في عام 2020، وفي خضم الحجر الصحي بسبب جائحة كوفيد-19، اشتريت أنا وزوجي منزلاً في مدينة بروكلين وقررنا إعادة تصميمه وبنائه من الداخل. بدأنا بمناقشة الأفكار حول كيفية تنظيم العملية بالتفصيل؛ من تصميم المطبخ المفتوح إلى تجهيزات الحمام، ولكن بعد فترة طويلة أدركنا أن اللغة غير الدقيقة التي استخدمناها تبطئنا وتزعجنا. لذلك، علّمني زوجي بعض الرموز المعمارية الرئيسية (مثل تلك التي توضح الجهة التي يفتح بها الباب) وبدأ بطباعة مخططات الأرضية. سرعان ما بدأت برسم تصاميمي الخاصة، مكررة عمله للتوصل إلى رؤية مشتركة للمنزل الذي تمكّنا من تصميمه في النهاية.
هذه قصة مكررة، ولكن تنقصها معلومة أساسية واحدة، وهي أني عمياء، وسخّرت نفسي لضمان أن يتمكن سكان مدينة نيويورك (بمن فيهم أنا) من إنشاء الصور واستكشافها. حصلت على المعدات التي استخدمتها لتصميم مخططات الأرضية والرسوم الأخرى، التي تتضمن مُزخرِف الرسوم المتطوّر و"سبورة" بسيطة تعمل باللمس، من منصة ديمنشنز لاب (Dimensions Lab) في مكتبة أندرو هايسكل بريل آند توكينغ بوك (Andrew Heiskell Braille and Talking Book Library) التابعة لمكتبة نيويورك العامة، وهو مكان يتمكن فيه أي شخص (كفيفاً كان أو مبصراً أو ما بين بين) من تعلّم صنع رسوم لمسية ونماذج ثلاثية الأبعاد يمكن للأشخاص المكفوفين وضعاف البصر قراءتها باللمس. بصفتي المنسّقة المساعدة للتكنولوجيا في هذه المكتبة، أساعد الزبائن المنتظمين على استخدام التكنولوجيا المتوفرة لتحقيق أهدافهم، مثل البحث عن عمل وقراءة البريد المطبوع باستخدام الرؤية الحاسوبية واستخدام تطبيقات العثور على الطرق حتى يتمكنوا من السفر وحدهم، وغير ذلك.
بيث بيركنز يعمل الزبائن المكفوفون وضعاف البصر على تصميم مجموعة متنوعة من الرسوم اللمسية في منصة ديمنشنز لاب التابعة لمكتبة نيويورك العامة
لا يتضمن الوصف الوظيفي لمعظم العاملين في مجال تكنولوجيا الوصول مثلي العمل باستخدام الصور، لكنني أعتقد أنه يجب أن يتضمن هذا المجال. أحلم بيوم تصبح فيه المهام مثل تفحّص إحدى خرائط الشارع أو تصميم الوشوم وتخطيطات المقاعد سهلة ومألوفة بالنسبة للمكفوفين كما هي بالنسبة للآخرين.
عندما نتحدث عن الرسوم والصور، فإن افتراض أنها ستُقرأ بصرياً يكون متضمناً في اللغة التي نستخدمها. نشير في حديثنا إلى مفاهيم مثل الفنون البصرية والمساعدات البصرية والتصوير المرئي للبيانات، ونخلط بين عالم الصور والبصر بصفته وسيلة للإدراك. تركّز المراكز الثقافية التي تتألف في معظمها من المبصرين على التمثيلات المكانية وتروّجها، وتُصمَّم هذه التمثيلات المكانية بناء على البصر وتعتمد عليه بصفته وسيلة للفهم.
اقرأ أيضاً: الإنسان المعزز بالتكنولوجيا: مستقبل التطور البشري
إذا فكرت بقدرة المكفوفين على الوصول إلى المحتوى، فمن المرجح أن يتبادر إلى ذهنك بعض الأفكار، مثل ابتكار نظام الكتابة بريل (braille) وتطويره وتوفّر مخرجات كل من ميزة تحويل النص إلى الكلام ونظام بريل في المحتوى الذي يظهر على الشاشة، والحاجة إلى توفر مواقع الويب والتطبيقات التي تلتزم بالإرشادات الخاصة ببرامج قراءة الشاشة. على الرغم من أن هذه التكنولوجيات تمثّل حجر أساس في مجال الوصول ضروري لمحو الأمية المعلوماتية للأشخاص المكفوفين وضعاف البصر، فإنها تتعلق في الأساس بنوع واحد محدد من المعلومات، وهو النصوص.
