سأل أحد المحللين في الشركة الشهيرة للخدمات المالية والاستثمارية غولدمان ساكس سؤالاً مقلقاً في الآونة الأخيرة عن العلاج الجيني، وهو "هل يعدّ علاج المرضى به بمثابة عمل تجاري مستدام؟"
وكانت ردود الفعل في وسائل التواصل الاجتماعي سريعة وحادة، مثل "إنه قاسي القلب وغير أخلاقي"، و"إنها الرأسمالية بأبشع صورها".
ولكن المحلل في غولدمان ساكس لديه بعض الحقّ. فمن الصعب تحقيق أرباح مستدامة من العلاجات التي يتم إعطاؤها لمرة واحدة.
بالنسبة لإحدى الشركات الدوائية الكبيرة على الأقل، فإن الإجابة على سؤال غولدمان هي لا.
حيث شهدنا مؤخراً شركة غلاكسو سميث كلاين وهي تبيع خط إنتاجها من العلاجات الجينية للأمراض النادرة إلى إحدى الشركات الناشئة في لندن والتي تدعى أورتشارد ثيرابيوتكس (Orchard Therapeutics) مقابل الحصول على حصة 20 بالمئة من الشركة الجديدة.
وكانت العلاجات التي تخلّت عنها شركة غلاكسو تمثّل معجزة حقيقية، فهي علاجات تُعطى لمرة واحدة فقط لاستبدال جين شاذ وإنقاذ حياة الشخص.
ويدعى أحد هذه العلاجات ستريمفيليس (Strimvelis)، وهو علاج لنقص مناعي نادر ويقوم بمعالجة الأطفال بشكل كامل.
أما العلاج الآخر الذي لا يزال قيد التطوير، فهو مخصّص لتصحيح الحمض النووي في اضطراب شديد التخريب يصيب الدماغ عند الأطفال ويسمّى حثل المادة البيضاء متبدل اللون (leukodystrophy metachromatic). ويفقد المصابون به قدرتهم على التحدث والمشي والتفكير قبل أن يفقدوا حياتهم.
وتكمن المشكلة الاقتصادية في أن الشركات يمكن أن تتوقف عن إيجاد مرضى جدد بسبب شفائهم. أو قد لا تجد ما يكفي منهم في المقام الأول، إذا كانت العلاجات الجينات مخصّصة لأمراض نادرة للغاية.
على سبيل المثال، لا يتم تشخيص سوى بضع عشرات من الأطفال كل عام في الولايات المتحدة وأوروبا بإصابتهم بالمرض "الفقاعي" الذي يسمّى العوز المناعي المشترك الشديد بسبب نقص الأنزيم النازع لأمين الأدينوسين (ADA-SCID) والذي تم تطوير دواء ستريمفيليس (Strimvelis) لعلاجه. لذلك حتى وإن كان سعره يبلغ 665 ألف دولار، لم تكن غلاكسو تعتقد بأن الدواء سيكون عملاً تجارياً مربحاً.
وعلى الرغم من أن العلاج الجيني ظلّ يبدو مستحيلاً لعدة عقود، إلا أن هذا المجال يتطور بسرعة كبيرة، حيث أن الإصدارات المطوّرة من العلاجات التي يتم اكتشافها اليوم قد تكون بعد بضعة أشهر.
وفي الواقع، تخلّت غلاكسو عن هذه المهمة لصالح إحدى الشركات المصنّعة لمثل هذه العلاجات التنافسية. إذ تمتلك شركة أورتشارد نموذجها الخاص من العلاج الجيني لنقص المناعة، والتي تخطط للحصول على الموافقة عليه في الولايات المتحدة بحلول نهاية هذا العام.
ولم يستطع مارك روثيرا - الرئيس التنفيذي لشركة أورتشارد - من إخبار إم آي تي تيكنولوجي ريفيو فيما إذا كان يعتقد بأن شركته يمكنها أن تحقق أرباحاً من علاج ستريمفيلس أيضاً.
وقال: "أعتقد بأن على المجتمع أن يجد توازناً بين القيمة الاستثنائية الرائعة التي نقوم بتقديمها وبين العمل التجاري المستدام. فهناك إجراء يحقق التوازن".
ويمكن جعل العلاجات الجينية الأخرى أكثر قيمة إذا كانت أسعارها مرتفعة بما فيه الكفاية. ففي 9 أبريل، قالت شركة نوفارتيس (Novartis) بأنها ستدفع حوالي 8.7 مليار دولار لشراء شركة أفيكسيس (AveXis)، والتي تمتلك علاجاً جينياً يعالج الأطفال المصابين بالضمور العضلي الفقري.
ويعدّ هذا المرض أكثر شيوعاً بعشرين مرة، ولذلك هناك سوق أكبر له. ومع ذلك، تشير توقعات شركة نوفارتس - التي يمكن أن يجلب لها العلاج عدة مليارات من الدولارات كعائدات سنوياً - إلى أن الشركة قد تفرض أسعاراً غير مسبوقة، ربما تصل إلى 2.25 مليون دولار وفقاً للمتخصصين في وول ستريت.
كما يشير تقرير غولدمان، بأنه "من المحتمل" أن تزيد أسعار العلاج الجيني عن مليون دولار.
وتعدّ العلاجات التي باعتها غلاكسو مؤخراً ذات تكلفة أقل، وذلك لأن الأمراض نادرة للغاية ولأنها علاجات جينية خارج الجسم الحي، حيث تتم إزالة خلايا نقي العظم للمريض ويضاف الجين الجديد ويتم إرجاع الخلايا إلى المريض.
وتعتبر هذه العملية مرهقة ومكلفة مما يجعل عملية التسويق لها أكثر صعوبة من بيع الأدوية التقليدية على شكل حبوب أو حقن وريدية.