تعرف على “الأجنة الاصطناعية” الغريبة والمذهلة

5 دقائق

يُقدَّر عمر الخلايا الجذعية ببضعة أيام فقط، تعيش فيها داخل أعمدة صغيرة على سطح شريحة مايكروفلويدية. وعلى الرغم من ذلك، تُظهر لقطات الفيديو المبطأة هذه الخلايا وهي تتضاعف وتتغير وتنظم نفسها داخل مجالات مجوفة أثناء حياتها.

وتُحاول هذه الخلايا متابعة عملها الأصلي في التحول إلى جنين، بل إنها تقوم بعمل مذهل نسبياً.

وقد أعلن باحثون في جامعة ميشيغان اليوم اكتشافهم وسيلة لتصنيع نماذج واقعية من الأجنة البشرية بكفاءة، وذلك باستخدام الخلايا الجذعية. ويعتقدون أن هذا الاكتشاف سيسمح لهم باختبار أدوية الخصوبة ودراسة المراحل المبكرة من الحمل، ولكن في المقابل، سيثير هذا الاكتشاف قضايا قانونية وأخلاقية جديدة.

تم تصنيع الأجنة الاصطناعية عن طريق حثّ الخلايا الجذعية لتكوين بِنى صغيرة على شكل كرات، تتضمن هذه الكرات بدايات الكيس الأمينوسي والخلايا الداخلية للجنين (وهو الجزء الذي سيكوّن الأطراف والرأس وبقية جسم الانسان)، لكنها تفتقر إلى الأنسجة اللازمة لصنع المشيمة.

مصدر الفيديو: جامعة ميشيجان، آن أربور | بتعديل من: إم آي تي تيكنولوجي ريفيو

يقول ألفونسو مارتينيز أرياس، عالم الوراثة بجامعة كامبريدج والمُطّلع على نتائج الأبحاث التي نُشرت اليوم في مجلة نيتشر: "إنها تشبه الجنين البشري إلى حد كبير، وهذا أمر خارق ومذهل".

يقول العلماء في الوقت الحالي إن هذه الأجنة ليست أجنة حقيقية، فهي لا تستطيع التحول إلى إنسان. وعلى الرغم من ذلك -وبوضع تقدّم البحوث المماثلة في أوروبا والصين بعين الاعتبار- يبقى السؤال دائراً حول مدى قُرب العلماء من تكوين أجنة بشرية قابلة للحياة في مختبراتهم.

وحتى اليوم، تمكن الباحثون من حثِّ الخلايا الجذعية على إعادة تشكيل العديد من الخلايا المكوِّنة للمراحل المبكرة للجنين، وتشكيل بدايات الأنسجة العصبية والحيوانات المنوية والبيوض، بالإضافة إلى التحكم في صنع رأس الجنين وذيله.

أما عن البنى التي طوّرها فريق ميشيغان -الذي كان يقوده المهندس الحيوي جيانبينغ فو وعالمة الأحياء ديبورا جوموسيو- فلم تستطع العيش سوى أربعة أيام، كما أنها لم تمتلك جميع أنواع الخلايا اللازمة للتأهل إلى جنين حقيقي، أو كما يُعرف بالجنين المزروع، ومن المرجح أن يكون لها تشوهات ومشاكل أخرى.

وفي المقابل، يعتقد العلماء أننا اقتربنا كثيراً من إنتاج أجنة في المختبر لا تختلف عن الأجنة الطبيعية؛ فقد تقدمت الأبحاث حول أجنة الفأر الاصطناعي، حيث يحاول العلماء حقن هذه الأجنة في إناث الفئران لإنتاج فئران حقيقية، لكنهم لم ينجحوا بعد.

ولكن هناك أمراً يدعو للقلق في إمكانية العلماء من صنع أجنة بشرية في المختبر، ألا وهو محاولة الأشخاص استعمال تلك الأنظمة لإنتاج أشخاص معدلين وراثياً، وهو سيناريو سيئ مماثل للمولّدات المركزية الموصوفة في رواية "بريف نيو وورلد".

وفي شهر ديسمبر الماضي، انضم مارتينيز أرياس إلى فو، بالإضافة إلى أشخاص آخرين، وكتبوا كلمة تدعو المنظّمين إلى السماح بالبحث العلمي للنماذج، ولكن مع التأكير على فرض حظرٍ قانوني على استخدام هذه النماذج في محاولات لبدء الحمل؛ حيث قالوا: "إننا نحثّ المنظمين على حظر استخدام النتائج المستندة إلى الخلايا الجذعية بهدف التكاثر".

