هل يمكن استخدام عمليات المسح الدماغية لترجمة الأفكار إلى كلمات؟

3 دقائق
هل يمكن استخدام عمليات المسح الدماغية لترجمة الأفكار إلى كلمات؟
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت. إم آي تي تي آر. غيتي إيميدجيز

يمكن لواجهة تخاطبية دماغية غير باضعة (لا يتطلب تركيبها عملاً جراحياً)، وقادرة على تحويل أفكار الشخص إلى كلمات، أن تُستخدم يوماً ما لمساعدة الأشخاص الذين فقدوا قدرتهم على الكلام بسبب إصابات مثل السكتات الدماغية أو الأمراض مثل التصلب الجانبي الضموري.

ففي دراسة جديدة نُشرت في مجلة نيتشر نيوروساينس (Nature Neuroscience) لباحثين من جامعة تكساس في مدينة أوستن، تم تدريب نموذج على صور مسح بالرنين المغناطيسي الوظيفي لثلاثة متطوعين، وقد تمكن من التنبؤ بجمل كاملة كانوا يسمعونها بدقة مذهلة، وذلك بمجرد قياس النشاط الدماغي. وتبين هذه النتائج الحاجة إلى وضع سياسات خاصة لحماية البيانات الدماغية في المستقبل، على حد تعبير الفريق.

ومع أن فك ترميز الكلام بالاعتماد على النشاط الدماغي ليس بالفكرة الجديدة، إلا أن هذه العملية تتطلب عادة استخدام أجهزة باضعة للغاية ومزودة بأقطاب يجب زرعها داخل الدماغ. أما الأنظمة غير الباضعة الأخرى فقد كانت مقيدة، وأقرب إلى فك ترميز كلمات إفرادية، أو جمل قصيرة.

ويمثّل هذا العمل أول مرة يتم فيها تركيب جمل كاملة بالاعتماد على أساليب غير باضعة عن طريق تسجيل النشاط الدماغي باستخدام المسح بالرنين المغناطيسي الوظيفي، وفقاً لمصممي الواجهة. وعلى حين تتضمن صور الرنين المغناطيسي العادية صوراً لبنية الدماغ، فإن صور الرنين المغناطيسي الوظيفي تتيح تقييم تدفق الدم في الدماغ، حيث تبين المواضع والأجزاء التي يقترن تفعيلها بنشاطات معينة.

اقرأ أيضاً: بين الفوضى والاستقرار: حالات الدماغ الغريبة

استخدام جي بي تي 1 في العملية

أولاً، قام الفريق بتدريب جي بي تي 1 (GPT1)، وهو نموذج لغوي كبير قامت بتطويره شركة أوبن أيه آي (OpenAI)، على مجموعة بيانات مؤلفة من جمل باللغة الإنجليزية تم جمعها من موقع ريديت (Reddit)، و240 قصة من برنامج ذا موث راديو آور (The Moth Radio Hour)، ونصوص صوتية من المدونة الصوتية مودرن لوف (Modern Love) لصحيفة نيويورك تايمز (New York Times).

وقد أراد الباحثون استخدام مواد يشعر المرء بالتشويق والمتعة عند الاستماع إليها، لأنها ستكون أكثر قدرة على إنتاج بيانات جيدة للمسح بالرنين المغناطيسي الوظيفي من المواد التي تثير ملل المشاركين.

ويقول الأستاذ المساعد المختص بعلم الأعصاب وعلم الحاسوب في جامعة تكساس في أوستن وقائد المشروع، ألكسندر هوث، بتعبير مرح: "جميعنا نحب الاستماع إلى المدونات الصوتية، فلمَ لا نستلقي داخل جهاز للمسح بالرنين المغناطيسي في أثناء استماعنا إليها؟".

خلال الدراسة، استمع كل من المشاركين الثلاثة إلى 16 ساعة من حلقات مختلفة من المدونات الصوتية نفسها داخل جهاز للمسح بالرنين المغناطيسي، إضافة إلى بضعة أحاديث من مؤتمرات تيد (TED). وتقوم الفكرة على جمع كمية كبيرة من البيانات، حيث يقول الفريق إنها أكبر بخمس مرات من مجموعات البيانات اللغوية المستخدمة عادةً في تجارب الرنين المغناطيسي الوظيفي المتعلقة باللغة.

