بعد مرور أسبوع على موجات الحر التي حطمت الأرقام القياسية عبر أوروبا في أواخر الشهر الماضي، كان العلماء جاهزين لإعلان مسؤولية التغير المناخي بشكل شبه مؤكد عن هذه الفترة الحارة.
في 2 أغسطس، وفيما كانت موجة الحر نفسها تحول الصفائح الجليدية في جرينلاند إلى ثلج مائع، أورد المرصد العالمي للطقس أن تراكم عقود كاملة من انبعاثات غازات الدفيئة أدى إلى رفع احتمال وقوع الأحداث الطقسية العنيفة المشابهة بمُعامل يصل إلى 100 في بعض المناطق. وتُعتبر هذه المجموعة أقرب ما يكون إلى فريق تدخل سريع دولي لتقييم الدور المحتمل للتغير المناخي في الأحداث الطقسية العنيفة التي حدثت مؤخراً، وقد استنتجت أن "فوق فرنسا وهولندا، كان من شبه المستحيل أن تصل الحرارة إلى هذه الدرجة دون التأثير البشري على المناخ".
منذ بضع سنوات وحسب، كانت الإجابة المتفق عليها بين علماء المناخ لدى سؤالهم حول سبب بعض العواصف والفيضانات ونوبات الجفاف -كما لحظ تجمع الأكاديميات العلمية في بحث يعود إلى 2016- ليست إلا صرف نظر عن الموضوع: "لا نستطيع أن ننسب أي حدث إلى التغير المناخي". ولكن بفضل النماذج المناخية المحسنة، وتزايد مكتبات التحليلات السابقة، وتحسن فهمنا لهذه الأنظمة، يمكن للباحثين الآن أن يقولوا في أغلب الأحيان -وبشكل شبه مؤكد- إن التغير المناخي زاد من احتمال وقوع حدث معين أو من شدته.
وبفضل هذه الدراسات، أصبح لدى الباحثين وصانعي السياسات والعامة فكرة أكثر وضوحاً حول مدى ابتعادنا عن الماضي عندما كانت تحدث هذه الفيضانات أو نوبات الجفاف مرة كل مائة أو ألف سنة، وعرفنا أيضاً الخطوات التي يمكن أن نتخذها لمكافحة هذه الأخطار المتفاقمة. تقول فريدريكه أوتو، مديرة معهد التغير البيئي في جامعة أوكسفورد بالوكالة، ومفتشة مشاركة في المرصد العالمي للطقس: "بوجود هذا النوع من العلوم، بدأنا نستوعب المعنى الحقيقي للتغير المناخي". كما تضيف أن هذا العمل يساعد الباحثين أيضاً على اختبار وتحسين النماذج المناخية، وذلك جزئياً عن طريق تحديد تأخر توقعات النموذج عن السرعة الفعلية لآثار التغير المناخي، كما حدث في موجات الحر الأوروبية.
كشف الإشارة المناخية
بدأت الكثير من المناطق بدراسة أو إطلاق الجهود لتقييم دور التغير المناخي بسرعة في الأحداث الأخيرة، مثل خدمة كوبرنيكوس للتغير المناخي في الاتحاد الأوروبي، ووكالات الأرصاد الجوية الأسترالية والفرنسية والألمانية.
ويُمثل المرصد العالمي للطقس شبه مشروع مشترك دولي من الباحثين في معهد التغير البيئي بجامعة أوكسفورد، والمركز المناخي التابع للهلال الأحمر والصليب الأحمر، والمعهد الملكي للأرصاد الجوية في هولندا. وبعد وقوع حدث طقسي عنيف، يبدأ الباحثون بمحاولة تحديد خصائصه والشروط التي تشكل فيها، ويدرسون القياسات المتعلقة بالحدث، مثل أنماط الضغط الدوي ومستويات بخار الماء، عن طريق تحليل معلومات الرصد من الأقمار الاصطناعية ومحطات الطقس وغيرها من المصادر.
