كثرت الأبحاث الهادفة إلى إيجاد طريقة لإبطاء شيخوخة الخلايا، وقد نجح الباحثون في العديد منها، فقد أبطأ تعديل وراثي على أحد الجينات إطالة عمر الفئران بنسبة 20%، بينما أطال تعديل وراثي آخر عمر أسماك الزرد بنسبة 40%.
إبطاء الشيخوخة عند الفئران بنسبة 20%
وجد باحثون من معهد البيولوجيا الجزيئية في أكاديميا سينيكا (Academia Sinica) في تايوان، طريقة لإطالة عمر الفئران بنسبة 20%، عن طريق تعديل أحد الجينات وراثياً، ويعتقدون أن هذه الطريقة يمكن أن تطبق على البشر، وقد نشروا النتائج في ورقة بحثية لم تخضع لمراجعة الأقران بعد على biorxiv.
يوجد البروتين KLF1 بشكل طبيعي في دم الفئران والبشر أيضاً، وهو جين ينظّم إنتاج خلايا الدم الحمراء الجديدة، ويسبب نقصه تدهوراً في صحة القلب والكلى. أدّى تعديل الجين الخاص بهذا البروتين عند الفئران في المختبر إلى إطالة أعمارها، بالإضافة إلى الوقاية من السرطان.
تفاجأ الباحثون بالنتائج، خاصة وأنهم لم يجدوا أي آثار سلبية. بل على العكس، تمتعت الفئران التي تحمل الجين المعدّل بنشاطٍ أكبر في منتصف عمرها، ولم يتحول لونها إلى الرمادي في وقت مبكر، كما أظهرت الدراسة تجدد الخلايا لديها، وتأخر التدهور المرتبط بالعمر لذاكرتها وصحة القلب والكبد والكلى.
اقرأ أيضاً: هل تمنح التكنولوجيا الحيوية الشباب الأبدي للبشر؟
في الخطوة التالية، حقن الباحثون مجموعة من الفئران التي لا تحمل الجين المعدّل بدم القوارض التي وجدوا أنها تعيش لمدة أطول، ولاحظوا أن الفئران التي أُعطيت البروتين المعدّل نموذجياً عاشت لمدة أطول بخمسة أشهر من أقرانها، بزيادة تبلغ نحو 20%، بصحة جيدة، وبدأ بعد ذلك التدهور في أدائها البدني والعقلي.
أكدت النتائج أيضاً أن الفئران التي تلقت الجين KLF1 المعدّل عن طريق زرع خلية نخاع عظم واحدة تتمتع بقدرة أعلى على مقاومة السرطان من الفئران العادية، إذ انخفض نمو الورم عند الفئران المصابة، كما انخفض معدل الإصابة بنسبة 12.5% مقارنة بـ 75% في الفئران التي لم تخضع للتعديل الجيني.
أظهرت النتائج أن مقاومة السرطان لدى الفئران التي تلقت الجين المعدّل لا تعتمد على العمر أو الجنس أو الخلفية الجينية، وأظهرت أيضاً جدوى اتباع نهج جديد لإنتاج خلايا الدم لمكافحة الأمراض والشيخوخة.
بالإضافة إلى ذلك، حقن الباحثون الخلايا المعدّلة في الفئران المصابة بالتصلب الجانبي الضموري، وهي حالة نادرة تدمر بشكل تدريجي أجزاء من الجهاز العصبي، وتسبب ضعفاً في العضلات. وقد أظهرت الفئران المعدّلة لاحقاً تطوراً أبطأ بشكلٍ ملحوظ في المرض.
اقرأ أيضاً: تعرف على الأدوية المكافحة للشيخوخة التي أغرت المستثمرين
إبطاء الشيخوخة عند أسماك الزرد بنسبة 40%
في دراسة أخرى من جامعة كوت دازور تهدف إلى إبطاء الشيخوخة، اتجه الباحثون نحو أسماك الزرد، وبالتحديد التيلوميرات، وهي عبارة عن تسلسلات معقدة ومتكررة من الحمض النووي، تغطي نهايات الكروموسومات.
تقصر هذه التيلوميرات في كل مرة تنقسم فيها الخلية، ما يؤدي في النهاية إلى موت الخلية. ويعتقد الباحثون أن إيقاف تقصير هذه التيلوميرات يمكن أن يؤدي إلى عكس الشيخوخة.
