تقول شركة كريم إنها استخدمت الذكاء الاصطناعي لحظر 35 ألف مستخدم محتال على منصتها لتوصيل الطعام والمدفوعات والنقل، وردّ المساعد الافتراضي الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي، الذي تبنّته هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) على نحو 6.8 مليون استفسار منذ إطلاقه عام 2017.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل هذه الأمثلة تدل على تبنٍّ واسع النطاق وسريع للذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء المنطقة أمْ أنها تبرز لأن عملية تبنّيه بطيئة أصلاً؟
أردنا تحديد وضع الذكاء الاصطناعي بدقة أكبر، فعقدنا شراكة مع معهد أعضاء مجالس الإدارات في دول مجلس التعاون الخليجي لإجراء مسح عبر الإنترنت شمل 119 من كبار المدراء التنفيذيين وأعضاء مجلس الإدارة و21 مقابلة مع المشاركين والخبراء في خمسة قطاعات رئيسة في جميع دول مجلس التعاون الخليجي.
الوضع الراهن
تعمل القطاعات المختلفة في دول مجلس التعاون الخليجي على تبنّي الذكاء الاصطناعي بسرعات مختلفة، فوفقاً للاستبيان الذي أجريناه، كانت شركات البيع بالتجزئة هي من أحرز أكبر قدر من التقدُّم في هذا المجال، حيث قال 75% من المشاركين من هذا القطاع إن شركاتهم اعتمدت الذكاء الاصطناعي في وظيفة عمل واحدة على الأقل.
ثمة عوامل مختلفة على الأرجح ستحدّد سرعة التبني في مختلف القطاعات. فعلى سبيل المثال، كانت شركات كثيرة في قطاع الطاقة والموارد الأولية من أوائل المستثمرين في مجال الذكاء الاصطناعي لأنها تعمل في سوق دولية شديدة التنافس، وتحرص على اغتنام الفرص التي يوفّرها الذكاء الاصطناعي لزيادة الكفاءة في الإنتاج والتوزيع والصيانة.
تمتلك شركات البيع بالتجزئة، وهي الأسرع تبنّياً للذكاء الاصطناعي بين المشاركين في الاستبيان، كميات وفيرة من البيانات التي استخرجتها منذ فترة طويلة للتعرف على آراء المستهلكين واعتمادها أساساً لتحديد الأسعار وتقديم العروض الترويجية. ويشير الأشخاص الذين قابلناهم إلى أن شركات البيع بالتجزئة تستخدم الآن تلك البيانات لتسريع عملية تبنّي الذكاء الاصطناعي.
كما يُعدُّ الحجم أيضاً مشكلة، فقطاع الإنشاء والتعمير يتكون إلى حدٍ كبير من مقاولين من الباطن وشركات أصغر حجماً، والعديد منها لا يستخدم تقنيات إنترنت الأشياء (IoT) لجمع البيانات التي يتطلبها الذكاء الاصطناعي. ووفقاً لخبراء القطاع، فإن هذا لا يصعّب الحصول على البيانات بفاعلية فحسب، بل يجعل التكاليف الأولية للذكاء الاصطناعي كبيرة أيضاً. وتواجه الشركات الصغيرة الحجم في مجال الخدمات المالية مشكلة مماثلة، حيث يقول العديد من المشاركين في الاستبيان إنهم يرون في الذكاء الاصطناعي استثماراً مكلفاً لا ترغب شركاتهم بعد في القيام به.
وفي مجال الخدمات المالية، يقول الأشخاص الذين قابلناهم إن هناك أيضاً عقبات تتعلق بالتشريعات، ففي بعض البلدان، لا تسمح الجهات الرقابية بتخزين بيانات معينة في الخارج على السحابة العامة.
لقد كان أكثر مجال يشهد تطبيقاً للذكاء الاصطناعي بحسب استبياننا هو التسويق والمبيعات، على الرغم من أن ثُلث المشاركين في الاستبيان فقط أفادوا باستخدام الذكاء الاصطناعي في هذه الوظيفة. وينخفض هذا الرقم بسرعة إلى مستويات أدنى بكثير في الوظائف الأخرى، ما يعني أن ثمة قيمة كبيرة عادةً ما تكون غير مستغلة، وبالإمكان الاستفادة منها.
دروس من الشركات حول كيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي
طلبنا من المشاركين في الاستبيان تحديد أيّ من المجالات الأربعة التالية يشكّل التحدي الأكبر لشركاتهم في بناء القدرات الضرورية لاستخدام الذكاء الاصطناعي:
- الاستراتيجية.
- التنظيم وأصحاب المواهب.
- البيانات والتكنولوجيا.