تقتصر تجارب المكفوفين عادةً على التجارب النصية فقط في عصرنا الذي يقدّم فيه البشر المحاضرات والعروض التقديمية للأعمال والأخبار ووسائل الترفيه دائماً باستخدام البصريات الغنية التي تكون تفاعلية في أغلب الحالات. على الرغم من أن النص البديل، وهو وصف الصور عبر الإنترنت، يسمح لمؤلفي المحتوى بوصف العناصر المرئية المهمة، فإن القول المأثور "الصورة تغني عن ألف كلمة" يصبح بلا معنى عند توفر الكلمات فقط. من المهم التفاعل مع مخطط الأسهم أو مخطط الدارات الكهربائية أو الخرائط بالطريقة التي صممت لأجلها، أي بصفتها صوراً. تكون الأوصاف النصية لمثل هذه العناصر، إذا احتوت على المعلومات الموجودة في الصورة الأصلية جميعها، أطول من اللازم ولا تقدّم غالباً فكرة ذات صلة للصورة بدقة.
مع ذلك، فإن فاعلية الصور في نقل المعلومات بدقة وإيجاز من خلال التمثيل المكاني ليست سمة بصريّة بطبيعتها على الإطلاق. تمكّن الرسوم اللمسية، وهي صور مقروءة باللمس، القرّاء والمتعلمين والمبدعين المكفوفين من الاتصال مكانياً بطرق متنوعة.
اقرأ أيضاً: هذه الملصقات الملونة المنتشرة ستساعد المكفوفين على التنقل
الرسوم اللمسية
بصفتي متخصصة كفيفة في التعليم التكنولوجي، فإن وظيفتي (وشغفي) هي تعريف زبائن المكتبة المكفوفين وضعاف البصر بالأدوات التي تساعدهم على عيش حياتهم اليومية باستقلالية وسهولة. يدير فريقنا الذي يتألف من الموظفين والمتطوعين المكفوفين والمبصرين ورش عمل جماعية ويقيم مواعيد فردية تهدف إلى تعزيز ثقة الزبائن بقدرتهم على طباعة الرسوم المصممة مسبقاً أو تصميم رسومٍ بأنفسهم.
في عام 2016، اتصل بي زبون كفيف من سكان مدينة نيويورك الجدد وطلب مني خريطة لأقسام المدينة الخمسة توضح أشكالها ومواقعها وأحجامها. وجّهت الزبون إلى ناشري الكتب المطبوعة بنظام بريل الذين يصممون الخرائط، لكنني سرعان ما بدأت أتساءل. ما الذي يجب أن يفعله المكفوفون إذا احتاجوا إلى استخدام الرسوم الملموسة غير المتوفرة بعد؟ ولماذا كانت الرسوم اللمسية متوفرة في طفولتي ضمن الكتب الدراسية أكثر من أي وقت منذ ذلك الحين؟ ما الذي يجب أن نفعله لنشكّل طريقاً مباشراً، يمكن لأي شخص كفيف أو ضعيف البصر اتباعه، من الشعور بالفضول تجاه صورة معينة إلى امتلاك نسخة لمسية من هذه الصورة في متناول اليد؟
الرسوم اللمسية هي فن التحويل، والعناصر التي تبدو جذابة بصرياً قد تكون مشوّشة وفوضوية لمسياً. يعتمد كلٌّ من وضوح الرسوم اللمسية وتأثيرها على فهم المؤلف لطرق إيصال المعلومات باستخدام اللمس. يجب تكبير الرسوم الملموسة بدرجة لكافية لجعل العناصر الرئيسية قابلة للاكتشاف لأن الدقة اللمسية المُدركة أخفض بكثير من الدقة التي يمكن إدراكها بصرياً. يجب استخدام طرق أخرى لتوضيح الفروق اللونية لأن الألوان ليست ضمن نطاق التصميم اللمسي.