ولكن تحديد السبب والأثر يتطلب إجراء تجارب ذات شروط صارمة لعزل المتحولات المحتملة، وذلك كما يقول نوا ديفينبو، وهو عالم مناخي من ستانفورد. وبما أن إجراء تجارب كهذه على المناخ أمر مستحيل، فإن الباحثين يعتمدون في أغلب الأحيان على النماذج الحاسوبية الدقيقة. حيث يقومون بتشغيل النماذج مع وجود آثار ارتفاع منسوب غازات الدفيئة في الغلاف الجوي ومن دونها؛ لتحديد تواتر وقوع الأحداث المشابهة في الماضي، وأيضاً فرص احتمال وقوع الأحداث الأخيرة دون التأثير البشري على المناخ.
وتتيح زيادة استطاعة الحوسبة بناء نماذج حاسوبية عالية الدقة وتشغيلها لمرات عديدة، ولهذا يمكن للباحثين الحصول على النتائج بسرعة أكثر من ذي قبل، ويتوصلوا إلى نتائج كان التوصل إليها مستحيلاً في الماضي. وقد قامت الفرق البحثية حول العالم بإنتاج قواعد بيانات بأحجام من رتبة البيتا بايت لاستكشاف انتشار الآثار عبر المناخ بسبب تعديلات تراكمية لعدة متحولات في عدد ضخم من السيناريوهات. ويساعد هذا العمل الباحثين على فهم المزيد حول دقة النماذج، إضافة إلى مستوى التغيرات في النظام المناخي الفعلي.
ويستطيع أي باحث حالياً أن يطلع على هذه المكتبات الضخمة لإجراء تحليل جديد. وإذا كانت مجموعة الظروف التي أدت إلى حدث معين -مثل نوبة جفاف أو عاصفة أو موجة حر- مفهومة بشكل جيد ومُمثلة بشكل صحيح في النماذج السابقة، فإن باحثي العلاقة بين الأحداث الطقسية والتغير المناخي -مثل هؤلاء الذين يعملون مع المرصد العالمي للطقس- يستطيعون في أغلب الأحيان الاستفادة من هذا الأرشيف لإجراء "تقييمات سريعة" للدور المحتمل للتغير المناخي.
هل سيؤدي هذا إلى تغيير وجهات النظر؟
يأمل البعض بأن توضيح آثار التغير المناخي أثناء وقوع الكارثة تحت أنظار العالم قد يساعد العامة والسياسيين في التعرف على أخطار التغير المناخي، واتخاذ الخطوات اللازمة لمنع هذه الحوادث من التفاقم.
ربما، ولكن ليس بشكل مؤكد...
توصلت بعض الأبحاث -بما فيها دراسة نُشرت في وقت سابق من هذه السنة في مجلة Climatic Change- إلى أن العيش تحت ظروف الطقس العنيفة يمكن أن يغير من الآراء حول التغير المناخي، وتزداد هذه الاعتقادات قوة في المجتمعات التي عانت من أضرار أكثر انتشاراً. غير أن هذه الآثار عموماً لا تدوم لوقت طويل ولا تنتقل إلى بلدة ما في حال وقوع الكارثة في البلدة المجاورة، ناهيك عن الجهة الأخرى من المحيط. أما العامل المهيمن الذي يؤثر على وجهات النظر على المدى الطويل فهو الانتماء السياسي، وفقاً لدراسات أخرى.
وبالنسبة لإليزابيث أولبرايت، وهي بروفسورة مساعدة في جامعة ديوك، وتدرس كيفية تأثير الأحداث الطقسية العنيفة على السياسات والقرارات، فهي ترى أن تسارع الأبحاث حول العلاقة بين الأحداث الطقسية والتغير المناخي قد يؤدي إلى ترسيخ آراء من يدعمون سياسات التغير المناخي.
ولكن ماذا عن معارضي نظريات التغير المناخي؟
تقول أولبرايت: "لست واثقة بقدرة هذه الأبحاث على التأثير في معتقدات العامة الذين ينكرون وجود التغير المناخي الناتج عن البشر أو لا يعتقدون بأنه مشكلة تستحق المعالجة".