- التبني والنشر على نطاق واسع.
جاء مجال التنظيم وأصحاب المواهب على رأس القائمة. يقول 37% من المشاركين في الاستبيان إن هذا المجال هو مصدر القلق الأكبر بالنسبة لهم، تليه البيانات والتكنولوجيا (26%)، ثم التبني والنشر على نطاق واسع (21%)، ثم الاستراتيجية (15%).
أخذنا ذلك باعتبارنا، واستكشفنا مع من قابلناهم بعض التحديات الدقيقة التي تواجهها الشركات الخليجية في كل مجال من المجالات الأربعة المذكورة، وكيف يمكن التغلب عليها. وقد توصّلنا إلى عدة تدابير يمكن أن تساعد على تسريع تبنّي الشركات في المنطقة للذكاء الاصطناعي.
1. الاستراتيجية
تمتلك الشركات التي تحقق الاستفادة الأكبر من الذكاء الاصطناعي استراتيجية تربطها باستراتيجيتها المؤسسية، ما يعني استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين المجالات الحيوية بالنسبة لنشاط الشركة. وإذا ما أرادت الشركات تحقيق ذلك، يمكنها اتخاذ الخطوات التالية:
ضمان تأييد القيادة العليا من خلال زيادة مستوى الدراية لديها
لعلّ العامل الداعم الأهم لأي استراتيجية قوية للذكاء الاصطناعي وجود التزام قوي لدى القيادة العليا. فبدونه، قد لا تخصص ميزانية للذكاء الاصطناعي، وهذه مشكلة ذكرها 60% من المشاركين في الاستبيان، على الرغم من أن عمليات نشر الذكاء الاصطناعي تتطلب حتماً الإنفاق على البيانات والتكنولوجيا وأصحاب المواهب في تحليل البيانات، وعلى تضمين عمليات تحليل البيانات في آليات تنفيذ عمليات الشركة.
بيد أن التزام القيادة لن يظهر على الأرجح، ما لم يفهم القادة نماذج الذكاء الاصطناعي واستخداماتها المحتملة، والقدرة التي تتمتع بها على إحداث التحولات. لكن هذا ليس هو الحال في كثيرٍ من الأحيان. يقول أحد الأشخاص الذين قابلناهم من قطاع الخدمات المالية: "لا تمتلك القيادة العليا دراية بكيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات الشركة، وما يجب القيام به لاعتماده".
يمكن أن تتمثل إحدى طرق الترويج لمزيد من الدراية والوعي في التأكد من أن مجالس إدارة الشركات تضم في صفوفها خبراء في التقنيات الرقمية يفهمون قيمتها. بدون هكذا أعضاء، قد تحجم مجالس الإدارة عن ضخ استثمارات كبيرة في مجالات ذات تأثير غير واضح.
وضع خارطة طريق لاستخدام الذكاء الاصطناعي بناءً على احتياجات الشركة
سيكون من المفيد امتلاك خريطة طريق تحدد بوضوح الاستخدامات التي سوف تُطوّر في العامين الأول والثاني من برنامج التحول المعتمد على الذكاء الاصطناعي، وبأي ترتيب. فعلى المدى القصير، لا بُدّ من إعطاء الأولوية للاستخدامات التي ستترك الأثر الأكبر، والهدف هو إظهار قيمة الذكاء الاصطناعي بسرعة وزيادة حماس الناس لتبنّيه.
شرح الاستراتيجية وإخضاع الإدارة للمسؤولية
بمجرد أن يُبدي كبار القادة التزامهم، يجب عليهم التأكد من أن الاستراتيجية تُطبّق في أرجاء المؤسسة بأكملها من خلال ضمان فهم الموظفين لفائدة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتأكد من أن يكونوا على دراية بها وباستخداماتها، وكذلك من خلال تحميل كبار المدراء وشاغلي مناصب الإدارة الوسطى المسؤولية عن تنفيذ استراتيجية الذكاء الاصطناعي.
2. التنظيم وأصحاب المواهب
تتوقف استراتيجية الذكاء الاصطناعي المصممة تصميماً جيداً على طبيعة الأشخاص الذين ينفذونها. ولهذا السبب ثمة منافسة شرسة جداً بين الشركات لاجتذاب الأشخاص ذوي المهارات المناسبة، وهو أيضاً السبب الذي يجعل الشركات عالية الأداء أكثر عرضة بثلاث مرات من غيرها لأن تمتلك برامج تدريب داخلية ذات طبيعة واضحة ومحددة.
