هل سيُعتبر فك التشفير الإجباري قانونياً في أميركا قريباً؟

4 دقائق
مصدر الصورة: صور أسوشييتد برس/ ج. سكوت أبلوايت، آبل

فتحتُ تطبيق يوتيوب حتى أشاهد مقطع فيديو حول المظاهرات المناهضة للحكومة في هونج كونج، وقد سبق المقطع إعلانٌ تجاريٌ ذكي من آبل لمدة خمس ثوانٍ يقول: "هذا هو الوقت الذي يحتاجه فيس آي دي FaceID لفتح قفل هاتفك". ابتسم الممثل، متفاجئاً بسعادة لقدرته على فتح الهاتف بمجرد النظر إليه.

انتقل الفيديو بعد ذلك بسرعة إلى هونج كونج، حيث كان رجال الشرطة المحليون يفتحون أعين المتظاهرين المغلقة بالقوة حتى يقوم فيس آي دي بفتح هواتفهم، مما يمنح الشرطة وصولاً شبه فوري إلى بيانات قد تمثل حياة كاملة. وكانت معظم الهواتف مشفرة، وليس من السهل اختراقها، على الرغم من أن بعض الشركات مثل سيليبرايت حققت الكثير من الأرباح لقاء اختراق الهواتف من أجل عملائها الحكوميين، غير أن الكثير من الهواتف الحديثة -سواء من آبل أو التي تعمل بنظام أندرويد- قادرة على الاستجابة لوجه مالكها والكشف عن الكنوز بداخلها.

ومن غير المرجح أن يقوم رجال الشرطة الأميركيون بفتح عيني شخص ما بالقوة، ولكنهم يمكن أن يأمروه بالنظر إلى الهاتف أو وضع إصبعه على حساس بصمة الإصبع لفتحه، وهو أمر يعرف باسم "فك التشفير الإجباري".

أما السماح للشرطة بهذا الإجراء فهو أحد الأسئلة المثيرة للجدل حالياً في قانون الحريات المدنية الأميركي، حيث يقول أورين كير، وهو بروفيسور في القانون بجامعة بيركلي: "هناك عدة دعاوى حول هذه المسألة حالياً أمام المحاكم العليا في إنديانا وبنسلفانيا ونيوجيرسي، وأعتقد أن المحكمة العليا ستنظر في هذه المسألة خلال سنتين أو ثلاثة. وعلى الرغم من أن المعيار الدستوري ما زال قيد النقاش حالياً، فإنني أعتقد أنه لن يبقى كذلك لوقت طويل".

أبواب خلفية، قياسات حيوية، وسان برناردينو
على مدى سنوات عديدة، كان المسؤولون الحكوميون في الولايات المتحدة وغيرها يتذمرون من مشكلة "التعمية"؛ أي انتشار ميزة تشفير البيانات المخزنة على الهواتف الذكية والحواسيب بشكل افتراضي على مستوى واسع، مما أدى إلى زيادة صعوبة حصول السلطات على تلك البيانات من أجل حل الجرائم أو مكافحة الإرهاب. ويمتد الجدل حول هذه المسألة إلى عدة عقود خلت، ويعتبر النزاع في 2016 بين آبل ومكتب التحقيقات الفدرالي حول إمكانية الدخول إلى هاتف الرجل المسلح في سان برناردينو من الأمثلة النموذجية الحديثة على هذه المسألة.

وقد قام المسؤولون الحكوميون بدعوة الشركات إلى تزويد الأجهزة -مثل الهواتف الذكية- بما يسمى "الأبواب الخلفية"، التي تُعرف بأسماء ملطفة أخرى مثل "الوصول الخاص" أو "التشفير المسؤول". وعلى الرغم من أنه لا توجد تفاصيل مؤكدة حول عملها، فهي من الناحية العملية مفاتيح تسمح للحكومة –بناء على أمر قضائي- بفك تشفير الجهاز.

ويقول منتقدو هذه الأبواب -بما فيهم معظم أخصائيي التشفير ومحترفي الأمن السيبراني- إنها تمثل بذاتها ثغرة أمنية. وتختلف تفاصيل الثغرة باختلاف الطريقة المستخدمة لبناء الباب الخلفي، ولكن الخطر العام يتمثل في أن استخدام هذا الباب سيمتد -لا محالة- إلى أشخاص آخرين غير العملاء الحكوميين ذوي الصلاحيات المناسبة، وهو ما يمكن أن يمثل كارثة بالنسبة للأمن الاقتصادي والوطني. وقد أشعل المدعي العام ويليام بار الجدل حول هذه المسألة من جديد مؤخراً عندما دعا الكونجرس إلى إقرار قانون يفرض وجود الأبواب الخلفية الحكومية لفك تشفير البيانات، على الرغم من أنه لم يقترح أية حلول جديدة.

بالتالي، يبدو فك التشفير الإجباري طريقة سهلة تتيح للشرطة الدخول إلى جهاز أي شخص بسرعة من دون الباب الخلفي، غير أن الإجراءات التي يُسمح بها قانونياً للشرطة تخضع في جوهرها إلى التعديل الخامس في الدستور الأميركي، الذي يضمن لكل شخص الحق بعدم تجريم نفسه. وقبل وجود أنظمة القياسات الحيوية مثل فيس آي دي وحساسات بصمة الإصبع، كانت كلمة المرور هي الطريقة الوحيدة لفتح الجهاز، وقد تعاملت بعض المحاكم مع كلمة المرور على أنها "شهادة" تحت التعديل الخامس، وحكمت أنه لا يمكن إجبار أي شخص على إعطاء كلمة المرور وتعريض نفسه للتجريم.

