أنا أُدرّس في قسم علوم الكمبيوتر في جامعة فاندربيلت، وقررت أن أقدّم لطلابي في فصل الخوارزميات الذي درّسته في ربيع عام 2023 نموذج تشات جي بي تي بانتظام حتى يتمكنوا من ملاحظة أنه لا يمكن أن يحل محل مهارات التفكير النقدي التي يتمتّعون بها مباشرة. فعلت ذلك في المقام الأول لأسباب أنانية مثل معظم المعلمين؛ إذ أردت أن يعتمد طلابي على قدرتهم الإبداعية في حل المشكلات بدلاً من هذا النموذج للإجابة عن أسئلة واجباتهم المنزلية. افترضت أن تبيان قابلية تشات جي بي تي لارتكاب الأخطاء سيكون رادعاً أكثر فعالية من فرض عدم استخدامه بموجب بيان يتعلّق بسياسة المناهج الدراسية. كل ما كان علي فعله هو تحديد نقاط الضعف فيه عندما يتعلق الأمر بالمقررات المدرسية التي نستخدمها.
تشات جي بي تي يخوض تجارب أكاديمية
قررت أن أطرح بعض الأسئلة العامة حول الخوارزميات على تشات جي بي تي، إلى جانب بعض الأسئلة المتعلقة بالخوارزميات التي تُطرح عادة في مقابلات التوظيف في مجال هندسة البرمجيات. كانت النتائج مفاجئة. قدّم تشات جي بي تي أجوبة صحيحة في بعض الأحيان، بينما ولّد خوارزميات دقيقة في أحيان أخرى، ولكنها لم تكن الأفضل أو الأسرع. بالإضافة إلى ذلك، قدّم النموذج أحياناً إجابات خاطئة ولكنه كان واثقاً من أنها كانت صحيحة. عرضت هذه الأمثلة على الطلاب وطرحت عليهم الأسئلة نفسها التي طرحتها على تشات جي بي تي، وحوّلنا هذه العملية إلى نشاط أسبوعي ممتع أطلقنا عليه اسم "تشات جي بي تي مقابل طلاب برنامج سي إس 3250".
سألني أحد طلابي قبل أسبوعين من نهاية الفصل الدراسي إذا كان بإمكانه التحدّث معي لبضع دقائق بعد المحاضرة، وقال لي بعد خروج زملائه من القاعة: "يشعرني التفكير بالتخرّج بالاكتئاب مؤخراً. يتحدث الجميع عن أن النماذج اللغوية الكبيرة مثل تشات جي بي تي ستحل محل المتخصصين في علوم الكمبيوتر، وبدأت أشعر أن كل ما تعلمته خلال السنوات الأربع الماضية أصبح قديماً بالفعل. لا أعلم ما علي فعله بهذا الخصوص".
اقرأ أيضاً: تشات جي بي تي يسقط ورقة التوت عن المنشورات المحكمة
تشات جي بي تي مقابل الطلاب الجامعيين
أخبرته على أمل طمأنته أن لا أحد يعرف إلى أين ستقودنا هذه التكنولوجيا بعد، ثم شرحت له أن كل شخص أسّس مساراً مهنيّاً في علوم الكمبيوتر أدرك أنه بحاجة إلى التكيّف بسرعة مع التغيير. أعرف زملاء كتبوا برامج الكمبيوتر الخاصة بهم باستخدام البطاقات المثقّبة، وعندما بدأت دراستي في الجامعة، لم تكن تكنولوجيا البريد إلكتروني أو الإنترنت موجودة. لكن بحلول الوقت الذي أنهيت فيه دراستي العليا، انتشر كل من البريد الإلكتروني وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وشبكة الويب العالمية. قلت لهذا الطالب إن السر هو تعلّم كيفية تسخير قوة التكنولوجيا لتحسين حياته وتعزيز إنتاجيته بدلاً من الخوف منها أو افتراض أنها ستؤدي المهام بطريقة أكفأ منه.
أنهينا المحادثة عندها. وعلى الرغم من أني شعرت أن إجاباتي أراحت طالبي، فإنني نفسي لم أشعر بالرضا. ظللت أفكر فيما قاله وفي دوري بصفتي معلمة ضمن الوضع الحالي للتكنولوجيا. حتى تلك اللحظة، اعتقدت أن تجربتي في القاعات الدراسية كانت تسير على ما يرام. اكتشف طلابي بسرعة أن استخدام تشات جي بي تي في واجباتهم المدرسية لن يفيدهم إلا إذا كانوا يفهمون المادة بالفعل، وأدركوا أنهم إذا أرادوا تحقيق أداء جيد في الجامعة، فهم بحاجة إلى التفكير بمستوى أعلى من تشات جي بي تي. بعد الاستماع إلى مخاوف هذا الطالب، شعرت أنني بحاجة إلى تطوير تجربتي أكثر. إذا استطعت أن أثبت لطلابي أن قدراتهم على الاستدلال المنطقي أفضل من تلك التي يتمتّع بها نموذج تشات جي بي تي، ربما سأتمكّن من إقناعهم بأن النماذج اللغوية الكبيرة لن تستبدلهم في أي وقت قريب، وكان علي فقط التوصل إلى طريقة لفعل ذلك.
