أعلنت شركة فيسبوك عبر منشور على مدونتها هذا الأسبوع عن اتخاذها خطوات لمحاربة ظاهرة الانتحار بين صفوف الشباب، وتتضمن هذه الخطوات مشاركة بيانات مستخدميها التي تخص حديثهم عن الانتحار وإيذاء النفس، وتعيين مدير لسياسة السلامة تكمن مهمته في التركيز على الصحة والرفاهية.
ويأتي من ضمن هذه التغييرات الملحوظة التي أجرتها فيسبوك على سياستها هو قراراها "بمنع نشر صور واقعية لإيذاء النفس". كما قالت الشركة -المالكة لمنصة إنستقرام- أيضاً إنها "ستجعل البحث عن محتوى كهذا أكثر صعوبة، وستمنع اقتراحه في أثناء التصفح أيضاً". وهذا بالإضافة إلى إعلان نشرته إنستقرام في شهر فبراير، مفاده أنها ستبدأ بتشويش الصور التي تعرض إيذاءً واقعياً للنفس. (ولم ترد فيسبوك على طلبات التعليق على هذا الأمر).
ولكن بينما يثني الباحثون على جهود شركة فيسبوك في قضية ارتفاع معدل الانتحار بين الشباب الصغار، فإنهم يرون أيضاً أن الآليات التي ستتبعها الشركة لتحويل هذا التصريح العلني إلى نتائج ملموسة ما تزال غير واضحة.
وقد تم توثيق العلاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي وبين موجة انتحار الشباب الصغار مؤخراً. وعلى الرغم من ذلك، فإن أسباب انتشار الانتحار لا تنحصر في وسائل التواصل الاجتماعي فقط -حيث تقود حالات الانتحار التي يتم توثيقها إعلامياً إلى ازدياد معدل حالات أو محاولات الانتحار- بل إن هذه الظاهرة تصبح أكثر خطورة عندما يتم مزجها مع المنصات الإلكترونية التي صُممت للمشاركة على أكبر نطاق.
تقول جانين غيدري، وهي أستاذة في كلية الإعلام والثقافة بجامعة فيرجينيا لرابطة الشعوب البريطانية، إن سبب تفاقم الأمر يعود جزئياً لحداثة وعدم كفاية الأبحاث التي تربط وسائل التواصل الاجتماعي مع الانتحار. وفي أبريل الماضي نشرت غيدري وزملاؤها دراسة في مجلة Communication in Healthcare عن طبيعة المحادثات التي تدور حول الانتحار في إنستقرام.
فقد وجدوا أن المنشورات التي ذكرت أو أظهرت بشكل واقعي أفكاراً تخص الانتحار قد أثارت مشاركة أعلى من المنشورات الأخرى. بينما لم تستخدم منظمات الصحة العامة منصة إنستقرام للمساعدة في مكافحة الانتحار، وهي غالباً فرصة ضائعة، لا سيما إذا نظرنا إلى مدى شعبية المنصة بين المراهقين والشباب، كما يقول دان رومر، مدير الأبحاث في معهد التواصل مع المراهقين بجامعة بنسلفانيا.
كما يقول رومر: "يمكن أن تتسبب هذه المشاركات في جعل الانتحار يبدو أمراً طبيعياً، وما يزيد الأمر خطورة، أنها يمكن أن تشجع شخصاً يفكر في القيام بهذه الأشياء على تقليدها".
نشر رومر وزملاؤه في مايو الماضي دراسة بحثت في تأثير صور إنستقرام على إيذاء النفس، وقد جرت الدراسة على أكثر من 700 شخص بالغ تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً. ووجدوا أنه خلال شهر من التعرض لمثل هذه الصور، راودت 60٪ من هؤلاء الأشخاص أفكارٌ وخواطر حول شعور إلحاق الأذى بأنفسهم.
وأظهرت الدراسة شيئاً آخر أيضاً، وهو أن 20٪ فقط من الأشخاص المدروسين قد بحثوا عن محتوى متعلق بإيذاء النفس على إنستقرام، مما يعني أن عدداً كبيراً من الأشخاص الذين ثبت أنهم سريعو التأثر بهذه الصور قد تعرضوا لها عن طريق الخطأ. وفي هذه الحالات، فإن تعهُّد فيسبوك بجعل البحث عن هذه المنشورات أكثر صعوبة سيكون غير مُجدٍ.
وما تزال الآليات التي تنوي فيسبوك استخدامها لتحقيق هدفها بمنع نشر صور إيذاء النفس الواقعية غير واضحة. يقول رومر: "سيحتاجون إلى ذكاء اصطناعي لتحديد هذه الصور بسبب انتشارها الكبير". لكن هذا سيقدّم تحدياً يتمثل في "الكيفية التي يمكن بها تدريب الذكاء الاصطناعي ليأخذ بعين الاعتبار كل الدرجات المختلفة لما يعتقد الناس أنه محتوى مشكوك فيه".
وهناك جزء آخر يُظهر بعض الأمل، وهو تعهّد فيسبوك بإشراك مستخدميها مع أصدقائهم للمساعدة في مكافحة انتشار الانتحار. وقد قالت غيدري في بحثها: "نسمع الكثير عن التعليقات السلبية في وسائل التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى التنمر الإلكتروني ]الذي يؤدي للانتحار[، ولكننا وجدنا أيضاً رسائل داعمة بشكل خاص، مثل: (أنا هنا لأجلك)، (أنتَ لستَ وحدك)". وأظهرت دراسة أُجريت مؤخراً أن الناس قد استخدموا أداة التبليغ عن إيذاء النفس دون تردد عندما علموا بوجودها ووظيفتها.
لذا فالناس يهتمون ويريدون المساعدة، ولكن لا يزال رومر غير متأكد من الدور الذي يمكن أن يلعبه الأصدقاء، حيث يقول: "كيف يمكنك تمييز الصديق؟ وكيف يمكنك تحديد الأشخاص [الذين يمكن أن يساعدوا]؟ هناك مشكلة تتعلق بالخصوصية".
أثارت خطة فيسبوك لتوظيف خبير بالسلامة تساؤلات أكثر من الترحيبات؛ حيث إن هذا المنصب واسع النطاق: فهو يتضمن وضع سياسة عالمية "لإيقاف النشاطات والأفراد الذين يهددون سلامة مجتمعنا العالمي وصحته ورفاهيته"، وتحديد "اضطرابات الأكل، والاكتئاب، والقلق، والإدمان، والتغذية، والعادات الصحية، واللقاحات، وغيرها"، (بالإضافة إلى الانتحار وإيذاء الذات).
ويقول رومر: "هذه وظيفة ضخمة للغاية لأي شخص سيعمل بها، فسيكون هذا العمل تحدياً كبيراً بالتأكيد. وأنا مهتم بمعرفة الشخص الذي سيحصل على ذلك المنصب؛ حيث إن الشخص الوحيد الذي سيكون مؤهلاً هو ممّن خدموا في مركز للوقاية من الإصابات في منظمة صحية كبرى مثل منظمة الصحة العالمية أو مركز السيطرة على الأمراض؛ لأن هذا هو المستوى الذي يجب أن يبحثوا عنه".
ويضيف رومر: "يمكنك القول بأن عملهم مشابه لعمل موظفي العلاقات العامة؛ حيث إنهم سيوصلون الرسالة التي تهمهم، وقدرة شخص واحد على تنظيم هذه الجهود لكل تلك الأمور هو أمر يدعو للتساؤل بالتأكيد".