إنفيديا تسهّل تطوير روبوتات دردشة أكثر ذكاءً، وكذلك نشر أخبار مزيفة أكثر خداعاً

4 دقائق
مصدرالصورة: MS TECH; ORIGINAL IMAGE: HARMON KARDON

حقق الذكاء الاصطناعي إنجازات مُذهلة خلال العقد الماضي، إلا أن مهاراته في فهم اللغة ما زالت رديئة للغاية. يكفي أن تلقي مزحة ذكية نوعاً ما على المساعد الصوتي "أليكسا"، وستلمس بنفسك هذا المستوى المتدني من استيعاب الكلام.

لكن إنفيديا -الشركة المصنعة للشرائح الإلكترونية التي تقوم عليها العديد من خوارزميات الذكاء الاصطناعي- تعتقد أن منحنى هذا المستوى آخذ في الارتفاع، وتتطلع لجني الأرباح من هذا الاتجاه عندما يصبح رائجاً.

وبهذا الصدد سيسهل البرنامج -الذي تعمل الشركة على إصداره- بناء برامج ذكاء اصطناعي على العتاد الذي تصنعه الشركة، بصورة تمكّن تلك الخوارزميات من إتقان فهم اللغة وإدراكها بشكل أدقّ. ومن المتوقع أن يسرّع البرنامج الجديد عملية تطوير خوارزميات مبتكرة متخصصة في اللغات الطبيعية، الأمر الذي يجعل روبوتات الدردشة والمساعدات الصوتية أسرع في الاستجابة وأكثر ذكاءً وفطنة.

وحريّ بالذكر أن شركة إنفيديا تصنع بالفعل مجموعة من الشرائح الإلكترونية الأكثر شهرةً وانتشاراً، والتي تستخدم في تدريب نماذج التعلم العميق في حقل الذكاء الاصطناعي، حيث تتمتع تلك الخوارزميات بمهارات عالية في مهام مثل تصنيف الصور وترتيبها. ومع ذلك، من المعلوم أكاديمياً أن تطبيق الطُرق الإحصائية التي تنتهجها نماذج تعلم الآلة مثل التعلم العميق على اللغة المكتوبة أو المنطوقة صعب للغاية، ذلك أن اللغة الطبيعية غامضة جداً وشديدة التعقيد.

بيد أنه حدث في الآونة الأخيرة تقدّم مُعتبر؛ فهناك مقاربتان جديدتان في مجال التعلم العميق للغات الطبيعية -طُوّرت كلتاهما من قبل شركة جوجل، ويعرفان باسم: "ترانسفورمر" (Transformer)، و"بيرت" (BERT)- أثبتتا أنهما بارعتان حقاً لا سيما في الترجمة ما بين اللغات، والإجابة عن الأسئلة المتمحورة حول نصّ معين، بل حتى إنتاج نصوصٍ شبيهة جداً بالنصوص التي يكتبها البشر. هذا ما أجج شعلة الاهتمام الأكاديمي والتجاري لتطوير تقنيات فهم اللغات الطبيعية باستخدام خوارزميات تعلم الآلة.

ويقول ألكساندر رَش، الأستاذ بجامعة هارفارد والمتخصص في حقل فرعي من الذكاء الاصطناعي يُعرف باسم "معالجة اللغات الطبيعية" (NLP): "إن الجمع ما بين ترانسفورمر وبيرت قد خلّف أثراً عميقاً على كلا المجتمعين الأكاديمي والتجاري. ولا نبالغ إذا قلنا إن كلاً من هاتين التقنيتين تعد أحدث ما طوّر في المجال من كافة النواحي، حيث تتيح حتى للطالب الجامعي إنتاج نماذج ذكاء اصطناعي من طراز عالميّ فقط بكتابة خمسة أسطر من الأكواد".

وفي هذا السياق، يُعرف عن إنفيديا براعتها في متابعة أحدث التوجهات الناشئة في أبحاث الذكاء الاصطناعي، وإذا تبين أن حدس الشركة صحيح، فستتحول المساعدات الصوتية من مجرد كونها أدوات استجابة لأوامر جافة إلى أدوات تنسج عبارات مُحكمة من الكلمات معاً، وتنطقها بصورة أقرب ما يكون للبشرية. ومن ناحية أخرى، سينخفض غباءُ روبوتات الدردشة، وتصبح ميزة "الإكمال التلقائي" المتوافرة في العديد من البرامج والتطبيقات قادرة على اقتراح فقرات كاملة بدل اقتراح بضع كلمات قليلة.

كما يقول بريان كاتانزارو، نائب رئيس قسم التعلم العميق التطبيقي لدى إنفيديا: "نتلقى الكثير من الطلبات على منتجات نمذجة اللغات الطبيعية، وإذا ما تأملت الوتيرة التي يمضي بها مجال معالجة اللغات الطبيعية، فلن تستغرب قرار شركتنا بضخ الاستثمارات فيه".

