ما هي أبرز تحديات نشر السيارات الكهربائية في المنطقة العربية؟

6 دقائق
ما هي أبرز تحديات نشر السيارات الكهربائية في المنطقة العربية؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Arnold O. A. Pinto

على مدار السنوات القليلة الماضية ارتفع طلب المستهلكين على السيارات الكهربائية حول العالم بشكل كبير، حيث أصبح اقتصاد النقل الكهربائي من ضمن الأحداث العالمية التي تُقام لها المؤتمرات والمعارض سنوياً عبر جميع أنحاء العالم، مع بدء اكتشاف المستهلكين والشركات والحكومات فوائده العديدة، والتي تشمل على سبيل المثال التصدي للمخاوف البيئية الناتجة عن الوقود الأحفوري، وتحسين تكنولوجيا البطاريات والحوافز الحكومية.

وبحسب تقرير لمعهد إديسون إلكتريك (Edison Electric Institute) اختصاراً (EEI)، فإن صناعة السيارات الكهربائية من أكثر الصناعات عالية النمو التي تتميز بزيادة حدة المنافسة مع دخول لاعبين جدد لهم وزنهم، يبحثون عن المزيد من الفرص لتحقيق الأرباح مع تزايد الطلب في السوق.

وبينما تختلف التقديرات حول مبيعات السيارات الكهربائية والآراء حول توقعات النمو المستقبلية، إلا أن العديد من التقارير أجمع على أن مبيعات السيارات الكهربائية ستزداد في العقد القادم، مع بدء قيام العديد من الشركات العريقة في تكريس معظم استثماراتها نحو تطوير السيارات الكهربائية، وبدء بعض شركات السيارات الرائدة بالتحول رسمياً إلى شركات تعمل على تصنيع السيارات الكهربائية أو توفر حلولاً شاملة للطاقة الكهربائية ومن ضمنها السيارات.

وبينما نجد أن دول الاقتصاديات المتقدمة أصبحت لديها رؤى واضحة حول استبدال السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري بسيارات كهربائية، إلا أن المنطقة العربية لا تزال تستكشف هذا التحول ببطء، حيث لا تزال تعمل على معالجة العديد من التحديات التي تتفاوت صعوباتها من دولة إلى أخرى للحاق بالسباق.

اقرأ أيضاً: كيف سيكون تأثير السيارات الكهربائية على أنظمة الطاقة العالمية؟

مؤشرات نمو سوق السيارات الكهربائية في المنطقة العربية

مثلت الاستثمارات الضخمة التي تشهدها صناعة تكنولوجيا البطاريات وتأسيس الشركات المصنعة للسيارات الكهربائية في جميع أنحاء العالم دافعاً للعديد من الدول في المنطقة العربية للحاق بركب الدول المتقدمة في التحول إلى سوق خالٍ من المركبات التي تعمل بالوقود الأحفوري، وخاصة دول الخليج التي تتطلع بشدة إلى المحافظة على وقودها الأحفوري من النضوب والتي تعتبر السيارات من أكبر المستهلكين لها.

على سبيل المثال، تشير الإحصاءات في المملكة العربية السعودية إلى أن قطاع السيارات والنقل البري مسؤول عن استهلاك ما يقرب من ربع استخدام الطاقة، من خلال استهلاك 12 مليون سيارة فقط لما يصل إلى نحو 910 آلاف برميل من الوقود والديزل يومياً، ومع توقع أن يصل عدد السيارات إلى 26 مليون سيارة بحلول عام 2030، فإن الاستهلاك اليومي للوقود والديزل في السعودية متوقع له أن يصل إلى نحو 1,86 مليون برميل يومياً.

لذلك اتخذت المملكة العربية السعودية بالفعل خطوات مهمة نحو جعل السيارات الكهربائية محور محركها الاقتصادي للقرن الحادي والعشرين، حيث أعلنت في بداية شهر مايو/ أيار من العام 2022 عن تخصيص نحو 6 مليارات دولار لمشاريع تعدين الصلب وإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية لجذب الاستثمارات المستقبلية، بالإضافة إلى إطلاق أول شركة للسيارات الكهربائية في البلاد.

بالإضافة إلى ذلك، التزمت القيادة السعودية بشراء ما يصل إلى 100 ألف سيارة كهربائية خلال السنوات العشر القادمة من شركة لوسيد غروب (Lucid Group)، التي تعمل أيضاً على بناء منشأة في مدينة الملك عبدالله الصناعية لتصنيع نحو 150 ألف سيارة كهربائية سنوياً، كما تبحث السعودية عن طرق مبتكرة وفعالة اقتصادياً لاستخراج ومعالجة مادة الليثيوم من تحلية مياه البحر والمحلول الملحي المرافق للنفط.

