في العالم المعقّد لسلاسل الإمداد وتأثيرها بمؤشرات الأداء للتجارة العالمية، يرتبط العديد من المكونات بسلاسة بين أجزاء متعددة وهو ما يجعلها دائماً عُرضة للخطر الدائم و المتكرر؛ حيث إن وجود الانقطاعات في أحد المكونات الأساسية لسلسلة الإمداد سيكون كفيلاً بإحداث شلل كامل لسلاسل الإمداد والشبكات المتعلقة بها.
كيف تؤثّر سلاسل التوريد في الاقتصاد العالمي؟
وعلى الرغم من كفاءة هذه الأنظمة عادةً، فقد تعمل الانقطاعات والحوادث كعوائق تعطّل التدفق في سلسلة الإمداد، مؤثرةً ليس فقط في صناعات معينة ولكن بشكلٍ عام في صناعات مختلفة عبر التأثير غير المباشر على الاقتصاد العالمي. وكما شهدنا مؤخراً عندما أدّت جائحة كوفيد-19 إلى نقص في الإمدادات الطبية الأساسية والسلع الاستهلاكية بسبب الإغلاقات المتكررة لكثير من الدول المؤثرة، ما أبرز الحاجة الملحة لأدوات واستراتيجيات مبتكرة لمتابعة سلسلة الإمداد بشكلٍ مباشر ودائم، وتوقع هذه الانقطاعات والآثار التي قد تحدث في المستقبل.
يذكر أن الانقطاعات في سلسلة الإمداد ليست مجرد حوادث عرضية، بل يمكن أن تكون نتيجة لعوامل متعددة تشمل العوائق الجغرافية، والتهديدات الأمنية، أو حتى التحديات التكنولوجية. حيث تأتي تأثيرات هذه الانقطاعات ليس فقط في شكل زيادة التكلفة، ولكن أيضاً في شكل تأثير سلبي على سمعة العلامة التجارية وثقة المستهلكين، ويمتدُ هذا التأثير ليشمل اقتصادات الدول.
ويجدر بالذكر أن هشاشة سلاسل الإمداد ليست مقتصرة على الجوائح الطبية فقط. فماذا لو تخيلت سلسلة الإمداد كمتاهة معقدة؛ فأثناء حدوث عائق مفاجئ كبعض المتغيرات الجغرافية يحدث العديد من الكوارث المؤثرة في أداء سلاسل الإمداد، ومن الأمثلة ما حدث مؤخراً في قناة السويس عام 2021، حين تسبب إغلاق القناة بسبب انحراف سفينة الحاويات (إيفرغيفن) عن مسارها إلى تعطيل تدفق البضائع والخدمات في العديد من القطاعات الصناعية عالمياً، كما تأتي تأثيرات الأحداث الطارئة مثل الهجمات الإرهابية أو الانقلابات السياسية لتشكّل تهديدات فورية لاستقرار سلسلة الإمداد، ما يستوجب استجابات سريعة وفعّالة للحفاظ على استدامة العمليات. وهذه العرقلات ليست معزولة ولكنها تسبب تأثيراً متواصلاً مشكلةً سلسلة من الكوارث الاقتصادية، وهنا تبرز الحاجة لنُظم التحذير المبكر والتنويع الجغرافي لإعادة توجيه حركة المرور عندما تكون الطرق الرئيسية معطلة.
اقرأ أيضاً: ما هو نهج الفيجتال؟ وكيف يؤدي إلى تحسين أداء سلاسل التوريد؟
التحول الرقمي وسلاسل التوريد
ومع تقدمنا من تحديات الجغرافيا والتهديدات الفورية، يُضيف التحول الرقمي لإدارة سلسلة التوريد طبقة أخرى من التعقيد، تماماً كما كان التحول من الهواتف السلكية إلى الهواتف الذكية هائلاً، فكذلك هو تأثير التقنيات الرقمية مثل البلوك تشين على سلاسل التوريد. ومع ذلك، يعتبر هذا التقدم مصدر خطر أيضاً، يتمثل في التهديدات الأمنية السيبرانية في انتهاك خصوصية وأمن البيانات التي يمكن أن تشل العمليات وتسبب أضراراً جسيمة.
