هل يمثل استخدام الشرطة لطائرات دون طيار انتهاكاً لخصوصية الأفراد؟

10 دقائق
هل يمثّل استخدام الطائرات دون طيار في إدارات الشرطة خطراً على الخصوصية؟
بينغ غوان/موقع بلومبرغ. غيتي إميدجيز

ليس مستغرباً أن ترى طائرة دون طيار (درون) تعبر السماء في مدينة تشولا فيستا في ولاية كاليفورنيا الأميركية، حيث تنفذ إدارة الشرطة برنامجاً خاصاً بطائرات الدرون لمدة 10 ساعات يومياً من 4 مواقع إطلاق. بالنسبة للضباط في إدارة الشرطة، تحوّل استخدام تكنولوجيا الاستطلاع الجوي هذه من حدث نادر إلى روتيني؛ يستطيع أي ضابط على وشك اقتحام منزل يحتوي على مشتبه به أن يسأل عبر أجهزة الراديو قائلاً "هل تتوفر طائرة درون؟" وإذا كانت كذلك فستصل إحدى طائرات إدارة الشرطة في المدينة والبالغ عددها 29، إلى موقع الحدث بعد دقائق. 

طائرات الدرون لإنفاذ القانون

يستخدم الضباط في إدارة الشرطة طائرات الدرون في الأغلبية الساحقة من العمليات التي تتطلب التأني والعمل على نحو منهجي ومنسّق، وتحلق هذه الطائرات على ارتفاعات تتراوح بين 200 و400 قدم فوق الموقع المعني، ولا يدرك معظم الأشخاص أنها تحلق فوقهم. تستخدم إدارة الشرطة في مدينة تشولا فيستا طائرات الدرون لزيادة قدرة قوتها العاملة بطرق عدّة. يضطر المسؤولون عن الاتصالات والتوجيه في أغلب الحالات إلى اتخاذ بعض القرارات حول توزيع ضباط الشرطة في المدينة. على سبيل المثال، إذا كان ضابط واحد فقط متاحاً عند ورود مكالمتَي طوارئ، تخص إحداهما مشتبهاً به مسلحاً بينما تخص الأخرى حادثة سرقة من متجر ما، فسيستجيب الضابط إلى المكالمة الأولى. يقول الرقيب وضابط المعلومات العامة في إدارة شرطة مدينة تشولا فيستا، أنتوني مولينا (Anthony Molina)، إن مسؤولي الاتصالات والتوجيه يستطيعون حالياً إرسال طائرة دون طيار لتعقب السارق المشتبه به خلسة

اقرأ أيضاً: كيف يمكن اختبار النظام الأمني للشركة لمواجهة التهديدات السيبرانية بكفاءة؟ 

يقول مولينا: "لا تتعرض الطائرة دون طيار للخطر. وكذلك الأمر بالنسبة للضابط الذي يتحكم بها؛ فهو يجلس في غرفة بعيدة ببساطة".  لا يعتبر استخدام طائرات الدرون جديداً بالنسبة لإدارات الشرطة، إذ تستخدم أكثر من 1500 دائرة شرطة في الولايات المتحدة هذه الطائرات حالياً، ويقتصر استخدامها في أغلب الحالات على حالات البحث والإنقاذ بالإضافة إلى توثيق مسارح الجريمة ومطاردة المشتبه بهم. فرضت إدارة الطيران الفدرالية الأميركية بعض القيود على غالبية حالات استخدام هذه الطائرات، وألزمت إدارات الشرطة باستخدام هذه الطائرات ضمن مجال رؤية الضباط المُشغّلين فقط. ولكن بدءاً من عام 2019، بدأت الوكالة تقديم إعفاءات تحمل اسم "إعفاءات ما وراء المدى المرئي"، ما أتاح إجراء رحلات الطيران الأطول والعمليات عن بُعد وتشكيل أساطيل جوية أكبر وأكثر كفاءة. 