على سبيل المثال، يجب أن يحتوي المخطط الدائري اللمسي على 4 مكونات لكل منها قوام مختلف (مساحة "بيضاء" غير حبيبيّة وحشوة منقّطة ومربعات وخطوط) للتمييز بين 4 أقسام. يعد رسم "تسطيح المنحنى" التقليدي، الذي يحتوي على خطوط ملوّنة تُميّز نتائج الصحة العامة بالغة التفاوت الخاصة بكوفيد-19 والمترافقة مع التدابير الوقائية أو غير المترافقة معها، فعّالاً بقدر فاعلية الرسوم اللمسية التي تحتوي على الخطوط المنقّطة والمتقطعة والمستمرة التي تُستخدم لتوصيل الأفكار.
أحلم بيوم تصبح فيه المهام مثل تفحّص إحدى خرائط الشارع أو تصميم الوشوم وتخطيطات المقاعد سهلة ومألوفة بالنسبة للمكفوفين كما هي بالنسبة للآخرين.
تُستخدم التكنولوجيا المطلوبة لإنشاء الرسوم اللمسية العالية الجودة في المؤسسات عادةً، مثل شركات نشر الكتب الدراسية ومكاتب خدمات المعاقين الجامعية والأقسام الإدارية داخل المدارس. بالنتيجة، تُستخدم الرسوم اللمسية لتلبية الأولويات المؤسساتيّة، ويصممها عادةً المبصرون وينتجونها ويوزعونها. أدركت أن تأسيس مختبر مجاني ومفتوح للرسوم اللمسية سيتطلّب تلبية 3 شروط لتغيير هذا النموذج الفكري؛ الأول هو سهولة الوصول إلى معدات الرسوم اللمسية، والثاني هو التركيز على تطوير الأجهزة الصلبة والبرمجيات التي يمكن استخدامها بطرق غير بصرية، وأخيراً، ابتكار طرق مخصصة للمكفوفين ومن لف لفيفهم لتعزيز المهارات والثقة في استخدام الرسوم الملموسة بغض النظر عن الخبرة السابقة. أطلقتُ منصة ديمنشنز لاب لتحقيق هذه الأهداف، وبمساعدة منحة من مشروع الابتكار التابع لمكتبة نيويورك العامة مخصصة للموظفين.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن للسيارات ذاتية القيادة أن تصنع الفارقَ في حياة ذوي الاحتياجات الخاصة؟
منصة ديمينشنز لاب
تبدأ كل زيارة لهذه المنصة بمحادثة حول المشروع المطروح ومنح الزبائن القدرة على تصفّح مجموعة من العينات مصنوعة بمجموعة متنوعة من الطرق. تحتوي المنصة على مُزخرف رسومي يثقب بسرعة (وبصوت عالٍ) نقاطاً بـ 8 ارتفاعات مختلفة على الورق أو مجموعات البطاقات بمعدل يصل إلى 100 نقطة لكل 2.5 سنتيمترات، وجهاز يحمل اسم سويل فورم (Swell Form) يعمل على إدخال أوراق الكبسولات الدقيقة المحمية ببراءة اختراع عبر آلة ساخنة لإبراز الخطوط من خلال تفاعل كيميائي بين الكحول الموجود في الورق والكربون في الحبر، وآلة التشكيل الحراري، وهي الآلية التقليدية المفضلة لدي. طُوّرت هذه الآلة لأول مرة في ستينيات القرن الماضي، قبل أن تتوفر البرامج التي يستطيع ناسخو الكتب بنظام بريل استخدامها في الترجمات والمراجعات، ناهيك عن إنشاء الرسوم. تصل درجة حرارة هذه الآلة إلى درجة حرارة فرن تحضير البيتزا، وتستخدم ختم فراغ لتطبع على ورقة بلاستيكية رفيعة مخصصة نسخة من المواد التي تحت الورقة، سواء كانت نسخة مطبوعة بنظام بريل أو رسماً توضيحياً منقوشاً على لوح معدني أو صورة بارزة لمسية مصنوعة من مواد مثل الأسلاك وورق الصنفرة والرغوة.
يمكن أن يثقب مزخرف الرسوم المستخدم في المنصة نقاطاً ذات ارتفاعات متفاوتة على مجموعات البطاقات بسرعة.
