ما هي العضيات الخلوية التي تَعِد بتطبيقات مهمة في المجالين الطبي والتكنولوجي؟

5 دقيقة
مصدر الصورة: مينورو تاكاساتو

كتبت مؤخراً حول فريق من الباحثين الذين تمكنوا من استنبات عضيات رئوية وكلوية ومعوية من خلايا جنينية تطفو داخل سائل سلويّ (أمنيوسي). ونظراً إلى أن هذه الكتل الخلوية الصغيرة الثلاثية الأبعاد منشؤها جنيني، وتحاكي بعضاً من ميزات الأعضاء الحقيقية الكاملة الحجم، فمن الممكن أن تقدم لنا بعض المعلومات حول كيفية تطور الجنين. تحقيق هذا الأمر شبه مستحيل باستخدام الأدوات الحالية.

على سبيل المثال؛ قد يكشف التصوير بالأمواج فوق الصوتية أن كليتي الجنين أصغر من الحجم الطبيعي؛ لكن الأطباء لا يستطيعون تحديد سبب صغر حجمهما أو البحث عن حل لهذه المشكلة، إلا في حال وجود خلل جيني صارخ. لكن، إذا حصل الأطباء على عينة صغيرة من السائل السلوي، واستزرعوا عضياً كلوياً، فقد تصبح المشكلة واضحة؛ ما يمكن أن يساعد على إيجاد حل لها.

إنه أمر رائع، أليس كذلك؟ لكن العضيات تتيح تحقيق أكثر من ذلك بكثير!

اقرأ أيضاً: ابتكار طبي جديد: أعضاء مصغّرة من الخلايا التي تفرزها الأجنّة داخل الرحم

بعض استخدامات العضيات الخلوية

لنطلع على بعض استخدامات العضيات التي توصل إليها الباحثون، سواء الغريبة أو غير المألوفة أو الرائعة؛ بل والمخيفة أيضاً.

يمكن أن تساعد العضيات على تسريع عملية تطوير الأدوية

 وفقاً لبعض التقديرات؛ ينتهي المطاف بنسبة 90% من الأدوية المرشحة إلى الإخفاق في التجارب البشرية. ويُعزى هذا إلى أن أغلبية الاختبارات ما قبل السريرية تُجرى في الخلايا والقوارض. غير أن هذه الأساليب لا تقدم نموذجاً مثالياً للجسم البشري، فالخلايا تفتقر إلى التعقيد اللازم لمحاكاة الأعضاء البشرية. أما الفئران، كما هو بديهي، فهي مختلفة عن البشر.

على الرغم من أن العضيات ليست بشراً أيضاً، فهي مأخوذة من البشر، علاوة على أنها تتميز بدرجة أعلى من التعقيد، مقارنة بطبقة من الخلايا ضمن طبق مخبري؛ وهو ما يجعلها نموذجاً جيداً لفحص الأدوية المرشحة. عندما كتبت عن العضيات في 2015، أخبرني أحد الباحثين المختصين بالسرطان أن دراسة الخلايا من أجل فهم كيفية عمل عضو ما هي أشبه بدراسة كومة من القرميد من أجل فهم وظيفة المنزل. لكن لماذا لا ندرس المنزل ببساطة؟

يبدو أن شركات الأدوية موافقة على هذه الفكرة. ففي 2022، وظفت شركة روش (Roche) العالم الرائد في مجال العضيات، هانز كليفرز، حتى يترأس قسم أبحاث الأدوية والتطوير المبكر. "أعتقد أن العضيات البشرية ستتحول في نهاية المطاف إلى عامل مكمل لأساليبنا الحالية كلها. وبعد أن رأيت التطبيق العملي لمراحل عملية تطوير الأدوية كافة، أصبحت على يقين بأننا يمكن أن نستخدم العضيات البشرية في كل مرحلة من هذا المراحل"، كما قال كليفرز لمجلة نيتشر (Nature).

يعدّ استنبات العضيات أكثر تعقيداً من استنبات خطوط خلوية؛ لكن بعض الشركات تعمل على أتمتة هذه العملية. فقد طورت شركة التكنولوجيا الحيوية التي تعمل في مدينة فيلادلفيا، فيفوداين (Vivodyne)، نظاماً روبوتياً يجمع العضيات مع تكنولوجيا الأعضاء على رقاقة (organ-on-a-chip). يستطيع النظام استنبات 20 نوعاً من الأنسجة البشرية، وتحتوي كل كتلة من هذه الأنسجة خلايا يتراوح عددها من 20,000 إلى 500,000، ثم يزودها بعد ذلك بجرعات من الأدوية. يقول الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك في فيفوداين، أندريه جورجيسكو، في تصريح صحفي، إن هذه "الأنسجة البشرية المزروعة في المختبر الخاضعة للاختبار" يمكنها توفير "كميات ضخمة من البيانات المعقدة المتعلقة بالبشر، تفوق في حجمها كمية البيانات التي يمكن الحصول عليها في أي تجربة سريرية بكثير".

وفقاً لموقع الويب الخاص بفيفوداين، تستطيع هذه الآلات المملوكة للشركة اختبار 10,000 نسيج بشري مستقل في الوقت نفسه؛ "ما يفضي إلى ناتج بحجم مربى أحيائي". ناتج بحجم مربى أحيائي. فكرت في هذه الجملة بعض الوقت قبل أن أفهم معناها، حيث يقدم الروبوت كمية من البيانات تكافئ ما ينتجه مبنى كامل مليء بفئران التجارب.