في هذه الدراسة المنشورة في دورية نيتشر العلمية، أطال الباحثون التيلوميرات في خلايا الأمعاء لأسماك الزرد الصغيرة الشفافة، ما أدّى بالفعل إلى عكس علامات الشيخوخة في الكائن الحي بأكمله.
تحتوي الخلايا بشكلٍ طبيعي على إنزيم يُسمى تيلوميراز، يعمل على إطالة التيلوميرات للسماح للخلايا بالانقسام في كثيرٍ من الأحيان. وينظر إليه المجتمع العلمي على أنه علاج واعد للشيخوخة. يتوقف عمل جين إنزيم التيلوميراز في معظم الخلايا عند البالغين، ويعود للعمل فقط في الخلايا السرطانية التي تنقسم بسرعة. لذلك يعمل الباحثون معه بحذر خوفاً من تحول الخلايا إلى سرطانية، بالإضافة إلى ذلك، يصعب إدخاله إلى جميع الخلايا.
اقرأ أيضاً: كيف تساهم شركات التكنولوجيا في تشكيل مستقبل الرعاية الصحية؟
يعكس هذا الإنزيم أيضاً أعراض الشيخوخة ويحد من ظهور اللون الرمادي لدى الفئران، لكن التيلوميرات لديها أطول بكثير مما لدى الإنسان. لهذه الأسباب يتجه الباحثون نحو أسماك الزرد التي لديها تيلوميرات بطول تيلوميرات البشر نفسه.
في البداية، أكد الباحثون أن تعطيل جين إنزيم التيلوميراز في الأسماك يسبب ضرراً مبكراً للحمض النووي ومشكلات التمثيل الغذائي التي تحدث مع التقدم في السن، وانخفاض متوسط العمر المتوقع لديها بنسبة تصل إلى 70%.
ووجد الفريق أن آثار الشيخوخة هذه كانت واضحة بشكلٍ خاص في الجهاز الهضمي للأسماك، ويُعزى السبب في ذلك إلى أن الخلايا في الأمعاء تنقسم بشكلٍ متكرر من أجل تجديد بطانة العضو، وبالتالي تكون التيلوميرات فيها أقصر من معظم أنواع الخلايا الأخرى.
بعد ذلك، حقن الباحثون المسالك المعدية المعوية بقطع من الحمض النووي الريبي الرسول المشفر للإنزيم، فأعاد تنشيط جين التيلوميراز المعطّل في القناة الهضمية، وأدى هذا إلى إطالة التيلوميرات في الأمعاء واستعادة قدرة الخلايا على التكاثر واستبدال الأنسجة التالفة.
أدّى أيضاً العلاج بإنزيم التيلوميراز إلى تحسين عملية التمثيل الغذائي التي تباطأت بسبب الشيخوخة في الأسماك التي لا تحتوي على إنزيم تيلوميراز، كما أصبحت مجموعة البكتيريا التي تعيش في أمعائها (الميكروبيوم) أكثر شبهاً بتلك الموجودة في الأسماك الأصغر سناً.
بالإضافة إلى عكس شيخوخة الخلايا في الأمعاء، لاحظ الباحثون تلفاً أقل في الحمض النووي في الكلى، واحتفظت الخصى لدى الذكور بالقدرة على التكاثر.
اقرأ أيضاً: هل يستطيع الطب أن يقضي على الشيخوخة؟
على العموم، أطالت هذه التجربة عمر الأسماك بنسبة 40% مقارنة بالأخرى التي تفتقر إنزيم التيلوميراز.
بالنظر إلى البشر، يتعرض الذين لديهم طفرات في جين إنزيم التيلوميراز إلى مشكلات في الأمعاء، بما في ذلك مرض التهاب الأمعاء. لكن من غير الواضح لماذا يؤدي تنشيط إنزيم التيلوميراز في الأمعاء إلى تحسين أعضاء الأسماك الأخرى أيضاً. لكن يعتقد الباحثون أنه عندما تنعكس الشيخوخة في القناة الهضمية، يُطلق العضو إشارات تؤثّر في الجسم كله بسبب وقف الالتهاب الذي يضر بالحمض النووي في الأعضاء الأخرى.
يخطط الباحثون مستقبلاً لمعرفة كيف تّؤثر القناة الهضمية بالضبط في باقي الجسم، ما سيساعد على تطوير علاج بشري مستهدف في المستقبل.