تمثيل ذو بعدين ونصف
توفّر أغلبية طرق إنشاء الرسوم اللمسية نوعاً من التمثيل ذي "البعدين ونصف" باستخدام الخطوط والأشكال التي تبرز مسافة أقل من مليمتر واحد بكثير، ويمكن الاستفادة من الطباعة الثلاثية الأبعاد لإنشاء نماذج مكتملة. لا يناسب هذا النوع من الطباعة الاحتياجات اللمسية جميعها؛ إذ إن الطريقة التي تُدفع وفقها الخيوط البلاستيكية عبر فوهة ساخنة وتُرتّب طبقة تلو الأخرى لصنع الشكل المطلوب تستغرق وقتاً طويلاً نسبياً. وتعمل النهج الأخرى بالفاعلية نفسها في تمثيل الرسوم والمخططات والرسوم البيانية. مع ذلك، قد يكون استخدام النماذج الثلاثية الأبعاد الخيار الأفضل عندما تكون المادة الأصلية ثلاثية الأبعاد ولكن لا يمكن لمسها لأنها صغيرة للغاية (مثل الجزيئات) أو كبيرة للغاية (مثل فيل) أو شديدة الحساسية.
يضم قسم المخطوطات والأرشيف والكتب النادرة في مكتبة نيويورك العامة الكثير من العناصر الحساسة المتنوعة، مثل سلسلة من الألواح الطينية المسمارية التي تعود إلى عام 2,500 قبل الميلاد. بعد وقت قصير من إطلاق المنصة، عملنا مع فريق مكتبة نيويورك العامة الرقمي على مشروع يمثّل إثباتاً للمفهوم يتضمن دراسة بعض من هذه العناصر باستخدام تكنولوجيا المسح الفوتوغرافي، وهي تقنية يستخدمها علماء الآثار لتحويل الصور إلى نماذج ثلاثية الأبعاد. قرأت عن الكتابة المسمارية في الكتب وظننت أنني فهمتها. تخيلت ألواحاً ثقيلة من الطين لها شكل الأوراق وتُحمل بحذر باليدين. تعلّمت من نماذجنا الثلاثية الأبعاد، التي تنتقل الآن بين فروع المكتبات والمدارس في عُدد تفاعلية مخصصة للقاعات الدراسية، كمية من المعلومات عن الواقع الملموس للكتابة المسمارية أكثر مما تعلّمت عنها من أي كتاب دراسي. توجد هذه الكتابات على أسطوانات مستديرة ومستطيلات تحتوي على نقوش كثيفة، وتقترب أحجامها من حجم كف اليد ومحفورة بعمق لدرجة أنني أشك بأن الكتّاب المحترفين أو الأشخاص الآخرين قرؤوها باللمس، سواء بسبب العمى أو غياب وسيلة للإضاءة.
اقرأ أيضاً: تعرف إلى لقاءات ميتافيرس الوجدانية: حيث يمكنك مشاركة أفكارك ومشاعرك حول الموت والحزن والألم
كيف يتعامل المكفوفون وضعاف البصر مع التكنولوجيات التصميمية المختلفة؟
يتعلم المكفوفون تقدير مدى تقدّم عملية طباعة ثلاثية الأبعاد من خلال الصوت؛ إذ إنهم يكتشفون فشل العملية عندما يسمعون الخيوط التي توضع في مكان خاطئ وهي تصدر أصوات الخدش أو الارتطام أو التمطيط، أو من خلال لمس الخيط بلطف في أثناء دخوله الأنبوب للتأكد من أن المادة تتدفق. يصبح تنفيذ المهام التي قد تخيفك فكرة تنفيذها مع إغلاق عينيك سهلة عندما تتعلم كيفية إنجازها من دون استخدام البصر، مثل استخدام اللمس على نحو استراتيجي وآمن لمراقبة الأجهزة التي تحتوي على أجزاء ساخنة وصيانتها، أو استخدام الملاقط أو قواطع الأسلاك لفك الخيوط وإعادة إدخالها.