لا يقتصر الطلب الكبير على أصحاب المواهب التقنية فحسب، وإنما يشمل أيضاً على علماء البيانات ومهندسي الذكاء الاصطناعي. يقول العديد من الأشخاص الذين قابلناهم إن التحدي الأكبر فيما يتعلق بأصحاب المواهب هو العثور على مَن يشغل هذه المناصب. ويقول أحدهم، من بنك إقليمي، إن شركته تأخرت في إدراك أهمية ذلك. ونتيجة لذلك، واجهت مقاومة بين فرق العمل في الشركة لتبنّي استخدامات الذكاء الاصطناعي، لأن أعضاء هذه الفرق شعروا بعدم أهميتها.
يدرك آخرون ممن قابلناهم أن اجتذاب أصحاب المواهب في سوق عالمية تنافسية قد يكون أكثر صعوبة بالنسبة لشركات دول مجلس التعاون الخليجي؛ نظراً لافتقارها النسبي للنضج في مجال الذكاء الاصطناعي. فقد تكون هذه الشركات قادرة على تقديم تعويضات وحوافز جذابة، ولكن في مجال تتقدم فيه التكنولوجيا باستمرار، لا يمكن اجتذاب أصحاب المواهب بناءً على التعويضات فحسب، وإنما هم أيضاً بحاجة إلى فرص للنمو والتعلم.
إذا أرادت الشركات الخليجية التغلب على مثل هذه التحديات، ولنتذكر أن 70% من المشاركين في الاستبيان يقولون إن شركاتهم لا تمتلك المزيج الصحيح من أصحاب المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي اليوم. يمكن للخطوات التالية أن تساعد على بناء استراتيجية صحيحة:
تقديم عروض عمل جذّابة
يرغب أفضل العاملين بمجال الذكاء الاصطناعي في العمل على حل المشكلات الأكثر إثارة للاهتمام بدرجة عالية من الاستقلالية، ويريدون مسارات وظيفية تساعدهم على تطوير مهاراتهم التي تعتبر أهم ما يمتلكونه. لذلك، قد تحتاج الشركات الخليجية إلى اتباع نهج في التوظيف يقوم على توضيح المسار المهني للموظف من البداية وحتى النهاية.
النظر في إمكانية الحصول على الخدمات من جهات خارجية
تستعين عدة شركات في دول مجلس التعاون الخليجي بالخدمات التي توفّرها جهات خارجية لتعزيز موارد الذكاء الاصطناعي لديها، ومساعدتها على إطلاق استراتيجية الذكاء الاصطناعي، وتطوير استخدامات متطورة له.
الاستثمار في بناء القدرات
على الرغم من أن الخدمات التي تقدّمها الجهات الخارجية مفيدة، فإنها لا يمكن أن تحل محل برامج تحسين مهارات القوى العاملة الحالية، فهذه البرامج وسيلة لزيادة مستوى الدراية العامة بأهمية تقنيات الذكاء الاصطناعي واستخداماته، أي الذهنية التي تقوم على إعطاء الأولوية للذكاء الاصطناعي، وأهمية وضع الأشخاص المناسبين في المناصب الأساسية في مجال تحليل البيانات.
التعاون مع الأوساط الأكاديمية
يقول بعض الأشخاص الذين قابلناهم إن الشركات الخليجية تفوّت فرصة جذب الطلاب من الجامعات والمؤسسات البحثية المحلية والذين تتجه أنظارهم غالباً إلى الانضمام إلى شركات التكنولوجيا العالمية الكبرى.
3. البيانات والتكنولوجيا
تعتبر المؤسسات التي تمتلك بيانات موثوقة ويمكن الوصول إليها بسهولة قادرة على تقديم الحلول بسرعة ودقة أكبر. ومن المرجح أن تتمكن الشركات عالية الأداء في بحثنا العالمي من دمج البيانات بسرعة أكبر في نماذج الذكاء الاصطناعي بمقدار أربعة أضعاف مقارنة بغيرها. لكن الأشخاص الذين قابلناهم أخبرونا أن جمع بيانات عالية الجودة قد يبدو وكأنه تحدٍ لا ينتهي، وليس من المستغرب أن يقول 65% منهم إنهم لا يملكون البنية التحتية التكنولوجية التي تمكّنهم من الحصول على نتائج قوية من الذكاء الاصطناعي.