إعفاءات ما وراء المدى

كانت إدارة شرطة مدينة تشولا فيستا أول إدارة تحصل على هذا الإعفاء. والآن حصلت 225 إدارة شرطة عليه، وتدير 12 إدارة منها، من ضمنها إدارة شرطة تشولا فيستا، برامج طائرات الدرون للاستجابة الأولى، حيث يرسل الطيارون الطائرات وهم يستمعون إلى مكالمات الطوارئ مباشرة، فتصل إلى مواقع الحوادث والطوارئ ومسارح الجرائم قبل ضباط الشرطة وتراقب المشاهد بكاميراتها. من المتوقع أن تجعل إدارة الطيران الفدرالية إعفاءات ما وراء المدى المرئي شرعية تماماً خلال السنوات القليلة المقبلة، ما سيسهّل إطلاق المزيد من برامج طائرات الدرون المشابهة. أعلن العمدة المنتخب في مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا عن خطط لتوزيع مئات طائرات الدرون في جميع أنحاء المدينة بهدف زيادة سرعة الاستجابة للجرائم وحوادث إطلاق النار. وقد نشهد قريباً تطوير التكنولوجيات الجديدة مثل الطيران الذاتي، والتي يمكن تطبيقها لبرمجة طائرات الدرون مسبقاً لتتخذ مسارات محددة أو تستجيب للأوامر دون الحاجة لتحكم البشر المباشر.

اقرأ أيضاً: هل تعتبر معارك المدن ضد كاميرات المراقبة في شوارعها خاسرة؟

يقول مؤسس شركة سكاي فاير كونسلتنغ (Skyfire Consulting) الاستشارية التي مقرها مدينة أتلانتا، والتي تسهم في تدريب وكالات إنفاذ القانون على استخدام طائرات الدرون، مات سلون (Matt Sloane): "ينتشر استخدام طائرات الدرون بسرعة، وتعمل إدارات الشرطة على زيادة ميزانياتها المخصصة لهذه التكنولوجيا بشكل مطّرد. أعتقد أننا سنشهد إطلاق تكنولوجيا الطيران الذاتي خلال فترة تتراوح بين سنتين و3 سنوات". يقول العديدون إن تطبيق هذه التكنولوجيا يزداد رواجاً بسرعة أكبر من اللازم؛ إذ يمثّل استخدام طائرات الدرون كأدوات للمراقبة والاستجابة الأولى نقلة نوعية في نشاطات الشرطة تحدث دون إجراء نقاش مستنير عام حول قوانين الخصوصية والآليات المستخدمة في تطبيق تكنولوجيا طائرات الدرون وقيودها.  

بالإضافة إلى ذلك، لا تتوفر أدلة كافية تثبت فاعلية إجراء نشاطات الشرطة بهذه الطريقة. 

هل استخدام طائرات الدرون يخفض معدل الجريمة؟

لم يستطع أي من الخبراء الذين تواصلت معهم قبل كتابة هذا المقال، ومنهم ضباط الشرطة من مدينة تشولا فيستا (التي تُعرف إدارة الشرطة فيها بأنها أدارت أطول برنامج للطائرات من دون طيار في الولايات المتحدة) وموردين وباحثين، الاستشهاد بدراسة مستقلة تبين أن استخدام طائرات الدرون يخفّض من معدل الجريمة. كما لم يتمكن أحد منهم أن يقدم إحصائيات تكشف عن عدد الاعتقالات أو الإدانات الإضافية التي أجريت نتيجة لاستخدام هذه التكنولوجيا. تزعم إدارات الشرطة عادة أنه عندما ينخفض معدل الجريمة، يمكن اعتبار أن أي نوع من التكنولوجيا المستخدمة خلال فترة الانخفاض هذه مساهِم. ولكن دون وجود الإحصائيات والتحليلات الدقيقة التي تبين أن استخدام الطائرات أدّى إلى انخفاض معدل الجريمة مثلاً، لا يمكننا تأكيد العلاقة السببية بين الظاهرتين ونفي ارتباطهما بعوامل أخرى محتملة. 