غير أن القياسات الحيوية مسألة مختلفة. فمنذ فترة وجيزة، وفي قضية فدرالية ضد مشتبه به حول مواد إباحية تتضمن الأطفال، حكمت محكمة محلية أميركية أن إرغامه على استخدام بصمة إصبعه لفتح جهازه من طراز جوجل بيكسل لا يمثل انتهاكاً لحقوقه وفق التعديل الخامس. وقد قال القاضي ديفيد ناي، في نقض لقرار محكمة أدنى، أنه لا توجد شهادة في القياسات الحيوية؛ حيث إنها لا تتضمن أي تفكير من قبل المشتبه به، وقد كتب ناي في قراره: "إذا قام العميل الحكومي باختيار الإصبع الذي يجب أن يوضع على حساس بصمة الإصبع، فليست هناك حاجة إلى أية عملية فكرية من طرف المتهم من أجل تفعيل هذا الإجراء. إن تطبيق بصمة الإصبع على الحساس هو ببساطة استحصال على ميزة فيزيائية، كما أن بصمة الإصبع نفسها لا تعبر عن أي شيء. إن هذا الإجراء أقل انتهاكاً للشخص من سحب الدم منه رغماً عنه، ويمكن القيام بكلا الإجراءين إذا كان الشخص نائماً أو فاقداً للوعي".

أشارت مانا أزارمي، وهي محامية في مركز الديمقراطية والتكنولوجيا، إلى المفارقة التي أدت إليها هذه المسألة، حيث تقول: "حالياً، تُعتبر بياناتك أكثر أماناً إذا استخدمت شكلاً واحداً من الحماية بدلاً من شكل آخر. وهذا يتطلب من المستخدم متابعة مستمرة لهذه المسائل. إن الشخص العادي لا يستخدم كلمة المرور حتى بشكل دائم، فإذا سألته في الشارع عن نظرة المحاكم إلى الفرق بين كلمات المرور وبصمة الإصبع أو التعرف على الوجه، فقد يصاب بالصدمة لسماع هذا الفرق".

أي جزء من الدستور يحكم فك التشفير الإجباري؟
كتب كير هذه السنة في مجلة Texas Law Review أن النزاع حول فك التشفير الإجباري يركز على الجزء الخاطئ من لائحة الحقوق المدنية. ويقول إن فك قفل الهاتف بشكل إجباري يجب أن يكون تحت التعديل الرابع، أي حق الحماية ضد التفتيش والحجز من دون سبب معقول. فإذا حققت جهة فرض القانون هذا المعيار (عن طريق الحصول على مذكرة تفتيش مثلاً) فإن التعديل الخامس يجب ألا يمنع فك التشفير الإجباري، سواء باستخدام كلمة المرور أو بصمة الإصبع أو التعرف على الوجه أو أية طريقة أخرى. وقد كتب أيضاً أن التأثير الذي سنحصل عليه هنا يتمثل في التخلص من أفكار "أكثر جوراً" مثل الأبواب الخلفية، وذلك بمنح الشرطة وسيلة للدخول بدون إضعاف معايير التشفير.

وعلى الرغم من الرقابة المتواصلة والدقيقة للمحامين وناشطي الحقوق المدنية، وحتى بعض الشخصيات المؤثرة في مسائل الخصوصية والتشفير ضمن الكونجرس، فإن الجدل لم يُحسَم لصالح أي طرف حتى الآن. حيث تقول رايتشل كوهين، ناطقة باسم الديمقراطي مارك وارنر من فرجينيا: "يعتقد السيناتور وارنر أن هذه المسألة تتطلب نقاشاً دقيقاً للغاية، ويعترف بالقيمة الكبيرة للتشفير من أجل أمننا القومي، والحاجة إلى تزويد مؤسسات فرض القانون بالأدوات التي تسمح لها باستخدام التكنولوجيا لمصلحتها، بدلاً من أن تمثل عائقاً يقف في وجهها". ويعتبر وارنر واحداً من أهم الناشطين في مجلس الشيوخ حول مسائل سياسات التكنولوجيا.

وإذا اعتُبر فك التشفير الإجباري قانونياً، فهناك إجراء احتياطي يمكن أن يلجأ إليه المستخدمون الراغبون في حماية بياناتهم، وهو طريقة بدأت تنتشر بين متظاهري هونج كونج؛ حيث أطلق المعجبون بهذه الميزة عليها اسم "وضعية الشرطة"، وتتضمن -بالنسبة لأجهزة آيفون- الضغط على زر التشغيل على اليمين وزر مستوى الصوت على اليسار لمدة خمسة ثوانٍ من أجل إبطال فتح الجهاز بالقياسات الحيوية والانتقال إلى كلمة المرور بدلاً عنها. ويتضمن نظام أندرويد من جوجل ميزة مشابهة في إعداداته. وببضع ضغطات سريعة على الأزرار، يتم إبطال القياسات الحيوية.

وبطبيعة الحال، يمكن الحصول على كلمة المرور بالقوة أيضاً، ولكن ليس بهذه السهولة؛ حيث أنها سر داخل دماغك، أما وجهك الذي يتعرف عليه الجهاز فهو يمثل هويتك.

المحتوى محمي