التداعيات الاجتماعية والأخلاقية لبوت الدردشة تشات جي بي تي في العالم العربي

3 دقائق
التداعيات الاجتماعية والأخلاقية لبوت تشات جي بي تي في العالم العربي
حقوق الصورة: shutterstock.com/ 3rdtimeluckystudio

أطلقت شركة أوبن أيه آي (OpenAI)، ومقرها سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأميركية، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 بوت الدردشة تشات جي بي تي (ChatGPT)، المنتمي لنماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI)، وقد وصل عدد مستخدميه إلى 100 مليون مستخدم بعد شهرين فقط من إطلاقه. 

قُدّرت القيمة السوقية لشركة أوبن أيه آي، بعد أن أصدرت تشات جي بي تي بنحو 29 مليار دولار أميركي، ما يدل على حجم المجال التي سيفتحه تشات جي بي تي أمام الحكومات والقطاع الخاص لدى دمج هذا الصنف الصاعد من الذكاء الاصطناعي في مجالات عملها وتطبيقاتها. لذلك، من المتوقع أيضاً اكتساح استخدامات وتطبيقات تشات جي بي تي للمنطقة العربية في عدة مجالات كالإعلام والصحافة والتعليم وقطاع الخدمات. 

إلا أن التبعات الاجتماعية والأخلاقية لاستخدام هذه التكنولوجيا على المجتمع العربي لم تناقش بعد. لذلك على الحكومات والقطاع الخاص والتقنيين البدء بحوار مشترك تتم فيه دراسة وبحث تداعيات تشات جي بي تي على المنطقة العربية، خصوصاً المتعلقة منها بالسياسة العامة والمجتمع.

اقرأ أيضاً: لم يأتِ من العدم: كيف حقق تشات جي بي تي انتشاره الواسع؟

ما تداعيات تشات جي بي تي على السياسة؟

تشير الدراسات إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكلٍ عام ومن ضمنه تشات جي بي تي، يسهل من قدرة الخصوم على إنتاج محتوى ذي معلومات مضللة (disinformation) أو غير صحيحة (misinformation) بلغات متعددة وبتكلفة زهيدة، ما يُتيح للخصوم إنتاج وإغراق وسائل التواصل الاجتماعي بنظريات المؤامرة (conspiracy theories) والمعلومات المضللة التي لها تأثير سلبي على مواضيع عديدة مرتبطة بالسياسة الداخلية والخارجية للدول العربية.

إضافة لذلك، فإن المحتوى الناتج عن هذا النوع من التكنولوجيا قد يكون له تأثير سلبي على الرأي العام فيما إذا تم دمجه مع تكنولوجيا التزييف العميق (DeepFake) القادرة على إنتاج محتوى مرئي مضلل بهدف ابتزاز شخصيات سياسية وصحفية، أو نشر أخبار كاذبة هدفها زعزعة الثقة بالمؤسسات العامة والدولية.

ما تداعيات تشات جي بي تي على وسائل الإعلام؟

يُتيح تشات جي بي تي فرصاً عديدة لفرق تحرير الصحف العربية لاستنباط أفكار ومواضيع صحفية لتغطيته أو لتلخيص أو ترجمة نصوص طويلة إلى العربية، أو لجمع المعلومات وتنسيقها في سياق سهل للقراءة، كنشر إحاطات جديدة لعدة مواضيع. لكن يجب أيضاً على فرق التحرير مراجعة ما ينتجه تشات جي بي تي من محتوى بشكلٍ دوري للتأكد من صحته وخلوه من مغالطات علمية ومعرفية، لأن الدعم التقني لتشات جي بي تي ما زال قيد التطوير للغات غير الإنجليزية.

بالإضافة لذلك، على مراكز الإعلام والصحافة الانتباه للملكية الفكرية، إذ إن المحتوى المنتج من قِبل تشات جي بي تي ما زال قيد النقاش من منظور قانوني. فمثلاً بحسب فوربس، فإن القانون الأميركي لحماية الملكية الفكرية ينص على أن أي محتوى يجب أن يكون ناتجاً عن مؤلف بشري، أي أن الإنسان هو مَن حرر وألّف المحتوى. لذلك فإن المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي لا يمكن حمايته فكرياً. لذلك، من الضروري مناقشة الانعكاسات القانونية لتشات جي بيتي لقوانين حقوق الملكية الفكرية في المنطقة العربية.  

اقرأ أيضاً: دليل سريع إلى أهم قانون لم تسمع به عن الذكاء الاصطناعي

إن استخدام تشات جي بي تي من قِبل فرق التحرير وغرف الأخبار سيدعم من إنتاجية الإعلاميين والصحفيين عوضاً عن استبدال المحتوى الذي يقدّمونه بمحتوى تشات جي بي تي بشكلٍ كامل. فالمستقبل يكمن في إيجاد فرص للتعاون البشري مع تشات جي بي تي للوصول لإعلام عربي وصحافة عربية شفافة وذات مصداقية عالية. 

لذلك على الصحافة والإعلام العربي المباشرة، دراسة الحالات التي يسمح لها أو يمنع فيها استخدام تشات جي بي تي في سياق العمل ووضع خطة وورشات عمل لإطلاع الموظفين على هذه التكنولوجيا والاستخدام الأخلاقي لها. بل ويجب التفكير في كيفية التواصل مع الجمهور وإعلامه بمصدر المحتوى دون تشكيل أزمة ثقة بين الجمهور والمؤسسة الإعلامية خصوصاً إذا كان المحتوى المشارك مع الجمهور ناتجاً عن تكنولوجيا مرتبطة بالذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: مساعٍ دولية لوضع قوانين تنظّم استخدام الذكاء الاصطناعي

ما التداعيات الأخلاقية لتشات جي بي تي؟

لا يزال الدعم التقني لكثير من التكنولوجيات المطورة في أوروبا وأميركا ضعيفاً للغة العربية، ومن ضمنها تشات جي بي تي. فسياسة المستخدم لأوبن أيه آي تمنع استخدام تشات جي بي تي أو أي من منتجاتها وتطبيقاتها بهدف التأثير السياسي من خلال الخداع أو التشكيك أو التلاعب بالمستخدمين أو بالرأي العام. 

لكن على الرغم من طرح أوبن أيه آي وسائل للحد من إنتاج محتوى يحتوي على عبارات او مواضيع جنسية أو عنصرية أو ذات صلة بالعنف، فإن هذه الوسائل لا تزال قاصرة عن تصنيف المحتوى السياسي المتطرف أو العنصري للغات غير الإنجليزية كاللغة العربية. وتنعكس خطورة هذا الأمر بشكلٍ مباشر على الوضع الأمني والسياسي والأخلاقي للمجتمع، إذ يمكن للخصوم نشر محتوى باستخدام هذه التكنولوجيا لتضليل الرأي العام أو تجنيد قسم منه لإحداث الشغب أو العنف في المجتمع. 

اقرأ أيضاً: موظفو جوجل يتزاحمون على انتقاد مجلس أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في الشركة

لهذه الأسباب على أصحاب القرار في المجتمع العربي بدء حوار واسع يشمل كلاً من الهيئات والمنظمات الحكومية والقطاع الخاص والتعليم والإعلام لوضع أساسيات سلوكية وأخلاقية نحو استخدام مسؤول لتشات جي بي تي، ومحاولة فهم أفضل وأدق للفرص المصاحبة لهذه التكنولوجيا وأبعادها الاجتماعية والأخلاقية على المجتمع. 

المحتوى محمي