نظام ذكاء اصطناعي من ديب مايند يمكنه تصميم آلات تتمتع بقدرات تفكير قريبة للبشر

3 دقيقة
نظام ذكاء اصطناعي جديد من جوجل ديب مايند لحل المسائل الهندسية المعقدة
مصدر الصورة: سارة روجرز/ إم آي تي تي آر | غيتي

طورت شركة جوجل ديب مايند (Google DeepMind) نظام ذكاء اصطناعي لحل المسائل الهندسية المعقدة. ويمثل هذا النظام خطوة مهمة في مجال تصميم الآلات التي تتمتع بقدرات تفكير أقرب إلى قدرات البشر، كما يقول الخبراء. كانت الهندسة، والرياضيات عموماً، تمثل تحدياً بالنسبة لباحثي الذكاء الاصطناعي منذ بعض الوقت. يقول المؤلف المشارك في البحث الذي نُشِر مؤخراً في مجلة نيتشر (Nature)، ثانغ وانغ، إن بيانات التدريب في مجال الرياضيات أقل بكثير مما هو متاح لنماذج الذكاء الاصطناعي التي تتعامل مع النصوص، لأن الرياضيات تعتمد على الرموز وتتطلب تحديد المجال الذي تنتمي إليه المسألة.

اقرأ أيضاً: جوجل ديب مايند تستخدم نموذجاً لغوياً كبيراً لحل مسألة رياضية غير قابلة للحل

أهمية الرياضيات لقياس مدى تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي

يتطلب حل المسائل الرياضية استخدام التفكير المنطقي، وهي مهارة تفتقر إليها معظم نماذج الذكاء الاصطناعي الحالية. يقول وانغ إن هذه الحاجة المُلحة إلى التفكير المنطقي تجعل الرياضيات معياراً مهماً لقياس التقدم في مستوى ذكاء هذه الأنظمة. أطلقت ديب مايند على برنامجها اسم ألفا جيومتري (AlphaGeometry)، ويتضمن هذا البرنامج نموذجاً لغوياً مع نظام ذكاء اصطناعي يُسمى "المحرك الرمزي" (symbolic engine)، ويعتمد هذا المحرك على الرموز والقواعد المنطقية للتوصل إلى الاستنتاجات. تبرع النماذج اللغوية في تمييز الأنماط والتنبؤ بالخطوات اللاحقة في عملية ما. لكن قدراتها المنطقية تفتقر إلى الدقة المطلوبة لحل المسائل الرياضية. من ناحية أخرى، يعتمد المحرك الرمزي بالكامل على المنطق الصوري والقواعد الصارمة، ما يتيح له توجيه النموذج اللغوي نحو القرارات المنطقية.

يعمل هذان النهجان، المسؤولان عن التفكير الإبداعي والمعالجة المنطقية على التوالي، على نحو مشترك لحل المسائل الرياضية الصعبة. تحاكي هذه الطريقة على نحو وثيق أسلوب البشر في حل المسائل الرياضية، وهو أسلوب يجمع بين الفهم الحالي والتجريب الاستكشافي. تقول ديب مايند إنها اختبرت ألفا جيومتري باستخدام 30 مسألة هندسية تتمتع بمستوى صعوبة مسائل الأولمبياد الرياضي نفسه، وهو منافسة يشترك فيها طلاب المدارس الثانوية المتفوقون. تمكّن النظام من حل 25 مسألة خلال الوقت المحدد. وللمقارنة، نذكر أن أفضل الأنظمة السابقة، الذي طوره الرياضي الصيني وين تسون وو عام 1978، تمكن من حل 10 مسائل فقط.

يقول أستاذ الرياضيات في جامعة بون، فوريس فان دورن، الذي لم يشارك في البحث: "إنها نتيجة رائعة حقاً. كنت أتوقع أننا سننتظر عدة سنوات قبل أن نرى شيئاً كهذا".

