كيف يمكن لهندسة الأنظمة أن تُعيد تشكيل مستقبل البشرية؟

4 دقائق
كيف يمكن لهندسة الأنظمة أن تُعيد تشكيل مستقبل البشرية؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ greenbutterfly

هندسة النُظم هي مجال بالغ الأهمية في عصرنا الحالي، والذي يتعامل مع تصميم وتطوير وإدارة الأنظمة المعقدة، ينطوي هذا المجال على تكامل المكونات والأنظمة الفرعية المختلفة لتشكيل نظام متكامل يمكنه العمل بفاعلية وكفاءة. 

وتعد هندسة النظم ضرورية في مختلف الصناعات، بما في ذلك صناعة الطيران والسيارات والرعاية الصحية وغيرها الكثير. ومع ذلك، فإن تأثيرها يمتد إلى ما هو أبعد من هذه الصناعات، ما يجعلها تغيّر قواعد اللعبة بالنسبة للبشرية.

هندسة الأنظمة كإطار للتعامل مع التعقيد

ومع ازدياد التعقيدات في الأنظمة من حولنا، توفّر هندسة النظم إطاراً للتعامل مع هذا التعقيد، حيث تُمكّن المهندسين من تصميم وتطوير الأنظمة التي يمكنها معالجة التحديات المختلفة التي يواجهها المجتمع. على سبيل المثال، أدّت هندسة النظم دوراً مهماً في تطوير التقنيات الطبية المتقدمة التي حسّنت نتائج الرعاية الصحية. مثلاً، يعيد برنامج هندسة أنظمة الرعاية الصحية في مايو كلينك (Mayo Clinic) تصميم أنظمة جدولة العيادات الخارجية لتقليل وقت انتظار المريض، كما يتم تطبيق ممارسات هندسة الأنظمة في صناعة الأجهزة الطبية لتسريع تطوير الأجهزة الطبية وتحسين نتائج متابعة نتائج المرضى. 

اقرأ أيضاً: ما أبرز مهام مهندس البيانات الضخمة في الشركة؟

تتجلى إحدى الفوائد الرئيسية لهندسة الأنظمة في أنها تعزز التعاون والعمل التكاملي بين المجالات المختلفة، حيث تجمع هندسة النظم الخبراء من مختلف المجالات للعمل معاً لتحقيق هدف مشترك، وهذا النهج متعدد التخصصات ضروري في حل المشكلات المعقدة التي لا يمكن معالجتها من خلال تخصص واحد.

ومن خلال العمل معاً، يمكن للمهندسين الاستفادة من خبرة بعضهم بعضاً وتطوير حلول مبتكرة تُمكّن متخذي القرار من معالجة المشكلات المعقدة. إضافة إلى ذلك، برز مفهوم هندسة النظم في إدارة المخاطر، حيث ينطوي تطوير الأنظمة المعقدة على مخاطر مختلفة، بما في ذلك المخاطر التقنية والمالية والاجتماعية. ويمكن أن تكون لهذه المخاطر عواقب مكلفة مادياً واجتماعياً، بما في ذلك مخاوف تتعلق بالسلامة والخسائر المالية والإضرار بالسمعة.

والجميل أن هندسة النظم توفر إطاراً لإدارة هذه المخاطر من خلال تحديد المشكلات المحتملة وتقييم تأثيرها ووضع استراتيجيات للتخفيف منها.

مجالات بارزة تسهم هندسة الأنظمة في تطويرها

علاوة على ذلك، تساعد هندسة الأنظمة على ضمان تصميم الأنظمة وتطويرها مع وضع المستخدم النهائي في الاعتبار أثناء ذلك، وهذا يُعد مهماً بشكلٍ خاص في صناعات مثل الرعاية الصحية كما ذكرنا سابقاً، فالمستخدمون النهائيون هم المرضى. ومن خلال تضمين المستخدمين النهائيين في عملية التصميم، يمكن للمهندسين تطوير أنظمة تلبي احتياجاتهم لتكون سهلة الاستخدام.

إضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي تضمين المستخدمين النهائيين في عملية التصميم إلى تطوير تقنيات جديدة تلبي احتياجات المرضى بشكلٍ أفضل. على سبيل المثال، أدّت هندسة النظم دوراً مهماً في تطوير التقنيات الطبية عن بُعد، والتي تسمح للمرضى بتلقي الرعاية الطبية عن بُعد. وبهذا يمكن للمهندسين تطوير تقنيات تلبي احتياجات المرضى بشكلٍ أفضل، مثل تحسين إمكانية الوصول  للمريض.

