في أفلام الخيال العلمي، اعتدنا أن نشاهد سيناريوهات نهاية العالم والتوقعات بأن التقدم العلمي والتكنولوجي الذي نحققه يمكن أن يؤدي في النهاية إلى فناء البشر. ركز الكثير من هذه الأفلام على فكرة أن الروبوتات التي نطورها اليوم ستملك في المستقبل قدرات خارقة تفوق قدراتنا نحن البشر، لدرجة أنها ستكون قادرة على تجنب الآليات التي تجعلنا قادرين على التحكم فيها، بالتالي ستصبح مستقلة تماماً وتبدأ السيطرة على العالم.
لم تكن النهاية في جميع الأفلام حزينة وبائسة، ففي فيلم آي روبوت (I, Robot)، استطاع البشر بالنهاية استعادة السيطرة على العالم مجدداً بعد أن قامت الروبوتات الذكية والمتطورة بالانقلاب عليهم.
لكن هل ستكون النهاية الحقيقية سعيدة كنهاية فيلم آي روبوت؟ هل سنكون قادرين دائماً على التحكم بالروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي وإيقافها عن العمل حين لا تعمل لصالحنا؟ أم أنها ستتطور وتصل إلى مرحلة تكون فيها قادرة على تخطي تعليماتنا؟
لا يبدو أن الباحثين والعلماء متفائلون، ففي ورقة بحثية كتبها علماء من شركة جوجل الأميركية وجامعة أوكسفورد البريطانية، قالوا إننا على الأغلب لن نتمكن من السيطرة على الذكاء الاصطناعي الخارق والتحكم فيه.
اقرأ أيضاً: كيف نمنع الذكاء الاصطناعي من الخروج عن السيطرة؟
الذكاء الاصطناعي سيتفوق على الذكاء البشري
في 11 مايو/ أيار 1997، فاز حاسوب آي بي إم ديب بلو (IBM Deep Blue) الذي طورته شركة آي بي إم الأميركية على بطل العالم في الشطرنج آنذاك غاري كاسباروف. شكل هذا الحدث لحظة تاريخية، فقد أثبتت المواجهة أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتفوق على الذكاء البشري.
على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي تفوق على البشر في عدة حالات، فإن هذا التفوق ما يزال محدوداً للغاية، يعود ذلك إلى سببين رئيسيين:
- السبب الأول: طُوِّر الذكاء الاصطناعي حتى الآن لأداء مهمة معينة واحدة، وليس مجموعة من المهام. على سبيل المثال، لا تستطيع الروبوتات المخصصة لتنظيف الأرضيات أن تتعلم لعبة الشطرنج، وروبوتات لعب الشطرنج لا تستطيع تركيب مكعبات الليغو.
- السبب الثاني: أنظمة الذكاء الاصطناعي ليست مستقلة ولا تستطيع اتخاذ القرارات بدون إشراف بشري، وهذا يجعلنا قادرين على توجيهها والتحكم فيها كما نشاء وبحسب حاجتنا، وإن حصل أي خطأ، يمكننا ببساطة إيقافها عن العمل.
نستنتج من ذلك أن الذكاء الاصطناعي المتوفر حالياً لا يشكل خطراً أو تهديدياً حقيقياً لهيمنة البشر على العالم، لكن في المستقبل، ستكون الآلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي قادرة على تنفيذ مهام متعددة واتخاذ قراراتها باستقلالية، هذه الآلات ستشكل خطراً علينا.
اقرأ أيضاً: هل يمثل الذكاء الاصطناعي خطراً وجودياً على البشر؟
الذكاء الاصطناعي العام
الذكاء الاصطناعي الحالي يمكن أن يتعلم إنجاز أي مهمة فكرية يستطيع البشر أو الحيوانات القيام بها. لكن الذكاء الاصطناعي العام (Artificial general intelligence) هو ذكاء مستقل يتجاوز القدرات البشرية في غالبية المهام. أحد الأسئلة الأكثر إثارة للجدل يتعلق بمدى الحاجة حقاً إلى الذكاء الاصطناعي العام، بمعنى آخر، هل نحتاج لتطوير ذكاء اصطناعي مستقل يتفوق على الذكاء البشري في القدرات؟
يعتقد البعض أننا بحاجة إلى هذا النوع من الذكاء لحل المشاكل المعقدة مثل تغير المناخ والفقر والأمراض والصراعات، فبنظرهم يمكن أن يزودنا الذكاء الاصطناعي العام برؤى وابتكارات وحلول جديدة لا يستطيع البشر تحقيقها.
لكن يعتقد آخرون أننا لسنا بحاجة إلى الذكاء الاصطناعي العام أو أنه من الخطر جداً تطويره، محاججين بأن هذا الذكاء يمكن أن يشكل تهديداً وجودياً لنا إذا أصبح أكثر ذكاء وقوة منا، وقلقون من أن الذكاء الاصطناعي العام يمكن أن تكون له أهداف وقيم لا تتوافق مع أهدافنا وقيمنا، أو أنه قد يضر بنا عن قصد أو عن غير قصد، كما أنهم يتساءلون عما إذا كان بإمكان الذكاء الاصطناعي العام أن يكون واعياً حقاً أو أخلاقياً أو جديراً بالثقة.
اقرأ أيضاً: كيف نطوّر الذكاء الاصطناعي المسؤول الذي ينفع المجتمع؟
نهاية حزينة أم سعيدة؟
بفضل ذكائنا نحن البشر، سيطرنا على العالم منذ مئات آلاف السنين، ولم يتمكن أي كائن من التفوق علينا، إننا معتادون على هذا التفوق، وسيؤدي ظهور آلات تفوقنا في القدرات والذكاء إلى مشكلة كبيرة لن نكون قادرين على التكيف معها أو التغلب عليها.
في معظم الأفلام وقصص الخيال العلمي، كانت النهاية سعيدة، إذ حافظ البشر على سيطرتهم أو تمكنوا من استعادة مكانتهم بعد فقدانها، لكن الواقع قد لا يكون كذلك، لقد علمنا التاريخ أن الحضارات تزول وتختفي من الوجود إذا لم تتمكن من مجاراة تطور الحضارات الأخرى، وإذا لم نكن قادرين على تطوير قدراتنا وذكائنا لمجاراة تطور الآلات الذكية، فإن هذه الآلات ستشكل حضارة المستقبل، وسيكون مصير حضارتنا البشرية كباقي الحضارات التي زالت في الماضي.
اقرأ أيضاً: ما الذي قد يحدث إذا تحول الذكاء الاصطناعي من أداة إلى كائن حي؟
نحن أمام حقيقة لا شك فيها، الذكاء الاصطناعي سيتفوق على الذكاء البشري عاجلاً أم آجلاً، وبالتالي نحن أمام خيارين فقط، إما أن نبقى على حالنا ونشاهد تفوق الذكاء الاصطناعي علينا وزوال حضارتنا، أو أن نطور أنفسنا من خلال دمج الذكاء الاصطناعي والأعضاء الآلية في أجسادنا، لنتحول في النهاية إلى آلات ذكية تملك قدرات الذكاء الاصطناعي.