اقرأ أيضاً: ديب مايند توظف الذكاء الاصطناعي لابتكار مواد جديدة تستخدم في تصنيع البطاريات

قدرة الذكاء الاصطناعي على التفكير المنطقي

تقول ديب مايند إن هذا النظام يوضح قدرة الذكاء الاصطناعي على التفكير المنطقي والتوصل إلى معرفة رياضية جديدة. ففي مؤتمر صحافي، قال العالم في جوجل ديب مايند، كوك ف. لي، وهو أحد مؤلفي البحث: "هذا مثال آخر يثبت قدرة الذكاء الاصطناعي على مساعدتنا في تطوير العلوم، وتحسين فهمنا للعمليات الأساسية الكامنة التي تحدد الكيفية التي يعمل وفقها العالم من حولنا". عند تقديم مسألة هندسية إلى ألفا جيومتري، يحاول أولاً توليد برهان من خلال محركه الرمزي الذي يعتمد على المنطق. فإذا لم يتمكن من تحقيق هذا من خلال المحرك الرمزي وحدة، يضيف النموذج اللغوي نقطة جديدة أو خطاً جديداً إلى الشكل البياني. يؤدي هذا إلى فتح احتمالات جديدة أمام المحرك الرمزي حتى يواصل البحث عن إثبات. تواصل هذه الحلقة تكرارها، حيث يضيف النموذج اللغوي عناصر مفيدة جديدة، ويختبر المحرك الرمزي استراتيجيات إثبات جديدة، إلى أن يتوصل إلى حل يمكن التحقق من صحته.

اضطر الباحثون إلى بناء مجموعة بيانات تدريبية خاصة بهم من أجل تدريب النموذج اللغوي في ألفا جيومتري، وذلك لتعويض ندرة البيانات الحالية في مجال الهندسة. فقد ولّدوا عشوائياً ما يقارب مليار شكل هندسي عشوائي ولقّموها إلى المحرك الرمزي. وحلّل المحرك كل شكل من الأشكال البيانية على حدة، وأنتج معلومات حول خصائصه. نُظِّمت هذه المعلومات لتحويلها إلى 100 مليون برهان مصطنع من أجل تدريب النموذج اللغوي. يقول الأستاذ المساعد المتخصص بعلوم الكمبيوتر وهندسته في جامعة لويزفيل، رومان يامبولسكي، الذي لم يشارك في البحث، إن قدرات ألفا جيومتري تبيّن أن الباحثين أحرزوا قدراً ملحوظاً من التقدم نحو تطوير مهارات "أكثر تعقيداً وأقرب إلى قدرات حل المشاكل البشرية لدى الآلات". 

اقرأ أيضاً: جوجل ديب مايند ترغب في وضع تعريفها الخاص للذكاء الاصطناعي العام

وكتب يامبولسكي في رسالة بالبريد الإلكتروني: "تتجاوز نتائج هذا العمل مجال الرياضيات، وتمتد عبر عدة مجالات تعتمد على مهارات حل المشاكل الهندسية، مثل الرؤية الحاسوبية، والعمارة، وحتى الفيزياء النظرية". لكن النظام ليس مثالياً، فلا يزال هناك مجال لمزيد من التحسين. فعلى الرغم من أن ألفا جيومتري قادر على حل المسائل الرياضية "الابتدائية"، فإنه ما زال عاجزاً عن التعامل مع المسائل المتقدمة والمجردة التي تنتمي إلى مستوى المسائل المطروحة في الجامعات. يقول فان دورن: "سيبدي الرياضيون اهتماماً كبيراً بأي نظام ذكاء اصطناعي قادر على حل المسائل المطروحة في الرياضيات البحثية، وحتى تقديم معلومات رياضية جديدة". يقول وانغ إن العمل يهدف إلى تطبيق أسلوب مماثل على مجالات رياضية أوسع: "ليست الهندسة سوى مثال يبين أننا نوشك على التوصل إلى بناء نظام ذكاء اصطناعي قادر على التفكير المنطقي العميق".

المحتوى محمي