قررت ميتا إطلاق منتج جديد يتعلق بالشفافية تحت مسمى مكتبة محتوى ميتا وواجهة برمجة تطبيقاته (Meta Content Library and API)، وذلك وفقاً لإعلان حديث من الشركة. ستتيح الأداة الجديدة لمجموعة مختارة من الباحثين الوصول إلى البيانات المتاحة للعموم في فيسبوك وإنستغرام في محاولة لوضع تصور أكثر شمولية عما يحدث في كلتا المنصتين.
ويأتي هذا الإجراء في خضم الضغوط العامة والقانونية التي تتعرض لها شركات التواصل الاجتماعي لزيادة شفافيتها حول كيفية عمل منتجاتها، خصوصاً خوارزميات التوصية، وآثارها المختلفة. ينادي الباحثون الأكاديميون منذ فترة طويلة بضرورة فتح مجال أكبر للوصول إلى بيانات منصات التواصل الاجتماعي، بما فيها ميتا. تمثل هذه المكتبة الجديدة خطوة نحو زيادة إدراكنا لما يحدث على منصات شركة ميتا، وتأثير منتجاتها على الحوار عبر الإنترنت، والسياسة، والمجتمع عموماً.
اقرأ أيضاً: ما التحديات التي تواجه ممارسة الرقابة على المحتوى في الميتافيرس؟
مكتبة محتوى ميتا
وقال رئيس ميتا للشؤون الدولية نيك كليغ في إحدى المقابلات إن هذه الأدوات "تتسم بأهمية خاصة" لأنها توفر، وبكثير من الطرق، "أكبر مجال للوصول إلى المحتوى المتاح للعموم في فيسبوك وإنستغرام، وعلى نحو يتفوق على جميع أدواتنا السابقة". إضافة إلى هذا، ستساعد مكتبة المحتوى الشركة على تلبية المتطلبات التنظيمية الجديدة، والتزامات مشاركة البيانات والامتثال للشفافية، كما ذكرت في منشور مدونة حديث.
أطلقت الشركة المكتبة وواجهة برمجة التطبيقات المرتبطة بها أولاً ضمن نسخة تجريبية منذ بضعة أشهر، حيث أتاحت للباحثين الوصول إلى بيانات شبه فورية حول الصفحات والمنشورات والمجموعات والأحداث في فيسبوك، وحسابات الأعمال وصانعي المحتوى في إنستغرام، إضافة إلى الإحصائيات المتعلقة بها، مثل أعداد التفاعلات والمشاركات والتعليقات ومشاهدات المنشورات. وفي حين أن هذه البيانات متاحة للجميع؛ إذ يستطيع أي شخص رؤية المنشورات والتفاعلات والتعليقات العامة في فيسبوك، فإن المكتبة الجديدة تتيح للباحثين إجراء عمليات البحث والتحليل للمحتوى على نطاق واسع.
تقول ميتا إن هذه المعلومات ستكون متاحة للوصول فقط عبر "غرفة نظيفة" افتراضية، ولن تكون قابلة للتنزيل، وذلك بهدف حماية خصوصية المستخدمين. إضافة إلى هذا، فإن الوصول إليها سيكون محصوراً بعدد من الباحثين الحاصلين على موافقات مسبّقة، وسيتعين عليهم تقديم طلب الحصول على هذه الموافقة عبر مؤسسة خارجية مستقلة.
إضافة إلى أداة المكتبة الجديدة، أعلنت ميتا عن شراكات جديدة للتوسع في بحث يعود إلى عام 2022 حول العلاقات بين الشبكات الاجتماعية والحراك الاقتصادي.
تأتي هذه الإعلانات بعد بضعة أيام فقط من إعلان مجلة ذي إنفورميشن (The Information) عن قرار الشركة بحلّ فريق الذكاء الاصطناعي المسؤول فيها، وتوزيع باحثيه على أقسام أخرى من الشركة، ما زاد الشكوك إزاء التزامها بسلامة المستخدم. لم يعلّق كليغ على المعلومات حول إعادة تشكيل فريق الذكاء الاصطناعي.
