باستخدام تشات جي بي تي: هل يمكن إعداد مقرر تعليمي جامعي؟

7 دقائق
باستخدام تشات جي بي تي: هل يمكن إعداد مقرر تعليمي جامعي؟
حقوق الصورة: أنجالي كامات

في نهاية يونيو/ حزيران، بدأت بتدريس مقرر جامعي من تصميم تشات جي بي تي (ChatGPT)، ويعتمد على تشات جي بي تي، وحتى إن تشات جي بي تي يتولى تقييمه بنفسه. أما موضوع المقرر فهو تشات جي بي تي أيضاً.

راودتني الفكرة في وقت سابق من هذه السنة عندما رأيت خبراً عن فرص عمل لما يسمى "مهندسي الأوامر النصية" يمكن أن تصل رواتبهم، وفقاً للخبر، إلى أكثر من 300,000 دولار في السنة. وبما أنني أستاذ جامعي يدرّس مقررات حول التحولات التكنولوجية المتقدمة، أثار هذا الموضوع فضولي الأكاديمي. هل تتضمن هذه المسألة مجموعة مهارات يجب أن نعلمها لطلابنا؟ وإذا كانت إجابة هذا السؤال هي: نعم، فكيف يجب أن ننفذ هذا الأمر؟

للإجابة عن هذه الأسئلة، فعلت ما يفعله أي أستاذ جامعي يحترم نفسه وخبير بالتكنولوجيا، ولجأت إلى تشات جي بي تي. وعلى مدى ساعتين، ساعدني النموذج اللغوي الكبير وبوت الدردشة الموثوق الذي يساعده على وضع مخطط لمقرر تعليمي حول هندسة الأوامر النصية، وهو مقرر تعليمي مكتمل الأركان ويتضمن كل ما يلزم من الأهداف التعليمية، والفروض، وملاحظات المحاضرات. إضافة إلى هذا، فقد كان مقرراً تعليمياً جيداً، بل وأفضل من أي شيء يمكن أن أنتجه بنفسي خلال الفترة نفسها.

اقرأ أيضاً: تشات جي بي تي يسقط ورقة التوت عن المنشورات المحكمة

تشات جي بي تي كمخطط للمقررات الجامعية

لقد أُصبت بالصدمة، وازداد احترامي لقدرات تشات جي بي تي مع تقدم عملية التخطيط للمقرر التعليمي. تجدر الإشارة إلى أن المخطط الأولي كان بحاجة إلى العشرات من ساعات العمل قبل الوصول إلى مرحلة الصياغة النهائية للمقرر، وأن الكثير من الجوانب المبتكرة في المخطط تعود إلى خبرتي بصفتي مدرساً وخبيراً في التكنولوجيا. لقد استشرت بعضاً من زملائي من ذوي الخبرة في الذكاء الاصطناعي التوليدي، وأضفت أهدافاً تعليمية أهملها تشات جي بي تي، مثل التعامل مع النتائج الاجتماعية للنماذج اللغوية الكبيرة وبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي. على الرغم من هذا، فإن النسبة العظمى من المقرر التعليمي الذي أدرّسه حالياً تولى تشات جي بي تي إعدادها من حيث التصميم والكتابة والتنفيذ. ومع أنني سأكون أكثر تحفظاً إزاء استخدام تشات جي بي تي لتدريس مقرر حول التاريخ أو العلوم على سبيل المثال، فإن هذه الأداة بدت رائعة في هذه الحالة، لا لأنها قادرة على أداء عملي بالنيابة عني، بل لأنها قادرة على أداء عملي بالاشتراك معي. لقد تمكنت من صياغة تمارين وفروض تستخدم هذه المنصة لإحداث تحول في التعليم بطرق كانت مستحيلة في جميع الحالات الأخرى.

