ما عقبات إنتاج اللحوم المستزرعة مخبرياً؟ ومتى ستصبح متوفرة على موائدنا؟

5 دقائق
ما عقبات إنتاج اللحوم المستزرعة مخبرياً؟ ومتى ستصبح متوفرة على موائدنا؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/nevodka

تداولت عدة عناوين رئيسية مؤخراً اللحوم المُستزرعة في المختبر، إذ أصدرت وزارة الزراعة الأميركية بالتعاون مع إدارة الدواء والغذاء (إف دي أيه)، مذكرة لطرق التحقق من صلاحية اللحوم المخبرية والموافقة عليها في نهاية شهر يونيو/ حزيران 2023، وسمحت لشركتين ببيع منتجات اللحوم المُستزرعة مخبرياً للعموم، لكن على الرغم من تأمين الموافقات الصحية، فإن هناك عدة عوائق تمنع انتشار اللحوم المستزرعة مخبرياً ودخولها في الأنظمة الغذائية لمواجهة مشكلة الأمن الغذائي العالمي للعدد المتزايد من السكان.

التحديات الكبرى التي تواجه صناعة إنتاج اللحوم المستزرعة مخبرياً 

تتلخص أبرز التحديات التي تواجه صناعة اللحوم المستزرعة مخبرياً بما يلي:

ارتفاع تكاليف الإنتاج والبيع 

لا تتوفر اللحوم المستزرعة مخبرياً سلعة بالأسعار نفسها التي تُباع بها اللحوم الحيوانية التقليدية، والطريقة الوحيدة لجعل المستهلكين يتناولون اللحوم المستزرعة مخبرياً بكميات كبيرة تحقق الربح التجاري للشركات المنتجة لها، هي أن تُعرض اللحوم المستزرعة مخبرياً بسعر منافس للحوم الطبيعية. 

بالمقابل هناك انخفاض ملحوظ في أسعار اللحوم المستزرعة مخبرياً؛ إذ كلفت أول شطيرة برغر صُنعت في المختبر نحو 330 ألف دولار أميركي عام 2013، ولكن عام 2023 تكلفت الشطيرة نفسها 9.80 دولار فقط، وهو تقدم ملحوظ خلال عقد واحد فقط. 

سبب التكلفة المرتفعة للحوم المستزرعة مخبرياً بشكلٍ خاص ما يلي:

المواد المستخدمة لتنمية الخلايا في المختبر:  وهي وسائط كيميائية طبيعية أو صناعية مكلفة لازمة لتنمية الخلايا تدعى عوامل النمو، وكانت عدة شركات لصناعة اللحوم المستزرعة مخبرياً تستخدم سابقاً عامل نمو "المصل البقري الجنيني" الذي يكلف نحو 1,684 دولاراً للتر الواحد، لكن حالياً يمكن استخدام عوامل النمو المُصنَّعة بتقنيات الهندسة الوراثية مثل عامل نمو "فيوتشر فيلدز" المشتق من ذباب الفاكهة بسعر أوفر

التعقيم وتحقيق شروط النظافة المخبرية: تعد عملية تربية الحيوانات وذبحها فوضوية نوعاً ما، فهناك المواد البرازية والبكتيريا والحاجة لتنظيف الأعضاء غير الصالحة للأكل قبل أن يصبح اللحم جاهزاً، بالتأكيد هناك شروط للتعقيم والتأكد من سلامة اللحوم الطبيعية، لكن شروط النظافة والتأكد من التعقيم وخلو المنتجات من البكتيريا والفيروسات وغيرها من مسببات العدوى تتطلب تكاليف كبيرة نسبياً بصناعة اللحوم المستزرعة مخبرياً، فالمتوقع إيجاد طرق أكثر ملاءمة لتخفيف تكلفة التعقيم وجعلها أكثر كفاءة لتلائم إنتاج اللحوم المخبرية على المستوى الواسع.

