تُستخدم الخوارزميات في حياتنا يومياً، فقد باتت تؤثّر في أنشطتنا وخياراتنا بشكلٍ أو بآخر، بطرقٍ إيجابية وسلبية، فلماذا أصبحت للخوارزميات هذه القوة؟ وكيف امتلكت هذا التأثير فينا؟
لماذا تحيط بنا الخوارزميات وكيف؟
الخوارزميات هي سلسلة من المهام أو التعليمات التي تُتبع لتحقيق هدف معين أو لحل مشكلة ما. نستخدمها في كل جانبٍ من جوانب حياتنا؛ بدءاً من المهام البسيطة مثل اتباع وصفة لتحضير طبق ما، إلى المهام المعقدة مثل التحكم في إشارات المرور أو تشخيص الأمراض.
بناءً على ذلك، أصبح بإمكان الخوارزميات التأثير في العديد من جوانب حياتنا؛ فهي تساعدنا في العثور على المعلومات والتنقل والتواصل والتسوق والتعلم والعمل واللعب، وتؤثّر فيما نراه ونشتريه ونقرأه ونستمع إليه عبر الإنترنت، وفي كيفية تفاعلنا مع الآخرين على منصات التواصل الاجتماعي، وهي تسهّل علينا حل العمليات المعقدة باستمرار.
اقرأ أيضاً: ما هي الخوارزمية؟ الإجابة تعتمد على مَن الشخص الذي تسأله
تُعدُّ الخوارزميات سلاحاً ذا حدين؛ إذ يمكن أن تكون لها تأثيرات إيجابية أو سلبية في حياتنا، اعتماداً على كيفية تصميمها وتنفيذها وتنظيمها. لذلك من المهم أن نكون على دراية بالدور والقوة الذي تؤديه في حياتنا، وأن نتحداها ونرفض نتائجها عند الضرورة.
قد تكون الطرق التي تعمل بها الخوارزميات واستنتاجاتها غامضة، خاصة وأن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق يجعلها أكثر تعقيداً من أي وقتٍ مضى، ولا تكون نتائجها مفهومة أو دقيقة دائماً، ويمكن أن تكون العواقب كارثية.
يرى بعض الخبراء أن أدوار تكنولوجيا المعلومات والبشر انعكست؛ ففي الماضي، استخدمنا نحن البشر التكنولوجيا كأداة. أمّا الآن، فقد تقدمت التكنولوجيا إلى درجة أنها تستخدمنا وتتحكم فينا. وبدلاً من جعل الخوارزميات والآلات تتخذ قرارات لا تؤثّر فينا بأي شكل من الأشكال، إلّا أننا في الواقع نتأثر بها بشدة، ونقيّد قدرتنا على اتخاذ القرارات، ونسمح للخوارزميات بتولي المسؤولية. فقد حلّت بعض خوارزميات الذكاء الاصطناعي محل البشر في عددٍ من المجالات.
هذا الاعتماد المفرط على الخوارزميات يمكن أن يؤدي إلى انهيارات في السوق بسبب السلوك المكتسب الذي نشأ من تأثير ملايين القرارات الخوارزمية في بعضها بعضاً بطرقٍ غير متوقعة، وليس بسبب خلل في البرمجة.
أمثلة على الخوارزميات التي تدير حياتنا
الخوارزميات التي نتعامل معها يومياً كثيرة، وقد يكون لها أثر بالغ في حياتنا، ومنها:
خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي
تحدد خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، التحديثات والمنشورات والإعلانات التي نراها من الأصدقاء والصفحات التي نتابعها، فهي تعتمد على عشرات البرامج التي تحلل سلوك المستخدم وتفضيلاته واهتماماته، بالإضافة إلى شعبية المحتوى وأهميته.
اقرأ أيضاً: كيف تتحرّر من «ديكتاتورية» الخوارزميات على الشبكات الاجتماعية؟
نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)
تساعد خوارزمية نظام تحديد المواقع العالمي على التنقل من مكانٍ إلى آخر من خلال العثور على أفضل طريق بناءً على موقع المستخدم الحالي ووجهته وظروف حركة المرور وعوامل أخرى، وتستخدم إشارات الأقمار الصناعية والخرائط والحسابات الرياضية لإرشاده.
