مع تنامي سوق التكنولوجيا عموماً، والذكاء الاصطناعي خصوصاً، برزت العديد من التحديات التي تواجه الشركات التي تؤمن الحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي، كالتعقيدات التي تواجه نشر الحلول وتبنيها والفجوة في عدد العاملين في هذه القطاعات بين الجنسين، حيث كان هناك غياب في العنصر النسائي في صناعة الذكاء الاصطناعي.
على الرغم من ذلك، برزت الكثير من أسماء العاملات في قطاع الذكاء الاصطناعي، ومنهم ميلدا أكين وهي رائدة أعمال وموجهة وعالمة حاسوب، وحازت عدة جوائز. وقد ظهرت في قائمة "النساء اللواتي يقفن خلف أهم العلامات التجارية التكنولوجية في الشرق الأوسط" لمجلة فوربس الشرق الأوسط (Forbes Middle East) لثلاث سنوات متتالية، ونالت جائزة "أفضل رائدة أعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" لعام 2022 في قمة القيادات النسائية بمنطقة الشرق الأوسط. وقد كان لإم آي تي تكنولوجي ريفيو اللقاء التالي معها.
لقد عملتِ مع جهات حكومية مختلفة في المملكة العربية السعودية في مجال التدريب على الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى أنك المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركتي ذكاء اصطناعي في الإمارات العربية المتحدة. ما رؤيتك للمشهد التكنولوجي الحالي للذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خصوصاً في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة؟
لقد تعاونتُ في الواقع مع الهيئة الوطنية للأمن السيبراني ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في المملكة العربية السعودية في مجال التدريب على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، وكنت أولَ امرأة في العالم تُنظّم هذا التدريب وتقدّمه للنساء في المنطقة.
ومؤخراً، سعدتُ باختياري للانضمام إلى مسرّعة تيك ستارز الرياض التي تديرها شركة تيك ستارز (Techstars)، وهي من أضخم شركات الاستثمار في مرحلة التمويل الأولي على مستوى العالم، للعمل مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في المملكة العربية السعودية (MCIT) وشركة رائد فنتشرز (RAED Ventures) والبنك الأهلي السعودي (SNB).
يمكن أن يصل الأثر المحتمل لمجال الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط إلى 320 مليار دولار بحلول عام 2030، وتمثّل هذه المنطقة إحدى أكثر الأسواق إثارة للاهتمام في هذه الفترة. وبما أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تشكّل نقطة التقاء للتجارة الدولية، فهي تربة خصبة سريعة النمو والتقلب من الفرص المتنوعة. إنها مكان رائع للعمل والازدهار، مع توفر الكثير من الدعم والتشجيع الحكومي.
لكن أحد الموارد ما زال خارج نطاق الاستثمار إلى درجة كبيرة، وهو الإمكانات النسائية في المجال التكنولوجي. وهي ظاهرة منتشرة على مستوى العالم، ولكنها أكثر بروزاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. هذا ما دفعني مؤخراً إلى إطلاق سيريوس لابز (Sirius Labs)، وهي منصة تعليمية تعتمد على الأجهزة المحمولة وتركّز على الذكاء الاصطناعي، وموجّهة نحو تطوير مهارات التميز والقيادة في ريادة الأعمال للمرأة في المجال التكنولوجي، وتهدف إلى تمكين النساء في الصناعات التكنولوجية من إطلاق قدراتهن الكامنة بالكامل من خلال معسكرات تدريبية تحويلية (مصممة لإحداث تحول كبير في المهارات والإمكانات)، وجلسات تدريبية، وبرامج إشراف. صُمِّمَت منصة سيريوس لابز من أجل النساء في منطقة الشرق الأوسط وتركيا وشمال إفريقيا، وتركّز على نحوٍ خاص على تعزيز مهارات ريادة الأعمال، والمهارات القيادية، والمساواة بين الجنسين، والشمولية.
اقرأ أيضاً: تعرّف إلى المغربي رشيد اليزمي وابتكاره الثوري لبطاريات السيارات الكهربائية
يذكر موقع شركة دي 14 أيه آي (D14.AI): "نحن من بين الشركات القليلة التي تستطيع حل مشكلات الفاعلية المعقدة لاستخدام أحدث مقاربات الذكاء الاصطناعي والأمثَلة". وتتجسد الميزتان المذكورتان أعلاه في منصتي شيفت إت (Shifit) ودي هيلث (Dhealth). كيف تستخدم دي 14 أيه آي الذكاء الاصطناعي لمساعدة الشركات والمؤسسات؟
دي 14 أيه آي شركة تقدّم حلول الأمثَلَة على شكل خدمة للشركات على مستوى العالم، وتساعد هذه المنصة الشركات على تحقيق النمو من خلال حلول الذكاء الاصطناعي المعززة للفاعلية بإزالة التعقيدات التي تواجه الشركة من حيث الأتمتة وتحديد الجداول الزمنية وإدارة فرق العمل، وذلك بطريقة سهلة وآمنة وبتكاليف معقولة. وقد اختارت مؤسسة وومينا (Womena) الإعلامية شركة دي 14 أيه آي من بين أكثر من 200 شركة مرشحة لضمها إلى قائمتها لأفضل 8 شركات ناشئة أسستها النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي حصلت على جوائز من بنك ستاندرد تشارترد. إضافة إلى هذا، وصلت دي 14 أيه آي إلى القائمة النهائية من الشركات المرشحة للحصول على جوائز "غولف كابيتال لأفضل شركة استثمار خلال العام" (Gulf Capital Business of the Year) وجوائز "الابتكار في مجال الأعمال خلال العام" (Business Innovation of the Year) لعام 2021.