هذه هي المرة الأولى التي نُدرّس فيها هذا المقرر التعليمي (ونخطط لتدريسه مرة أخرى في الفصل الدراسي الخريفي)، وبلغ عدد المشاركين فيه رقماً متواضعاً قارب السبعين طالباً، بمن فيهم بعض المهنيين الفضوليين، والطلاب الجامعيين المتحمسين، والمدرّسين من ذوي التفكير الاستشرافي. يهدف هذا المقرر التعليمي الذي يدوم ستة أسابيع إلى مساعدة الطلاب -على اختلاف خلفياتهم- على استخدام تشات جي بي تي وغيره من بوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي بفعالية أكبر، لا سيما في البيئات الاحترافية. يعمل الطلاب بوتيرتهم الخاصة على ست وحدات مختلفة في المقرر، وكل وحدة منها مزودة بمجموعة من التمارين التي تعتمد على تشات جي بي تي لتدريس الطلاب، وتعزيز معلوماتهم، وحتى تقييمهم. طُوِّرَ الكثير من هذه التمارين بالتعاون مع تشات جي بي تي، وفي حالة واحدة على الأقل، نستخدم تمريناً صممه تشات جي بي تي من دون أي تعديلات.

اقرأ أيضاً: هل يمكن استخدام تشات جي بي تي لكتابة مقالات ويكيبيديا؟

أهداف تعليمية للمقرر

من بين الأهداف التعليمية الخمسة التي اقترحها تشات جي بي تي في البداية، اخترت أربعة: فهم النماذج اللغوية الكبيرة وحدود قدراتها، وصياغة الأوامر النصية وتحسينها، وتطوير قوالب الأوامر النصية واستخدامها، وتقييم الأوامر النصية والإجابات. أما الهدفان الإضافيان "المشتقان من البشر" فيتضمنان التعامل مع التوجهات الناشئة واستكشاف الابتكار والاستخدام المسؤولَين.

في إطار كل من هذه الأهداف التعليمية النهائية، يتضمن المقرر مجموعة محددة من المهارات والمجالات الإدراكية طُوّرت من خلال العمل مع تشات جي بي تي. على سبيل المثال، في مجال صياغة الأوامر النصية وتحسينها -لا سيما كيفية توجيه الأسئلة إلى بوتات الدردشة بطريقة تتيح الحصول على إجابات مفيدة- يعتمد المقرر التعليمي على إطار عمل لتقليل الغموض، وتوجيه الأوامر النصية القائمة على القيود، وهندسة الأوامر النصية المعتمدة على المقارنة، وهي من اقتراحات بوت الدردشة. وفي مجال استكشاف نماذج التعليمات، يتبع المقرر التعليمي توجيهات تشات جي بي تي بتعليم الطلاب كيفية تطوير صيغ أوامر نصية صالحة للاستخدام المتكرر.

وقد وجدتُ أن تشات جي بي تي يقدم أداء ممتازاً على وجه الخصوص عندما بدأت بصياغة المحتوى للوحدة التعليمية الخاصة بتقييم الأوامر النصية والإجابات، التي تهدف إلى تعليم الطلاب أساليب تقييم فعالية أوامرهم النصية، ودقة الإجابات ومدى فائدتها، وكيفية تعديل المُدخلات لتحسين المُخرجات. عندما طلبت من تشات جي بي تي المساعدة في تطوير طريقة محددة يمكن للطلاب استخدامها لاختبار فائدة الأوامر النصية والإجابات الناتجة عنها، توصل إلى ما أعتقد أنه يمثل إطار عمل جديداً، يحمل اسم راكا (RACCCA) اختصاراً.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن مساعدة الطلاب على التكيف مع التغيرات التي فرضها الذكاء الاصطناعي؟

تشات جي بي تي يبتكر الاختصارات

وفقاً لتشات جي بي تي، هذه الكلمة مكونة من الأحرف الأولى للكلمات التالية: الارتباط أو الأهمية (relevance)، والدقة (accuracy)، والاكتمال (completeness)، والوضوح (clarity)، والتساوق (coherence)، والملاءَمَة (appropriateness). (أثار تشات جي بي تي إعجابي إلى درجة كبيرة في قدرته على محاكاة أستاذ جامعي إلى درجة أتاحت له ابتكار هذا الاختصار الركيك نوعاً ما) تساعد طريقة "راكا" على تقييم الأوامر النصية والإجابات، ويمكن استخدامها لتحسين جودة نتاج تشات جي بي تي من خلال التكرار. تقوم الفكرة على استخدام الطلاب لإطار العمل هذا لتحديد ما تفتقد إليه الإجابة، وتعديل الأوامر النصية وفق ذلك لتحسين الإجابة.