اقرأ أيضاً: إيمتيك مينا: كيف يمكن تسخير تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي لمواجهة الهجمات السيبرانية؟

مع استمرار انتشار هذه التكنولوجيا، تُثير مجموعات الناشطين في قضايا الخصوصية والحريات المدنية تساؤلات مهمة: ماذا سيحدث عندما يتم تزويد طائرات الدرون بأجهزة قراءة لوحات تسجيل السيارات، وعندما يتم المزج بين هذه التكنولوجيا وشبكات الكاميرات الثابتة أو عندما يتم بناء مراكز القيادة اللحظية الجديدة التي تخزن مقاطع الفيديو التي تسجلها الطائرات وتفتّش فيها؟ قد تعزز هذه المصيدة الرقمية القدرة على المراقبة بشكل كبير، كما أنها قد تؤدي إلى المزيد من الاحتكاك بين عناصر الشرطة والتركيبات السكانية التي عانت من رقابة الشرطة المفرطة من قبل. 

تخلف القوانين عن التكنولوجيا

رفعت صحيفة لا برينسا سان دييغو (La Prensa San Diego) المجتمعية الناطقة باللغة الإسبانية دعوى قضائية على إدارة مدينة تشولا فيستا لإجبارها على الكشف عن أحد مقاطع الفيديو التي سجلتها طائرات الدرون، وعبر أحد ناشريها، أرتورو كاستانياريس (Arturo Castañares)، عن قلقه مما يعتبره غياباً للشفافية اللازمة، ويقول إن صنّاع السياسات العامة والمسؤولين في الأنظمة القضائية لا يتخّذون الإجراءات المناسبة بالسرعة اللازمة لمواكبة التكنولوجيا. يقول: "تتطور الأمور في اتجاه خطير، لا أقصد أنه يجب منع إدارات الشرطة من استخدام هذه التكنولوجيا، ولكن ما يقلقني هو استخدام هذه التكنولوجيا في غياب السياسات والإجراءات اللازمة". 

اقرأ أيضاً: برنامج مراقبة مدعوم بالذكاء الاصطناعي يحدد هوية الأشخاص الذين يقابلهم

السرعة والكفاءة

تميل إدارات الشرطة لمشاركة الأمثلة على الحوادث المثيرة وجرأة الضباط، مثل الحالات التي تساعد فيها طائرات الدرون الضباط على تعقب المشتبه بهم، وتزيد من قدرتهم على إدراك الظروف المحيطة خلال عمليات الاعتقال الخطرة، أو عندما تُستخدم هذه الطائرات في تأمين مسارح الجريمة. ولكن إذا تعمّقنا وطرحنا أسئلة عن السبب الحقيقي لاستخدام طائرات الدرون، سيجيب ضباط الشرطة متحدثين عن الهدف العملي المتمثل في الاستجابة لجميع مكالمات الطوارئ. 

يدّعي المسؤولون في إدارة شرطة مدينة تشولا فيستا أن برامج طائرات الدرون للاستجابة الأولى تضمن وصول الطائرات بسرعة إلى مواقع الحدث، كما تضمن أن تقيّم هذه الطائرات خطورة الموقف ما يجنّب الضباط وفرق الطوارئ إجراء رحلات غير ضرورية ويمنحهم المزيد من الوقت للاستجابة إلى مسائل السلامة العامة الأكثر إلحاحاً. في عام 2022، ووفقاً لإدارة شرطة مدينة إليزابيث في ولاية نيو جيرسي الأميركية، استجابت طائرات الدرون خلال الأشهر الأربعة الأولى من استخدامها بموجب إعفاءات ما وراء المدى المرئي إلى 1400 مكالمة، وبلغ متوسط زمن الاستجابة 90 ثانية في نسبة 21% من هذه المكالمات (للمقارنة، بلغ متوسط زمن استجابة وحدات الدوريات التقليدية 4 دقائق).

اقرأ أيضاً: إليك خطوات إعداد نظام مراقبة منزلي جيد وربطه بالهاتف المحمول

قالت المتحدثة باسم إدارة الشرطة في مدينة إليزابيث، روبي كونتريراس (Ruby Contreras): "تُتيح لنا الاستجابة لجميع المكالمات قبل وصول الدوريات المستجيبة توزيع الضباط على الحالات ذات الأولوية". يقارن سلون استخدام طائرات الدرون للاستجابة الأولى بإضافة الحواسيب إلى سيارات الدوريات؛ ما المشكلة في استخدام مصدر المعلومات الجديد السهل قدر الإمكان؟ يقول: "المشكلة أن ذلك يغيّر طريقة التعامل مع مكالمات الطوارئ بالكامل". ولكن سهولة إرسال الطائرات والتحكم بها عن بُعد من خلال تحديد الموقع على الخريطة والنقر عليه فقط أثارت المخاوف.