و للتعامل بفاعلية مع التحديات المتعددة الجوانب التي تؤثّر بالضرورة في عمليات سلسلة التوريد والنقل، هناك حاجة ملحة لتطوير استراتيجيات وأدوات مبتكرة تهدف إلى تقييم الأخطار والتخطيط للحالات الطارئة بشكلٍ شامل. يتضمن هذا النهج إنشاء نظم تحذير مبكرة يمكنها مراقبة الأحداث والظروف الطارئة بدقة، وتقديم تقييمات دقيقة للمخاطر تسهّل عمليات اتخاذ القرار المتعلقة بالوقت. كما يمكن لهذه النظم دمج مصادر البيانات المتعددة مثل توقعات الطقس، ومؤشرات الاستقرار السياسي، ومقاييس أداء سلسلة التوريد لإنشاء بنك من المعلومات متعدد الأبعاد للمخاطر. والغرض من ذلك هو تزويد مديري سلسلة الإمداد برؤى يمكن التحرك بناءً عليها والتي يمكن أن تحفّز آليات الاستجابة المحددة مسبقاً، ما يقلل من وقت الاستجابة والتأثير المحتمل.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي حل مشاكل العجز في سلاسل التوريد قبل عيد الميلاد؟
علاوة على ذلك، يظهر تنويع الانتشار الجغرافي للموردين والموارد كاستراتيجية أساسية أخرى في إنشاء سلسلة توريد مرنة؛ حيث يقلل التنويع الجغرافي ليس فقط من المخاطر المرتبطة بالاضطرابات المحلية سواء كانت بسبب الكوارث الطبيعية، أو الاضطرابات السياسية، أو الاستقرار الاقتصادي، ولكنه يقدّم أيضاً المرونة لإعادة توجيه مسارات الإمداد عندما تواجه القنوات الرئيسية انقطاعات أو عراقيل. وعند دمج هذه الاستراتيجيات -نظم التحذير المبكر والتنويع الجغرافي- ينشأ تأثير متكامل. على سبيل المثال، يمكن لنظم التحذير المبكر أن تشير إلى مشكلات محتملة مع مورد معين، ما يُتيح التبديل السريع إلى مصدر بديل. في الوقت نفسه، يضمن وجود موردين متنوعين جغرافياً أن لديك خيارات للتبديل إليها عند استقبال مثل هذا التحذير. لذا، لا يقتصر الأمر على وجود استراتيجيات فقط، ولكن يتطلب إنشاء إطار متكامل حيث تكون هذه الاستراتيجيات مرتبطة ببعضها بعضاً، ما يوفّر مرونة متعددة الطبقات ضد الضعف والتقلبات التي تتميز بها سلاسل الإمداد الحديثة .
وهنا يظهر مزيجٌ معقد ومتعدد الجوانب من التحديات والفرص. وتُعتبر التكنولوجيا الرقمية، مثل إنترنت الأشياء (IoT)، عاملاً محورياً؛ فيها نُتيح جمع البيانات بشكلٍ فوري وتحليلات تنبؤية متطورة، وهو ما يفتح الباب أمام إدارة استباقية تستند على البيانات بدلاً من الاعتماد على استراتيجيات رد الفعل التقليدية. وهذه التطورات تحوّل الطريقة التي نفهم بها ونتفاعل مع عناصر سلسلة التوريد، من الموردين وحتى المستهلك النهائي، وتمكن الشركات من التحليل العميق لأدق التفاصيل والتحرك بسرعة لمعالجة أي مشكلات قد تظهر.
اقرأ أيضاً: مفهوم السوق الرقمية يساعد الحكومات على إعادة تصور نموذج التوريد
جانب الاستدامة عامل مكمّل للتكنولوجيا الرقمية
وبالإضافة إلى ذلك، يأتي جانب الاستدامة عاملاً مكمِّلاً لتلك الفرص التكنولوجية، حيث يتزايد الاهتمام المجتمعي والتنظيمي بأهمية تبني ممارسات سلسلة الإمداد الخضراء، وهو ما يتضمن البحث عن طرق لجعل العمليات أكثر كفاءة من حيث استهلاك الطاقة، والحد من الفاقد والفوضى، والاعتماد على مصادر مستدامة. وهنا يصبح من الضروري أن يتم تكامل مبادئ الاستدامة بشكلٍ جذري داخل الاستراتيجيات التقليدية لإدارة سلاسل الإمداد، ما يُعزّز من قيمة الاقتصادات العالمية ويحقق توازناً بين الأهداف الاقتصادية والبيئية.
في هذا السياق، يصبح لزاماً على الشركات أن تبني نهجاً شاملاً يمزج بين الابتكار التكنولوجي والاهتمام بالاستدامة. و يمكن التكامل مع التكنولوجيا والاستراتيجيات الحديثة، بحيث يتم تتبع معدلات استهلاك الطاقة عبر العمليات، وبالتالي تحديد المجالات التي يمكن تحسينها من خلال تقنيات أكثر صداقة للبيئة. وأيضاً يمكن للتحليلات التنبؤية أن تُفيد في تحسين التوقعات بالنسبة للعرض والطلب، ما يُمكِّن الشركات من التخطيط الأفضل للإنتاج والنقل، وبالتالي تقليل الفاقد والفوضى.
اقرأ أيضاً: تفاصيل خطة الصين للسيطرة على سوق صادرات أشباه الموصلات
و بالمجمل، يُعتبر المستقبل مليئاً بالفرص التي يمكن أن تُحدِث نقلة نوعية في كيفية إدارة سلسلة الإمداد والنقل، ولكنه يتطلب أيضاً مقاربة متعددة الأبعاد تركز على التكامل بين الابتكار التكنولوجي والاستدامة.