ويقول فو إن شخصاً مجنوناً في يوم من الأيام قد يحاول استخدام الجنين الاصطناعي لصنع إنسان حقيقي. ونظراً للتقدم السريع للعلم، فإن الحظر القانوني مهم؛ حيث قال: "سيحاول العديد من العلماء دفع هذه الحدود، وسيحاول الناس تخطي الخطوط الحمراء. وإنْ وثقنا بالعلماء واعتمدنا فقط على إرادتهم في التوقف، فسيكون هذا سبب ظهور الأطفال المعدلين جينياً. وأنا لا أثق في قدرتهم على ضبط ذاتهم".

لنوضّح كيف فعلوا ذلك
من المعروف أننا إن أبقَينا الخلايا الجذعية في طبق، فإنها ستتحول تلقائياً إلى عضلة القلب وتبدأ في النبض. بالإضافة إلى ذلك، ستنشأ أحياء صغيرة دماغية تشبه النقط، تنبعث منها موجات كهربائية وأعضاء صغيرة يمكن استخدامها لاختبار ما إذا كانت الأدوية تعمل أم لا.

ويذهب البحث الجديد إلى أبعد من ذلك؛ إذ يحاكي الأيام الأولى للجنين. فوفقاً للتقرير، وضع فريق فو الخلايا الجذعية الفردية في فتحات صغيرة على سطح شريحة مايكروفلويدية، ثم قدم إشارات كيميائية ساعدتهم على بدء الانقسام واتخاذ شكل الجنين.

ويقول فريق ميشيغان -الذين نُشرت نتائجُهم الأولى في الأخبار عام 2017- إن بإمكانهم تحويل الخلايا الجذعية إلى بنى تشبه الأجنة في أكثر من 90٪ من الحالات، وقد صنعوا المئات منها.

يقول فو: "تُعتبر هذه الشريحة هي المعيار الجديد للتحكم، مما يجعل أبحاثنا منصة تجريبية؛ حيث تحتوي كل قناة على العديد من الحجرات، ويمكن لكل حجرة حصر كرة صغيرة من الخلايا الجذعية المحفَّزة، بحيث لا تصل المواد الكيميائية إلا إلى جانب واحد من الكرة، وبهذه الآلية نستطيع التحكم في الزمان والمكان المناسبَيْن لتنشيط الخلايا الجذعية".

أما بالنسبة لعلماء نمو الأحياء -الذين يدرسون كيف تنمو الأجسام- فإن الأنظمة التي يستطيعون من خلالها دراسة مراحل تكوين الجنين البشري هي أنظمة مثيرة لاهتمامهم، ويقول فو إن بعض الفرق في اليابان والمملكة المتحدة بدأت تستخدم الجهاز الميكروفلويدي للتحقيق من وسيلة تحديد خلايا معينة في الجنين وفرزها إلى خلايا منوية أو بيوض مستقبلية. وإذا تمكنت هذه الفرق من فهم هذه الآلية، فقد يؤدي ذلك إلى طرق جديدة لصنع خلايا تكاثرية للأشخاص العقيمين.

تردد في التمويل
يطرح التطور السريع لنماذج الأجنة تحدياً للمعاهد الوطنية للصحة، التي لم تتأكد بعد من تمويل هذا النوع من الأبحاث بسبب قانون يمنعها من دفع ثمن التجارب التي تنطوي على أجنة بشرية. ويقول هذا القانون الذي كتبه ديكي ويكر: إن أي "كائن حي" بشري يُصنع من الخلايا يُعتبر جنيناً.

ومن غير الواضح ما الذي يُمكن تصنيفه على أنه كائن حي، فهذا المصطلح يعني شكلاً من أشكال الحياة، لكنه غير مشروح بدقّة في القانون؛ ولهذا بدأت الوكالة في إرسال طلبات المنح من باحثين مثل فو إلى "لجنة توجيهية خاصة ببحوث الأجنة البشرية"، حيث سيقرر المسؤولون فيها ما إذا كانت هذه الأبحاث ستنتهك القانون الأساسي أم لا.

