إصرار والده على عودة الابن الباحث العالِم المغترب كان الصوت الذي لا يُفارقه، وهو يتنقل من غرفة مكتبه، إلى قاعة المحاضرات، إلى المختبرات، والأروقة البحثية، لأن "القلب سيبقى في الأرض الذي وُلد بها" والعودة إلى العالم العربي في بيئة تحتضن العلوم والبحوث والتطوير والابتكار هي حُلم كلّ عالم عربي مغترب.
وفي طليعة هؤلاء العلماء، الدكتور خالد علي قراقع، الأستاذ في قسم الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسوب بجامعة تكساس إي أند أم في قطر، الفائز بجائزة أفضل باحث في إطار برنامج الأولويات الوطنية للبحث العلمي التابع للصندوق القطري لرعاية البحث العلمي وذلك منذ عام 2015.
طوّر الدكتور خالد تطبيقات تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي وتُعزز الخدمات في مجال الرعاية الصحية، ومنها تطبيق التحليل التنبؤي، الذي يمكنه التنبؤ بدقة بظهور أمراض مثل مرض السكري الذي يرصد إمكانية هبوط معدل السكر في الدم للأطفال المصابين بالسكري من النوعين الأول والثاني، بالإضافة إلى اهتماماته البحثية في الاتصالات وتطبيقها على التصميم والأداء وتحليل الأنظمة الخلوية وأنظمة الاتصالات الداخلية، كما أن له اهتمامات خاصة في شبكات الهاتف المحمول، والوصول اللاسلكي العريض النطاق، VLC ، FSO، والشبكات التعاونية، والراديو المعرفي، والأسطح الذكية القابلة لإعادة التكوين (RISs) ، mmWave ، وتقنيات التنوع والأنظمة في الجيلين الخامس والسادس في الاتصال اللاسلكي.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور خالد: "حياتنا أصبحت رقمية بامتياز حيث إننا نعيش في عالم يترابط بأجزائه وجوانبه كافة، فكلما شهدنا تطوراً في مجال الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسوب، ارتفعت وتيرة التطور في مجالات العلوم الأخرى التي تخدم الإنسانية".
يتابع: "أنهيتُ دراسة الدكتوراة في أميركا عام 1994، وعملتُ في شركات تكنولوجية متخصصة متطورة في سان دييغو وسان خوسيه، وأيضاً في شركة إريكسون العابرة للقارات. في أثناء هذه الفترة، شرعت مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع في إطلاق مشاريع بحثية وعلمية وفي استقطاب الجامعات الدولية الشريكة ومنها جامعة تكساس إي أند أم في قطر، التي انضممت إليها عام 2004، وكان ذلك بالنسبة إليّ لحظة تاريخية".
وعن العودة إلى الوطن العربي والأسباب الكامنة للعمل في قطر، على الرغم من العروض التي تلقاها الدكتور خالد للبقاء في أميركا، يوضح قائلاً: "كان والدي الصوت الذي لا ينبض، وذلك الحنين الذي يدفعني إلى العودة للوطن العربي في كل مكالمة هاتفية بيني وبينه، وبالفعل لبيّتُ رغبته التي لم تكن تتعارض مع رغبتي في العيش ببيئة حاضنة ومجتمع عربي يُلبي تطلعاتي أُسرتي من النواحي الثقافية والعلمية والوجدانية، وأذكر أنني وأطفالي وصلنا إلى الدوحة في شهر يوليو 2004، وفي اليوم نفسه خرجنا لاستكشاف قطر في شوارعها ومدنها في لهفةٍ منّا لكل ما يعكس الثقافة العربية".
ويُعطي الدكتور خالد مثالاً على الفرص التي تمتلكها قطر في تطوير ثقافة البحث العلمي، والنهضة التي حققتها في هذا المجال، وإمكانية أن تصبح وجهة عالمية لإنتاج المعرفة، مستشهداً بتجربة كوريا الجنوبية التي حققت تطورات مذهلة خلال 20 عاماً في المجال التكنولوجي وذلك بالاستثمار في البحوث العلمية والتطبيقية. ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف في قطر، يقول الدكتور خالد: "تُعتبر قطر من أولى الدول في المنطقة العربية التي أطلقت المبادرات العلمية، ولا سيما التي تعزز التواصل بين العلماء العرب في الداخل والخارج، وكان ذلك في منتدى مؤسسة قطر السنوي للبحوث عام 2006. وإلى الآن ما زالت الجهود متواصلة في هذا المجال لاستقطاب العقول العربية وتحقيق الإنجازات العلمية المنشودة".
يقترح الدكتور خالد تنسيق زيارات دورية إلى العلماء المغتربين العرب إلى قطر، ناهيك عن تعزيز التبادل العلمي بحيث يذهب العلماء العرب من الداخل إلى الخارج للعمل جنباً إلى جنب مع باحثين عرب مغتربين في مشاريع مشتركة، بالإضافة إلى تنظيم مؤتمرات دورية بحثية علمية متخصصة تنتقل بين الدول العربية، لتكون منتدى حاضناً للعلماء العرب، مع تشديده على أهمية إنشاء رابطة للعلماء العرب من داخل المنطقة العربية وخارجها، وتعزيز البيئة الحاضنة البحثية والعلمية لهم.
يقدّم الدكتور خالد نصيحته للشباب العرب الطموحين في هذا المجال، والذين يواجهون صعوبات جمّة في تحقيق تقدم مهني في مجال العلوم ويقول:" ليس هناك أي شيء صعب، ثابروا على تحقيق الحلم. كل دولة في العالم يمكن أن تحقق التطور العلمي بعقول الشباب، وبالاستثمار في هذه العقول، يمكن أن نبني وأن ننتج الابتكارات، وأن ننافس. لدينا في العالم العربي الأفكار والقدرات البشرية والإمكانات المادية لإنتاج المعرفة، ولتحقيق الفائدة على المنطقة العربية من المُحيط إلى الخليج".
ويختم: "من خلال عملنا في قطر، على مدار نحو 20 عاماً نُسهم في تطوير هذه العقول الشابة، ونفرح بتخرجهم، وتبوئهم مناصب متقدمة في المجال العلمي داخل قطر وخارجها. ويزيد فخرنا بهم عند عودتهم للعمل إلى قطر والمنطقة العربية، حيث ينقلون المعرفة ويعملون على إنتاجها. ولا بُدّ من التنويه هنا بأهمية دعم هؤلاء الشباب في شركاتهم التقنية الناشئة، فإذا واصلنا دعم هذه الشركات خلال 15 عاماً قادمة سنُحقق التأثير الذي نسعى إلى تحقيقه في مجال تسجيل براءات الاختراع والمنافسة العالمية".