مخاوف الخصوصية 

صورة لشاشة تحتوي على تطبيق خرائط جوجل وتبيّن مسار طيران إحدى طائرات الدرون التابعة لإدارة شرطة مدينة تشولا فيستا الأميركية. إدارة شرطة مدينة تشولا فيستا.

ديف ماس (Dave Maass) هو مدير التحقيقات في مؤسسة إلكترونيك فرونتير فاونديشن (Electronic Frontier Foundation) الخيرية التي تعمل في قضايا الحريات المدنية وتسعى لتعزيز حماية الخصوصية؛ يقول: "كانت التكاليف المالية عائقاً أساسياً غير معلن للسلطة التي تتمتع بها جهات إنفاذ القانون قبل ما بين 5-10 سنوات تقريباً. لا يمكن وضع ضابط شرطة في كل زاوية من كل شارع، كما أنه لا يمكن إطلاق الطائرات المروحية على مدار الساعة لأن تكلفة الوقود والتأمين مرتفعة للغاية. ولكن سيزول هذا القيد بعد تطوير هذه التكنولوجيات الجديدة، وسيساعد نظام العدالة الجنائية على اعتقال المزيد من المسيئين".

يشير ماس إلى الإحصائيات العامة المتعلقة ببرنامج طائرات الدرون في تشولا فيستا. تنتمي أغلبية الحوادث التي تستجيب طائرات الدرون إليها إلى فئة يطلق عليها ماس اسم "جرائم الفقر"، والتي تتضمن حوادث "الشغب الشخصية" (بنسبة 26%) والعنف المنزلي والحوادث المرورية. تم تصنيف ما يقرب من 12% من الحوادث على أنها "تقييمات نفسية". يعتقد ماس أن نشاطات الشرطة المعتمدة على طائرات الدرون وعمليات تسجيل مقاطع الفيديو ستركز بشكل أساسي على هذا النوع من الحوادث، بدلاً من الجرائم الأخطر،   ولكن هذا لا يعني أن هذه الطائرات لا تُستخدم في الحوادث الأخطر. 

أقرأ أيضاً: إليك مخاطر استخدام أجهزة متتبعات البلوتوث مثل إير تاغ (AirTag) وكيفية تجنبها

على سبيل المثال، استُخدمت طائرة درون في مدينة أوستن في ولاية تكساس بتاريخ 23 سبتمبر/ أيلول 2022 في حادثة أطلق فيها أحد فرق الأسلحة والتكتيكات الخاصة (سوات) النار على مشتبه به، ما تسبب في موته. قالت إدارة المدينة في بيان رسمي إنه تم تسجيل مقطع فيديو للحادثة باستخدام الكاميرات المثبتة على الأجسام و"مصادر مقاطع الفيديو الأخرى" (أشارت مصادر إدارية أخرى إلى استخدام طائرة درون في هذه الحادثة). وفقاً لخبير طائرات الدرون، جين روبنسون (Gene Robinson)، أصبحت تكنولوجيا طائرات الدرون واسعة الانتشار وشائعة لدرجة أن استخدامها لم يعد يستدعي إشعاراً خاصاً. يقول روبنسون: "أصبحت هذه التكنولوجيا مقبولة اجتماعياً أكثر، مثّلت مسألة الخصوصية قضية بالغة الحساسية عام 2012. ومن المرجح أن المواطنين كانوا سيستنكرون فكرة أن يتحكم ضباط الشرطة بطائرات الدرون. كما أُلغي العديد من مشاريع الشرطة؛ إذ رفضت جماعات الناخبين هذه المشاريع رفضاً قاطعاً. ولكن بعد 10 سنوات، أصبحت جماعات الناخبين تحتج قائلةً 'لماذا لا تواكبون التكنولوجيا؟' و 'لماذا لا تستخدمون طائرات الدرون؟'".

