتيوب وأمازون.
حيث كان رد خافير أوليفان لمارك زوكربيرغ هو أنه سيطلب من فريق أونافو (Onavo) -وهو تطبيق مثير للجدل لتحليل حركة المرور استحوذت عليه فيسبوك عام 2013- النظر في الأمر، وما توصل إليه فريق أونافو في النهاية كان مشروعاً عُرف داخلياً باسم غوست بوستر (Ghostbusters) الهدف الأساسي منه هو الحصول على تحليلات موثوقة حول مستخدمي تطبيق سناب شات.
وفي رسالة بريد إلكتروني من أعضاء المشروع إلى أوليفان، وُصِف الحل التقني بأنه عبارة عن مجموعات يمكن تثبيتها على هواتف آيفون وأندرويد تعترض حركة المرور لنطاقات فرعية محددة، ما يسمح لفيسبوك بقراءة حركة المرور المشفرة لدى التطبيق حتى تتمكن من تتبع استخدام مستخدميها.
اقرأ أيضاً: ما هي منصات التواصل الاجتماعي البديلة لفيسبوك وإنستغرام؟
كيف تمكنت فيسبوك من التجسس على تطبيق سناب شات ونسخ ميزاته؟
اعتمد مشروع غوست بوستر (Project Ghostbusters) على تكتيك هجوم الرجل في المنتصف (MITM) لاعتراض حركة مرور تطبيق سناب شات وفك تشفيره وتحليله والحصول على بيانات منه، لتحقيق مكاسب تجارية ثم إعادة تشفير البيانات وتمريرها مرة أخرى إلى خوادم التطبيق دون علم مطوريه.
وبالنظر إلى أن تطبيق سناب شات شفر حركة المرور بين التطبيق وخوادمه، فإن تقنية تحليل الشبكة التي اقتُرحت لن تكون فعاّلة، وهذا هذا هو السبب في أن مهندسي فيسبوك اقترحوا استخدام تطبيق أونافو المثير للجدل (أُغلِق عام 2019) والذي كانت له القدرة على قراءة كل حركة مرور شبكة الجهاز قبل تشفيرها وإرسالها عبر الإنترنت.
على سبيل المثال بعد شهرين من رسالة زوكربيرغ الإلكترونية عام 2016، نسخت فيسبوك ميزة القصص من تطبيق سناب شات وأطلقتها في تطبيق مشاركة الصور المملوك لها إنستغرام، وسرعان ما أصبحت مصدراً رئيسياً لإيرادات الإعلانات لشركة ميتا الآن.
جدير بالذكر ووفقاً لوثائق المحكمة أن شركة فيسبوك عملت على تجنيد أطراف ثالثة وزّعت المجموعات تحت علامتها التجارية الخاصة حتى لا تُكشف مشاركتها في الأمر، ما لم تستخدم أداة متخصصة مثل واير شارك (Wireshark) لتحليل المجموعات.
بالإضافة إلى ذلك يُزعم أن مشروع غوست بوستر كان عنصراً واحداً في مشروع تجسس أكبر يُسمَّى لوحة العمل داخل التطبيق (In-App Action Panel، اختصاراً آي أيه أيه بي IAAP) تمكنت من خلالها فيسبوك من التجسس على العديد من المنافسين، بما في ذلك يوتيوب وأمازون في الفترة ما بين 2017 إلى 2018.
اعتراض على المشروع السري من كبار موظفي فيسبوك
قال المعلنون الذين يقاضون الشركة إن ميتا لم تكشف أبداً عن استخدامها التقنية التي طوّرها فريق أونافو لاعتراض حركة تحليلات المنافسين، لأن هذا السلوك أتاح للشركة فرصة لرفع أسعار الإعلانات واحتكار سوق إعلانات منصات التواصل الاجتماعي.
حيث وُصِفت المعلومات الاستخباراتية التي جمعتها ميتا من هذا المشروع داخلياً وخارجياً بأنها كانت مدمرة لأعمال تطبيق سناب شات الإعلانية، إذ سمحت لشركة ميتا برفع أسعار الإعلانات في أميركا الشمالية بنسبة 60% بين عامي 2016 و2018.
بالإضافة إلى ذلك لم يكن هناك إجماع داخل شركة فيسبوك حول ما إذا كان مشروع غوست بوستر فكرة جيدة، إذ اعتقد كبار المدراء التنفيذيين الهندسيين في الشركة أن المشروع كان كابوساً قانونياً وتقنياً وأمنياً، حيث أعرب بعض الموظفين الكِبار، بمن فيهم جاي باريك (Jay Parikh) رئيس هندسة البنية التحتية في فيسبوك آنذاك وبيدرو كاناهواتي (Pedro Canahuati) رئيس هندسة الأمن آنذاك، عن قلقهم.
حيث ذكر بيدرو كاناهواتي في رسالة إلكترونية مدرجة ضمن وثائق المحكمة: "لا أستطيع التفكير في حجة جيدة بأن هذا قد يكون مقبولاً. لا يوجد رجل أمن رقمي يرتاح لهذا بغض النظر عن الموافقة التي نحصل عليها من عامة الناس، فعامة الناس لا يعرفون كيف تعمل هذه الأشياء".
بينما ذكر مايك شروفر (Mike Schroepfer) كبير مسؤولي التكنولوجيا آنذاك أن فيسبوك لا تريد أن يستخدم المنافسون برنامجاً مشابهاً لتحليل بيانات المستخدم المشفرة، حيث قال: "إذا اكتشفنا يوماً أن شخصاً ما قد اكتشف طريقة لكسر تشفير تطبيق واتساب فسنكون مستائين للغاية".
اقرأ أيضاً: كيف تستخدم الذكاء الاصطناعي لتعزيز ظهورك على منصات التواصل الاجتماعي؟
ما مدى تورط مارك زوكربيرغ في التجسس على تطبيق سناب شات؟
تظهر وثائق المحكمة أن المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة ميتا مارك زوكربيرغ وجّه صراحةً بإيجاد آلية لمراقبة حركة المرور المشفرة لتطبيق سناب شات وقياس نشاط مستخدميه، إذ يتجلى تورطه المباشر في رسائل البريد الإلكتروني التي أرسلها، ما يشير إلى أنه أدى دوراً مهماً في حملة التجسس على التطبيق.
ومع ذلك ذكرت الشركة في دعوى قضائية مضادة أنه لا يوجد شيء جديد، حيث أبلغ عن المشكلة منذ سنوات، ومن ثَمَّ فإن ادعاءات المدعين لا أساس لها من الصحة ولا صلة لها بالقضية على الإطلاق، حيث جادلت في دعواها القضائية أن مسؤولي سناب شات لا يمكنهم معرفة ما إذا كان المنافسون الآخرون قد جمعوا معلومات مماثلة ولا تعرف حتى ما إذا كان أي من أبحاث ميتا قد زوّدت تطبيقات الشركة بميزة تنافسية.