طوّر باحثون في جامعة نورث وسترن جهازاً إلكترونياً، هو الأول من نوعه، للمراقبة المستمرة لصحة الأعضاء المزروعة في الوقت الفعلي، والكشف المبكر عن علامات رفض العضو، خاصة الكِلى.
المخاوف المرافقة لعمليات زرع الكلى
تعمل الكلية المزروعة عادةً في غضون يومين بعد الزرع، وتعود وظائف الكلى إلى وضعها الطبيعي، ثم يبدأ القلق، لأن رفض العضو المزروع قد يحدث في أي وقت. ولمنع الرفض، يُعطى المريض أدوية مثبطة للمناعة ومنشطات قوية مضادة للرفض، ويبقى الخوف من الالتهابات، ومضاعفات الأدوية، والآثار الجانبية المختلفة، ورفض الكلى، ويتم التحكم في بعض هذه المخاوف من خلال تعديلات الدواء، لكن مشكلة رفض الكلى تبقى موجودة.
لا يمكن زيادة نسبة أدوية مثبطات المناعة لمستويات عالية جداً، لأن هذه الأدوية تحمل مخاطرها أيضاً، فهي تثبّط جهاز المناعة بأكمله، ما يزيد احتمالات الإصابة بالعدوى والسرطان، لذلك لا يُفضّل الأطباء زيادة الجرعات ما لم تكن هناك علامة على حاجة ماسة إلى ذلك.
لهذه الأسباب، يراقب الأطباء حالياً صحة الكلى من خلال قياس علامات معينة في الدم، خاصةً تتبع مستويات الكرياتينين واليوريا (البولة) في الدم لدى المريض، والتي تُعطي الأطباء فكرة عن وظائف الكلى.
يخضع المريض لفحص الدم عدة مرات في البداية، يتضاءل تكرار هذه الفحوصات، ليصبح مرة أسبوعياً، ثم تُعاد كل بضعة أسابيع. لكن مستويات الكرياتينين واليوريا (البولة) في الدم أحياناً تتقلب لأسباب لا علاقة لها برفض الأعضاء، وقد تعطي سلبية أو إيجابية كاذبة، وبالتالي لا يمكن اعتمادها كمؤشر قاطع عن رفض العضو المزروع، وقد يحدث الضرر النسيجي حتى عندما يكون الكرياتينين طبيعياً، لذا تبدو نتائج تحاليل وظائف الكلى طبيعية، وتتأخر في الارتفاع بضعة أيام.
اقرأ أيضاً: تعرّف على الدكتور الأميركي اللبناني أمين أرناؤوط وجهوده في معالجة أمراض الكلى
يعتمد الأطباء اليوم على خزعة الكلية لتأكيد الرفض، وفيها يستخرج الطبيب عينة من أنسجة العضو المزروع بواسطة إبرة طويلة، ويُحللها بحثاً عن علامات الرفض القاطعة.
على الرغم من أن هذه هي الطريقة التي تؤكد الرفض، فإن لها مضاعفات خطيرة أحياناً مثل النزيف والعدوى والألم وحتى الضرر غير المقصود للأنسجة القريبة، ويستغرق الحصول على النتائج أربعة أو خمسة أيام، قد تكون حاسمة في اتخاذ القرار المناسب لرعاية المريض.
عموماً، من الشائع أن رفض العضو يحدث مباشرة بعد عملية الزرع، لكن عند البعض، قد يحدث الرفض بعد سنوات من الإجراء الجراحي، دون ظهور أعراض مبكرة على المرضى، ما قد يعرض حياة المريض للخطر.
اقرأ أيضاً: زراعة قلوب الحيوانات قد تنقذ حياة الأطفال الذين يعانون من اعتلالات قلبية
جهاز مراقبة الكلى المستمرة
جاء جهاز مراقبة الكلى الذي طوّره الباحثون في جامعة نورث ويسترن حلاً لهذه المشكلة، وأوضّح الباحثون في دراستهم المنشورة في دورية ساينس، أن الجهاز عبارة عن رقاقة صغيرة، أصغر من ظفر الخنصر، وأرق من شعرة الإنسان، يبلغ عرضه 0.3 سم فقط، وطوله 0.7 سم، وسمكه 220 ميكرون. يُوضع على السطح الخارجي للكلية المزروعة، وهو متناسب تماماً مع المحفظة التي تغلف الكلية، وتُبقيه على اتصال حراري جيد بالكلية.