اقرأ أيضاً: زرعة دماغية تحسن قدرة مرضى التصلب الجانبي الضموري على الكلام

التنبؤ بالنشاط الدماغي

وقد تعلم النموذج كيفية التنبؤ بالنشاط الدماغي الذي يمكن أن تؤدي قراءة كلمات معينة إلى تحفيزه. ولتفكيك ترميز هذه الإشارات، يقوم النظام بتخمين سلاسل الكلمات، ويتحقق من مدى التطابق بين التخمين والكلمات الفعلية. ويتنبأ النظام باستجابة الدماغ للكلمات التي خمنها، ثم يقارنها باستجابات الدماغ الفعلية المقاسة.

وعند اختبار النموذج على حلقات مدونات جديدة، تمكن النظام من تحديد فحوى المادة التي كان المستخدمون يستمعون إليها بمجرد قياس نشاطهم الدماغي، كما تمكن في أغلب الحالات من تحديد الكلمات والجمل بدقة. وعلى سبيل المثال، سمعت إحدى المستخدمات جملة "I don’t have my driver’s license yet" (لم أحصل على رخصة القيادة بعد). وقام مفكك الترميز بتركيب الجملة التالية: "She has not even started to learn to drive yet" (لم تبدأ حتى بتعلم قيادة السيارة بعد).

كما قام الباحثون أيضاً بعرض مقاطع قصيرة خالية من الحوارات من إنتاج شركة بيكسار (Pixar)، وتسجيل الاستجابة الدماغية للمشاركين، وذلك في إطار تجربة منفصلة مصممة لاختبار قدرة مفكك الترميز على تحديد المحتوى العام لما كان المستخدمون يشاهدونه. وقد تبين أنه قادر على ذلك بالفعل.

اقرأ أيضاً: هل يُعتبر تحفيز الدماغ عملية توغليّة؟

شكوك حيال نجاح الطريقة

ولكن مختص علم الأعصاب النظري في معهد فيجن في باريس، رومين بريت، والذي لم يشارك في هذه التجربة، لم يقتنع بالكامل بفاعلية هذه التكنولوجيا في مرحلتها الحالية. ويقول: "تقوم طريقة عمل الخوارزمية بشكلٍ أساسي على استخدام نموذج ذكاء اصطناعي لابتداع الجُمل اعتماداً على معلومات مبهمة حول المجال الدلالي للجُمَل، والذي تم استنباطه من صور المسح الدماغي. ومن المحتمل أن نجد بعض حالات الاستخدام المثيرة للاهتمام، مثل استنباط محتوى الأحلام بشكلٍ عام. ولكني متشكك بعض الشيء بشأن قدرتنا على الوصول إلى مستوى القراءة والأفكار".

ومع أن التجربة لم تصل بالضرورة إلى مرحلة الكمال، إلا أنها تُثير بعض التساؤلات الأخلاقية حول الاستخدام المحتمل لمفككات الترميز الدماغية في مجال المراقبة والاستجواب. وللتعامل مع هذه التساؤلات، قرر الفريق اختبار إمكانية تدريب مفكك ترميز وتشغيله دون تعاون الشخص المعني. وقام الفريق بتجربة إمكانية تفكيك ترميز الكلام الصادر عن كل مشارك باستخدام نماذج تفكيك الترميز التي تم تدريبها على بيانات من مشارك آخر. ووجد الفريق أن أداء تفكيك الترميز كان "أفضل من العشوائية بقليل".

وهو ما يشير، كما يقول الفريق، إلى عدم إمكانية استخدام مفكك الترميز على النشاط الدماغي لشخص ما دون موافقة هذا الشخص وتقديمه للمساعدة في تدريب مفكك الترميز في المقام الأول.

اقرأ أيضاً: قطب كهربائي داخل الدماغ لإصلاح الذاكرة يفتح آفاقاً جديدة لعلاج ألزهايمر

يقول أحد طلاب الدكتوراة في جامعة تكساس، وأحد أعضاء الفريق، جيري تانغ: "نعتقد أن الخصوصية العقلية أمر فائق الأهمية، وأنه يجب ألا يتم تفكيك ترميز إشارات الدماغ لأي شخص كان دون موافقته وتعاونه، ونعتقد أنه من المهم مواصلة إجراء الأبحاث بشأن آثار تفكيك الإشارات الدماغية على الخصوصية، وفرض سياسات تهدف إلى حماية الخصوصية العقلية لكل شخص".

المحتوى محمي