من ناحية أخرى، العمل في البرمجيات مختلف. لا يوجد في الوقت الحالي أي بديل متوفر تجارياً للشاشات الديناميكية في مجال التمثيل اللمسي. (على الرغم من أن الشاشات الرقمية التي تدعم نظام بريل تحتوي على دبابيس تبرز سطراً واحداً من الكتابات كل مرة، فإن هذه الشاشات لا تتمتع بدقة أو مساحة كافيتين لعرض الصور). يجب طباعة الرسوم اللمسية لتصبح قابلة للقراءة باللمس. تخيل إرسال كل صورة تريد رؤيتها إلى طابعة والانتظار (عادة لمدة دقيقة أو أكثر) قبل أن تتمكن من رؤيتها. حالياً، لا يستطيع الأشخاص الذين يعتمدون على القراءة باللمس الاستفادة من القدرة على الانتقال من الصور الكبيرة إلى مقياس يستطيعون فيه إدراك التفاصيل الدقيقة والاستمتاع بها. إذا استخدمت خريطة رقمية لاستكشاف الشوارع حول علامة "أنت هنا" المطمْئنة، فأنت تعلم ما الذي يفوّته المكفوفون وسبب أهميته.
اقرأ أيضاً: الروبوتات التي تعلم الأطفال المصابين بالتوحد مهارات اجتماعية قد تساعد في نموهم أيضاً
تعوّق الحاجة إلى طباعة كل صورة المكفوفين الذين يعملون في مجال الرسوم دائماً، خاصة لأن أغلبية الصور المرئية غير المعدّلة لا يمكن استخدامها على أنها صور لمسية واضحة ومُرضية. قد تبدو صورة ما واعدة، ولكن يتضح لاحقاً أنها تحتوي على مساحة بيضاء يجب إزالتها قبل التكبير، أو خلفية رمادية فاتحة يجب تحويلها إلى عدد هائل من النقاط المشتتة للانتباه. يتراكم الوقت الذي نقضيه في طباعة كل صورة لدينا اهتمام عابر بها. لاحظت الزميلة العمياء التي تعمل في مجال التعليم والوصول المتعلقين بالرسوم اللمسية، مين تام ها، أن أصدقاءها وأفراد عائلتها وجدوا أن ممارسة التلوين في أثناء الحجر الصحي كانت مريحة وتبعث على الهدوء، وقررت نتيجة لذلك جمع صفحات التلوين التي تناسب القرّاء الذين يتبعون اللمس من الإنترنت ونقشها وإرسالها بالبريد عند الطلب. وفقاً لمين، فهي واجهت صعوبة كبيرة في جمع هذه الصفحات؛ إذ تقول: "كان العثور على صور واضحة ودقيقة من شأنها أن تتحول إلى رسوم لمسية مفيدة عملية صعبة إلى حد كبير؛ إذ إنني لم أتمكن من استخدام المساعدات البصرية لتسريع العملية. يمكن أن تكون الصورة عبارة عن زهرة في إناء يحتوي على أوراق، ولكن إذا كانت الخطوط غامقة جداً أو قريبة للغاية من بعضها وغير واضحة، فقد يجعل ذلك الصورة غير قابلة للتفسير من خلال اللمس".
مع ذلك، هناك جهات تعمل حالياً على توفير الرسوم اللمسية للطلاب والبالغين. من المقرر أن يدخل جهاز مونارك (Monarch)، وهو جهاز مكتبي يحتوي على شاشة قابلة للتحديث بقياس 10 أسطر و32 خلية تدعم نظام الكتابة برايل، في مرحلة الاختبار الميداني في المدارس وغيرها من المنشآت المجتمعية في خريف عام 2023. هذا المشروع عبارة عن تعاون بين دار الطباعة الأميركية للمكفوفين (American Printing House for the Blind)، وهي مؤسسة غير ربحية تركّز على محو الأمية اللمسية وغير البصرية والمتعلقة باستخدام نظام برايل في قطاع التعليم، وشركة هيومان وير (Humanware)، وهي شركة متخصصة في التكنولوجيا المساعِدة لها تاريخ حافل في مجال تطوير الشاشات الرقمية التي تدعم نظام بريل، والاتحاد الوطني للمكفوفين (National Federation of the Blind)، وهو منظمة حقوق مدنية ومناصَرة تستفيد من خبرة أعضائها لتعزيز العدالة والشمول للمكفوفين الأميركيين.