قالت إدارة مدينة تشولا فيستا مراراً وتكراراً إنه يتم استخدام طائرات الدرون للاستجابة إلى مكالمات الطوارئ فقط، وإنها لا تُستخدم في عمليات المراقبة المنتظمة أو الدوريات. مع ذلك، استخدمت المدن الأخرى في البلاد هذه الطائرات للإشراف على الأحداث العامة وحتى الاحتجاجات. استخدمت إدارة مدينة بيفرلي هيلز في ولاية كاليفورنيا طائرات الدرون لمراقبة الأحداث مثل ماراثون لوس أنجلوس. وفقاً للمحقق المختص في طائرات الدرون، لويس فيغيريدو (Luis Figueiredo)، الذي يعمل مع إدارة شركة مدينة إليزابيث في ولاية نيوجيرسي، استُخدمت طائرات الدرون لمراقبة مظاهرة احتجاجية أجرتها مجموعة من الطلاب المحليين مؤخراً أمام مقر الشرطة للمطالبة بإجراء إصلاحات في نشاطات الشرطة في المدارس". يقول فيغيريدو: "وزعنا الوحدات في ضواحي المدينة، كما أن وحدات تنظيم المرور كانت نشطة. ولكننا أردنا أن نتحقق من احتمال وقوع ممارسات عنيفة". يصعب على المراقبين الخارجيين تحديد مستوى المراقبة التي تمارسها إدارات الشرطة المختلفة، ولكننا نعلم أن تكنولوجيا طائرات الدرون اكتسبت مقدرات جديدة مثيرة للإعجاب بفضل التقدم في مجالات مثل الرؤية الحاسوبية والتعلم الآلي، بالإضافة إلى مشاركة البيانات بين وكالات إنفاذ القانون المختلفة.

اقرأ أيضاً: هل ستكون تقنية التعرف على بصمة الكف من شركة تينست وسيلة جديدة للمراقبة في الصين؟

وفقاً لنائب الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في شركة موتورولا سولوشنز (Motorola Solutions)، التي تبيع برمجيات الأمان للعديد من إدارات الشرطة، ماهيش سابتهاريشي (Mahesh Saptharishi)، تتضمن الميزات المتاحة حالياً في هذه البرمجيات ميزة البحث عن المظهر التي يمكن استخدامها لمسح جميع مقاطع الفيديو المتوفرة للبحث عن الأشخاص تبعاً لمظهرهم في آخر ظهور لهم في موقع معين ووقت محدد. هناك أيضاً ميزة تحمل اسم كشف النشاط غير العادي، والتي يمكن استخدامها للكشف عن النشاطات مثل المجموعات الكبيرة من الأشخاص الذين يتحركون بسرعة مبتعدين عن مكان معين.  

عيون في السماء

يقول العديد من الناشطين المجتمعيين والناشطين في جماعات الحقوق المدنية إن كلاً من الانتشار الواسع للطائرات من دون طيار وإصدار العديد من إعفاءات ما وراء المدى المرئي لا يترافقان مع درجة مرضية من الالتزام بالشفافية والحفاظ على خصوصية الأشخاص الذين قد يظهرون في مقاطع الفيديو التي تسجلها هذه الطائرات. يقول سلون إنه ببساطة، لا توجد سياسات واضحة معمول بها في هذا المجال؛ إذ إن إدارة الطيران الفدرالية تهتم بتنظيم استخدام المجال الجوي فقط. في بداية عام 2022، أصدرت لجنة لوضع القواعد شكلتها إدارة الطيران الفدرالية قوانين أولية لاستخدام طائرات الدرون بموجب إعفاءات ما وراء المدى المرئي. 

ولكن استنكرت جماعات الحريات المدنية مثل مؤسسة إلكترونيك فرونتير فاونديشن هذه القوانين لأن حماية خصوصية المواطنين كانت اختيارية وليست إلزامية. ينصح سلون إدارات الشرطة باتباع عقلية منفتحة في نقاش طريقة استخدامها للطائرات من دون طيار؛ يقول: "نقول للوكالات التي نعمل معها إنه يجب عليها التصريح بوضوح بأنها لا تستخدم طائرات الدرون في الدوريات. في النهاية، لا تُستخدم هذه الطائرات للبحث عن الأشخاص الذين يزرعون النباتات المخدرة في الفناء الخلفي للمنازل. تمتنع الكثير من إدارات الشرطة عن التصريح بخططها، ولكن هذا مستحيل عندما يتعلق الأمر باستخدام طائرات الدرون". 