وفي هذا السياق، طوّرت إنفيديا برنامجها الجديد من خلال تحسين عدة أجزاء من العملية المستخدمة لتدريب نماذج اللغات الطبيعية على وحدات المعالجة الرسومية التي تصنعها. مما سرّع عملية تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي (وقلّصها من عدة أيام إلى أقلّ من ساعة واحدة فقط)، وسرّع أيضاً أداء النماذج المُدرّبة سابقاً (من فترة 40 مللي ثانية إلى نحو 2 مللي ثانية فقط)، وأتاح تدريب عدد أكبر من نماذج معالجة اللغة (حيث إن نموذج معالجة اللغات التابع لإنفيديا، الذي يُدعى "ميغاترون" (Megatron)، أكبر عدة مرات من أي نموذج آخر صُنع من قبل، ذلك أنه يحتوي على 8.6 مليار بارامتر).

"لا تكن شريراً" كما كانت جوجل تقول...
مع الفوائد الجمّة التي قد تنجم عن تحقيق تطورات كبيرة في مجال معالجة اللغات الطبيعية، إلا أنه -ومثل معظم الأمور- من المحتمل أن تفتح هذه التطورات باباً من الشرّ المستطير. من ذلك إمكانية تطوير خوارزميات أكثر ذكاءً لإنتاج مراجعات ومنشورات اجتماعية وقصص إخبارية، جميعها مزيفة، بحيث تكون أكثر تخصيصاً، وأشد إقناعاً، وعلى نطاق واسع جداً. وبهذا الصدد، أظهرت فرق بحثية أخرى إلى أي مدى يمكن أن تصله نماذج اللغات الطبيعية في إنتاج نصوص شبيهة جداً بما يكتبه البشر بعد التدرّب على مجموعة ضخمة من النصوص المستمدة من فضاء الإنترنت.

وقد رسمت إنفيديا من جانبها خطة بسيطة لتجنب إساءة استخدام برنامجها؛ إذ إنها لا تعتزم إتاحة أكبر نموذج معالجة لغات صنعه البشر للعموم، بل تنوي الاعتماد على ضمائر الباحثين والباحثات واستخدامهم لأدواتها مع التحلّي بالحرص والمسؤولية. حيث يقول كاتانزارو: "إن الشركة لن تطلق إلا الكود البرمجي الذي يوضّح كيفية استخدام وحدات معالجة الرسوميات التي نصنعها لتدريب هذه النماذج الكبيرة من الذكاء الاصطناعي. ونؤمن أن المجتمع العلمي سيستخدم هذا الكود البرمجي بمسؤولية، مع العلم أن تدريب نماذج بذلك الحجم يتطلب موارد حاسوبية ضخمة، مما يضع هذا الكود بعيداً عن متناول معظم الناس".

ومع ذلك، وحتى بافتراض أن هذا التقدم واصل وتيرته السريعة، فمن الراجح أن ننتظر وقتاً طويلاً قبل أن تتمكن الآلات من محادثتنا نحن البشر محادثة سلسة ومقبولة. إن اللغة مَلَكة صعبة للغاية على الآلات كي تكتسبها، ويعود ذلك في جزء منه إلى تعقدها التركيبي: أي إمكانية إعادة ترتيب الكلمات بطريقة تولّد ما لا نهاية له من المعاني. ذلك أن إدراك معنى إحدى الجمل غالباً ما يتطلب نوعاً من الفهم السليم للعالَم وفق ما ينصّ عليه الحس المشترك، وهذا ما لا تمتلكه الحواسيب، حتى الآن.

وبهذا الصدد، يقول أورين إتزيوني، الرئيس التنفيذي لمعهد آلين للذكاء الاصطناعي (Ai2)، وهو مؤسسة غير هادفة للربح، يقع مقرها في سياتل، مكرسة لأحدث أبحاث الذكاء الاصطناعي وأكثرها تطوراً: "إننا نشهد الآن نهضةً في قدرات مجال معالجة اللغات الطبيعية". ويتابع كلامه أن هذه النهضة سينتج عنها تطوير روبوتات دردشة ومساعدات صوتية أحسن نوعية، حتى مع عدم تمتعها بالحسّ المشترك والفهم السليم للعالم من حولنا. ويقول إتزيوني "إن تطوير مساعد صوتي بذات الجودة التي يوفرها أحد المساعدين البشر المتمرسين في أحد الفنادق يعد طموحاً بعيد المنال حالياً".

وقد أطلق المعهد في الآونة الأخيرة أداةً اسمها غروفر (Grover)، تستخدم أحدث ما طوّره العلماء في مجال معالجة اللغات الطبيعية لتمييز النصوص التي ينتجها الذكاء الاصطناعي من تلك النصوص التي يكتبها البشر. ويشير إتزيوني إلى أن روبوتات الدردشة الحالية وصلت إلى مستوى تمكنت فيه بالفعل من خداع الكثير من الناس على منصتي: فيسبوك وتويتر. ويختتم كلامه بقوله "إن النصوص المزيفة المُنتجة آلياً ليست طموحاً، بل موجودة لدينا الآن، والراجح أن عددها سيرتفع أضعافاً مضاعفة".

المحتوى محمي