اقرأ أيضاً: كيف تساهم شركات التكنولوجيا في تشكيل مستقبل الرعاية الصحية؟

وتؤدي هندسة النظم دوراً مهماً في ضمان استدامة في مجال الطاقة، فمن المعروف أن العالم يواجه تحديات بيئية مختلفة، بما في ذلك تغيرّ المناخ، والتلوث واستنزاف الموارد الطبيعية. وهنا توفّر هندسة النظم إطاراً لتطوير حلول مستدامة يمكنها مواجهة هذه التحديات. على سبيل المثال، أسهمت هندسة النظم في تطوير تقنيات الطاقة المتجددة التي يمكن أن تقلل من اعتمادنا على الوقود الأحفوري. ومن خلال تطوير تقنيات الطاقة المتجددة، يمكن لهندسة الأنظمة تحقيق أهداف الاستدامة في قطاع الطاقة.

ومن بين هذه التقنيات، الطاقة الشمسية والرياح والمياه والحرارة الأرضية. ويتم تصميم هذه التقنيات باستخدام مفاهيم هندسة الأنظمة والأدوات لتحسين أدائها وتحسين تكلفتها وجعلها أكثر فاعلية. فعلى سبيل المثال، أظهرت الأبحاث الحديثة أن هندسة النظم قد أسهمت أيضاً في تطوير المحفزات الكهربائية لتوليد الطاقة المستدامة، حيث أدّى النقص في المحفزات ذات الصلة إلى إعاقة عملية توليد الوقود الأخضر والأنظمة الكهروكيميائية القابلة لإعادة الشحن.

هندسة الأنظمة لضمان عمل الأنظمة

من جانب آخر، تؤدي هندسة النظم أيضاً دوراً مهماً في ضمان موثوقية الأنظمة لضمان عملها في مواجهة جميع الظروف. ويُعد هذا مهم بشكلٍ خاص في صناعات مثل الفضاء، حيث يمكن أن تكون للأخطاء الصغيرة عواقب وخيمة. فهنا توفّر هندسة النظم إطاراً لاختبار الأنظمة والتحقق من صحتها للتأكد من أنها يمكن أن تعمل على النحو المنشود، وهذا يدل على أن تأثير هندسة النظم على الصناعات المختلفة كبير. على سبيل المثال، توظّف صناعة الطيران في الولايات المتحدة أكثر من 2.5 مليون شخص وتدر إيرادات تزيد على 320 مليار دولار سنوياً، وفقاً لتقرير صادر عن جمعية صناعات الطيران

الجدير بالذكر، أن لهندسة النظم دوراً أساسياً في تصميم وتطوير الطائرات والمركبات الفضائية وأنظمة الطيران الأخرى. على سبيل المثال، اعتمدت مهمة جوالة المريخ (Mars Rover) التابعة لوكالة ناسا، والتي تضمنت تصميم وتطوير نظام آلي معقد، اعتماداً كبيراً على مبادئ هندسة الأنظمة.

وفي صناعة السيارات، توظّف سوق السيارات العالمية أكثر من 60 مليون شخص وتحقق إيرادات تزيد على 3 تريليونات دولار سنوياً، وفقاً لتقرير صادر عن المنظمة الدولية لمصنعي السيارات

وهنا أدّت هندسة النظم دوراً مهماً في تطوير أنظمة مساعدة السائق المتقدمة (ADAS)، مثل التحذير من الانحراف عن المسار والوقوف التلقائي في حالات الطوارئ، ما أدّى إلى تحسين سلامة المركبات وتقليل عدد الحوادث على الطريق. ويتم تطوير هذه التقنيات من قِبل فرق متخصصة في مجالات مثل الهندسة الميكانيكية والكهربائية والحاسوبية، وتعتمد على استخدام أنظمة الاستشعار والتحكم والمعالجة الإلكترونية، مثل الرادار والكاميرات ومستشعرات الأشعة تحت الحمراء والمعالجات الرقمية. وهنا يكمن أيضاً التكامل النوعي في هندسة الأنظمة بين المجالات المختلفة كما ذكرنا سابقاً.

اقرأ أيضاً: أبرز توجهات قطاع التكنولوجيا عام 2023

تُعد هندسة النظم المحرك الأساسي لتحويل الأنظمة المرتبطة بالإنسانية وتقديمها بشكلٍ متطور، وتوفير إطار لتطوير أنظمة معقدة قادرة على مواجهة التحديات المختلفة التي يواجهها المجتمع، ويمتد تأثيرها إلى مجالات أبعد من الصناعات الرئيسية، مثل الطيران والرعاية الصحية، ما يجعلها ضرورية لتعزيز الاستدامة وإدارة المخاطر وتعزيز التعاون والعمل الجماعي وتحفيز الابتكار.

وبفضل القدرة على جمع الخبراء من مختلف المجالات، فإن هندسة النظم لديها القدرة على حل بعض من أكثر المشكلات تعقيداً التي تواجه عالمنا اليوم، ما يجعلها مجالاً فعّالاً لتشجيع التطوير والتغيير الإيجابي في المجتمع. وعليه، يمكن القول إن هندسة النظم تمثّل أحد أهم العلوم الحديثة التي تسهم في بناء مستقبل أفضل للبشرية.

المحتوى محمي