تقول كاري وولينيتز، المديرة المساعدة لسياسة العلوم في المعهد القومي للصحة: ​​"ليس لدينا سياسة تمويل، لكننا نحتاج إلى الحُكم على كل تمويل يثير المخاوف؛ حيث إن من الممكن أن يسبب هذا خطراً قانونياً". ويظل السؤال المُشترك: هل هذه الأعضاء الحية التي ينشئها فو "بإمكانها أن تُشكّل كائناً حيوياً أم لا؟"، مضيفة أن مجال البحث والعلوم في تطور سريع للغاية، وأننا في حاجة إلى فهمه.

وللقيام بذلك، ستشارك المعاهد الوطنية للصحة في ورشة عمل ليوم واحد، سيتم عقدها في أوائل العام المقبل في الأكاديميات الوطنية بواشنطن؛ حيث ستشمل أهدافُها محاولةَ تحديد "الاختلافات بين نماذج الأجنة الاصطناعية للثدييات، وبين أجنة الثدييات الحقيقية". وبالإضافة إلى ذلك، تقول الجمعية الدولية لبحوث الخلايا الجذعية -وهي منظمة علمية تمثل علماء أحياء الخلايا الجذعية- إنها ستنشر النماذج الاصطناعية الصادرة عن المختبر، كما ستراجع القواعد المطبقة على علمائها.

لا يمكن للسياسة مواكبة هذا التطور
يقول العلماء إن التردد في التمويل قد تفاقم، وذلك بسبب التغييرات الأخيرة في السياسة الفيدرالية التي تحدّ من الأموال المخصصة للبحث الذي يشمل عمليات الإجهاض. وفي يونيو، أعلنت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية بدءَ إنهائها لجميع الأبحاث الحكومية التي تستخدم أنسجة الجنين من عمليات الإجهاض الاختيارية؛ إذ لا تزال هذه السياسة الجديدة تسمح بتمويل العلماء الأكاديميين، ولكن فقط بعد إعادة النظر في أخلاقياتهم المتبعة.

وكجزء من الحملة التي تُنسب إلى سياسة الإجهاض الجديدة، تقول وزارة الصحة والخدمات الإنسانية إنها ستسعى إلى "ضمان توفير" بدائل أنسجة الجنين بشكل سريع. كما أشارت إلى أنها تعطي أولويتها إلى النماذج التي تشبه الأجنة. ومع ذلك، عندما أرسل فرع من المعاهد الوطنية للصحة طلباتٍ للحصول على المال لتطوير بدائل أنسجة الجنين هذا العام، استُبعدت "أنظمة نموذج الأجنة البشرية المصنوعة من الخلايا الجذعية" من هذا الطلب.

ويقول العلماء إن مثل هذه التناقضات توضّح تأثّر التمويل بالسياسة. وقال أحد الباحثين، الذي رفض ذكر اسمه لأن لديه طلبات تمويل معلّقة: "إنه أمر غريب، فلا يوجد أي مانع من البحث عن الأعضاء المتعلقة بالدماغ، ولكن هناك مانعاً من البحث في مجال الأجنّة".

وفي تقرير منفصل صدر هذا الأسبوع، وصف فريق من جامعة روكفلر كيفية تقليد مجموعات من الخلايا المكونة للمراحل الأولى للدماغ والجهاز العصبي والجلد لجنينٍ عمره شهر. وفي تلك المرحلة، يكون الجنين البشري مجرد بنية دقيقة تشبه الروبيان مع براعم أطراف صغيرة.

والباحثون في روكفلر -بقيادة كل من إريك سيغيا وعلي بريفانلو- يطلقون على هذه البنى اسم "نيورولويد"، حيث يعتبرونها "الحل العملي الوحيد"؛ وذلك بسبب صعوبة دراسة الأجنة البشرية الفعلية في هذه المرحلة المبكرة وصعوبة الحصول عليها. كما أنشأ هؤلاء الباحثون شركة ناشئة تُدعى "رومي سينتيفيك" تخطط لفحص الأدوية على هذه البنى لدراسة حالات عصبية مثل مرض هنتنغتون.

ويصف سيغيا تغيّرَ مواقف الحكومة بأنها دلالة على "حالة الارتباك الحالية"، حيث تحاول الحكومة معرفة "ما هو الجنين الحي، وما هي الأعضاء غير الجنينية". لكنه يرى أن بحثه لم يتأثر، حيث يقول: "هذه الأمور لا تبطئنا، فنحن نستخدم التمويلات الخاصة فقط".

المحتوى محمي