اقرأ أيضاً: هل نحتاج إلى دمج بوتات الدردشة في كافة التطبيقات التي نستخدمها؟

هل سينهار التعليم باستخدام الذكاء الاصطناعي؟

قد تبدو المهارة الظاهرية لتشات جي بي تي في تطوير إطار العمل "راكا" أقرب إلى نذير بحدوث "انهيار للتعليم بالذكاء الاصطناعي"، وهي فكرة هيمنت على قطاع التعليم على مدى الأشهر القليلة الماضية. ولكن عملية تطوير هذا المقرر التعليمي جعلتني أدرك شيئاً واحداً على الأقل، وهو أن القدرات الحقيقية في كل هذا تكمن في التعاون بين البشر وتشات جي بي تي. فتطوير المقرر التعليمي لهندسة الأوامر النصية لم يكن ليتحقق لولا وجودي في دور "البشري المشرف" الذي يقيّم الأفكار التي يقترحها تشات جي بي تي ويعدّلها، ويساعد الطلاب على استيعاب عيوب هذه التكنولوجيا وقدراتها الكامنة في الوقت نفسه (تضمّن أحد التمرينات الأولى عرضاً للحالات التي يقدم فيها تشات جي بي تي إجابات خاطئة مقنعة وكيفية حدوث هذا، والطرق المناسبة لتفادي هذه المشكلة). لكن هذا المقرر التعليمي لم يكن لينجح أيضاً لولا قدرة تشات جي بي تي على تعزيز التعلّم وتوسيع نطاقه إلى درجة هائلة وبطرق تمنحني المزيد من القدرات وتوسع نطاقها على الرغم من أنني مجرد مدرّس بشري.

وقد أصبح هذا واضحاً في أجزاء المقرر التعليمي التي يقودها تشات جي بي تي من حيث التعلم والتقييم باستخدام التمارين التي تعاونّا في صياغتها. على سبيل المثال، في الوحدة الأخيرة -التي تغطي التأثيرات الاجتماعية الواسعة النطاق للنماذج اللغوية الكبيرة- تعاونّا في وضع تمرين يحوّل تشات جي بي تي إلى مدرس شخصي عالي الفعالية. وإليكم فيما يلي التوجيهات التي تلقاها الطلاب:

في جلسة جديدة، قدّم لتشات جي بي تي (مستخدماً نسخة جي بي تي 4) الأمر النصي التالي: "مرحباً يا تشات جي بي تي. اسمي [ضع الاسم الكامل هنا] وأريد منك أن تضطلع بدور مدرّسي الشخصي وتعلّمني عن الابتكار المسؤول في سياق استخدام تشات جي بي تي. أريد منك أن تغطي هذا المجال على نطاق واسع. أرجو أن تبدأ عملك بتوجيه سؤال إليّ لمساعدتك على تقييم مستوى استيعابي للموضوع. وبناءً على إجابتي، وجه إليّ سؤالاً آخر مصمماً لزيادة استيعابي. وواصِل العمل على هذا المنوال حتى أُبدي استيعاباً شاملاً للابتكار المسؤول في سياق استخدام تشات جي بي تي". وفيما يلي النص الأصلي للأمر النصي كاملاً:

(Hi ChatGPT. My name is [include full name] and I would like you to act as my personal tutor and teach me about responsible innovation in the context of using ChatGPT. I would like you to cover the field broadly. Please start by asking me a question that helps you gauge my level of understanding.Based on my response, ask me a follow-up question that is designed to increase my understanding. Continue to do this until I show a broad understanding of responsible innovation in the context of using ChatGPT.).

