لأول مرة: العلماء يرصدون كوكباً يحمل بخار الماء في غلافه الجوي ويقع في المنطقة الصالحة للسكن حول نجمه

4 دقائق
رسم تصوّري للكوكب k2-18b.

تمكن علماء الفلك، ولأول مرة، من اكتشاف أدلة لوجود الماء على كوكب من المحتمل أنه صالح للسكن، يقع خارج نظامنا الشمسي.

تشير النتائج إلى أن الكوكب k2-18b -الذي يدور حول نجم قزم أحمر على بعد 110 سنوات ضوئية عن الأرض وكان من الكواكب التي يُعتقد بأنها صالحة للسكن- يحتوي على بخار الماء في غلافه الجوي.

نُشرت تفاصيل هذا الاكتشاف في بحثين في مجلة Nature Astronomy وموقع arXiv. وهي المرة الأولى التي يحقق فيها العلماء هذا الاكتشاف بالنسبة لكوكب يقع في المنطقة الصالحة للسكن، وهو المجال المداري حول النجم حيث يمكن أن يتواجد الماء السائل على سطح الكوكب من الناحية النظرية.

يقول أنجيلوس تسياراس، وهو عالم مختص بالكواكب الخارجية من كلية لندن الجامعية والمؤلف الأساسي للدراسة المنشورة في مجلة Nature Astronomy: "خارج المجموعة الشمسية، هذا هو الكوكب الوحيد الذي يتميز بدرجة الحرارة المناسبة لوجود الماء، ويحيط به غلاف جوي يحوي الماء أيضاً، مما يجعله حالياً أفضل مرشح بين الكواكب التي يحتمل أنها صالحة للسكن".

وعلى الرغم من أن البحثين يشتركان في الاستنتاج العام حول وجود الماء في K2-18b، إلا أن هناك فرقاً واضحاً بين أسلوبي البحثين، كما أن نتائجهما تتباين من حيث أثرها على البنية العامة للكوكب نفسه.

تتفق المجموعتان في أنه لا يمكن أن نعتبر هذا الكوكب بمنزلة نسخة ثانية عن كوكب الأرض؛ حيث إن كتلته تبلغ ثمانية أضعاف كتلة الأرض، ويبلغ حجمه ضعفي حجمها. كما أنه قريب للغاية من نجمه، ويبلغ دوره المداري 33 يوماً فقط، غير أن هذا النجم من ناحية أخرى يعادل نصف الشمس من حيث الحجم ودرجة الحرارة. وقد تأكد وجود K2-18b في 2015، وأشارت دراسات لاحقة إلى احتمال كونه كوكباً صخرياً يمتلك "غلافاً جوياً أو محيطاً كبيراً".

درس الفريقان بيانات هابل لمراقبة حوادث العبور النجمية للكوكب أثناء دورانه حول نجمه. فعندما يعبر ضوءُ النجم الغلافَ الجوي للكوكب، يتعرض للانتثار بسبب وجود عناصر ومركبات مختلفة في الغلاف الجوي، ويستطيع العلماء تحليل هذا الانتثار لتحديد مكونات الغلاف الجوي. وقد تمكن الفريق الذي نشر الدراسة في موقع arXiv، بقيادة الباحث المختص في الكواكب الخارجية في جامعة مونتريال بيورن بينيكي، من دراسة بيانات التلسكوبات الفضائية كيبلر وسبيتزر أيضاً.

وتوصّل بحث Nature Astronomy، وهو بحث محكّم وأكثر تحفظاً في استنتاجاته، إلى وجود تركيز كبير من الماء ضمن الغلاف الجوي للكوكب K2-18b، على الرغم من أن الباحثين يتوقعون أنه يتراوح بين 0.01% و50%.

ويعتقد تسياراس وفريقه أن الكوكب على الأرجح عبارة عن "أرض عملاقة" صخرية التكوين، وأنه محاط بغلاف جوي يهيمن الماء على تكوينه ويختلط بكمية كبيرة من غاز شفاف مثل النيتروجين، أو أنه يحوي تشكيلات ضخمة من الغيوم. ويمكن أن يمثل الماء في الغلاف الجوي دلالة على وجود الماء على السطح، الذي قد يكون مغطى بالكامل بمحيط مائي، ولكن هذا الأمر ما زال غير واضح حالياً.

من ناحية أخرى، أكد بينيكي وفريقه على النتيجة القائلة بوجود كميات هائلة من الغيوم المائية في سماء K2-18b، كما اقترحوا نسخة أكثر غرابة من هذا الكوكب. ويشير نموذجهم -الذي يتضمن بيانات كيبلر وسبيتزر- إلى أن K2-18b هو "نبتون مصغر" يتألف من نواة صغيرة صخرية أو جليدية محاطة بغلاف غازي. وضمن طبقات معينة من الغلاف الجوي، يستطيع بخار الماء أن يتكاثف متحولاً إلى قطيرات سائلة. يقول بينيكي: "من وجهة نظر فلكية بيولوجية، فإن هذا أكثر أهمية بكثير. إن وجود الماء السائل -لا بخار الماء- هو الذي يسمح بحدوث العمليات البيولوجية الكيميائية للحياة". قد يكون K2-18b موطن حياة مجهرية تطوف عبر الطبقة الغازية، وتعيش معتمدة على قطيرات الماء المتكاثفة ضمن الغيوم.

