بحث جديد يسعى إلى توفير الروائح في العوالم الافتراضية

4 دقائق
بحث جديد يسعى إلى توفير الروائح في العوالم الافتراضية
حقوق الصورة: shutterstock.com/Quanrong Huang

توصل العلماء إلى طريقة جديدة تتيح توفير الروائح في الواقع الافتراضي عبر واجهات بينية صغيرة ولا سلكية.

لطالما كان اختلاق الروائح ضمن الواقع الافتراضي مشكلة مستعصية شكلت عائقاً يمنع أجهزة الواقع الافتراضي الاستهلاكية من توفير تجربة حسية كاملة في معظم البيئات والأوضاع. يقول الأستاذ في قسم هندسة الطب الحيوي في جامعة مدينة هونغ كونغ، شينغ يو، وهو المؤلف الرئيسي لورقة بحثية جديدة نُشِرت مؤخراً في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز (Nature Communications): "من الممكن استخدام حاسة اللمس في الواقع الافتراضي. وبطبيعة الحال أيضاً، يمكن استخدام حاستي البصر والسمع. ولكن، ماذا عن الشم والتذوق؟".

دمج الروائح في الواقع الافتراضي

كانت المحاولات السابقة لدمج الروائح في الواقع الافتراضي تعتمد على العديد من الأسلاك، والكثير من السوائل التي تتسبب بالفوضى والتلوث، مع تجهيزات ضخمة غير مناسبة للاستخدام المنزلي.

ولمعالجة هذه المشكلة، عمل يو مع شريكته في تأليف الورقة البحثية، يوهانغ لي من جامعة بيهانغ في بكين (وكلاهما يتمتع بخبرات سابقة في تصميم الإلكترونيات المرنة)، على تطوير واجهتين بينيّتين قابلتين للارتداء. ويمكن لصق إحدى الواجهتين على البشرة بين الأنف والفم بشكل مماثل للصاقة الجروح الطبية، أما الأخرى فيتم تثبيتها بحزام تحت نظارة الواقع الافتراضي بشكل مماثل لكمامة الوجه.

اقرأ أيضاً: ما يجب عليك معرفته قبل شراء نظارة واقع افتراضي مناسبة

واجهات مولدة للروائح

وتعتمد كلتا الواجهتين على مولدات مصغرة للروائح، وهذه المولدات مصممة ضمن شبكة من الحاويات الصغيرة جداً والمليئة بشمع البارافين المعطر. وعندما يتم تفعيل مصدر حراري أسفل الشمع، ترتفع حرارته، ما يؤدي عملياً إلى تحويله إلى ما يشبه الشمعة المعطرة القادرة على محاكاة عدة روائح خلال 1.44 ثانية، وفقاً ليو ولي. وعند انتهاء التجربة، تتولى وشيعة نحاسية تفعيل مغناطيس للضغط على الشمع وتبريده، ما يؤدي إلى إنهاء إصدار الرائحة.

تزداد قوة الرائحة مع ارتفاع الحرارة، ويصبح تمييزها عندئذ أكثر سهولة، على حد تعبير ليو. هذا يعني أن الواجهات قد تصبح شديدة السخونة، وقد تصل حرارتها إلى 60 درجة مئوية (140 درجة فهرنهايت)، وهي حرارة خطِرة على الجلد البشري. ولكن يو يقول إن الواجهة آمنة بفضل التصميم "المفتوح" الذي يسمح بخروج الهواء الساخن، إضافة إلى قطعة من السيليكون التي تؤدي دور حاجز يحول بين البشرة والجهاز نفسه.

وفي تجربة شملت 11 متطوعاً، تبين أن الواجهة التي توضع بين الأنف والفم آمنة شريطة وجود مسافة 1.5 مليمتر على الأقل بينها وبين الأنف، كما أن حرارتها عند سطح البشرة تبلغ 32 درجة مئوية (أو 90 درجة فهرنهايت)، أي أقل من درجة حرارة الجسم البشري الطبيعية. وعلى الرغم من هذا، فإن يو يدرك أن وجود واجهة شديدة السخونة على الوجه قد لا يبدو آمناً بما يكفي للاستخدام، وقال إنه يعمل مع لي على اختبار وسائل تتيح تشغيل الواجهة بدرجات حرارة أقل، أو تبريدها بكفاءة أكبر.

ةولكن يو ولي ليسا الوحيدين اللذين يحاولان تقديم تجارب شمية سلسة في الواقع الافتراضي. ففي معرض الإلكترونيات الاستهلاكية لهذا العام 2023، أعلنت شركة أو في آر تكنولوجي (OVR Technology) أنها ستطلق نظارة واقع افتراضي مزودة بخرطوشة تحتوي على ثماني روائح "أساسية" مصممة للمزج بنسب مختلفة.

