اتخذت شركة إكس أيه آي (xAI) المملوكة لرجل الأعمال إيلون ماسك خطوة جريئة بإطلاق نموذجها اللغوي الكبير غروك (Grok) كنموذج مفتوح المصدر بهدف الحفاظ على الشفافية وإمكانية الوصول، وقد أثارت الخطوة مناقشات عميقة حول جعل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي متاحة للجمهور وتساؤلات حول تعريف كلمة "مفتوح" في صناعة الذكاء الاصطناعي والتعقيدات التي تواجه هذه الخطوة.
اقرأ أيضاً: نيورالينك: مشروع إيلون ماسك الجديد الهادف لربط الدماغ البشري بالذكاء الاصطناعي
تعقيدات نماذج الذكاء الاصطناعي المفتوحة المصدر
غروك هو أحدث نماذج اللغة الكبيرة التي انضمت إلى حلبة المنافسة رفقة العديد من النماذج الأخرى مثل جي بي تي وجيميناي وكلود ولاما وغيرها، ويعمل بالطريقة نفسها من خلال الرد على الأسئلة، ومع ذلك فإن ما يُميزّه هو منحه الوصول إلى بيانات منصة إكس (توتير سابقاً) كوسيلة من مالكها الذي يمتلك المنصة أيضاً لتمييزها عن باقي المنافسين.
ويُعدّ النموذج غروك ذا حجم وقدرة كبيرين، فكلما زاد وصول مجتمع المطورين إلى كوده المصدري تزداد احتمالية تطوره للأحسن، ولكن بحسب الكثير من الخبراء فإن المشكلة التي تواجه صناعة الذكاء الاصطناعي هي في تعريف عبارة "مفتوح المصدر" بشكل أكثر دقة.
وذلك يعود إلى اختلاف نماذج الذكاء الاصطناعي عن البرمجيات الأخرى عندما يتعلق الأمر بجعلها مفتوحة المصدر، على سبيل المثال إذا أنشأت متصفح ويب جديداً فمن السهل نسبياً جعله مفتوح المصدر من خلال نشر التعليمات البرمجية الخاصة بالمتصفح كلها علناً، والسماح لمجتمع المطورين باقتراح تحسينات على المتصفح أو قيام أي شخص آخر بإنشاء نسخته الخاصة من خلال إجراء التعديلات التي تناسبه.
ومن ثَمَّ فإن جزءاً مما يجعل كلمة مفتوح المصدر مفهوماً ذا قيمة هو أن كل جانب من جوانب المشروع أو التطبيق يُعدّ أصلياً أو يُنسب إلى منشئه الأصلي، وهذه الشفافية والالتزام بإرجاع الفضل إلى المنشئ الأصلي ليست مجرد مفهوم ثانوي، بل تُعتبر جوهر مفهوم الانفتاح بحد ذاته.
لكن مع الذكاء الاصطناعي يتفق المطلعون والخبراء على أن هذا غير ممكن بشكلٍ كبير، ويعود إلى أن الطريقة التي تتطور بها نماذج الذكاء الاصطناعي تنطوي على عملية غير معروفة إلى حد كبير من خلال تدريب النماذج على كمية هائلة من البيانات في تمثيل إحصائي معقد من الصعب على غير الخبراء والباحثين معرفته أو حتى فهمه.
وهذا يؤدى إلى أنه من الصعب جداً للمطور العادي فحص الكود البرمجي لنماذج الذكاء الاصطناعي وتدقيقه وتحسينه بالطريقة نفسها التي يمكن القيام بها مع البرمجيات والتطبيقات التقليدية (متصفح الويب نموذجاً).
ومع ذلك لم يمنع هذا التعقيد المطورين وشركات الذكاء الاصطناعي من تصميم نماذجهم والادعاء بأنها مفتوحة المصدر، حيث درج البعض على إطلاق نماذجهم مفتوحة المصدر إذا وجدت واجهة عامة أو واجهة برمجة تطبيقات، بينما يسميها البعض مفتوحة المصدر إذا أصدروا ورقة علمية تصف عملية التطوير.