اقرأ أيضاً: لماذا سبّب عطل فيسبوك مشكلة كبيرة للملايين حول العالم؟
الآمال المتعلقة بالأبحاث "ذات المغزى"
عانى الباحثون في الماضي العلاقات المشحونة مع شركات التواصل الاجتماعي، خصوصاً فيما يتعلق بالوصول إلى البيانات التي قد لا ترغب المنصات في الكشف عنها. على سبيل المثال، أرسلت فيسبوك عام 2021 خطاب كف وتوقف إلى باحثين في مشروع الشفافية في جامعة نيويورك، الذي كان يدرس الإعلانات الموجهة سياسياً على المنصة من خلال جمع المعلومات من صفحات الإنترنت آلياً، إذ قالت الشركة إن هذا العمل يمثل انتهاكاً لخصوصية المستخدم.
يقول كليغ إنه يسعى، أولاً وقبل كل شيء، إلى تمكين الباحثين من إجراء أبحاث "ذات مغزى"، وشدد على عدم وجود إجماع بين الباحثين حالياً حول التأثيرات الدقيقة لوسائل التواصل الاجتماعي، وهو موضوع بحثي عانى دون شك نقصَ البيانات المتاحة علنياً من شركات التواصل الاجتماعي.
تمثل المكتبة الجديدة على نحو خاص قاعدة بيانات يمكن الوصول إليها إما عبر واجهة ويب مماثلة لمحرك بحث، أو عبر واجهة برمجة التطبيقات، حيث يستطيع الباحثون برمجة استعلاماتهم الخاصة للحصول على كميات ضخمة من البيانات. تمكّن الباحثون، على سبيل المثال، من أن يطلبوا رؤية جميع المنشورات العامة باللغة الإنجليزية حول الذكاء الاصطناعي التوليدي في 14 فبراير/شباط من العام 2023، مصنفة ابتداء من عدد المشاهدات الأكبر وصولاً إلى عدد المشاهدات الأصغر.
من المحتمل أن الإجراءات التي اتخذها المشرّعون، خصوصاً في الاتحاد الأوروبي، أجبرت ميتا على اتخاذ هذه القرارات، وذلك من خلال قواعد وقوانين تهدف إلى تعزيز الشفافية. فقانون الخدمات الرقمية أو اختصاراً (DSA) الذي أقره الاتحاد الأوروبي، والذي دخل حيز التنفيذ في أغسطس/آب، يفرض على المنصات الكبيرة من مستوى ميتا توفير الوصول إلى البيانات في الزمن الحقيقي للباحثين الذين يدرسون "كشف المخاطر المنهجية في الاتحاد الأوروبي وتحديدها وفهمها". وقد سعت جهود تشريعية أخرى في أستراليا والبرازيل والولايات المتحدة وغير ذلك إلى محاكاة هذه المتطلبات. ووفقاً لما يُعرف بأثر بروكسل، غالباً ما تلتزم الشركات التكنولوجية بأكثر المعايير صرامة -وهي المعايير التي يفرضها الاتحاد الأوروبي عادة- في البلدان التي تعمل فيها كلها، وذلك تفادياً لتشتيت منتجاتها.
اقرأ أيضاً: إذا قرأت رسالة مارك زوكربيرج حول الخصوصية سترى أهمية الحاجة إلى “تقسيم” فيسبوك
تعرّضت الجهود السياسية إلى صعوبة في تحقيق التوازن بين مطالباتها بالمزيد من الشفافية والمخاوف المتعلقة بحماية الخصوصية. يقول كليغ إن ميتا حاولت تحقيق التوازن بين هذه العوامل المتضاربة، واعتمدت جزئياً على عملية تقديم الطلبات لتحقيق هذا التوازن.