يقول مرشح الدكتوراة في مختبر التكامل البشري-الحاسوبي في جامعة شيكاغو، جاس بروكس، الذي درس الواجهات الكيميائية وحاسة الشم: "إنه تطور مثير للحماس إلى درجة كبيرة. ويهدف إلى معالجة مشكلة جوهرية بشأن الروائح في الواقع الافتراضي، مفادها: كيف يمكن أن نصغر حجم هذه التكنولوجيا، ونجعلها مريحة وقابلة للاستخدام دون فوضى، ودون الاعتماد على السوائل؟".

اقرأ أيضاً: الحب في زمن الميتافيرس: كيف سيغير هذا العالم الافتراضي مستقبل تطبيقات المواعدة؟

فيلم عبق الغموض: أولى محاولات توفير الروائح مع المشاهد السينمائية

لطالما حاول الفنانون توفير الروائح في الأعمال الترفيهية. ففي 1960، كانت المرة الأولى والوحيدة التي تظهر فيها تقنية "سميل أو فيجن" (Smell-O-Vision أو الشم في أثناء المشاهدة) مع فيلم "رائحة الغموض" (Scent Of Mystery) الذي تغير وأصبح عطلة في إسبانيا" (Holiday in Spain)، حيث تم إطلاق روائح محددة باستخدام نظام التكييف الهوائي في لحظات مفصلية تخللت أحداث الفيلم. ولكن هذه الطريقة باءت بالفشل، فخلال مشاهدة الفيلم، كانت الروائح إما متأخرة عن موعدها، أو ضعيفة إلى درجة أن أثرها لم يكن يُذكر.

تمثل هذه الواجهات الجديدة تطوراً ملحوظاً يمكن أن يغير من تجاربنا في الواقع الافتراضي. فالشم حاسة قوية، ويُعد مفعولها متطلباً أساسياً لتفعيل قدرة الفم على تحديد المذاق. تتنوع الاحتمالات من الروائح الواضحة، مثل روائح الأزهار أو الطعام في الواقع الافتراضي، إلى بعض النماذج التطبيقية الأقل وضوحاً. على سبيل المثال، يمكن لصانعي العطور اختبار الروائح العطرية في الواقع الافتراضي.

اقرأ أيضاً: الابتعاد الاجتماعي يحصر الحداد على الموتى بالفضاء الافتراضي

ما فائدة الروائح في الواقع الافتراضي؟

ومن الناحية الطبية، يمكن للواقع الافتراضي المزود بالروائح أن يكون مفيداً للأشخاص الذين يعانون من انعدام القدرة على الشم، وفقاً ليو. ويمكن للروائح أن يكون لها أثر علاجي على المرضى المصابين بمشاكل في الذاكرة، ويمكن أن تساعد حتى على تحسين المزاج. أخبرني يو إنه لاحظ عند استخدامه رائحة الشاي الأخضر في اختباراته أنه يشعر بقدر أكبر من السعادة. حيث أدرك أن هذه الرائحة تحمل علاقة خاصة بماضيه. ويستذكر قائلاً: "عندما كنت صغيراً، كنت أتناول بعض الشوكولاتة بنكهة الشاي الأخضر بين الحين والآخر. ما زلت أتذكر نفسي وأنا أنزع الغلاف عنها، وكم أحببت تلك الرائحة".

تتميز هذه الواجهات الجديدة بأنها خفيفة وصغيرة ولا سلكية. ومع أن هذه الأجهزة لم تخضع لاختبارات مباشرة ضمن أي لعبة أو منصة في الواقع الافتراضي، أو رفقة جهاز محدد من أجهزة الواقع الافتراضي، إلا أن إمكانية استخدامها دون أسلاك معقدة تعني قدراً أقل من التشابك، وحجماً أقل، وتجربة تستحوذ على الحواس بدرجة أكبر.

من أهم سلبيات هذه الواجهات أنها محدودة من حيث تنوع الروائح. فقد استخدم يو 30 رائحة اختارها بسبب تميز كل منها وسهولة التعرف عليها، مثل إكليل الجبل والدوريان. ولكن الكثير من الروائح الحقيقية لا تتميز بالقدر نفسه من التأثير على الذاكرة، ولا يمكن تمييزها بسهولة. إضافة إلى ذلك، فإن مولدات الروائح المصغرة لم تخضع بعد لعمليات البرمجة اللازمة كي تعمل بسلاسة مع نظارات الواقع الافتراضي الموجودة حالياً. يقول بروكس: "ليس من السهل تحديد كيفية عمل هذه التكنولوجيا في واجهة تجارية".

اقرأ أيضاً: من الخيال إلى الواقع: أبرز التقنيات التي تنبأت بها أفلام الخيال العلمي

يقول يو إن الخطوة التالية تتضمن اختبار آليات تضمن إطلاق الروائح في اللحظة المناسبة. وهو يرغب أيضاً في البدء باستثمار المعلومات التي اكتسبها حول الروائح وحاسة الشم في ابتكار طريقة لتوفير المذاق في الواقع الافتراضي. من يدري؟ فقد يصبح من الممكن محاكاة تجربة تذوق قطعة من الشوكولاتة بنكهة الشاي الأخضر في الواقع الافتراضي يوماً ما.

المحتوى محمي