شيءٌ فشيء، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً من حياتنا عبر كل شيء؛ بدايةً من تكنولوجيا تشغيل هواتفنا الذكية مروراً بميزات قيادة السيارات الذاتية القيادة ووصولاً إلى الأدوات التي تستخدمها شركات تجارة التجزئة لكسب رضا المستهلكين. لذلك، لم نكن لنشعر بهذا التغلغل التدريجي. وإن كانت هناك حفاوة بمنجزات واضحة، ومنها عندما هزم برنامج ألفا غو (AlphaGo)، وهو برنامج قائم على الذكاء الاصطناعي طوّره حاسوب شركة آي بي إم المسمى ديب بلو، بطل العالم في لعبة "غو" الصينية عام 2016، قبل أن يتلاشى الخبر من ذاكرتنا.
أوقدت تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدية مثل تشات جي بي تي كوبايلوت (ChatGPT Copilot) وستيبل ديفيوجن (Stable Diffusion) وغيرها، خيال العالم بطريقة تجاوزت ما فعله ألفا غو، وذلك بفضل نطاق استفادة أوسع وقابل للتطوير مع سهولة التعامل، حيث يمكن لأي شخص تقريباً استخدامه للتواصل والإبداع، مع قدرة خارقة على إقامة حوار متواصل مع المستخدم.
ويمكن لأحدث تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي تنفيذ مجموعة من المهام الروتينية، مثل إعادة تنظيم البيانات وتصنيفها، ولكن قدرته على كتابة النصوص وتأليف الموسيقى وإبداع فن رقمي هي التي تصدرت الاهتمام وأقنعت المستهلكين وعائلاتهم بالتجربة بأنفسهم. ونتيجة لذلك، تتنافس مجموعة أكبر من أصحاب المصلحة مع التأثير التوليدي على تحقيق أقصى استفادة من الذكاء الاصطناعي تجارياً ومجتمعياً ولكنها بحاجة إلى امتلاك سياق أشمل يساعدها على فهمه.
كفاءة نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي تتطور
تتزايد صعوبة هذه المهمة المنشودة نتيجة السرعة التي تتطور بها تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي. لقد صدر تشات جي بي تي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وما هي إلّا أربعة أشهر حتى أصدرت أوبن أيه آي نموذجاً لغوياً كبيراً جديداً (LLM) يُسمّى جي بي تي- 4 (GPT-4) له إمكانات متطورة بشكلٍ ملحوظ. وبالمثل، بحلول مايو/ أيار 2023، تمكن كلود (Claude)، الذكاء الاصطناعي الإنثروبي، من معالجة 100,000 رمز نصي، أي ما يعادل نحو 75 ألف كلمة في الدقيقة، وهو حجم رواية أدبية في المتوسط، مقارنةً بنحو 9000 رمز عند طرحه في مارس/ آذار 2023. وفي مايو/ أيار 2023، أعلنت جوجل عن العديد من الميزات الجديدة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، بما في ذلك تجربة البحث التوليدي ونموذج لغوي كبير جديد أسمته بالم 2 (PaLM 2) سيعمل على تشغيل روبوت الدردشة بارد الخاص بها، من بين منتجات أخرى سوف تطرحها جوجل.
وللإحاطة بما ينتظرنا مستقبلاً، علينا فهم تلك الفتوحات العلمية التي أخرجت لنا الذكاء الاصطناعي التوليدي، بعد أن استمر طور التكوين لعقود مضت. ولأغراض هذا التقرير، نُعرّف الذكاء الاصطناعي التوليدي بأنه تطبيقات تُبنى عادةً باستخدام نماذج تأسيس. وتحتوي تلك النماذج على شبكات عصبونية اصطناعية قابلة للتوسع مستوحاة من مليارات الخلايا العصبية المتصلة في الدماغ البشري، أمّا النماذج التأسيسية فهي جزء مما يُسمّى التعلم العميق، وهو مصطلح يشير إلى العديد من الطبقات العميقة داخل الشبكات العصبونية.