تقدّم دي 14 أيه آي مجموعة كبيرة ومتنوعة من المنتجات. نحن نعتمد على أنظمة ذكاء اصطناعي وغيرها من التكنولوجيات الأساسية التي تخصنا، ومدعومة بأحدث الأبحاث الأكاديمية، لحل مشكلات الأمثَلة التي تتزايد صعوبتها على نحوٍ هائل مع زيادة التعقيد. برمجياتنا قادرة على تقييم الملايين من الاحتمالات المركبة في غضون دقائق، ما يجعلها أسرع بما يصل إلى 3,000 ضعف مقارنةً بالحلول المنافسة. إضافة إلى هذا، فإن محركنا البرمجي الخاص بالجدولة الزمنية، الذي يمكن استخدامه عبر واجهات برمجة التطبيقات، يُتيح الحصول على زيادة كبيرة في الفاعلية من حيث الوقت والتكلفة، وثمة طلب كبير للغاية عليه. وسطياً، توفّر حلولنا على العملاء 7% من التكاليف.
اقرأ أيضاً: مقابلة مع عالمة الذكاء الاصطناعي دينا قتابي عن المنزل الذكي وتكنولوجيا الرعاية الصحية
"شيفت إت" هي منصتنا الذكية المخصصة للإدارة الحديثة والجدولة الزمنية المعقدة للقوى العاملة التي لا تعتمد على مكان ثابت للعمل، وهي مصممة على نحو خاص لإدارة حجم كبير من القوى العاملة. ثمة الكثير من الشركات التي تتكبد تكاليف باهظة بسبب الجدولة الزمنية غير الملائمة، وتنفق الشركات الأميركية ما يصل إلى 150 مليار دولار بسبب المواعيد الفائتة في المجال الطبي وحسب، وأكثر من 37 مليار دولار سنوياً على الاجتماعات.
"دي هيلث" هي خدمة ذات علامة بيضاء (يمكن للشركات الأخرى تقديمها تحت علامتها التجارية الخاصة بها) تعتمد على تسجيل الاشتراك، وتساعد مزودي الرعاية الصحية، وعلى نحو فوري، على وضع برامج تدريبية خاضعة لإشراف المختصين للمرضى الذين يعانون أمراضاً مختلفة. واستجابةً للطلب الكبير، نتوقع زيادة سريعة في انضمام العملاء الجدد إلى الخدمة على مدار عام 2023، ما يؤدي إلى تحسين فاعلية برنامج المرضى، وزيادة الإيرادات لمزودي الرعاية الصحية بنسبة تتجاوز 25%.
كيف ترين تطور الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي على مدى السنوات الخمس أو العشر المقبلة؟
ثمة فرصة سوقية هائلة للذكاء الاصطناعي، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع زيادة في التمويل المتاح والمبادرات الحكومية التي تركّز على هذا القطاع.
وستشهد القطاعات الضخمة التي ترتبط بمئات الملايين من المستهلكين، بما فيها قطاعات الصحة والتعليم والخدمات اللوجستية والاتصالات، أعلى درجة من التحولات الثورية بسبب الاعتماد على الذكاء الاصطناعي.
يتمثل أحد مكامن القوة الخارقة للذكاء الاصطناعي بأساليبه في أتمتة المهام الروتينية، ما يزيد إنتاجية العمل وكفاءته، وهو ما يؤدي فيما بعد إلى الانتعاش الاقتصادي.
اقرأ أيضاً: عالمة الجينات مريم مطر: أنا منتج وطني إماراتي وهدفي عالمي
ما أكبر التحديات التي تواجه مجال الذكاء الاصطناعي حالياً؟ وكيف تمكن مواجهتها حسب رأيك؟
في السنوات المقبلة، من المتوقع لقطاع الذكاء الاصطناعي أن يقدّم إسهاماً مهماً في النمو الاقتصادي، وسيكون من الضروري دعم المساواة بين الجنسين من خلال ضمان حصول النساء على فرص متساوية للعمل في هذا القطاع. حالياً، ثمة اختلال كبير في التوازن بين الجنسين، وسنحتاج إلى 108 سنوات تقريباً لتحقيق التكافؤ بين الجنسين على مستوى العالم، وفقاً لتقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي. نحن أمام وضع حرج.