يتعين على الباحثين الراغبين في الوصول إلى مكتبة محتوى ميتا وواجهة برمجة تطبيقاته تقديم معلومات حول مؤسساتهم وأسئلتهم البحثية إلى الاتحاد الجامعي للأبحاث السياسية والاجتماعية (Consortium for Political and Social Research)، وهو مؤسسة مستقلة في جامعة ميشيغان. تقول ميتا إن عملية التدقيق هذه تهدف، على نحو رئيسي، إلى توفير فحص أمني حول المجموعات التي ستستخدم البيانات، ومصالحها المالية، بدلاً من التدقيق في الأسئلة البحثية.
غير أن العملية التطبيقية أثارت بعض الانتقادات. تقول الباحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراة في مركز كورنيل تيك للدراسات العليا والأبحاث (Cornell Tech)، سميثا ميلي، التي تدرس آثار وسائل التواصل الاجتماعي: "سؤالي الأساسي هو الآتي: لماذا هذه المعلومات غير متاحة للجميع؟" لا سيما أن مكتبة المحتوى لا تتضمن سوى البيانات العلنية. يقول المنتقدون أيضاً إنه من المهم أن نأخذ بعين الاعتبار الفترة الزمنية لعملية تقديم الطلب، التي ستُضاف إلى الفترة الزمنية التي سيستغرقها البحث، ويقولون إنها "عائق كبير جداً".
لماذا اتخذت ميتا هذه القرارات؟
تقول ميتا إن القيود المفروضة على مكتبة المحتوى تهدف إلى حماية خصوصية المستهلك. يقول أحد مدراء منتجات ميتا لمكتبة المحتوى، كيران جاغاديش: "ثمة فرق كبير بين أن تكون البيانات متاحة علناً على المنصة، وأن يكون بالإمكان الوصول إليها بطريقة برمجية تتيح الوصول إلى كميات ضخمة من هذه البيانات".
تشير ميلي إلى أن الباحثين في هذا المجال يرغبون حقاً في الوصول إلى معلومات حول كيفية عمل خوارزميات التوصية، وما يراه المستخدمون في صفحاتهم الرئيسية الشخصية، إضافة إلى طرق تتيح إجراء التجارب على المنصات. ليس من الواضح كيف يمكن لهذا المنتج تحقيق أي تقدم في هذه الاتجاهات، على الرغم من أن كليغ قال إن الباحثين يستطيعون دمج مكتبة المحتوى مع مشاريع أخرى، مثل بطاقات نظام التوصية، التي يمكن عند استخدامها مجتمعةً الحصول على "تصور أوضح وأكثر غنى على نحو غير مسبوق".
أجرت الأستاذة في مركز الديمقراطية الرقمية في جامعة ساوثرن دانمارك، لينا فريشليش، اختباراً على النسخة التجريبية من مكتبة المحتوى، وتقول إن فريقها لاحظ أن الوصول إلى محتوى الوسائط المتعددة، مثل مقاطع الفيديو القصيرة في إنستغرام والأحداث في فيسبوك، مفيد جداً، إضافة إلى البيانات الجديدة التي تؤمّنها حول عدد المشاهدات.
تقول فريشليش أيضاً إن المنتج الجديد "يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق المزيد من الشفافية"، غير أنها لاحظت أن "الوصول إلى البيانات ما زال مقيداً بعض الشيء"، بما أن قاعدة البيانات لا تشمل جميع البلدان، وأن الوصول إليها يقتصر على الباحثين الذين يعملون في مؤسسات أكاديمية مؤهلة.
يقول كليغ إنه يأمل أن الأداة الجديدة ستؤدي في نهاية المطاف إلى إجراء أبحاث أفضل حول دور وسائل التواصل الاجتماعي في المجتمع، لأسباب متعددة. ويقول: "أعتقد أننا اتخذنا هذا الإجراء على أساس نوع من المسؤولية الاجتماعية، لكن من مصلحتنا أيضاً أن نسعى إلى تبديد بعض التصورات الخاطئة التي تحيط بوسائل التواصل الاجتماعي، ونقل الحوار إلى نطاق أكثر واقعية".