غير أن البحثين يبقيان محدودين بقدرات التكنولوجيا الحالية. وبالفعل، فقد أصبح هابل في هذه الأيام أقرب إلى تحفة عتيقة. وفي الواقع، فإن كاميراته لم تُصمم لإجراء دراسات كهذه، كما أنه ليس من السهل نمذجة غلاف جوي يبعد 110 سنوات ضوئية عن طريق إجراء تحليل برمجي لبيانات عمليات الرصد الموجهة إليه.

ويقدم كيبلر وسبيتزر نطاقاً أوسع من عمليات الرصد (وهو سبب وجود الغيوم في نماذج بحث arXiv)، غير أنهما أقل دقة من هابل. وليس لدينا حتى الآن فكرة عن درجات الحرارة على الكوكب (أشار فريق تسياراس إلى أنها قد تتراوح بين 73- و47 درجة مئوية)، أو مكان توضع بخار الماء في الغلاف الجوي بدقة، أو طبيعة المكونات الأخرى للغلاف الجوي، أو ما إذا كان هذا الكوكب مُقفلاً مدياً (أي أن سرعة دورانه حول نفسه تساوي سرعة دورانه حول النجم، بحيث يوجّه نفس الناحية إلى النجم طوال الوقت)، أو أية ميزات أخرى يمكن أن تقدم لنا صورة أكثر وضوحاً حول مدى صلاحية K2-18b للسكن.

قد تتمكن التلسكوبات الأرضية من تنفيذ بعض عمليات الرصد المفيدة، ولكن في الواقع، سيكون من الصعب للغاية رصد غلاف جوي يحتوي على الماء عبر غلافنا الجوي الذي يحتوي على الماء أيضاً. من المحتمل أن تحقق بعض التلسكوبات (مثل التلسكوب العملاق في شمال تشيلي والتلسكوب ذي القطر البالغ ثلاثين متراً) شيئاً من النجاح في دراسة هذا الكوكب، ولكن لن يبدأ أي منهما بالعمل قبل النصف الثاني من العقد المقبل.

وبدلاً من ذلك، فإن رهاننا الأفضل يكمن في متابعة عمليات الرصد مع تلسكوبين سيحلان محل هابل، وهما: التلسكوب الفضائي جيمس ويب الذي يفترض أن يُطلَق نحو المدار في 2021 بعد عدة تأجيلات، والتلسكوب الفضائي آرييل التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، والذي سيتم إطلاقه في 2029. سيكون كلا التلسكوبين قادرَيْن على تنفيذ عمليات رصد أكثر دقة وأكثر شمولية للطيف الكهرطيسي، وتحديد المزيد من الجزيئات في الغلاف الجوي، مثل ثنائي أكسيد الكربون والميثان والأمونيا. كما ستساعدنا هذه التلسكوبات في بناء صورة أكثر وضوحاً حول بنية الكوكب K2-18b ومحتواه المائي، وما إذا كان أقرب إلى أرض عملاقة أو نبتون مصغر.

يقول ريان كلوتييه في مركز هارفارد وسميثسونيان للفيزياء الفلكية، الذي لم يشارك في أي من الدراستين: "من المذهل أننا ما زلنا قادرين على استخدام هابل لإجراء دراسات علمية مبتكرة كهذه". ولكن أداة مثل التلسكوب الفضائي جيمس ويب "ستحسن من دقة القياسات بمرتبة كاملة مقارنةً مع هابل"، مما يسهل كثيراً من إجراء دراسات مفصلة لأي من الكواكب الخارجية الواقعة في المنطقة الصالحة للسكن، التي يبلغ عددها 55 كوكباً.

ومن الجدير ملاحظته أن إشارات K2-18b ليست موثوقة تماماً. يقول كلوتييه: "يتصف هذا النوع من الدراسات بصعوبة بالغة. ففي الماضي، كانت بعض الإشارات "تختفي" من الناحية العملية بعد إجراء تحليل إضافي أو إجراء فريق آخر لتحليل مستقل".

وفي المحصلة، فإن من النادر لنا أن نتلمس دليلاً على وجود الماء في الغلاف الجوي لكوكب آخر، وهذا وحده كفيل بإثارة ما يكفي من الاهتمام لمتابعة إجراء هذه الدراسات عندما تدخل التكنولوجيات الجديدة في العقد المقبل حيز التطبيق.

المحتوى محمي