يعد أخذ التنوع بعين الاعتبار عند العمل مع الذكاء الاصطناعي أمراً بالغ الأهمية، لأنه قادر على التعلم، ويتصرف بناءً على التعليمات البرمجية التي كتبها البشر وكيفية تدريبهم له. ويؤدي نقص التنوع بين مطوري البرمجيات والذكاء الاصطناعي إلى إضعاف فاعلية الأنظمة ودقتها ومستوى ذكائها، وهو ما يؤدي إلى إصابتها بالتحيز. يقدّم التنوع منظوراً أوسع نطاقاً للذكاء الاصطناعي، ما يُتيح له خدمة الجميع على نحو أفضل، وهي الصفة التي تسعى شركة دي 14 أيه آي إلى الالتزام بتحقيقها في حلولها.
يمكن أن يؤدي الاستخدام المتكرر للبيانات التي قد تنطوي على تحيزات ضد المرأة في تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى تعزيز عدم المساواة بين الجنسين. إلّا أنه من الممكن مواجهة هذه التحيزات إذا تمكنت زيادة عدد النساء العاملات في مجال الذكاء الاصطناعي من أن تساعد على ضمان عدالة الخوارزميات وحياديتها، وهو ما دعاني إلى إطلاق سيريوس لابز لدعم زيادة عدد النساء في المجال التكنولوجي.
اقرأ أيضاً: تعرف على العالمة السعودية ماجدة أبو راس وأهم إنجازاتها في علم البيئة
لنتحدث عن المرأة في مجال الذكاء الاصطناعي. هل تعرضتِ شخصياً إلى أي تحديات بوصفك امرأة تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي؟ وكيف تعاملتِ مع هذه التحديات في حال وجودها؟ وكيف تعتقدين أنه يمكننا تشجيع المزيد من النساء على اختيار حياة مهنية في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي؟
في 2022، انخفض عدد النساء العاملات في الشركات التكنولوجية الكبيرة بنسبة 2.1%، ما يعني أن نسبة النساء بين القوى العاملة في القطاع التكنولوجي على مستوى العالم أصبحت 19%.
وبوصفي امرأة تعمل في مجال التكنولوجيا في الشرق الأوسط، فأنا ملتزمة بتحسين تمثيل المرأة في مجالات العلوم والتكنولوجيا. سيظل من المهم للغاية الاعتماد على العمل الجماعي والدعم المتبادل في سبيل تعزيز تمثيل المرأة في القطاع التكنولوجي، ولا سيّما في الذكاء الاصطناعي.
وبوصفي أول امرأة تنظّم برامج تدريبية في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي للمرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالاشتراك مع وزارة الدفاع السيبراني ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في المملكة العربية السعودية، وبوصفي مدربة في برنامج تمكين المرأة الذي تنفذه الأمم المتحدة بالاشتراك مع مؤسسة "نماء للارتقاء بالمرأة"، فأنا أعتقد أن نشر الوعي والثقافة عامل مهم في زيادة عدد النساء في القطاع التكنولوجي.
بعد التحديات التي واجهتها خلال رحلتي الخاصة، باعتباري امرأة تعمل على بناء حياة مهنية ناجحة في هذه المنطقة في القطاع التكنولوجي، تتمثل مهمتي في دعم المرأة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في بناء حياة مهنية ناجحة في مجال التكنولوجيا، وتزويدها بالمهارات التكنولوجية التي يكثر الطلب عليها، وتمكينها من التواصل مع موجهين بارزين في مجال الأعمال، ومساعدتها في العثور على العمل الذي تحلم به.
لهذا السبب، أطلقتُ سيريوس لابز مؤخراً، لاستقطاب المزيد من النساء في المجال التكنولوجي. ومن خلال هذه المنصة المخصصة لتوفير التدريب والتوجيه والمعسكرات التدريبية للنساء، أسعى إلى تحسين المهارات التكنولوجية لدى النساء، ومساعدتهن على الاستعداد لبناء حياة مهنية واعدة في المجال التكنولوجي في المستقبل.
اقرأ أيضاً: تعرف على الأكاديمية الإماراتية بهجت اليوسف ومسيرتها المهنية في العلوم والتكنولوجيا
أعمل أيضاً موجهةً للطلاب في برنامج تحدي الشركاء بجامعة زايد. ومن خلال هذه الشراكة، أقدم للطلاب فرصة تطوير مهارات حل المشكلات والابتكار والتعاون والتواصل، في أوضاع حياتية واقعية. لطالما كان التوجيه من الأعمال المفضلة لدي، وهو طريقة مهمة للغاية لتعليم الطلاب وزيادة تمثيل المرأة في القطاع التكنولوجي.