يتفق أغلب الاقتصاديين على أن إحدى أكثر الوسائل فعالية للتعامل مع التغير المناخي هي فرض ضرائب على التلوث الكربوني؛ فقد أثبتت الأسعار المرتفعة قدرتها الكبيرة على الدفع بالشركات والمستهلكين في طريق الانتقال إلى ممارسات ومنتجات أفضل بالنسبة للبيئة.
غير أن أحد التحليلات الاقتصادية الجديدة يناقض بعض الأفكار التقليدية حول الضرائب الكربونية، ويقول إن السعر يجب أن يتناقص مع مرور الوقت بدلاً من أن يرتفع خلال العقود اللاحقة، كما يقول أيضاً إن السعر يجب أن يبدأ على مستوى أعلى بكثير مما أشارت إليه الدراسات والعروض السياسية السابقة.
ومن الجدير بالذكر أن الخطة التي قدمها وزيرا الخارجية الأميركية السابقان جيمس بيكر وجورج شولتز في 2017 اقترحت فرض رسوم على الكربون بقيمة أولية تصل إلى 40 دولار للطن الواحد، وتزداد سنوياً بنسبة 5% فوق معدل التضخم، بشكل يتوافق مع وجهات النظر التقليدية التي تعتمد على بعض النماذج المناخية الاقتصادية الأولى وأكثرها تأثيراً.
غير أن النموذج الجديد، -الذي نُشر يوم 1 سبتمبر الماضي في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences- يستنتج أن الطريقة الأكثر فعالية تقوم على البدء بسعر يتجاوز 100 دولار بكثير، بحيث يزداد قليلاً في العقد الأول، قبل أن تبدأ بالانخفاض تدريجياً على مدى القرون القليلة التالية.
لماذا؟
بشكل أساسي، فإن النموذج المسمى إي زي كلايمت يحاول دمج أدوات الاقتصاد المالي ضمن الاقتصاد المناخي، وهو ما يؤدي إلى زيادة التكاليف المتوقعة على العوامل غير المؤكدة، ورفع قيمة تجنب المخاطر؛ ولهذا فإن النموذج يعتقد أن بعض الأشياء مرجحة الحدوث مع مرور الوقت.
يقول جيرنوت واجنر، أحد مؤلفي البحث والبروفسور المساعد في قسم الدراسات البيئية بجامعة نيويورك، إنه كلما ارتفع السعر في البداية، زادت سرعة الدول والشركات في تطوير وتطبيق أساليب أكثر نظافة في العمل. هذا يعني أيضاً أن الضريبة يمكن أن تبدأ بالانخفاض في وقت أقرب، كلما زاد انتقال الاقتصاد إلى الأنظمة والموارد التي لا تؤدي إلى ضخ الانبعاثات في الهواء. وإضافة إلى هذا، سيتعلم العالم المزيد حول الآثار الحقيقية للتغير المناخي، وما تتطلبه مواجهتها. قال واجنر في رسالة بالبريد الإلكتروني: "ستحل مشكلة العوامل غير المؤكدة نفسها بنفسها مع مرور الوقت"، ولهذا لن نضطر لدفع سعر أعلى بسببها.
وقد قام واجنر بتأليف البحث وبناء النموذج الجديد مع كينت دانييل، الاقتصادي من جامعة كولومبيا، وروبرت ليترمان، المدير السابق لمجموعة إستراتيجيات الاستثمار الكمية في شركة البنوك العملاقة جولدمان ساكس.
ومن النتائج الهامة الأخرى للنموذج هي أن تكلفة تأجيل تسعير الكربون ترتفع بوتيرة كبيرة للغاية مع زيادة التأخير. فإذا انتظرنا سنة لتطبيق ضريبة كربون فعالة، فإن التكلفة التقديرية للآثار الإضافية للتغير المناخي ستبلغ تريليون دولار تقريباً، وإذا انتظرنا خمس سنوات، ستقفز هذه القيمة إلى 24 تريليون دولار، أما التأخير لعشر سنوات فقد يكلف العالم ما يصل إلى 100 تريليون دولار.
ويشدد واجنر على أنه يستحيل تحديد السعر الابتدائي الأكثر فعالية لضريبة الكربون، ولكن بعض السيناريوهات في النموذج تشير إلى أنه قد يتجاوز 200 دولار، وذلك وفقاً لافتراضات محددة.
وبطبيعة الحال -وكما يحدث في الكثير من السياسات المناخية- يوجد تباين واضح بين الحل المثالي نظرياً وما يمكن تحويله فعلياً إلى قوانين؛ فقد تبين بالدليل العملي أن فرض ضرائب الكربون أمر صعب للغاية، وسيكون أكثر صعوبة على الأرجح مع زيادة السعر الابتدائي.