اقرأ أيضاً: تقنيات إنتاج الغذاء الحديثة قد تعيد 80% من الأراضي الزراعية في العالم إلى الطبيعة

القيود البيولوجية لإنتاج اللحوم مخبرياً

لا تُنتج اللحوم المخبرية على المستوى التجاري في أطباق بترية، بل توضع في مخمرات عملاقة تدعى المفاعلات الحيوية (Bioreactors)، وتنمو الخلايا المُحفّزة تدريجياً لتشكّل كتلاً من اللحم الغني بالبروتين، سواء كانت لحوماً دجاجاً أو عجلاً وغيرها.

إحدى العوائق الأساسية لإنتاج اللحوم في المفاعلات الحيوية هي عدد الخلايا التي يمكن وضعها في المفاعل دون أن تموت الخلايا في عملية النمو، لأن تراكم كتل الخلايا في المفاعلات فوق حد معين سيسبب توقف وصول عوامل النمو والأوكسجين والحرارة بشكل متساوٍ للخلايا المتوضعة بمركز الكتلة "اللحمية"، ما سيتلفها ويجعلها تفسد من الداخل. 

وهناك أيضاً المنتجات الثانوية الناتجة عن نمو الخلايا في المفاعلات والفضلات الخلوية التي تعد عاملاً آخر يجب الانتباه له في عملية الإنتاج، والتعقيد الأكبر في عملية إنتاج اللحوم المخبرية في المفاعلات الحيوية هو حاجة العملية للتهوية على عكس مخمرات الكحول أو الخل وغيرها من الصناعات التي تتم بمفاعلات حيوية مغلقة بإحكام، فخلايا الثدييات شديدة الحساسية لكثافة الخلايا العالية ونقص الأكسجة والغذاء وتراكم النفايات والتلوث بالفطريات أو البكتيريا، وهذا يجعل النجاح في استزراع اللحوم عملية أصعب بكثير من الصناعات الحيوية الأخرى من الناحية البيولوجية.

اقرأ أيضاً: كنتاكي تختبر منتجات جديدة مبنية على النباتات

صعوبة توسيع الإنتاج 

تحتاج صناعة اللحوم المستزرعة مخبرياً إلى التوسع لمستوى يسمح لها بالمنافسة في سوق اللحوم، ويتطلب الوصول إلى حصة 1% من سوق بروتينات اللحوم تأمين مفاعلات حيوية لصناعة اللحوم بسعة 220-440 مليون لتر أو ما يعادل سعة 88-176 مسبحاً أولمبياً.

تعد منشأة "إبيك" التابعة لشركة "أبسايد فودز" (Upside Foods)، المموّلة من الأمير خالد بن الوليد بن طلال آل سعود وعدة داعمين مثل بيل غيتس وريتشارد برانسون وجاك ويلش وكيمبال ماسك شقيق إيلون ماسك، أكبر مراكز إنتاج اللحوم المستزرعة مخبرياً في العالم، إذ تبلغ مساحتها نحو 5000 متر مربع في منطقة خليج سان فرانسيسكو بأميركا، وتحتوي على مفاعلات حيوية بسعة ألف لتر قادرة على إنتاج 22,680 كيلوغراماً من اللحوم الصناعية سنوياً، لكن صرّحت الشركة بأنها ستكون قادرة على إنتاج كمية تزيد على 180,000 كيلوغرام من اللحوم المستزرعة مخبرياً في المستقبل.

مشكلة قوام اللحوم المخبرية 

عملية صناعة اللحوم المستزرعة مخبرياً ذات القوام المفروم مثل لحوم البرغر أسهل وأوفر بكثير من صناعة لحوم مستزرعة مخبرياً بقوام شريحة لحم (ستيك)؛ إذ تحتاج صناعة شرائح اللحوم إلى بُنى خاصة تدعى بالسقالات (Scaffolds) التي تعمل بمثابة قوالب هيكلية مصنوعة من مواد مثل الكولاجين والكيتين الموجودة الألياف النباتية أو الأعشاب البحرية، حيث تُزرع الخلايا الجذعية التي ستنمو لتعطي اللحوم في هذه السقالات وتنمو بداخلها لتأخذ شكل شريحة اللحم التي يرغب فيها المستهلك.

