أدت التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى زيادة الاهتمام بإمكانية استثمار تكنولوجيا التحكم الذاتي في أنظمة الخدمات اللوجستية الحضرية. وقد كان بعض الشركات مثل أمازون (Amazon) تجري التجارب على استخدام المركبات والطائرات من دون طيار الذاتية التحكم للتوصيل بهدف تحسين الفاعلية وتخفيض أزمنة التوصيل. إضافة إلى ذلك، تُستَخدم الروبوتات الذاتية التحكم (الآلية) في المستودعات لتحسين سلاسة عملية جمع الأشياء وتوضيبها. ومع بلوغ السيارات الذاتية التحكم وأنظمة القيادة الآلية المخصصة للطرقات مرحلة النضج، بدأت الشركات الكبرى على مستوى العالم، مثل جوجل وتسلا (Tesla) إجراء دراسات حثيثة للاستثمار التجاري لتكنولوجيا التحكم الذاتي من أجل أنظمة النقل البري.
تعقيد عملية التوصيل
يعاني قطاع الخدمات اللوجستية المرحلةَ الأخيرة في عملية التوصيل، فهي باهظة التكاليف وتستهلك الكثير من الوقت بسبب ازدحام السير وتعقيدات التحرك والتوجيه ضمن المناطق الحضرية الكثيفة سكانياً. ويمكن أن يتسبب بعض المشاكل مثل الحوادث والأعطال والكوارث والأحداث الطبيعية بتأخير عملية التوصيل. وفي منطقة الشرق الأوسط، تواجه مؤسسات الخدمات اللوجستية أيضاً مشاكل إضافية تتعلق بفترة الذروة في الصيف، إذ يمكن أن تتأخر عمليات التوصيل بالدراجات النارية، أو تتوقف بالكامل، بسبب الحرارة الشديدة.
تمثل مركبات التوصيل الذاتية التحكم، المزودة بأحدث المستشعرات وأنظمة التوجيه التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، حلاً عملياً وواقعياً لتحسين المرحلة الأخيرة من عملية التوصيل. وتستطيع هذه المركبات أن تتحرك وتناور آلياً ضمن حركة المرور، وتختار أكثر المسارات فاعلية، وتنسق عمليات التوصيل، ما يؤدي إلى تخفيض أزمنة التوصيل، وتحسين الفاعلية الإجمالية. وقد بدأت الشركات العملاقة في هذا المجال، مثل أمازون (Amazon) وفيديكس (FedEx) ودي آتش إل (DHL)، باختبار التوصيل عن طريق طائرات الدرون المؤتمتة لدراسة القدرات الكامنة لهذه التكنولوجيا الحديثة.
اقرأ أيضاً: هذه الشركة لصناعة السيارات الذاتية التحكم تستخدم بوتات الدردشة لزيادة ذكاء سياراتها
تالابوتس: روبوتات توصيل الطعام ذاتية التحكم
مؤخراً، وفي إطار مشروع مشترك مع سلطة دبي للمناطق الاقتصادية المتكاملة (DIEZ) وشركة طلبات الإمارات (Talabat UAE)، أعلنت هيئة الطرق والمواصلات (RTA) عن إطلاق برنامج تجريبي لروبوتات توصيل الطعام الذاتية التحكم، يحمل اسم "تالابوتس" (Talabots). تركز هذه المبادرة على إحداث تحول في ممارسات المرحلة الأخيرة لعمليات التوصيل في الإمارات العربية المتحدة، وذلك من خلال التشجيع على اتباع أساليب التوصيل الخالية من الانبعاثات، والاستفادة من التكنولوجيا المتطورة لتعزيز الفاعلية. يتوافق هذا المشروع مع رؤية دبي الطموحة في تحويل 25% من رحلات النقل إلى الأنماط الذكية والذاتية القيادة بحلول العام 2030.
يشتهر مرفأ جبل علي في الإمارات العربية المتحدة ببنيته التحتية التي تعتمد على أحدث التقنيات، واتباع نهج التفكير الاستشرافي في تطبيق التكنولوجيا. وقد بدأت إدارة المرفأ استخدام الشاحنات الذاتية التحكم لتحسين التعامل مع الحمولات وزيادة فاعلية النقل. تتميز هذه المركبات الذاتية القيادة بأنها مزودة بمستشعرات وكاميرات متطورة، وبرمجيات معقدة، ما يتيح لها التحرك ضمن محطات الحاويات من دون تدخل بشري. تستطيع الشاحنات الذاتية التحكم تحقيق فاعلية عالية في نقل الحاويات من السفن إلى ساحات التخزين أو من ساحات التخزين إلى مناطق التحميل، ما يخفف الحاجة إلى العمل اليدوي، ويخفف من مخاطر الحوادث.
