تختلف قدرات التحدث واللغة من شخصٍ لآخر، حيث يمكن لبعض الناس التعبير بسرعة عمّا يفكرون فيه أو يشعرون به بالضبط بينما يجد آخرون صعوبة بالغة في فهم أو العثور على الكلمات الصحيحة للتعبير أو التواصل، وهو ما يُعرف باضطراب صوت الكلام الذي يؤثّر في وضوح الكلام وقبوله، حيث يجد الأشخاص المصابون بها صعوبة في التواصل مع محيطهم.
تُعدُّ اضطرابات صوت الكلام أكثر الحالات شيوعاً للتقييم التنموي الشامل، خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة، حيث يتراوح معدل انتشارها لدى الأطفال الصغار ما بين 8-9%، بالإضافة إلى ذلك، يعاني أكثر من 18 مليون شخص اضطراباً في الكلام أو الصوت أو اللغة في الولايات المتحدة فقط، حيث تؤثّر هذه الاضطرابات في الأفراد المصابين بها.
ما هو إضطراب صوت الكلام؟
وفقاً للجمعية الأميركية للنطق واللغة والسمع أيه إس إتش أيه (ASHA) يُعرف اضطراب صوت الكلام (Speech Sound Disorder، اختصاراً إس إس دي SSD) بأنه مزيج من الصعوبات في الإدراك والتعبير والإنتاج الحركي للكلمات والتي قد تؤثّر في وضوح الكلام وقبوله، بمعنى أن مَن يعانيه قد يواجه صعوبة في نطق أصوات وكلمات معينة أو إصدار أصوات معينة بالطريقة الصحيحة وارتكاب أخطاء في النطق بشكلٍ منتظم.
وتعود مشكلات عدم القدرة على الكلام لعدة ظواهر مختلفة، مثل اضطراب في العملية العصبية أو شلل في الصوت أو اضطراب الكلام الحركي الذي يتميز بضعف أو عدم القدرة على التحكم في عضلات الكلام، ويواجه الأشخاص الذين يعانون اضطراب صوت الكلام الكثير من التحديات، ليس فقط في الطريقة التي يتواصلون بها مع الآخرين، ولكن أيضاً في احترامهم لذاتهم وخطر الإصابة بالاكتئاب وصعوبات التنشئة الاجتماعية.
وعادة يستخدم مرضى اضطراب صوت الكلام لغة الإشارة أو يلجؤون إلى قراءة الشفاه للتواصل، ومع ذلك لا يستطيع غالبية الناس فهم لغة الإشارة، ما يجعل من الصعب على الأشخاص المصابين بإضراب صوت الكلام التواصل مع الجمهور، ومن ثَمَّ فإن هذه القيود تسبب سوء التواصل ومشاعر الإحباط والعزلة بين المرضى المصابين باضطراب صوت الكلام.
ولحل هذه المشكلة طوّر فريق من الباحثين في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية "كاوست" (KAUST) نظاماً مغناطيسياً مساعداً لإعادة بناء الكلام يُسمََى نظام الجلد المغناطيسي المساعد لإعادة بناء الكلام (Assistive Magnetic Skin System for Speech Reconstruction، اختصاراً أيه إم 2 إس – إس آر AM2S-SR) يجمع بين تكنولوجيا التعلم الآلي والتطبيق العملي للجلد المغناطيسي القابل للتنفس والمتوافق حيوياً والمرن للغاية.
اقرأ أيضاً: أبحاث جديدة تستخدم الذكاء الاصطناعي وكريسبر في إيجاد علاج للأمراض الوراثية
جلد صناعي مغناطيسي لمساعدة مَن يعانون صعوبات في النطق على التحدث
يُعدُّ نظام (AM2S-SR) حلاً شاملاً يسمح لمرضى اضطراب صوت الكلام بالتحدث باستخدام الفم وإجراء محادثة طبيعية مع الآخرين شفهياً بسهولة، ويتكون من:
- جلد مغناطيسي متوافق حيوياً ومرن للغاية وقابل للتمدد متصل بمواقع مختلفة بالقرب من الشفاه.
- لاقط مغناطيسي (أجهزة تتبع المجال المغناطيسي) مع وضع مستشعرات المجال المغناطيسي المدمجة أمام الشفاه لتتبع تباين المجال المغناطيسي.
- سماعة رأس مع متحكم مدمج.
- خوارزمية تعلم آلي لإعادة بناء الحروف.