اقرأ أيضاً: تعرف على الشابَّين المصريين اللَّذين فازا بمنحة آبل لحضور المؤتمر السنوي للمطوِّرين في كاليفورنيا
عندما اختبرت جهاز مونارك في وقت سابق من عام 2023، كبّرت خريطة للولايات المتحدة وتوجّهت إلى مناطق محددة، وفحصت مخطط أرضية مفصّلاً لأحد مراكز المؤتمرات، ثم فحصت نحو 12 صورة لمسياً بسرعة في غضون دقيقة قبل اختيار الصور التي أردت استكشافها بعمق. تبدو مخرجات جهاز مونارك منخفضة الدقة وأحادية اللون مقارنة بطرق إنشاء الوسائط اللمسية المطبوعة الأخرى (لا يدعم الجهاز سوى ارتفاع نقطة واحدة حالياً). لكن تبدو إمكانية استكشاف أي صورة بالتفصيل دون الانتظار لأكثر من لحظة ميزة جديدة ورائعة.
التصميم الرقمي
مع ذلك، فإن رداءة تصميم الواجهة البينية هي مشكلة يجب حلها. لا تلتزم برامج التصميم بمساعدة الكمبيوتر الشائعة، مثل إنك سكيب (Inkscape) وأدوبي إلَستريتور (Adobe Illustrator)، بإرشادات التطوير المعمول بها التي من شأنها أن تجعل القوائم ومربعات الحوار في هذه البرامج قابلة للقراءة من قبل برامج قراءة الشاشات، ما يجعل المهام البسيطة مثل تغيير أحجام الصور وتدويرها وتخطيطها مستحيلة بالنسبة للمستخدمين المكفوفين. إذا لم يتواصل المكفوفون الطلاب أو الكبار مع الخبراء الذين يمكنهم تعريفهم على المزيد من الطرق المتوفرة للعمل، من المحتمل أن يتخلى هؤلاء عن التصميم الرقمي عندما تصبح العوائق بليغة التأثير.
يكتسب المكفوفون الذين لا يتخلون عن التصميم القدرة على الإبداع ويصبحون انتقائيين في حل المشكلات؛ إذ إنهم يجدون طرقاً للعمل من خلال التعاون مع المصممين الآخرين المتعاطفين مع حالتهم، وترميز الخطوط والأشكال برمجياً باليد ورسم التصاميم والمخططات يدوياً باستخدام الأدوات اللمسية، أو استخدام البرامج الخاضعة لحقوق الملكية مثل أداة تاكتايل فيو (TactileView) من شركة ثينكابل (Thinkable)، التي تُتيح لهم إنشاء التصاميم ونقلها ودمج الملصقات من خلال نظام قوائم قابل للاستخدام.
اقرأ أيضاً: أدوات التوظيف التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تثير قلق مناصري حقوق ذوي الهمم
إدراك الإمكانات
لم أتعلم إلّا القليل مما تعلّمته عن الرسوم اللمسية بالطرق الرسمية. بدلاً من ذلك، اعتمدت على شبكة من المكفوفين والمتعاطفين من المبصرين الذين تعلموا من أصدقائهم أو من خلال إجراء التجارب بأنفسهم. يتطلب تعامل المكفوفين مع الرسوم توفّر كلٍّ من المعدات ومجتمع من الممارسين. نحن نحتاج بشكلٍ أساسي إلى ما يحتاج إليه أي شخص يتعلّم عن التكنولوجيا، التوجيه والدعم والأدوات المتوفرة والفرصة لبناء المهارات بالاستفادة مما سبق، وفكرة أولية عما يمكن أن ننجز.