This week, @xAI will open source Grok
— Elon Musk (@elonmusk) March 11, 2024
إذاً هل نموذج الذكاء الاصطناعي غروك مفتوح المصدر حقاً؟
يُعدّ غروك كنموذج مفتوح المصدر بموجب ترخيص أباتشي 2.0 (Apache 2.0) متاحاً لأي شخص لتنزيله وتعديله، ما يجعله من بين أكبر النماذج اللغوية الكبيرة التي يمكن لأي شخص الوصول إليها من حيث المعلمات التي يصل عددها إلى 314 مليار معلمة، ما يمنح المطورين الفضوليين الكثير من الوقت للعمل عليه واختبار كيفية أدائه.
ومع ذلك، فإن إتاحة الوصول إلى النموذج بحرية مواجهة بالعديد من التعقيدات، من ضمنها الحجم الكبير للنموذج بناءً على عدد معلماته ورموزه (Token)، التي تصل إلى نحو أكثر من 8 آلاف رمز. على سبيل المثال سيحتاج المستخدم إلى وحدة معالجة رسومات متطورة وعالية السرعة لاستخدام النموذج والتعامل مع تعقيده الكبير في شكله الخام.
كما أنه ليس من الواضح ما إذا كان هذا هو أحدث وأفضل إصدار من غروك مثل الإصدار النهائي الذي يمكن الوصول إليه عبر منصة إكس كما تظل العناصر الحاسمة في النموذج مثل مجموعات بيانات التدريب غير متاحة.
ومن ثَمَّ على الرغم من أن غروك يُعدّ واحداً من أكبر النماذج المتاحة للاستخدام العام، فإنه بحسب العديد من المراقبين هناك العديد من العوائق العملية التي تحول دون استخدامه، بما في ذلك الحاجة إلى موارد حاسوبية كبيرة ونقص بيانات التدريب، والتي ستقلل من تأثير إصداره.
اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يسير بسرعة كبيرة والعلماء يحذّرون من ثلاثة أخطاء يجب تجنبها
لماذا جعل إيلون ماسك نموذج اللغة الكبير غروك مفتوح المصدر؟
بحسب المراقبين يبدو أن الخلاف القانوني الذي نُشِب بين إيلون ماسك ومؤسسي شركة أوبن أيه آي له دور كبير في اتخاذ الأول هذه الخطوة، بعد رفعه دعوى قضائية ضد مؤسسي الشركة التي تقف وراء بوت الدردشة تشات جي بي تي بأنهم انتهكوا اتفاقياتهم التعاقدية الأصلية من خلال التركيز على جني الأرباح بدلاً من المهمة غير الربحية التي أنشئت من أجلها الشركة، والمتعلقة بتطوير الذكاء الاصطناعي الذي يفيد البشرية.
حيث يعتقد إيلون ماسك أن اتجاه الشركة لتحقيق أقصى قدر من الأرباح لشركائها، مثل شركة مايكروسوفت، يُعدّ خيانة صارخة للاتفاق التأسيسي لشركة أوبن أيه آي التي استثمر فيها عشرات الملايين من الدولارات في أثناء تأسيسه لها قبل أن يبتعد لاحقاً عن الشركة عام 2018، بدعوى تجنب تضارب محتمل في المصالح مع شركة تسلا التي يملكها.
بالإضافة إلى ذلك يرى المراقبون أن رد شركة أوبن أيه آي على الدعوى القضائية من خلال نشر رسائل بريد إلكتروني سابقة له بدا فيها داعماً لفكرة جعل تكنولوجيا الشركة أكثر انغلاقاً عندما تصبح أكثر قوة، كان له دور كبير في اضطراره إلى فتح نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بشركته للعامة، لإظهار التزامه بالرؤية التي يروّج لها والمتعلقة بعدم سيطرة شركات معينة على مستقبل تطوير الذكاء الاصطناعي.
علاوة على ذلك، يرى الكثيرون أن فتح إيلون ماسك الكود المصدري لنموذجه اللغوي للعامة يمكن أن يساعده على إثارة الاهتمام بشركته الناشئة إكس أيه آي، وفي الوقت نفسه خلق الشك وجذب انتباه وسائل الإعلام والمطورين والمدققين لأعمال شركة أوبن أيه آي، ما قد يؤثّر في تركيزه، فتحديد إمكانية الوصول إلى النموذج اللغوي غروك على مستخدمي الخطة المدفوعة فقط على منصة إكس يعني أنه قد لا يتمتع بالجاذبية التي نشأت حول النماذج الأخرى مثل تشات جي بي تي أو جيميناي أو حتى كوبايلوت.