اقرأ أيضاً: هل ستطغى السيارات الكهربائية على سيارات الوقود بحلول عام 2030؟

كما تسعى الإمارات العربية المتحدة، التي تعتبر من أكثر الأسواق العربية نمواً في استخدام السيارات الكهربائية والبنية التحتية ومحطات الشحن، إلى رفع نسبة تقليلها لاستخدام الوقود الأحفوري في قطاع النقل. على سبيل المثال، تعمل مدينة دبي على توسيع أسطولها من سيارات الأجرة الكهربائية حالياً من 50% إلى 80% بحلول عام 2025 وتحقيق الهدف النهائي بالوصول إلى نسبة 100% بحلول العام 2027، كما افتتحت أول منشأة لتصنيع السيارات الكهربائية هذا العام في مدينة دبي الصناعية والتي من المتوقع أن تنتج نحو 55 ألف سيارة سنوياً.

وفي دولة قطر، سرعت بطولة كأس العام 2022 من تبنيها للسيارات الكهربائية وتحويل أسطول النقل الوطني لديها إلى أسطول كهربائي بشكل شبه كامل، حيث قامت بتركيب أكثر من 600 محطة شحن لدعم أسطول الحافلات الكهربائية قبل انطلاق البطولة، والتي تعتبر من ضمن الأهداف الاستراتيجية التي تنص على تحويل نسبة 25% من قطاع النقل العام ليعمل بالكهرباء بحلول عام 2022، والامتثال بنسبة 100% بحلول عام 2030، كما سبقتها توقيع مذكرة تفاهم مع شركة أيه بي بي (ABB)  في عام 2021 لإنتاج أجهزة شحن للسيارات الكهربائية في البلاد.

كما عملت دولة الكويت على الانتهاء من مشروع تأسيس البنية التحتية اللازمة لخدمات شحن السيارات الكهربائية، لدعم جهودها في التحول إلى استخدام الطاقة النظيفة وخفض الانبعاثات الكربونية تحقيقاً لرؤيتها الوطنية 2035، حيث تهدف اللائحة إلى توفير خدمة شحن السيارات الكهربائية من خلال وضع آلية لزيادة مواقع نقاط الشواحن في مناطق مختلفة بالدولة.

اقرأ أيضاً: ما الدروس المستفادة من قرارات ولاية كاليفورنيا الجديدة حول مستقبل السيارات الكهربائية؟

تحديات نشر السيارات الكهربائية في المنطقة العربية

على الرغم من أن الجهود البارزة في تبني السيارات الكهربائية في المنطقة العربية ولا سيما في منطقة الخليج العربي تنبئ بالكثير من التفاؤل والأمل، فإن هذه الجهود لا تزال تواجه الكثير من التحديات الاقتصادية والمجتمعية، بما في ذلك:

وفرة المعروض من الوقود الأحفوري

يعتبر وجود المعروض الوافر من الوقود الأحفوري بالإضافة إلى سعره الميسور، لا سيما في دول الخليج، والتي شكل وما يزال يشكل الوقود الأحفوري الجزء الأكبر من إيراداتها على مدار أكثر من خمسة عقود، تحدياً رئيسياً في تبني السيارات الكهربائية من قِبل المستهلكين الذي يجدون أنفسهم أمام خيارات صعبة لتبني وشراء السيارات الكهربائية بدلاً من السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري.

عدم وجود محطات الشحن الكافية

يعد توفر محطات الشحن القريبة أحد العوائق الرئيسية أمام مستهلكي المنطقة العربية الراغبون في شراء السيارات الكهربائية، أو بعبارة أخرى الشعور بالقلق من أنهم لن يتمكنوا من العثور على مكان لشحن سياراتهم الكهربائية عند استخدامها بعيداً عن المنزل، حيث نجد على سبيل المثال أن معظم محطات الشحن متوفر في المباني الحكومية والفنادق بينما تنعدم تقريباً في الطرقات، لا سيما طرق النقل الطويلة.

اقرأ أيضاً: لماذا يعتبر توفر محطات الشحن الكافي ضرورياً لانتشار السيارات الكهربائية؟

عدم وجود نماذج تصميمية تناسب المنطقة

يتمثل أحد تحديات استخدام السيارات الكهربائية في المنطقة العربية في عدم وجود نماذج مناسبة وجذابة حتى الآن يمكن أن تروق وتلبى توقعات مستهلكي بعض الأسواق العربية الكبرى لا سيما في منطقة الخليج، ما يترك الشركات المصنعة أمام تحدٍّ كبير لصناعة سيارات كهربائية تكون مناسبة لنمط الحياة في المنطقة العربية والأذواق المحلية.

عوامل جيوسياسية معقدة

اكتسبت الصين موطئ قدم كبيراً في النظام البيئي العالمي للسيارات الكهربائية بفضل وصولها المبكر ووفرة امتلاكها للموارد الضرورية لتصنيع السيارات الكهربائية. على سبيل المثال، 5 من أفضل 10 سيارات كهربائية أكثر مبيعاً في العالم هي صينية، كما أن أكبر 5 شركات عالمية لتصنيع البطاريات في العالم هي صينية أيضاً، وقد وصلت الصين إلى هذه الهيمنة بفضل مخزونها الكبير من معادن الأرض النادرة واستحواذها المدروس على المناجم في الخارج.