اقرأ أيضاً: مشروع جديد لتطوير روبوتات ذاتية التحكم قادرة على التكاثر والتطور
أهمية نظام التحكم المركزي في عمل عمل المركبات الذاتية التحكم
وفي مجال الخدمات اللوجستية للمناطق الحضرية، تمثل إدارة الأسطول عملية معقدة أخرى، حيث تُكلَف المركبات بمهام ومسارات وجداول زمنية متنوعة. تمثل تكنولوجيا التحكم الذاتي تطوراً كبيراً في مجال تحسين عمل الأساطيل وتنسيقها. فعن طريق التواصل بين المركبات الذاتية التحكم ونظام التحكم المركزي، يصبح من الممكن تطبيق التحديثات والتعديلات وتوزيع الموارد بفاعلية عالية في الزمن الحقيقي. يؤدي التحسين في إدارة الأسطول إلى تخفيف تكاليف التشغيل، وتقليل فترات التوقف عن العمل، وتحسين استثمار الموارد، ما يسهم في تحسين العمليات اللوجستية من حيث الكفاءة وفعالية التكلفة.
إضافة إلى ذلك، فقد أدى دمج تكنولوجيا التحكم الذاتي في الخدمات اللوجستية الحضرية إلى إحداث أثر إيجابي في البيئة. فقد قللت المركبات الذاتية التحكم بنوعيها الكهربائي والهجين من الاعتماد على الوقود الأحفوري بأنواعه المختلفة، ما أدى إلى تخفيف الانبعاثات الكربونية وتحسين جودة الهواء في المناطق الحضرية. علاوة على ذلك، يؤدي رفع فاعلية إدارة الأسطول إلى التقليل من أوقات التوقف، وتحسين تخطيط المسارات، ما يسهم أيضاً في تخفيف الأثر البيئي للعمليات اللوجستية. تسعى المناطق الحضرية إلى مواجهة تحديات التلوث والتغير المناخي، ويمثل تبنّي تكنولوجيا التحكم الذاتي مساراً واعداً نحو تحقيق خدمات لوجستية مستدامة للمناطق الحضرية.
اقرأ أيضاً: كيف تستعد الإمارات لعمل السيارات ذاتية القيادة على نطاق واسع بعد الترخيص لشركة وي رايد؟
تتميز تكنولوجيا التحكم الذاتي بقدرات كامنة كافية لإحداث ثورة في الأنظمة اللوجستية الحضرية، ما يوفر فوائد عديدة مثل زيادة فاعلية المرحلة الأخيرة من عملية التوصيل، وتحسين السلامة على الطرقات، والإدارة المثلى للأساطيل، والاستدامة البيئية. تتجه المؤسسات التي تعمل في هذا المجال إلى تبنّي هذه التكنولوجيا القادرة على إحداث تحولات جذرية، ولهذا، يتسم التعاون بين الحكومات والشركات ومطوري التكنولوجيا بأهمية فائقة لتحقيق اندماج سلس للمركبات الذاتية التحكم في المشهد الحضري. ومع زيادة اندماج تكنولوجيا التحكم الذاتي في مناحي الحياة المختلفة، تشهد الوظائف والمهام ضمن هذا المجال تطوراً ملحوظاً، فقد ظهرت فرص جديدة ومثيرة للاهتمام للمحترفين الذين يتمتعون بمهارات اختصاصية في تحليل البيانات، والذكاء الاصطناعي، وإدارة الأساطيل، وهندسة البرمجيات، ودعم العملاء، ودراسة الامتثال للقوانين والأنظمة.
اقرأ أيضاً: ما هي أحدث الأفكار في تصميم السيارات ذاتية القيادة التي يمكنها الذهاب إلى أي مكان؟
كي نستفيد من مزايا تكنولوجيا التحكم الذاتي في الخدمات اللوجستية الحضرية بالكامل، من الضروري أن نتكيف مع هذه التغيرات، ونحسّن مهارات القوى العاملة. ويمكن أن يؤدي تبنّي تكنولوجيا التحكم الذاتي، بإمكاناتها الكامنة والواعدة، إلى بناء أنظمة خدمات لوجستية حضرية أكثر فاعلية واستدامة، وأكثر تركيزاً على العملاء، لخدمة مدن المستقبل.