ومن ثَمَّ، قد تؤدي خطوة جعل النموذج اللغوي غروك مفتوح المصدر إلى جذب المطورين لاستخدام النموذج والبناء عليه، وهو ما قد يساعده في نهاية الأمر في الوصول إلى المزيد من المستخدمين النهائيين، وتزويد شركة إكس أيه آي المطورة للنموذج بالبيانات التي يمكن استخدامها لتحسين نموذجها وجعلها لاعباً رئيسياً في صناعة الذكاء الاصطناعي المتنامي بسرعة.
اقرأ أيضاً: مقارنة بين كوبايلوت برو وتشات جي بي تي بلس: ما الفرق بينهما وأيهما أفضل لك؟
هل جعل نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر خطوة مفيدة؟ وما تأثيره في الشركات؟
يعتبر تحرك إيلون ماسك الأخير في جعل النموذج غروك المفتوح المصدر خطوة كبيرة تتماشى مع نهج شركة ميتا التي وُصِفت كشركة رائدة في الذكاء الاصطناعي المفتوحة المصدر، بعد أن أصبح أحدث نماذجها اللغوية الكبيرة لاما 2 (Llama 2) مرحباً به في مجتمع المطورين، حيث أتاحت للشركات الصغيرة والمبرمجين المستقلين إنشاء منتجات وخدمات جديدة، ما أدّى إلى تسريع طفرة الذكاء الاصطناعي الحالية.
ومع ذلك تبرز مخاوف حقيقية ونقاش متزايد حول فوائد ومخاطر منح أي شخص إمكانية الوصول إلى أقوى نماذج الذكاء الاصطناعي، فمن حيث الفوائد يرى العديد من الخبراء أن نماذج الذكاء الاصطناعي المفتوحة المصدر يمكن أن تحل قضايا خلافية مثل زيادة الشفافية وتوسيع نطاق الوصول وتجعلها أكثر أماناً وقوة.
ومع ذلك، يعتقد عدد كبير من الباحثين أنه مع زيادة قدرة الذكاء الاصطناعي، قد يكون من الضروري تقييد الوصول إلى نماذج معينة، وينبع مصدر القلق في أن نماذج الذكاء الاصطناعي المستقبلية قد تصبح جامحة وخادعة، ما يجعل من الصعب السيطرة عليها، حيث يمكن أن تساعد على توليد معلومات مضللة خطيرة أو إنتاج أسلحة كيميائية أو بيولوجية.
ولكن يرى بعض الباحثين الآخرين أن مثل هذه المخاوف قد تكون سابقة لأوانها بحسب ورقة بحثية صدرت في شهر فبراير/شباط الماضي من قِبل باحثين في الأوساط الأكاديمية والصناعية راجعوا تقييمات المخاطر المختلفة لنماذج الذكاء الاصطناعي، حيث خلص الباحثون إلى أن الطرق الموثوقة والمنهجية لقياس الخطر الذي تشكّله نماذج الذكاء الاصطناعي غير موجودة حتى الآن.
في خاتمة القول يبدو أن خطوة إيلون ماسك ستتبعها خطوات، وعلى الرغم من أن المحللين يرون أن فرص فوزه بالمعركة القضائية المشتعلة بينه وبين شركة أوبن أيه آي تبدو ضئيلة، لكن سكب الزيت على قضية رئيسية في صناعة الذكاء الاصطناعي، مثل ضرورة أن تكون نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، سيكون له الكثير من التداعيات خاصة مع اتجاه أغلب الشركات التكنولوجية الكبرى إلى تسخير معظم مواردها المالية والبشرية للفوز بمعركة سباق تسلح الذكاء الاصطناعي، الذي بدأ من الانطلاق المدوي والناجح لبوت الدردشة تشات جي بي تي ولن ينتهى عنده بالتأكيد.