يحتوي الجهاز على مقياس حرارة حساس للغاية، يمكنه اكتشاف الاختلافات الطفيفة في درجات الحرارة حتى 0.004 درجة مئوية في الكلية، ويقيس المستشعر أيضاً تدفق الدم.
يتم بعد ذلك توصيل المستشعرات بحزمة صغيرة من الإلكترونيات، بما في ذلك بطارية خلوية صغيرة توفّر الطاقة، وتُستخدم تقنية البلوتوث لتدفق البيانات بشكلٍ مستمر ولاسلكي إلى الأجهزة الخارجية.
أي أن الجهاز يكتشف اضطرابات درجة الحرارة المرتبطة بالالتهابات واستجابات الجسم الأخرى التي تنشأ مع رفض العضو المزروع، ثم ينبّه المريض أو الطبيب عن طريق بث البيانات لاسلكياً إلى هاتف ذكي أو جهاز لوحي قريب.
يؤكد الباحثون أيضاً أن المكونات الإلكترونية جميعها مغلفة ببلاستيك ناعم ومتوافق حيوياً ولطيف ومرن على أنسجة الكلى الحساسة، وأن إدخال الجهاز جراحياً سريع وسهل. كما يمكن وضع الجهاز مباشرةً أثناء زرع الكلية، ما يُبقي الكلى تحت المراقبة دون الحاجة إلى إجراءات إضافية.
اقرأ أيضاً: شريحتان إلكترونيتان تُعيدان قدرة رجل مشلول على المشي
تتمثل قيمة هذا الوقت الإضافي بإتاحة الفرصة للتدخل الطبي المبكر، وتقديم العلاجات المضادة للرفض مبكراً، وتحسين نتائج عملية الزرع، وتجنّب حدوث الضرر بالعضو المتبَرّع به.
كيف يعمل الجهاز؟
مبدأ عمل الجهاز الإلكتروني الجديد بسيط جداً، وأكثر موثوقية، ويعتمد على درجة الحرارة، إذ يصاحب الالتهابات عادةً ارتفاع درجات الحرارة. يمكن للجهاز استشعار الزيادات غير الطبيعية، والتغيرات غير المعتادة في درجة الحرارة، ما قد يوفّر علامة إنذار مبكر لرفض العضو.
لاحظ الباحثون ذلك عندما اختبروا الجهاز على حيوان تلقى كلية مزروعة، إذ ارتفعت درجة الحرارة المحلية للكلية المزروعة بنحو 0.6 درجات مئوية قبل ظهور أعراض الرفض.
وقد وجدوا نتيجة اختبارات على حيوانات خضعت لعمليات زرع كلى أن الحيوانات التي لم تتناول أدوية مثبطة للمناعة كشف الجهاز أعراض الرفض لديها قبل يومين أو ثلاثة أيام من تغير المؤشرات الحيوية في عينات الدم، أمّا في الحيوانات التي تتناول أدوية مثبطة للمناعة، فقد ارتفعت درجة الحرارة، ورصدها الجهاز قبل ثلاثة أسابيع من زيادة الكرياتينين واليوريا في الدم. ويختبرون النظام الآن على نموذج حيواني أكبر، ويحاولون تطوير البطارية لتدوم مدى الحياة.
يساعد الجهاز على تجنب الأدوية غير الضرورية مع توفير راحة البال لأنه يلتقط أي تغييرات مفاجئة في عملية زرع الكلى واكتشاف الرفض الحاد، الذي لا يُعطي أي علامات تحذيرية.
اقرأ أيضاً: ابتكار جلد مرن يساعد في تطوير أطراف صناعية تستشعر الضغط والحرارة
بعد النجاح الأولي للجهاز على الكلى المزروعة، يعتقد الأطباء أنه يمكن أن ينجح في عمليات زرع الأعضاء الأخرى أيضاً، بما في ذلك الكبد والرئتين.