اقرأ أيضاً: ما الأزمات التي تسببها نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية في التعليم؟

تنطوي التمارين المشابهة لهذا التمرين على مخاطر واضحة، ومَردّ ذلك على وجه الخصوص إلى أن تشات جي بي تي يمكن أن يقدم بعض المعلومات الخاطئة (هذا أمر وارد حتماً) بين الحين والآخر، وهي مسألة تعاملنا معها -كما ذكرنا سابقاً- إلى حد ما ضمن المقرر التعليمي. إلا أنه حتى مع هذه القيود، يمكن لأوامر التعلم النصية أن تكون مؤثرة للغاية، وفي هذه الحالة، أثبت تشات جي بي تي أنه مدرّس بارع على نحو لافت فيما يتعلق بالابتكار المسؤول.

يعتمد المقرر التعليمي أيضاً على تشات جي بي تي في تقييم استيعاب الطلاب. على سبيل المثال، فإن هذا التمرين من الوحدة الأولى يمثل اختباراً بسيطاً لفهم الطلاب للنماذج اللغوية الكبيرة:

ابدأ حواراً جديداً مع تشات جي بي تي (تأكد من أنك تستخدم جي بي تي 4) وقدّم له الأمر النصي التالي بطريقة القص واللصق: "مرحباً يا تشات جي بي تي. اسمي (أضف اسمك الكامل هنا) وأنا أدرس مقرراً تعليمياً حول استخدامات النماذج اللغوية الكبيرة وحدودها. أرجو أن توجه إليّ ثلاثة أسئلة بسيطة حول استخدامات النماذج اللغوية الكبيرة وحدودها لتقييم استيعابي للموضوع. وبعد كل سؤال، يرجى أن تنتظر إجابتي قبل توجيه السؤال التالي. عندما تحصل على إجاباتي الثلاث، أرجو منك تقديم تقييم لجودة هذه الإجابات، ومنحي درجة على مقياس يتراوح من A إلى C.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تحقيق المصلحة العامة؟

كان تشات جي بي تي يولد مجموعة مختلفة من الأسئلة في كل مرة يلقمه أحد الطلاب بهذا الأمر النصي، وكان بوسع الطلاب تكرار العملية قدر ما يشاؤون للحصول على الدرجة المرغوبة. بطبيعة الحال، لا تشكل الدرجة الهدف المنشود، بل عملية توجيه السؤال، والحصول على الإجابة، وتقييمها، وتكرار العمل، ما يؤدي إلى عملية ذاتية التوجيه تتضمن الاستكشاف الذاتي وتعزيز المعرفة.

على مدى الأسابيع القليلة المقبلة، سأراقب هذه العملية من كثب عند قراءة أكثر من 2,000 حوار بين الطلاب وتشات جي بي تي في إطار هذا المقرر التعليمي. إنها فرصة فريدة تتيح مراقبة مباشرة لتفاعل الطلاب مع المنصة، وكيف يمكن أن يؤدي هذا إلى تحفيز الفضول وتحسين التعلم لديهم. لقد بدأت منذ الآن أنظر على نحو مختلف إلى قدرة تشات جي بي تي على إحداث تحول كبير في التعليم، وتحفيز الاهتمامات والقدرات الكامنة لدى الطلاب. يبدو كأن تشات جي بي تي يعيد ضبط دماغي كي أصبح مدرّساً أفضل، لأنه يتيح لي -وبالتفاصيل الدقيقة- رؤية تفاعل الطلاب معه، وكيفية استفادة الأساليب التعليمية الجديدة منه بطرق تتجاوز قدرات الأساليب التعليمية التقليدية.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في كتابة المقالات الأكاديمية؟

ومع أن تشات جي بي تي جعل مني مدرّساً أفضل، لم يثِر لديّ أي مخاوف حول مستقبل عملي واختصاصي، حتى الآن على الأقل. ساعدني اعتبار تشات جي بي تي مدرساً مساعداً، لا منافساً، على بناء بيئة تعلم مخصصة موافقة للمتطلبات الفردية، وتجديد نظرتي إلى التعليم. قد تأخذ هذه العملية أشكالاً أخرى مع اختلاف المواضيع والأساتذة، إلا أنه مع تنامي قدرات تشات جي بي تي واستخداماته، فأنا أرغب شخصياً في أن أعتمد عليه شريكاً في عملية التعليم.

المحتوى محمي