- شاشة أو مكبر صوت للتفاعل اللفظي والبصري لتتبع حركة الفم.
ومن المتوقع أن يسمح النظام للمصاب بإضراب صوت الكلام بالتحدث باستخدام فمه وإجراء محادثة للتواصل مع الآخرين بشكلٍ طبيعي وسهل.
اقرأ أيضاً: شركة مصرية تطور نموذجاً مبتكراً للذكاء الاصطناعي يتحدث لغة البروتينات
ويعتبر الجلد الاصطناعي الذي طُوِّر في مختبر خالد سلامة لأجهزة الاستشعار في جامعة الملك عبدالله هو الأول من نوعه، و يتميز بأنه آمن ومريح عند ارتدائه ويمكن تعديله إلى أي شكل وحجم، ولا يتطلب اتصالاً سلكياً بأجهزة أخرى، كما يحتوي على جسيمات دقيقة ممغنطة يمكنها قياس الاهتزاز واللمس والحركة عندما تقترن بأجهزة استشعار مغناطيسية.
وفي هذا الصدد تقول عضوة فريق البحث المهندسة الحيوية وطالبة الدكتوراة مونتسيرات راميريز دي أنجيل (Montserrat Ramirez-De Angel): "تُتيح تقنيتنا لمرضى اضطراب صوت الكلام طريقة أكثر طبيعية للتواصل باستخدام حركات أفواههم فقط وقتما يريدون وأينما كانوا".
وتُضيف: "عندما اختبرنا عينات الجلد المغناطيسية حول الفم أدركنا أنه يمكن قراءة الحركات التي ينطوي عليها إنتاج الكلام بدقة، ثم شرعنا في هذا المشروع لمساعدة الأشخاص الذين يعانون اضطرابات الصوت على التواصل بسهولة أكبر".
اقرأ أيضاً: ذكاء اصطناعي يساعدك في تلخيص أحدث ما توصل إليه العلم في مجال الذكاء الاصطناعي
كيف يعمل نظام AM2S-SR على مساعدة مرضى اضطراب صوت الكلام على التحدث؟
صُمِم نظام AM2S-SR لمساعدة الأشخاص الذين يعانون اضطرابات الصوت الناجمة عن الأضرار الجسدية أو الوظيفية التي تؤثّر على حركة الهواء من الرئتين إلى الأحبال الصوتية أو الحلق أو الأنف أو الفم أو الشفتين.
ويتضمن النظام بقعتين جلديتين مغناطيسيتين متصلتين بالقرب من الشفة السفلية تعملان على التتبع الدقيق لحركة الشفاه.
وعندما يتحدث المريض يتحرك الجلد الاصطناعي، ما يسبب تغيرات في المجال المغناطيسي المحيط بالفم.
وتُكشف هذه التغييرات بواسطة أجهزة الاستشعار (لاقطان مغناطيسيان موضوعان على كل جانب من الوجه) ثم تتدفق البيانات إلى سماعة الرأس حيث تعالج وتحلل باستخدام خوارزمية التعلم الآلي التي يمكنها التنبؤ بالكلمات والحروف المقصودة، ثم تُصدر الكلمات المتوقعة إلى شاشة العرض أو مكبرات الصوت.
وبحسب فريق البحث، من أجل تدريب النظام فإن الأمر تطلب جمع الكثير من البيانات، وهذا يعود إلى أن حركات الفم معقدة للغاية وتختلف من شخص لآخر، ونتيجة لذلك أصبح النظام أكثر فاعلية، وحقق معدل نجاح وصل إلى 94.96% في تحديد الحروف جميعها في الأبجدية الإنجليزية.
جدير بالذكر أن هذا الابتكار قد حصل على جائزة للعرض الحي في مؤتمر الدوائر والأنظمة الطبية الحيوية (IEEE) عام 2023، وقد وُفِق عليه وتنظيمه من قِبل اللجنة المؤسسية للسلامة البيولوجية وأخلاقيات البيولوجيا (IBEC) بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.
اقرأ أيضاً: كيف واجه تطبيق صوتِك لتحويل الكلام الصوتي إلى نص منسَّق تحديات اللغة العربية؟
كما يخطط فريق البحث لإجراء اختبارات على المرضى من خلال التعاون مع إحدى مراكز إعادة التأهيل في إيطاليا، حيث سيُدرب الفريق النظام على استيعاب أمراض معينة في الكلام مثل تعذر الأداء النطقي أو تنسيق حركة الفم غير المتماثلة.