يشكّل التقدم الأخير في مجال تكنولوجيا الأورجانويدات ثورة في عالم البحوث الطبية الحيوية، ويفسح عن أفق جديد في فهم تطور الأعضاء وتمثيل الأمراض وفي تطوير العلاجات. الأورجانويدات هي بمثابة نماذج مصغرة للأعضاء تُنمى في المختبرات، ثم تتطور لتمثيل عدة أعضاء كالدماغ والقلب والكبد. تُستخلص بشكلٍ رئيسي من الخلايا الجذعية الجنينية المستحثة والخلايا الجنينية أو الخلايا البالغة. وقد أسفرت الأبحاث الحديثة، التي استُخدمت فيها الخلايا الظهارية القصبية البالغة، عن تقدمٍ كبيرٍ في استخدامات الأورجانويدات.
تطبيقات الأورجانويدات في محاكاة الأمراض واختبار الأدوية
تتميز الأورجانويدات بقدرتها المذهلة على تقليد البنية والوظيفة الفعلية للأعضاء. فعلى سبيل المثال، أظهرت الأورجانويدات الدماغية خصائص كهروفيزيولوجية مشابهة لموجات الدماغ الحقيقية، ما ساعد الباحثين على تقديم نماذج دقيقة لأمراض معقدة مثل ألزهايمر وباركنسون، وتجربة العلاجات وتقنيات تحرير الجينوم كتقنية كريسبر في بيئة مضبوطة. لذا، كان دور "العضو في طبق" محورياً في تعزيز فهمنا لتطور الأعضاء ومسارات المرض.
اقرأ أيضاً: هل ستعالج تقنية كريسبر أمراضاً كالمهق قريباً؟
إنجاز في أبحاث القلب: أول قلب أورجانويدي
يمثّل تطوير أول قلب أورجانويدي متعدد الحجرات، والمعروف بالكارديود، خطوة مهمة في هذا المجال. هذا الابتكار أساسي لفهم أمراض القلب الخلقية، التي ما زالت أسبابها مجهولة إلى حد كبير. تُتيح قدرة الكارديود على محاكاة التعبير الجيني المميز لكل حجرة واستجابته للعوامل المسببة لتشوهات الأجنة استكشاف الجديد في فهم تطور القلب وأمراضه.
دور الأورجانويدات في أبحاث السرطان وتطوير الطب الشخصي
أدّت الأورجانويدات دوراً محورياً في أبحاث السرطان، خصوصاً فيما يتعلق بالأورجانويدات المشتقة من المرضى (PDOs). هذه الأورجانويدات بدأت تُستخدم بشكلٍ متزايد في الأوساط السريرية لتوقع الاستجابات الفردية لعلاجات السرطان، ما يُعدُّ خطوة مهمة نحو تحقيق الطب الشخصي.
اقرأ أيضاً: تقدم واعد في تقنية كريسبر يمهد الطريق لتطوير علاجات فردية مخصصة
البيوبوتات البشرية: ابتكار مذهل من جامعة تافتس
في سياق الأبحاث المتقدمة في مجال الأورجانويدات والبيوبوتات، برز اكتشاف مهم من فريق جامعة تافتس بقيادة مايكل ليفين. يتعلق هذا الاكتشاف بتطوير البيوبوتات البشرية، وهي خلايا تنتظم ذاتياً لتكوين هياكل متعددة الخلايا وقادرة على الحركة. جاء هذا الاكتشاف من خلايا رئوية بشرية (قصبة هوائية)، بقيت عقوداً في بنية مسطحة في القصبة الهوائية.
سابقاً، عرض هذا الفريق بيوبوتات متحركة مشتقة من الضفادع (زينوبوتس)، ولكن هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها هذه القدرة من الخلايا البشرية، والتي تتمتع بإمكانية إصلاح الأنسجة. حركة هذه البيوبوتات (الخلية الكبيرة المتحركة المعروفة بالبيوبوت أو أنثروبوت) ناتجة عن الأهداب الموجودة داخل خلايا القصبة الهوائية، والتي تغيرت وضعيتها بغمرها في حمام سائل أقل لزوجة.
التحديات وآفاق المستقبل
تحمل الرحلة من المختبر إلى التطبيق السريري العديد من التحديات. إنشاء الأورجانويدات عملية معقدة وتتطلب موارد كبيرة ولا تزال بعيدة عن القابلية للتوسع، ما يحد من استخدامها على نطاقٍ واسع. ومع ذلك، فإن اكتشاف الخلايا التي يمكنها إصلاح الأنسجة ذاتياً يفتح أفقاً جديداً في مجال هندسة الأنسجة، كما أن إمكانية تعديل جينوم هذه البيوبوتات قبل استخدامها سريرياً يُضيف بُعداً آخرَ من التطور والإمكانات لهذا المجال البحثي.
الخلاصة
مع استمرار التطورات المذهلة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، واكتسابها اهتمام العامة، تظل تكنولوجيا البيوبوت مساراً مبتكراً موازياً يحمل في طياته تأثيرات عميقة على مجالي الطب والأحياء. إذ مع تقدم الأبحاث، من المتوقع أن تقود هذه الأورجانويدات والبيوبوتات إلى عصرٍ جديدٍ من الاكتشافات الطبية الحيوية، مغيرةً بذلك منهجنا في معالجة الأمراض وفي هندسة الأنسجة، وموفرةً أفقاً واسعاً للابتكارات والتطورات المستقبلية في هذا المجال.