أنظمة التعرف إلى الوجوه
يمكن لهذه الخوارزمية التعرف إلى وجه الشخص والتحقق منه من خلال صورة رقمية أو مقطع فيديو، ويُستخدم الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لمقارنة ملامح الوجه بقاعدة بيانات الوجوه. يمكن استخدامها لأغراض الأمن والمراقبة وتطبيقات الوسائط الاجتماعية والمصادقة البيومترية، وأقرب مثال إليها خاصية التعرف إلى الوجه في هواتفنا المحمولة.
بحث جوجل
تعمل خوارزميات البحث في جوجل على تصنيف صفحات الويب وعرض الأكثر صلة بما نكتبه في مربع البحث، مع أخذ الكلمات الرئيسية والروابط والحداثة والموقع وتعليقات المستخدمين في الاعتبار، لتحديد جودة كل صفحة وملاءمتها. تسهم الخوارزميات أيضاً في بعض الميزات التي تحسّن تجربة المستخدم مثل الإكمال التلقائي.
اقرأ أيضاً: كيف تعمل خوارزمية جوجل لترتيب صفحات الويب؟
بالإضافة إلى ما سبق، تُستخدم الخوارزميات في تحديد المتهمين في الجرائم، ومَن يجب توقيفه منهم ومن يُطلَق سراحه، والموافقة على منح القروض، وظهور الإعلانات، وتحديد المرضى الذين يجب أن يحصلوا على الأولوية في الرعاية الطبية، والبرامج التلفزيونية أو الأفلام التي نشاهدها، أو اقتراح مقاطع الفيديو على يوتيوب، وفرص العمل، والقبول في الجامعات، والتسوق عبر الإنترنت، وغيرها.
إيجابيات وجود الخوارزميات في حياتنا وسلبياتها
كما ذكرنا سابقاً، الخوارزميات سلاحٌ ذو حدين، ولاستخدامها فوائد كبيرة في حياتنا، وسلبيات أيضاً:
فوائد الخوارزميات
- تُعدُّ الحواسيب آلات حاسبة أسرع من البشر، تُعالِج كميات كبيرة من البيانات في الوقت الفعلي، ما قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات أفضل.
- تتمتع الخوارزميات بأداء متسق وليس لها القيود البشرية نفسها.
- تتطلب فهماً دقيقاً للمشكلة، ما يضمن توافق الحل مع المتطلبات.
- لا تأخذ الخوارزميات أيام إجازة، ولا تمرض ولا تستقيل، فهي تعمل طوال الوقت دون توقف.
- تساعد على أتمتة المهام، ما يوفّر الوقت والموارد.
- توصي بموارد الترفيه مثل الأفلام، والأطعمة الصحية، والتواصل مع الآخرين.
- تساعد الأفراد على الاهتمام بصحتهم بطريقة أفضل، ما يقلل العبء على النظام الصحي.
- يمكن أن تؤدي إلى تقليل التلوث والازدحام والنفايات.
مخاطر الخوارزميات
- يبرمج البعض الخوارزميات دون دراسة كاملة لآثارها، ما يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير مفهومة أحياناً.
- قد تتدرب بعض الخوارزميات على بيانات متحيزة، وبالتالي تعطي نتائج متحيزة على المدى الطويل، وقد تؤثّر بشكلٍ كبير في الأقليات.
- يزيد انتشار الخوارزميات من خطر فقدان البشر فاعليتهم في عمليات صُنع القرار، ما قد يؤدي إلى تقليل الاستقلالية الفردية.
- قد تسهم في تفاقم الفجوة الرقمية وتفاوت الثروة، ما يفيد الأثرياء والمتعلمين، ويؤثّر سلباً في الفقراء وغير المتعلمين.
- استخدام الخوارزميات للتلاعب السياسي والاقتصادي يُثير مخاوف بشأن الخصوصية وإمكانية استغلال البيانات الشخصية.
- أدّت الخوارزميات إلى الأتمتة في مختلف الصناعات، وبالتالي قد يُزاح العمال البشريين، وتتأثر وظائفهم مستقبلاً.
اقرأ أيضاً: هل ينجح عمال الوظائف المؤقتة في مواجهة الخوارزميات؟
على الرغم مما سبق، ينبغي لنا ألّا نفكر في الخوارزميات نفسها على أنها جيدة أو سيئة، ولكن يجب علينا أن نولي المزيد من الاهتمام للأشخاص الذين يعملون على برمجتها، وعلينا أن نكون على دراية بآلية عملها، ولا نعتمد عليها دائماً، خاصة وأن بعضها عرضة لبعض الأخطاء المثيرة للقلق، ويمكن أن تكون لقراراتها عواقب سلبية وطويلة الأمد على حياة الناس.