هل أصبح التسويق عبر البريد الإلكتروني أسلوباً قديماً؟ الأرقام تخبرك بالحقيقة

6 دقائق
هل أصبح التسويق عبر البريد الإلكتروني أسلوباً قديماً؟ الأرقام تخبرك بالحقيقة
حقوق الصورة: shutterstock.com/ olesia_g

في عصرٍ تهيمنُ عليه منصاتُ التواصل الاجتماعي ومحركاتُ البحث، يقف التسويق عبر البريد الإلكتروني ركيزة أساسية للشركات التي تهدف إلى تعزيز علاقات دائمة مع جمهورها، حيث لا يزال يمثّل حجرَ الزاوية في صناعة التسويق الرقمي في الاستراتيجيات التسويقية للشركات في أنحاء العالم كافة، وذلك لفاعليته من حيث التكلفة وإمكانات الاستهداف الدقيقة والنتائج القابلة للقياس، التي تجعله أداة لا غنى عنها للمسوّقين.

في هذا المقال نأخذك في رحلة قصيرة عبر تاريخ التسويق عبر البريد الإلكتروني وكيف تطور، ولماذا لا يزال يمثّل القوة الدافعة وراء مشاركة العملاء وتوليد العملاء المحتملين والولاء للعلامة التجارية، بالإضافة إلى إيراد حقائق وأرقام تُسلّط الضوء على القوة والتأثير الكبيرين لهذه الأداة التسويقية.

تاريخ التسويق عبر البريد الإلكتروني ورحلة تطوره

يعود تاريخ البريد الإلكتروني كتقنية إلى السبعينيات من القرن الماضي، ولكن لم يُعتمد بصورة واسعة بالنسبة لمعظم مستخدمي الإنترنت إلّا في التسعينيات حين استُخدِم بصورة أساسية للتواصل، وأول حالة مسجلة لاستخدام البريد الإلكتروني لأغراض التسويق كانت عام 1978 عندما أرسل غاري ثورك (Gary Thuerk) -أحد مسوقي شركة المعدات الرقمية (DEC)- بريداً إلكترونياً جماعياً إلى ما لا يقل عن 400 شخص للترويج لأجهزة الشركة، واعتُبِرت هذه الرسالة أولَ بريد عشوائي أو بريد إلكتروني غير مرغوب فيه يُرسل.

ومع تزايد مشكلة البريد العشوائي (SPAM)، ظهر مفهوم التسويق القائم على الإذن (Permission Marketing) الذي قدّمه خبير التسويق سيث غودين (Seth Godin) في أواخر تسعينيات القرن الماضي، حيث تتمحور الفكرة في احترام تفضيلات المستهلكين الذين يختارون عن طيب خاطر تلقي العروض والإعلانات التسويقية من العلامات التجارية.

ومع اتجاه البريد الإلكتروني ليصبح القناة التسويقية الأولى للعلامات التجارية، أصدر الكونغرس الأميركي عام 2003 قانون سي أيه إن-سبام (CAN-SPAM) الذي وضع إرشادات لممارسات التسويق عبر البريد الإلكتروني وحماية المستهلكين من البريد العشوائي، ما منح المستلمين الحق في إيقاف رسائل البريد الإلكتروني غير المرغوب فيها. وفي منتصف العقد الأول من القرن الحالي أصبحت منصات وأدوات التسويق عبر البريد الإلكتروني أكثر تطوراً، فأنشأ المسوّقون الحملات وتتبعوها بشكلٍ أكثر فاعلية.

فقد شهدت إدخال المزيد من التقنيات مثل الأتمتة والحملات بالتنقيط (Drip Campaign)، ومع ظهور الهواتف الذكية بدأ المسوّقون عبر البريد الإلكتروني تحسين حملاتهم للأجهزة المحمولة، وأصبح تخصيص المحتوى بناءً على سلوك المستخدم وتفضيلاته محوراً أساسياً في التسويق عبر البريد الإلكتروني. ومع دخولنا العقد الحالي، أُدخِلت تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتخصيص التسويق عبر البريد الإلكتروني بشكلٍ أكبر وتحسين المشاركة.