ثمة مجموعة من الفرص المتاحة التي تساعد على تحسين الوضع، بما في ذلك ما يلي:
إدارة البيانات بوصفها منتجاً لتحقيق المنفعة على المديين القصير والطويل
منتج البيانات الجيد هو المنتج الذي يمكن الوصول إليه واستخدامه بسهولة للتعامل مع التحديات المختلفة التي تواجه الشركة. لكن بناء مثل هذا المنتج يمكن أن يتطلب الكثير من الجهد والوقت في كثيرٍ من الأحيان. ورغبة من بعض الشركات في جني ثمار الاستثمارات في البيانات بسرعة أكبر، فإنها تعكف على تطوير منتجات البيانات بالطريقة ذاتها التي قد تتبعها في تطوير منتج استهلاكي. ويمكن للشركات تصميم منتج بيانات أساسي يمكن إعادة تصميمه بعد ذلك بحسب الاحتياجات، حيث يمكن أن يساعدها هذا النموذج على توفير المنفعة اليوم بينما تمهّد الطريق في الوقت ذاته لمزيد من المنفعة بعد إضافة المزيد من الوظائف وتطوّر المنتج.
بناء بنية تكنولوجية مرنة وحديثة
أدركت مؤسسات كثيرة بعد جهد كبير أن التقنيات القديمة الموروثة من العهود السابقة نادراً ما تلبي المطلوب في عالم يحركه الذكاء الاصطناعي، كما أن تعديلها مكلف ويستغرق وقتاً طويلاً. لذلك، يجب على الشركات أن تفكر فيما يتجاوز ما هو مناسب لغرضها اليوم، وأن تدرس بدلاً من ذلك اعتماد بنية تحتية معيارية هجينة، يمكن فيها دمج أفضل التقنيات المتاحة بسهولة داخل العمليات من طرف إلى طرف، أو استبدالها بسهولة بأحدثها دون حصول انهيار في النظام بأكمله.
4. تبنّي الذكاء الاصطناعي ونشره على نطاق واسع
يمكن أن تواجه الشركات ذات الطموحات العالية في مجال الذكاء الاصطناعي مقاومة عندما يتعلق الأمر بتضمين المشاريع التجريبية في العمليات التجارية الأوسع نطاقاً، وفقاً لمن أجرينا معهم المقابلات. يتمثل جانب من المشكلة في احتمال وجود صعوبة في شرح كيفية عمل نماذج الذكاء الاصطناعي، وفي وجود صعوبة كبيرة في قبول أنها تنطوي على منفعة. والسبب الآخر هو خوف الموظفين من أن عملهم سيتغير أو أنهم لا يمتلكون المهارات التي يتطلبها نشر الذكاء الاصطناعي. ويمكن للإجراءات التالية أن تساعد على التغلب على المقاومة:
تبنّي تقنيات سهلة الاستخدام لتحليل البيانات
ستحتاج الشركات التي تريد التغلب على المقاومة إلى المجموعة الصحيحة من الأدوات التقنية، مثل البرامج الوسيطة التي تدعم واجهة برمجة التطبيقات (API-enabled middleware)، وأدوات الدعم مثل لوحات التحكم (dashboards) سهلة الاستعمال، ومحركات التوصية (recommendation engines) وتطبيقات الأجهزة المحمولة.
ضمان التعاون بين فرق تكنولوجيا المعلومات وفرق الأنشطة التجارية
كما ناقشنا أعلاه، تحتاج فرق العمل إلى التعاون مع قسم تكنولوجيا المعلومات لوضع خارطة طريق لطرح استخدامات الذكاء الاصطناعي للتأكد من أنها تترك أثراً إيجابياً على الأنشطة التجارية للشركة. ومع ذلك، فإن هذا التعاون سيساعد أيضاً على قيادة عملية التبني من خلال وجود إحساس بأن ثمة مهمة مشتركة بين الجميع. وفي الشركات العالية الأداء، يبلغ احتمال وجود عملية تقوم على التعاون بين فرق الأنشطة التجارية والفرق الفنية لبناء تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتحسينها ضعفي ما هو عليه الحال في الشركات الأخرى.
إطلاق برنامج لإدارة عملية التغيير
غالباً ما تُخفِق الشركات في إدراك مدى أهمية إدارة عملية التغيير في سياق توسيع نطاق استخدام الذكاء الاصطناعي. بدلاً من ذلك، تركّز هذه الشركات على أمور أكثر إلحاحاً مثل الحصول على البيانات الصحيحة وأصحاب المواهب المناسبين. ولكن، إذا كان الموظفون لا يستخدمون الذكاء الاصطناعي في عملهم اليومي، فإن أي استنتاجات ناتجة عن المشاريع التجريبية تذهب سدى.
يمكن للخطوات التي نوصي بها في هذه المقالة أن تساعد على تغيير هذا الوضع، لأنها تهدف إلى معالجة التحديات التي ظهرت في بحثنا والتي يمكن أن تؤخر عملية التبني. وغالباً ما يكون تبنّي الذكاء الاصطناعي عملية بطيئة وصعبة، لكن الجائزة الناتجة عن هذه العملية تستحق العناء والجهد المبذولَين في سبيل الحصول عليها.