اقرأ أيضاً: منظومة المراقبة الخاصة في جنوب إفريقيا تعزز نظام فصل عنصري رقمي

يوضّح ضابط المعلومات العامة في إدارة شرطة مدينة تشولا فيستا، مولينا، تمييزاً مشابهاً لما وضحه سلون يتعلق بالطريقة التي تستخدم فيها إدارة الشرطة طائرات الدرون، ويقول إن هذه الطائرات تعتبر "جزءاً من الدوريات التي يستجيب الضباط فيها لمكالمات الطوارئ، وهؤلاء الضباط ليسوا ضباط دوريات يقومون بأعمال استباقية". يقول مولينا إن إدارة شرطة مدينة تشولا فيستا تواصلت مع الجماعات المجتمعية، كما أنها تنشر الخرائط التي تبين مسارات الطائرات على الإنترنت يومياً. ولكن كما أشار الكثيرون، وكما اعترفت الإدارة أيضاً، تقوم هذه الطائرات بتسجيل مقاطع الفيديو عند التوجه إلى مواقع الحدث والعودة منها، ورفضت إدارة شرطة مدينة تشولا فيستا الرد عندما طلبتُ من المسؤولين فيها تفسير الحاجة لتسجيل هذه المقاطع وتخزينها. 

يقول الناشط في مجال حقوق الإنسان الذي يعمل في لجنة خدمات الأصدقاء الأميركية (American Friends Service Committee) وعضو مجلس تكنولوجيا المجتمع في مدينة تشولا فيستا، بيدرو ريوس (Pedro Rios): "لا يعرف المواطنون ما الصور التي تلتقط وكيف يتم تخزين مقاطع الفيديو ومن الأشخاص الذين لديهم حق الوصول إليها. هذه مشكلة مقلقة في مدينة تدعي إدارتها أنها في طليعة حركة المدن الذكية". بعد أن رفعت الصحيفة التي يعمل فيها كاستانياريس الدعوى القضائية التي تهدف للكشف عن تسجيلات طائرات الدرون التابعة لإدارة شرطة مدينة تشولا فيستا، قيل لكاستانياريس إنه لا يمكن الكشف عن التسجيلات لأنها قد تُستخدم في التحقيقات في المستقبل (رفضت إدارة الشرطة مراراً طلبات الحصول على المعلومات العامة الموجودة في مقاطع الفيديو). قالت إدارة الشرطة لكاستانياريس لاحقاً إن مشاركة مقاطع الفيديو التي سجلتها الطائرات ستنتهك خصوصية المواطنين الذين يظهرون فيها، وهو موقف شعر كاستانياريس بأنه يغفل إمكانية حجب وجوه المواطنين لجعل المقاطع قابلة للنشر، كما أنه يتجاهل حقيقة أنه من المحتمل أن يمثّل تسجيل هذه المقاطع انتهاكاً للخصوصية في المقام الأول. 

اقرأ أيضاً: توزع كاميرات المراقبة في مدينة أميركية يثير مخاوف الخصوصية والتمييز

يقول كاستانياريس إن غياب القدرة على مساءلة الوكالات الحكومية والاطلاع على مقاطع الفيديو يجعل من الصعب تحديد ما إذا كان نجاح طائرات الدرون المعلَن يسوّغ استخدام المزيد من الكاميرات لمراقبة المدن، ويضيف أن مسؤولي المدينة المنتخبين يتحملون جزءاً من المسؤولية؛ كان بإمكانهم وضع سياسات تعزز الشفافية قبل إطلاق الطائرات. في الوقت الحالي، إدارات الشرطة هي المسؤولة عن السياسات التي تطبقها والعمليات التي تجريها. يقول كاستانياريس: "لا تهتم هذه الإدارات بالإفصاح عن المعلومات العامة، ولا يهمها أمر السياسة العامة، بل كل ما يهمها هو نشاطات الشرطة. كما أنها ترفض رفضاً قاطعاً أن تغير الآليات التي تتبعها".  

المحتوى محمي