اقرأ أيضاً: كيف ستغيّر شبكات الجيل الخامس صناعة التسويق إلى الأبد؟

لماذا لا يزال التسويق عبر البريد الإلكتروني يحظى بأهمية أكبر اليوم؟

يظل التسويق عبر البريد الإلكتروني أداة حاسمة ومؤثّرة في مشهد التسويق الرقمي، ويمثّل أداة مهمة وفعّالة للشركات والمسوّقين في الوصول إلى جماهيرهم والعملاء المحتملين. وفيما يلي عدة أسباب وراء استمرار أهمية التسويق عبر البريد الإلكتروني:

الاتصال المباشر مع العملاء

يُتيح البريد الإلكتروني للشركات التواصل مباشرة مع جمهورها، فعندما يقدّم شخصٌ ما عنوانَ بريده الإلكتروني، غالباً ما يمنح الإذن لتلقي التحديثات والعروض الترويجية والمعلومات الأخرى ذات الصلة، وهو ما يساعد على بناء العلاقات مع العملاء والحفاظ عليها، فوفقاً لتقرير من شركة ماركتنغ شربا (MarketingSherpa)، يفضّل 72% من المستهلكين تلقي المحتوى الترويجي عبر البريد الإلكتروني مقارنة بـ 17% يفضّلون منصات التواصل الاجتماعي.

التسويق المستهدف

يوفّر التسويق عبر البريد الإلكتروني خيارات استهداف وتجزئة متطورة، حيث يمكن للمسوقين تخصيص رسائلهم بناءً على التركيبة السكانية أو السلوك أو أي معايير أخرى، ما يضمن أن المحتوى مناسب لشرائح محددة من الجمهور، فوفقاً لدراسة أجرتها جمعية البيانات والتسويق (DMA)، يمكن أن تؤدي الحملات المجزأة إلى زيادة بنسبة 760% في الإيرادات.

اقرأ أيضاً: البيانات غير المهيكلة: ما هي؟ ومن أين تأتي؟ وكيف نستخدمها؟

نتائج قابلة للقياس

يسهم التسويق عبر البريد الإلكتروني في توفير بيانات وتحليلات مفصّلة عن الحملات التسويقية. على سبيل المثال، يمكن للمسوّقين تتبع معدلات الفتح ونسب النقر إلى الظهور ومعدلات التحويل والمقاييس الرئيسية الأخرى، ومن ثَمَّ يسمح هذا النهج المبني على البيانات بالتحسين المستمر للحملات التسويقية.

التواصل المخصص

على عكس القنوات التسويقية الأخرى، يُتيح التسويق عبر البريد الإلكتروني اتصالات مخصصة للغاية، حيث تزيد احتمالية فتح رسائل البريد الإلكتروني التي تحتوي على سطور موضوعات مخصصة بنسبة 26%، ومن ثَمَّ يمكن تقسيم الجمهور استناداً إلى عوامل مختلفة وتصميم الرسائل وفقاً لذلك، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات المشاركة والتحويل.

اقرأ أيضاً: إلى أين وصل مارك زوكربيرغ في بنائه عالم ميتافيرس؟

قابلية التكيُّف

يمكن استخدام التسويق عبر البريد الإلكتروني لمجموعة متنوعة من الأغراض، بما في ذلك جذب العملاء المحتملين والترويج للمنتجات ورعاية العملاء الحاليين وبناء الوعي بالعلامة التجارية.

الوصول إلى أجيال مختلفة

قد يعتقد البعض أن التسويق عبر البريد الإلكتروني قد عفا عليه الزمن، إلّا أن الأبحاث تظهر أنه لا يزال شائعاً ومناسباً لمختلف الأجيال. على سبيل المثال، تشير الإحصائيات إلى أن 86% من المستهلكين ما زالوا يفضّلون تلقي رسائل البريد الإلكتروني الترويجية الشهرية من الشركات والعلامات التجارية التي يتعاملون معها، و15% يفضّلون تلقي التحديثات اليومية.