بعد ذلك، خطرت فكرة في بالي.
اقرأ أيضاً: باستخدام تشات جي بي تي: هل يمكن إعداد مقرر تعليمي جامعي؟
تشات جي بي تي يخضع لاختبار جامعي
قررت قبل الامتحان النهائي أن أُخضع نموذج تشات جي بي تي إلى الاختبار نفسه الذي سيخضع له طلابي. لم يعتمد أي من أسئلة الامتحان على معلومات محددة لا يمكن اكتسابها إلا من خلال حضور محاضراتي؛ إذ كانت أغلبية الأسئلة مستمدة من أسئلة الخوارزميات المستخدمة في مقابلات التوظيف في مجال هندسة البرمجيات أو مبنية عليها. بمجرد انتهاء تشات جي بي تي من الإجابة عن الأسئلة جميعها، نسختها دون إجراء أي تغييرات عليها في نموذج الاختبارات الخاص بي. بعد ذلك، أنشأت طالباً وهمياً يحمل اسم "غلين بيتر تومسون" (جي بي تي)، وحمّلت إجاباته على بوابة وضع الدرجات الإلكترونية في الجامعة التي تحدد فيها مجموعة مساعدي التدريس الكبيرة في الجامعة درجات الاختبارات جميعها (كان عدد الطلاب كبيراً بما يكفي لدرجة أن مساعدي التدريس لم يكتشفوا تجربتي). بعد ذلك، انتظرت لأعلم ما هي درجات غلين.
كانت النتائج مذهلة، وأكّدت ما شهدته خلال الفصل الدراسي. حصل كل طالب في القسم الصباحي من صفي الدراسي على درجات أعلى في الاختبار النهائي من غلين، الذي حصل فقط على تصنيف -C بدرجة 72.5K بينما اقترب متوسط درجات طلابي إلى منتصف الثمانينات. أما بين طلاب قسم ما بعد الظهر، الذين خضعوا لمجموعة مختلفة من المسائل في الامتحان النهائي، كان أداء غلين أفضل إلى حد ما، لكنه حصل على درجة أقل من المتوسط مع ذلك، وكان في الثلث الأدنى من الطلاب بدرجة تعادل تصنيف +C.
بعد نشر الدرجات النهائية، شاركت التجربة والنتائج مع طلابي، الذين شعروا بسعادة وارتياح لأن مهاراتهم (التي يدفعون مقابل الحصول عليها رسوماً دراسية عالية) تفوّقت على نموذج تشات جي بي تي الشهير. شاركت النتائج أيضاً مع اثنين من زملائي في اللجنة الحديثة التشكيل المكلّفة بالتوصية بالسياسات بهدف التعامل مع تشات جي بي تي والأدوات الأخرى المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في القاعات الدراسية. أُعجب زملائي بالتجربة، واقترح أحدهما أن يكررها أعضاء هيئة التدريس من التخصصات جميعها أيضاً.
اقرأ أيضاً: هل يمكن استخدام تشات جي بي تي لكتابة مقالات ويكيبيديا؟
فضول قلِق
موضوع تشات جي بي تي هو موضوع مهم للغاية يتجاهله الكثيرون في مجال التدريس. وعلى الرغم من أن المعلمين يستطيعون محاولة تجاهله أو حتى حظر استخدامه، فإن فعل ذلك لا يغير الواقع، وهو أن الطلاب يشعرون بالفضول حيال هذا النموذج ويتحدثون عنه ويشعرون بالقلق بشأنه ويستخدمونه. والآن، أنا بحاجة إلى اتباع النصيحة نفسها التي قدمتها لطالبي. سأستمر في التعلّم والتطور والتكيّف، مثل هذه التكنولوجيا الناشئة. وإذا كانت هناك طريقة تتيح لي استخدام التكنولوجيا الجديدة وتساعدني على أن أصبح معلمة أكفأ، فأنا جاهزة لتطبيقها.
هناك أيضاً تفصيل مهم متعلق باستخدام تشات جي بي تي. على عكس الآلات الحاسبة التقليدية، التي لا تزداد ذكاءً مع تكرار استخدامها، فإن النماذج اللغوية الكبيرة مثل تشات جي بي تي تتطوّر وتتعلّم باستمرار. يعني ذلك أنني لا يمكن أن أتكاسل مقتنعة بأني احترفت مهنتي تماماً. سيكون غلين موجوداً في قاعتي الدراسية في فصل الخريف، وربما اكتشفَ الآن طريقة لحل المسائل التي لم يفهمها في الربيع الماضي.
اقرأ أيضاً: كيف تعوق البرمجيات مفتوحة المصدر هيمنة الشركات التكنولوجية الكبرى على الذكاء الاصطناعي؟
مع ذلك، فأنا أسبقه بخطوة دائماً؛ إذ إني اكتشفت العيب الجديد في تشات جي بي تي الذي سأستخدمه في الدروس القادمة.