اقرأ أيضاً: التعلم الآلي يكتشف 3 مُركّبات عشبية تحارب شيخوخة الخلايا

يمكن للعضيات أن تساعد الأطباء على اتخاذ القرارات الطبية المتعلقة بالمرضى الأفراد

 يمكن استنبات هذه الأعضاء الصغيرة من الخلايا الجذعية؛ إلا أنه يمكن أيضاً استنباتها من الخلايا البالغة التي تحولت بفضل التحفيز إلى حالة تجعلها شبيهة بالخلايا الجذعية. يتيح هذا استنبات العضيات من أي شخص من أجل أي عدد من الاستخدامات. ففي حالة مرضى السرطان، على سبيل المثال، يمكن استخدام هذه العضيات المستنبتة من خلايا المرضى للمساعدة على تحديد العلاج الأفضل.

يُعَد التليف الكيسي مثالاً آخر، فالكثير من علاجات التليف الكيسي مخصصة لعلاج أشخاص مصابين بطفرات معينة. لكن في حالة الأشخاص الذين لديهم طفرات نادرة، من الصعب تحديد العلاجات الناجحة. هنا يأتي دور العضيات؛ حيث يأخذ الأطباء خزعة شرجية من المصابين بالمرض، ويستخدمون الخلايا لتشكيل عضيات معوية مخصصة لكل مريض، ويجربون عليها أدوية مختلفة. فإذا نجح علاج معين، تنفتح القنوات الأيونية، ويندفع الماء إلى الداخل، ويصاب العضيّ بانتفاخ واضح. استُخدمت نتائج هذا الاختبار لتوجيه الاستخدام خارج نطاق دواعي الاستعمال لهذه الأدوية. في إحدى الحالات الحديثة، أتاح هذا الاختبار لإحدى المريضات بالتليف الكيسي أن تحصل على أحد هذه الأدوية وفق برنامج الاستخدام الرحيم.

أيضاً، يمكن أن تساعد هذه العضيات الباحثين على تحسين فهمنا لكيفية تفاعل أجسامنا مع الميكروبات التي تحيط بنا وتصيبنا بالأمراض في بعض الأحيان. فخلال حالة الطوارئ الصحية التي تسبب بها فيروس زيكا في 2015، استخدم الباحثون العضيات الدماغية لتحديد كيفية تسبب الفيروس بصغر الرأس الخلقي وتشوهات الدماغ. كما تمكن الباحثون أيضاً من استخدام العضيات لاستنبات النوروفيروس، وهو العامل الممرض المسؤول عن معظم حالات إنفلونزا المعدة. لا يؤثر النوروفيروس البشري في الفئران، علاوة على أن زرعه في الخلايا عملية معقدة وصعبة للغاية. وقد يكون هذا على الأرجح أحد أسباب عدم وجود علاج لهذا المرض حتى الآن.

يعمل بعض الباحثين على الاستفادة من قدرة الدماغ الهائلة على التعلم في تطوير أجهزة كمبيوتر حيوية مصنوعة من عضيات الدماغ

أما الخاتمة فقد خصصتها لأغرب تطبيق، وربما أكثرها إخافة. حيث يعمل بعض الباحثين على الاستفادة من قدرة الدماغ الهائلة على التعلم في تطوير أجهزة كمبيوتر حيوية مصنوعة من عضيات الدماغ. لا تنفذ أجهزة الكمبيوتر الحيوية من الجيل الحالي أي عمليات تفكير عالية المستوى على الإطلاق؛ إلا أن إحدى كتل الخلايا الدماغية الموجودة في طبق مخبري تمكنت من تعلم كيفية اللعب بلعبة الفيديو بونغ (Pong). كما تمكن كمبيوتر حيوي هجين آخر، على ما يبدو، من تفكيك رموز بعض الإشارات الصوتية لأشخاص يلفظون بعض الأحرف الصوتية اليابانية. ما زال هذا المجال في مراحله الأولية، كما أن الباحثين يشعرون بالقلق من المبالغة في التوقعات والآمال المتعلقة بهذه التكنولوجيا. لكن بالنظر إلى الهدف الذي يسعى إليه هذا المجال، وهو ذكاء العضيات الكامل الأركان، فليس من السابق لأوانه الحديث عن المخاوف الأخلاقية. فهل من الممكن أن تكتسب أجهزة الكمبيوتر الحيوية الوعي؟ تنشأ العضيات من خلايا مأخوذة من الأفراد. فما هي حقوق هذا الشخص؟ وهل سيكون للكمبيوتر الحيوي حقوقه الخاصة؟ وماذا عن القوارض التي زُرِعت فيها عضيات دماغية؟ (أجل، هذا الأمر يحدث أيضاً)

في السنة الماضية، تحدث بعض الباحثين عن عضيات بشرية زُرِعت ضمن أدمغة الجرذان، وقالوا إنها توسعت إلى الملايين من العصبونات، وتمكنت من أن تصل نفسها بدماغ هذا الحيوان. فعند تحريك شاربي الجرذ بنفخ الهواء عليهما، تمكن الباحثون من تسجيل إشارة كهربائية تنتشر عبر العصبونات البشرية.

اقرأ أيضاً: شركة تكنولوجيا حيوية تدّعي أنها نجحت في زرع الخلايا المفرزة للدوبامين في الدماغ

وفي مقال يعود إلى عام 2017 في مجلة ستات (Stat) حول تجارب زرع العضيات الدماغية البشرية ضمن القوارض، تحدثت شارون بيغلي التي فارقت الحياة لاحقاً إلى الباحث القانوني وخبير الأخلاقيات الحيوية هانك غريلي من جامعة ستانفورد. وخلال حوارهما، استشهد غريلي بالعمل الأدبي الكلاسيكي فرانكنشتاين (Frankenstein) الذي يروي قصة تتعلق بهذه المسألة وتحذر من عواقب هذه التوجهات، حيث قال لها: "من الممكن أن يكون ما بنيته يستحق نوعاً من الاحترام".

المحتوى محمي