يمكن أن يمثل كويكب متجه إلى الأرض مشكلة حقيقية، حتى لو لم يكن فائق الضخامة، ويكفي أن يكون بعرض عشرات الأمتار حتى يتسبب في دمار هائل إذا ضرب بلدة أو مدينة. وبالنسبة للأجسام التي نستطيع تتبعها (علماً بأنه يوجد الكثير من الأجسام التي لا ننتبه إليها قبل فوات الأوان)، يقوم العلماء بتقدير مساراتها وحساب احتمال التصادم مع الأرض. وقد حالفنا الحظ حتى الآن، فلم نضطر من قبل إلى التعامل مع سيناريو صخرة فضائية مندفعة على مسار تصادمي مع الأرض. وفي حال حدوث هذا، فقد تكون لدينا فرصة لدفعها نحو مسار أكثر أماناً بالنسبة لنا، ولكننا لم نجرب هذا من قبل.
غير أن هذا سيتغير قريباً، فقد اجتمع أكثر من 130 عالماً في روما مؤخراً لدراسة المزيد من التفاصيل حول تعاون غير رسمي بين ناسا وإيسا باسم أيدا (AIDA)، اختصاراً لعبارة "تقييم تصادم وتغيير مسار الكويكب". ويتضمن مشروع أيدا بعثتين مصممتين لصدم مركبة فضائية بكويكب قرب الأرض ودراسة التصادم لتحديد إمكانية تغيير مسار الكويكب في حال أصبح هذا ضرورياً. يقول إيان كارنيلي من إيسا: "اليوم، ولأول مرة في التاريخ، أصبح لدى البشر التكنولوجيا التي قد تكون قادرة على تغيير مسار كويكب على وشك الاصطدام بالأرض. أما السؤال الأساسي الذي يجب أن نجيب عنه فهو مدى فعالية التكنولوجيات والنماذج التي لدينا وقدرتها على تحقيق النجاح فعلياً. فقبل أن تقود سيارة، يجب أن يكون لديك بوليصة تأمين، وسيكون أيدا بمثابة بوليصة تأمين للأرض".
ستكون البداية مع مسبار اختبار إعادة توجيه الكويكبات المزدوجة (دارت DART) من ناسا؛ حيث ستنطلق كتلة معدنية بوزن نصف طن نحو الفضاء في يوليو من العام 2021 متجهة نحو "65803 ديديموس"، وهو كويكب ثنائي (أي كويكب كبير يدور حوله قمر صغير، أو قُمير). وبعد 16 شهراً، سيصل دارت إلى ديديموس ويصطدم بالقمير بسرعة تتجاوز 23,600 كيلومتر في الساعة.
ويُفترض أن يكون هذا التصادم كافياً لتغيير مدار وسرعة القمير حول الجسم الأساسي بأقل من 1%، وهو مقدار صغير للغاية، ولكنه قابل للقياس باستخدام تلسكوبات الأرض. وسينفصل قمر اصطناعي إيطالي من نوع كيوبسات باسم ليسياكيوب عن دارت قبل التصادم بوهلة لالتقاط صور مباشرة للتصادم. وإذا نجح الاختبار، فستكون هذه أول مرة في التاريخ يقوم فيها البشر بتغيير مدار جسم فضائي بشكل مباشر.
وسيقوم دارت أيضاً باختبار اثنتين من تكنولوجيات التحليق الفضائي الجديدة. التكنولوجيا الأولى عبارة عن نظام جديد للدفع الكهربائي الشمسي، يحمل اسم: دافع الزينون التطوري التجاري من ناسا (اختصاراً: نيكست سي)، وهو مبني على نظام استُخدم لأول مرة في بعثة داون التي انطلقت منذ أكثر من عقد من الزمن لدراسة الكواكب الأولية فيستا وسيريس. أما التكنولوجيا الثانية فهي النظام الآلي للمناورة والملاحة في الزمن الحقيقي للأجسام الصغيرة (اختصاراً: سمارت ناف)، وهي خوارزمية جديدة للمركبات الفضائية من أجل التحكم في التوجيه والملاحة، وستكون سمارت ناف مسؤولة عن توجيه دارت نحو القمير.
تقول نانسي تشابوت، وهي عالمة كواكب في جامعة جونز هوبكنز، ومديرة عمليات التنسيق الخاصة بدارت: "من التحديات الأساسية التي تواجه دارت هي استهداف القمير الصغير وصدمه بشكل موثوق، على بعد حوالي 11 مليون كيلومتر من الأرض". وقبل ساعة تقريباً من الاصطدام، ستقوم سمارت ناف بتحديد الكويكب المطلوب من بين الجسمين وتوجيه المركبة الفضائية نحوه.
أما مساهمة إيسا في أيدا فهي المركبة الفضائية هيرا، التي لن تنطلق حتى 2023، بحيث تصل إلى ديديموس بعد خمس سنوات. وتتضمن هيرا قمري كيوبسات مزودين بأنظمة دفع خاصة بهما، سيحاول أحدهما الهبوط على ديديموس. وستستخدم المركبة الفضائية نظام تصوير عادي ونظام ليدار ونظام تصوير حراري للحصول على المزيد من المعلومات حول شكل حفرة الاصطدام، وتقييم ما حدث للكويكب بعد محاولة دارت لتحويل مساره. وعلى غرار دارت، ستعتمد هيرا على نظام ملاحة آلي، ويقوم في هذه الحالة بتقييم المناطق التي تستحق التصوير والدراسة على سطح الكويكب، وتحديد كيفية الوصول إليها.
يتفرّد ديديموس بتحقيق الكثير من الشروط التي تجعل من هذه المهمة ممكنة، وتوضّح تشابوت هذا بقولها: "لا يتحرك ديديموس على مسار تصادمي مع الأرض، ولذلك فإنه لا يشكل أي خطر على الكوكب في الوقت الحالي، ولكن طبيعته الثنائية تسمح بتجربة تقنية دارت التي تُعرف بتقنية الصواعق الحركية". وبما أن القمير يدور حول جسم آخر، فسيكون السيناريو محدوداً ويتيح قياس أثر دارت على مدار القمير. إضافة إلى ذلك، فإن التلسكوبات الأرضية ستستطيع دراسة التصادم بأفضل شكل ممكن لأن مدار القمير يمر أمام الجسم الأساسي وخلفه.
يبدو أن ناسا وإيسا وغيرهما من الشركاء يحققون التقدم في هذا المشروع، ويعتقد كل من كارنيلي وتشابوت أن ورشة العمل الأخيرة كانت ناجحة إلى حد كبير، خصوصاً فيما يتعلق بمشاكل الملاحة وتشكيل إستراتيجية للسماح لهيرا بتصوير حفرة دارت (التي يُعتقد أنها قد تكون أكبر بكثير من التقديرات السابقة). يقول كارنيلي: "يُعتبر الدفاع عن الكوكب مهمة عالمية من دون شك. وإضافة إلى التكنولوجيا والعلم، فإن مشروع أيدا يمثل أيضاً تجربة جيدة جداً من حيث التعاون بين العلماء والوكالات حول العالم، وهو ما سنحتاج إليه بالضبط عندما تتعرض الأرض لخطر الاصطدام مع أحد الكويكبات".