ووفقاً لبحث شارك به مايكل سعد، الباحث بمرحلة الدكتوراة في قسم الهندسة الطبية الحيوية في جامعة توفتس (TUFTS) الأميركية، يمكن لزراعة الأنسجة الدهنية المخبرية أن تسهم في تحسين قوام اللحوم المصنوعة بالمختبر بشكلٍ كبير، واستطاع سعد مع المجموعة البحثية تصنيع نسيج دهني مخبرياً مشابه بشكله وقوامه للأنسجة الدهنية الحيوانية الطبيعية، ونُشرت النتائج في دورية فرونتيرز إن نيوتريشن (Frontiers in Nutrition) عام 2023.  

اقرأ أيضاً: الاستهلاك العالمي للحوم يتجه لتسجيل رقم قياسي

قبول المستهلكين اللحوم المُصنّعة مخبرياً

لا يمكن وصف مشكلة تسويق منتجات اللحوم المستزرعة مخبرياً بأنها بسيطة، فهناك الكثير من الآراء المتفاوتة حول هذه اللحوم ومدى فوائدها الصحية، ناهيك عن طعمها الذي قد يكون غريباً للبعض، إذ تحاول عدة مختبرات حول العالم إنتاج لحوم بنكهات مختلفة للترويج لهذه اللحوم المستزرعة مخبرياً. 

يذكر الدكتور محمد قاسم، الأستاذ المساعد في كلية الدراسات التكنولوجية بالكويت، في تغريدة عبر تويتر، أن مجموعة من العلماء استطاعوا تصنيع كرة لحم فيل الماموث المنقرض بالاعتماد على جينومه المستخرج من المستحاثات خلال أسبوعين فقط، ويتوقع أن نستطيع تذوق لحوم الحيوانات المنقرضة في السنوات المقبلة بسبب تطور عمليات إنتاجها.

لكن تعمل عدة مختبرات بحثية حول العالم على تحسين نكهة اللحوم المصنوعة مخبرياً لتصبح مشابهة لنكهة اللحوم الطبيعية. 

متى ستصبح اللحوم المستزرعة مخبرياً شائعة في الأسواق العالمية؟ 

قد يكون انتشار اللحوم المستزرعة مخبرياً في الأسواق العالمية قريباً نسبياً، إذ حصلت سنغافورة على لقب أول دولة تسمح ببيع لحم الدجاج المستزرع في المختبر عام 2020، حيث منحت شركة إيت جاست (Eat Just) الصلاحية لإنتاج لحوم الدجاج المستزرعة مخبرياً للمستهلكين بشكلٍ عام في الأسواق وبيعها.

وتسعى الولايات المتحدة الأميركية لتكون الثانية على الطريق نفسه، علماً أنها تعد من أكبر الأسواق الاستهلاكية في العالم. 

 اقرأ أيضاً: للمرة الأولى في العالم: ترخيص استهلاك اللحم المستنبَت في سنغافورة

وعلى الرغم من وجود التحديات الكثيرة التي تواجه صناعة اللحوم مخبرياً، فإن هناك تطلعاً لانتشار هذا المجال التجاري والغذائي الجديد في العالم بحلول عام 2030، حيث من المتوقع أن تصبح اللحوم المخبرية متوفرة في السوبر ماركت المجاور لمنزلك، وما يسرّع عملية تطوير منتجات اللحوم المخبرية الحاجة العالمية لمصادر غذائية جديدة صديقة للبيئة وتملك القدرة على استهلاك طاقة ومياه ومواد أولية أقل من مصادر إنتاج اللحوم التقليدية.

المحتوى محمي