تعزيز ولاء العملاء

يُتيح التسويق عبر البريد الإلكتروني البقاء على اتصال منتظم مع العملاء وزوار الموقع الإلكتروني، حيث يُقدّر العملاء الدائمون مواكبة أحدث المنتجات والعروض الترويجية، وتشير الدراسات إلى أن تكلفة الحصول على عميل جديد تزيد بخمس مرات مقارنة بالاحتفاظ بالعميل الحالي.

اقرأ أيضاً: ماذا يعني وجود مركز بيانات لجوجل في السعودية؟

التكامل مع قنوات التسويق الأخرى

يمكن دمج التسويق عبر البريد الإلكتروني بسلاسة مع قنوات التسويق الأخرى، مثل منصات التواصل الاجتماعي والتسويق عبر مواقع الويب الذي يُتيح للمسوّقين إنشاء استراتيجية تسويق شاملة.

عائد استثماري مرتفع

عند تنفيذه بشكلٍ استراتيجي، يمكن أن يقدّم التسويق عبر البريد الإلكتروني قيمة عالية، حيث يشير بعض الدراسات إلى أن العائد على الاستثمار (Return on investment) يبلغ في المتوسط نحو 4,400%، وهذا يعني أنه مقابل كل دولار واحد مستثمر من المحتمل أن يجلب عائداً يصل إلى 44 دولاراً.

الوصول إلى الجمهور عبر الهواتف الذكية

مع تزايد استخدام الهواتف الذكية أصبح من السهل الوصول إلى رسائل البريد الإلكتروني، فوفقاً لدراسة حديثة فإن استخدام الهواتف الذكية لقراءة رسائل البريد الإلكتروني يمثّل نحو 41% من رسائل البريد الإلكتروني المفتوحة جميعها، وهو ما يضمن الاستجابة للرسائل التسويقية ويجعله وسيلة مريحة وفعّالة للوصول إلى المستخدمين في أثناء التنقل.

الامتثال للمعايير التنظيمية

على عكس بعض طرق التسويق الرقمي الأخرى، يخضع التسويق عبر البريد الإلكتروني للوائح والمعايير، مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) التي وضعت إرشادات للشركات لجمع المعلومات الشخصية واستخدامها في التسويق عبر البريد الإلكتروني، ما يضمن مستوى عالياً من الثقة والشفافية مع العلامة التجارية.

اقرأ أيضاً: كيف تحصل على علامة التحقق الزرقاء في منصات التواصل الاجتماعي؟

إحصائيات وأرقام تبيّن قوة وتأثير التسويق عبر البريد الإلكتروني

وفقاً لدراسة أجرتها شركة أبحاث التسويق الرقمي أوبتين مونستر (OptinMonster)، وُجِد أن 99% من مستخدمي البريد الإلكتروني يفحصون بريدهم الوارد كل يوم، وبعضهم يتفقده 20 مرة في اليوم، ومن بين هؤلاء الأشخاص يتفقد 58% من المستخدمين بريدهم الإلكتروني كأول نشاط لهم في الصباح.

هذه الإحصائية تخبرنا بأن التسويق عبر البريد الإلكتروني لا يزال قناة تسويقية قوية، وفيما يلي بعض الأرقام والحقائق الرئيسية التي تثبت أن التسويق عبر البريد الإلكتروني لا يزال عنصراً حاسماً واستراتيجياً في المزيج التسويقي لأي شركة:

  • وصل عدد مستخدمي البريد الإلكتروني على مستوى العالم عام 2022 إلى 4.26 مليار مستخدم، ومن المقرر أن ينمو إلى 4.73 مليار مستخدم عام 2026.
  • أُرسلت نحو 333 مليار رسالة بريد إلكتروني واستُقبلت يومياً حول العالم عام 2022، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 392 مليار بريد إلكتروني يومياً بحلول عام 2026.
  • بلغت قيمة سوق التسويق عبر البريد الإلكتروني العالمي 7.5 مليار دولار أميركي عام 2020، ومن المتوقع أن يرتفع الرقم إلى 17.9 مليار بحلول عام 2027.
  • يستخدم نحو 64% من الشركات الصغيرة التسويق عبر البريد الإلكتروني للوصول إلى عملائها الحاليين وجذب العملاء المحتملين وجذب عملاء جدد إلى علاماتها التجارية.
  • أظهر تقرير حالة التسويق لعام 2023 أن 77% من المسوّقين شهدوا زيادة في التفاعل عبر البريد الإلكتروني طوال عام 2021، وقد نما هذا الاتجاه حتى منتصف عام 2023، وهذا يعود إلى أن التسويق عبر البريد الإلكتروني أصبح أكثر جاذبية للمستهلكين من أي وقتٍ مضى.
  • يشير العديد من الدراسات إلى أن الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي يمكن أن يؤثّرا بشكلٍ كبير على استراتيجيات وإجراءات التسويق عبر البريد الإلكتروني في المستقبل، فوفقاً لاستطلاع حديث ذكر 85% من المسوّقين الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنشاء البريد الإلكتروني أنه فعّال، بينما ذكر 45% منهم أنه فعّال للغاية، وذكر 18% من المسوّقين المستطلَعة آراؤهم أن المحتوى المُوَلَّد باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي يؤدي أداءً أفضل بكثير من المحتوى الذي لا يحتوي عليه.
  • تأتي غالبية قراءات رسائل البريد الإلكتروني من الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية بنسبة 41%، بينما تمثّل قراءات أجهزة الحاسوب 39% فقط من إجمالي قراءات رسائل البريد الإلكتروني.
  • يستخدم 64% من جيل الألفية هواتفهم الذكية في المقام الأول للتحقق من البريد الإلكتروني، بينما تبلغ نسبة الجيل زد 60%.
  • يعتقد 74% من جيل طفرة المواليد أن البريد الإلكتروني هو القناة الأكثر شخصية لتلقي الاتصالات من العلامات التجارية، يليه 72% من الجيل إكس، و64% من جيل الألفية، و60% من الجيل زد.

اقرأ أيضاً: 5 من أهم الدورات التدريبية في مجال تحليل البيانات

كيف يبدو مستقبل التسويق عبر البريد الإلكتروني؟

من المتوقع أن يظل التسويق عبر البريد الإلكتروني أداة تسويقية قوية وفعّالة في السنوات القادمة، فمن خلال تسخير قوة البيانات والتكنولوجيا والإبداع يمكن للمسوقين تقديم تجارب بريد إلكتروني مخصصة وذات صلة وجذابة تؤدي إلى تحقيق النتائج المنشودة، وفيما يلي بعض العوامل الرئيسية التي ستشكّل الصناعة:

  • التخصيص والتجزئة: مع التقدم في الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي سيتمكن المسوّقون من فهم تفضيلات العملاء وسلوكهم بشكلٍ أفضل، ما يسمح بتواصل أكثر استهدافاً وفاعلية.
  • الأتمتة والذكاء الاصطناعي: ستؤدي أدوات الأتمتة دوراً حاسماً في تبسيط عمليات التسويق عبر البريد الإلكتروني، من خلال تحسين أوقات الإرسال وإنشاء محتوى مدعوم بالذكاء الاصطناعي أكثر جاذبية.
  • الخصوصية وحماية البيانات: قد تدفع اللوائح والتشريعات القانونية الصارمة مثل القانون العام لحماية البيانات (GDPR) وقانون خصوصية المستهلك في كاليفورنيا (CCPA) المسوّقين إلى تبني ممارسات أكثر شفافية، والحصول على موافقة صريحة وإعطاء الأولوية لأمن البيانات.
  • استهداف مستخدمي الهواتف الذكية: مع الاستخدام المتزايد للهواتف الذكية من المتوقع أن نشهد تحسناً كبيراً في تصميم الرسائل التسويقية لتتناسب مع الشاشات الصغيرة لضمان تجربة مستخدم أكثر إيجابية.

المحتوى محمي