ولقد أسهم التعلم العميق في العديد من التطورات الحديثة في الذكاء الاصطناعي، لكن النماذج الأساسية التي تدعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدية هي تطور تدريجي في التعلم العميق. وعلى عكس نماذج التعلم العميق السابقة، يمكنها معالجة مجموعات كبيرة ومتنوعة للغاية من البيانات غير المصنفة وتنفيذ أكثر من مهمة في آنٍ واحد.
مكّنت النماذج التأسيسية كفاءات جديدة وطوّرت بشكلٍ كبير القدرات الموجودة عبر مجموعة واسعة من الوسائط، من بينها الصور والفيديو والصوت وكود الحاسوب. والذكاء الاصطناعي المدرب على هذه النماذج قادر على أداء عدة وظائف؛ حيث يمكنه تصنيف الأسئلة وتحريرها وتلخيصها والإجابة عنها وصياغة محتوى جديد، علاوة على مهام أخرى.
ما نحن إلّا في بداية رحلة لفهم كفاءة الذكاء الاصطناعي التوليدي ومجاله وقدراته. وهذا التقرير هو أحدث جهودنا لتقييم تأثير هذه الحقبة الجديدة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي. ومن خلال هذا التقرير، نقول إن الذكاء الاصطناعي التوليدي مهيأ لتطوير الأدوار في بيئة الشركات وتعزيز الأداء في إدارات من قبيل المبيعات والتسويق وشؤون العملاء وتطوير البرمجيات، كما يمكنه أن يحقق ما قيمته تريليونات الدولارات عبر قطاعات تتنوع بدايةً من البنوك حتى علوم الحياة.
للنسخة الكاملة من هذا التقرير، يمكن تحميل الملف من هنا
النتائج الجوهرية
يمكن إجمال النتائج الجوهرية لتبني الذكاء الاصطناعي في الأعمال على الإنتاجية بما يلي:
- يمكن أن يُضيف التأثير التوليدي للذكاء الاصطناعي على الإنتاجية تريليونات الدولارات من حيث القيمة إلى الاقتصاد العالمي: تشير أحدث أبحاثنا إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يضيف ما يعادل 2.6 تريليون دولار إلى 4.4 تريليون دولار سنوياً عبر 63 حالة استخدام قمنا بتحليلها. وبالمقارنة، بلغ إجمالي الناتج المحلي للمملكة المتحدة عام 2021 نحو 3.1 تريليون دولار. سيؤدي ذلك إلى زيادة تأثير الذكاء الاصطناعي بنسبة 15 إلى 40 في المئة. وسوف يتضاعف هذا التقدير إذا أدرجنا تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي في البرمجيات المستخدمة حالياً في مهام أخرى بخلاف حالات الاستخدام الواردة في التقرير.
- يكمن نحو 75 في المئة من القيمة التي يمكن أن تحققها حالات استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في أربعة مجالات: عمليات العملاء، التسويق والمبيعات، هندسة البرمجيات، والبحث والتطوير. ومن خلال 16 إدارة، قمنا بفحص 63 حالة استخدام يمكن للتكنولوجيا من خلالها مواجهة تحديات عمل محددة بطرق تؤدي إلى نتيجة أو أكثر من النتائج القابلة للقياس. وتشمل الأمثلة قدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي على دعم التفاعلات مع العملاء، وإنشاء محتوى إبداعي للتسويق والمبيعات، وصياغة كود كمبيوتر استناداً إلى مطالبات باللغة الطبيعية، من بين العديد من المهام الأخرى.
- سيكون للذكاء الاصطناعي التوليدي تأثير كبير في جميع القطاعات: وتعد البنوك والتكنولوجيا المتقدمة وعلوم الحياة من بين القطاعات التي يمكن أن تشهد التأثير الأكبر في صورة نسبة مئوية من عائداتها من الذكاء الاصطناعي التوليدي. وعبر القطاع المصرفي، على سبيل المثال، يمكن للتكنولوجيا تحقيق قيمة تعادل ما بين 200 مليار دولار إلى 340 مليار دولار إضافية سنوياً إذا تم تنفيذ حالات الاستخدام بالكامل. وفي تجارة التجزئة والسلع الاستهلاكية، يكون التأثير المحتمل كبيراً بدوره ما بين 400 مليار دولار إلى 660 مليار دولار سنوياً.