لم أعمل بكثافة في الأشهر الأولى من إطلاق منصة ديمنشنز لاب، وكان ذلك غريباً؛ إذ توقّعت قدوم عدد كبير من الأشخاص للاشتراك في إنشاء الرسوم المجانية التي يمكن أن يستخدمها المكفوفون. لكن عندما أخبرت الزبائن عن المنصة، سألني أكثر من واحد منهم قائلين: "ما حاجة المكفوفين إلى الرسوم؟"
اعتدنا على استخدام النصوص فقط لدرجة أننا لا نعرف كيف نبدأ باستخدام الصور اللمسية غالباً، وقد لا ندرك أننا نفوّت شيئاً حتى. في الفترة الأخيرة، احتفظت بمجموعة متنوعة من الرسوم اللمسية في متناول اليد لشرح أهمية الصور للزبائن من خلفيات مختلفة. كتبت إحدى الزميلات بخط يدها الممتاز أبجدية متصلة جميلة ومُكبَّرة يمكن للمكفوفين الرجوع إليها في أثناء عملهم على تحسين توقيعاتهم. ينشئ تطبيق الويب تي أيه إم بي (TMAP)، الذي طوّره المصمم الكفيف ورسام الخرائط اللمسية، جوش ميلي، الذي تقدّمه مؤسسة لايت هاوس للمكفوفين وضعاف البصر (LightHouse for the Blind and Visually Impaired) غير الربحية التي مقرها سان فرانسيسكو بالمجان، خرائط لمسية للشوارع عند الطلب لأي عنوان. تعمل صفحات التلوين التي صممتها مين التي تحتوي على كلٍّ من كلاب الإرشاد التي ترتدي الألجمة وباقات الزهور ورموز المندالة المعقّدة مع أقلام التلوين الموسومة برموز بريل بفاعلية لتمثّل مقدمة بسيطة وممتعة للتعامل مع الصور بالنسبة للأشخاص من مختلف الأعمار. بمجرد أن يواجه الزبائن رسماً لمسياً يكون ذا مغزى بالنسبة لهم، يمكنهم البدء في تخيّل الرسوم التي قد يرغبون في استكشافها أيضاً.
اقرأ أيضاً: ما هو التوأم الرقمي وما فائدته؟
عندما أتذكّر اللحظة التي تلمّست فيها مخطط أرضية منزلي الجديد بأناملي لأول مرة بعد أن عانيت لتخيّلها باستخدام الكلمات، أتذكر أيضاً شعور الحماس المرتبط بالفهم والتحرّر الفجائي من مشاعر الإحباط والارتباك. لقد شعرت أني أُدلّل بالدقة والسهولة؛ إذ إن الرسم اللمسي كان الأداة المثالية لمساعدتي على تصور منزلي المستقبلي واتخاذ قرارات بشأنه بثقة.
بصفتي متخصصة في التعليم التكنولوجي، فإن إثارة تلك اللحظة من النشوة التكنولوجية لدى شخص ما هي الجزء الأمتع في وظيفتي. يشعر بعض الزبائن بهذه النشوة عند استعمال البوصلات القابلة للاستخدام على الهواتف أو تحميل الكتب لأول مرة أو تشغيل ميزة الوصف الصوتي في برامجهم المفضلة. يلجأ هؤلاء لمساعدتي على استخدام التكنولوجيا، ولكنهم يغادرون المنصة (إذا أنجزت مهامي بأعلى جودة) وهم يثقون بقدراتهم الخاصة ويشعرون بالحماس حيال استكشاف الأدوات التي تعزز مهاراتهم. يمكن للرسوم اللمسية أن تكشف مواطن قوة المستخدمين المكفوفين وضعاف البصر وإمكاناتهم في التعلّم المكاني والإبداع، التي ربما لم يأخذوها في الاعتبار من قبل.
استضافت غرفة المجتمع في المكتبة حلة دراسية افتتاحية لتدريس الفن اللمسي. تعلّم المشاركون الرسم اليدوي بالاستعانة بمنتج غير متطور يحمل اسم سينسيشونال بلاكبورد (Sensational BlackBoard) لإبراز الخطوط اللمسية على الورق العادي باستخدام أقلام الحبر. استخدم هؤلاء الإشارات الصوتية والشرائط الممرّرة عبر الإطارات للتعلّم عن المنظور. واستكشفوا الخرائط وكتبوا الرموز البرمجية لإنشاء الرسوم الرقمية. شاركنا معاً مساحة لم يكن فيها التوفّر غير البصري للصور متوقعاً فحسب، بل كان هو الحدث الأهم، وأدرك الجميع أن التعامل مع الصور لأول مرة، أو لأول مرة منذ فقدان البصر، يمكن أن يكون عملاً شاقاً وحساساً.