كما تسيطر الشركات الصينية على 15 منجماً من أصل 19 منجماً لإنتاج الكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية، هذه الهيمنة التي تتسابق جميع الدول للوصول إليها تجعل المنطقة العربية مستهلكة أكثر من أنها منتجة، وهذا لا يختلف كثيراً عن صناعة سيارات الوقود الأحفوري، ما يجعل الدول العربية أمام تحدٍّ كبير لإحداث سبق كبير في صناعة السيارات الكهربائية.

اقرأ أيضاً: بطاريات جديدة تخفض تكلفة السيارات الكهربائية

القدرة الشرائية الضعيفة

القدرة على تحمل تكلفة شراء سيارة كهربائية من أبرز المعوقات في معظم دول المنطقة العربية، حيث تكون القدرة الشرائية للمستهلكين في دول مثل مصر والمغرب والجزائر والأردن وتونس ولبنان أقل بكثير من تلك الموجودة في دول الخليج العربي، فتكلفة الشراء الأولية لسيارة كهربائية جديدة في هذه الدول أعلى بكثير من تكلفة السيارة التي تعمل بالوقود الأحفوري، علاوة على ذلك يشكل مستوردو السيارات الكهربائية في هذه الدول مجموعة صغيرة غير قادرة على إمداد السوق بأكمله بمجموعة متنوعة من المركبات، أو خدمة ما بعد البيع لقطع الغيار والصيانة.

اقرأ أيضاً: ما الذي يجعل من ارتفاع أسعار السيارات الكهربائية أمراً لا مفر منه؟

المخاطر الأمنية والجسدية

نظراً إلى أن السيارات الكهربائية أصبحت تعتمد بشكل أكبر على البرامج واتصال البيانات والذكاء الاصطناعي، فإن هذا سيفتح خطراً إضافياً يتمثل في التعرض لمواطن الخلل في البرامج أو فشل النظام أو حتى الهجمات الإلكترونية لسرقة البيانات وإلحاق الضرر، بالإضافة إلى عدم وجود بنية تحتية ملائمة لتجنب المخاطر الجسدية في محطات الشحن في معظم دول المنطقة العربية، ما يجعل المستهلك العادي يحجم عن تبني السيارات الكهربائية.

تأثير المناخ على جودة البطاريات

تتميز معظم دول المنطقة العربية ولا سيما دول الخليج العربي بمناخ حار وجاف في معظم فترات السنة، هذا الأمر من شأنه أن يخلق تحديات جمة أمام تبني وانتشار السيارات الكهربائية، حيث يمكن أن يؤثر المناخ الحار سلباً على طول عمر البطارية، ما يتطلب حاجة ماسة إلى مزيد من البيانات الخاصة بالمنطقة والمتعلقة بالتأثير الكامل للحرارة على بطاريات السيارات الكهربائية لضمان تشجيع المستهلكين على شرائها.

اقرأ أيضاً: شركة ناشئة تسعى لزيادة كمية الطاقة في بطاريات السيارات الكهربائية

القضايا اللوجستية المتعلقة بسلسلة التوريد

يمكن أن تؤثر قضايا سلسلة التوريد العالمية التي تفاقمت بشدة مع انتشار جائحة كوفيد-19 والصراعات، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية، بشدة على جهود دول المنطقة العربية في إنتاج وتطوير السيارات الكهربائية، حيث من المحتمل أن يكون للتأخيرات تأثير غير مباشر على بعض مشاريع السيارات الكهربائية الفورية التي يتم تنفيذها في المنطقة.

علاوة على ذلك، فإن سوق أشباه الموصلات أصبح يواجه تحديات كثيرة، حيث أدى النقص في قدرة تصنيع الرقائق إلى الحد من المعروض من السيارات الكهربائية الجديدة في العامين الماضيين، ما يضيف تحدياً جديداً للدول العربية التي لديها مشاريع تصنيع سيارات كهربائية جاهزة للتنفيذ.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن للبطاريات القديمة أن تزود السيارات الكهربائية بالطاقة مستقبلاً؟

ختاماً، وكما هو متوقع، ستظل السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري هي الأكثر طلباً في المنطقة العربية، ولكن مع ذلك فإن السيارات الكهربائية على وشك إحداث ثورة في المنطقة، حيث إن عوامل مثل الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية والبحث والتطوير، والوعي الاجتماعي، والنمو في العرض، والإجراءات العالمية المنسقة المتخذة اليوم، كلها سيكون لها أثر كبير في انتشار السيارات الكهربائية في السنوات القليلة القادمة.

المحتوى محمي