- يتمتع الذكاء الاصطناعي التوليدي بالقدرة على تغيير آلية تنفيذ العمل، وزيادة قدرات العاملين عن طريق أتمتة بعض أنشطتهم: تمتلك تقنيات الذكاء الاصطناعي الحالية وغيرها من التقنيات القدرة على أتمتة أنشطة العمل التي تشغل 60 إلى 70 في المئة من وقت الموظفين اليوم. وفي المقابل، قدرنا سابقاً أن التكنولوجيا لديها القدرة على أتمتة نصف الوقت الذي يقضيه الموظفون في العمل. ويرجع التسارع في إمكانات الأتمتة التقنية إلى حدٍ كبير إلى زيادة قدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي على فهم اللغة الطبيعية، وهو أمر مطلوب لأنشطة العمل التي تمثل 25 في المئة من إجمالي وقت العمل. وبالتالي، فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي له تأثير أكبر على العمل المعرفي المرتبط بالمهن ذات الأجور الأعلى والمتطلبات التعليمية أكثر من الأنواع الأخرى من العمل.
- من المرجح أن تتسارع وتيرة التغيير في طبيعة قوة العمل، بالنظر إلى الزيادات في إمكانات الأتمتة التقنية: تؤدي سيناريوهات تبني التكنولوجيا، بما في ذلك تطويرها، والجدوى الاقتصادية، والجداول الزمنية للتنفيذ، إلى تقديرات بأن يمكن أتمتة نصف أنشطة العمل الحالية بين عامي 2030 و2060، ونقطة المنتصف هنا هي عام 2045، أو قبل عقد تقريباً من تقديراتنا السابقة.
- يمكن أن يؤدي الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى زيادة إنتاجية العمل بشكلٍ كبير في جميع جوانب الاقتصاد الكلي: ولكن ذلك يتطلب استثمارات لدعم العمال أثناء نقلهم لأنشطة عمل أخرى أو تغيير طبيعة الوظائف. ويمكّن الذكاء الاصطناعي التوليدي نمو إنتاجية العمل بنسبة 0.1 إلى 0.6 في المئة سنوياً حتى عام 2040، اعتماداً على معدل اعتماد التكنولوجيا وإعادة توزيع وقت العمال في أنشطة أخرى. ومن خلال الجمع بين الذكاء الاصطناعي التوليدي وجميع التقنيات الأخرى، يمكن أن تضيف أتمتة العمل ما بين 0.2 إلى 3.3 نقطة مئوية سنوياً لنمو الإنتاجية. ومع ذلك، يحتاج العمال إلى دعم في تعلم مهارات جديدة، وتغيير البعض لمهنهم. وإذا أمكن إدارة تحولات العمال والمخاطر الأخرى المتصلة بذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يسهم بشكلٍ جوهري في النمو الاقتصادي ويدعم عالماً أكثر استدامة وشمولاً.
- نحن في مهد عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي. ومن الطبيعي أن يكون هناك حماس بشأن هذه التكنولوجيا خاصةً في ظل نجاحات المشاريع الأولية: ولكن الإحاطة بفوائد التكنولوجيا مهمة تستغرق وقتاً، ولا يزال قادة الأعمال والمجتمعات يواجهون تحديات كبيرة يتعين عليهم التصدي لها؛ وتشمل إدارة المخاطر الكامنة في الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتحديد المهارات والقدرات والكفاءات الجديدة التي سوف تحتاج إليها قوة العمل، وإعادة التفكير في العمليات التجارية الأساسية من قبيل إعادة التدريب واكتساب مهارات جديدة.