التكنولوجيا من أجل مستقبل مستدام: التحديات والفرص القادمة

5 دقائق
التكنولوجيا من أجل مستقبل مستدام: التحديات والفرص القادمة
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Hurca

قبل خمسين عاماً كان العالم مكاناً مختلفاً تماماً، وهذا يعود إلى سبب واحد، فقد كان هناك ما يقل عن 4 مليارات شخص على هذا الكوكب مقارنة بنحو 8 مليارات شخص اليوم، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 100% في نصف قرن فقط، ومرشح للوصول إلى أكثر من 10 مليارات شخص عام 2100، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.

نتيجة لذلك نجد أن التكنولوجيا المستهلكة من قِبل هذا العدد الكبير من السكان والانبعاثات الناتجة عنها، لا سيما أولئك الذين يعيشون في الدول الصناعية وينتجون أكبر بصمة كربونية، هي السبب الرئيسي في تفاقم مشكلات تغيّر المناخ الذي يمكن أن يشكّل تهديداً وجودياً للحضارة البشرية في المستقبل.

اقرأ أيضاً: 8 إجراءات قائمة على التكنولوجيا يمكن أن تضمن استدامة المياه في المستقبل

حيث نجد أن التكنولوجيا قد تغيرت بشكل كبير خلال الخمسين عاماً الماضية، والشيء الثابت خلال هذا الإطار الزمني هو أن التقدم التكنولوجي لا يخفف في حد ذاته آثار الزيادة السكانية وتوزيع استهلاك الموارد، بل على العكس تماماً ومن نواحٍ عديدة نجد أن الكثير من التكنولوجيات التي تم إنشاؤها واستخدامها على مدى الخمسين سنة الماضية قد أسهمت بشكل كبير في ظاهرة الاحتباس الحراري.

فهل نحن أذكياء بما يكفي لنشر التكنولوجيا بشكل أكثر فعالية للمساعدة في خلق اقتصاد عالمي مستدام؟ وهل يمكن للشركات بناء واستخدام التكنولوجيا بشكل أكثر استدامة؟

كيف يسهم استهلاك التكنولوجيا في تغيّر المناخ؟

يسهم استهلاك التكنولوجيا في مشكلات تغيّر المناخ بعدة طرق، منها:

  • يتطلب إنتاج التكنولوجيا واستخدامها قدراً كبيراً من الطاقة غالباً، والتي قد تأتي من الوقود الأحفوري الذي ينبعث منه غازات الاحتباس الحراري.
  • يمكن أن يؤدي التخلص غير السليم من التكنولوجيا إلى إنتاج نفايات وتلوث يضر بالبيئة وصحة الإنسان.
  • يمكن أن يؤدي الطلب المتزايد على التكنولوجيا إلى نمو الاستهلاك غير المنظم، والذي يمكن أن تفوق أضراره فوائد كفاءة استهلاك الطاقة والابتكار.

على سبيل المثال، وجد مركز الأبحاث الفرنسي ذا شيفت بروجيكت (The Shift Project) المهتم بقضايا التحول إلى اقتصاد ما بعد الكربون، ضمن تقرير صدر عام 2018، أن التقنيات الرقمية مثل شبكات الاتصالات ومراكز البيانات وأجهزة إنترنت الأشياء، أسهمت بنحو 3.7% من انبعاثات الاحتباس الحراري العالمية عام 2018، وهو ما يمثل ارتفاعاً من 2.5% عام 2013، مع زيادة استهلاك الطاقة بنسبة 9% في العام.

بينما قدر تقرير آخر للمركز نفسه صدر عام 2019، أن تكنولوجيا بث الفيديو عبر الإنترنت أنتجت نحو 60% من تدفقات البيانات العالمية و300 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون عام 2019، وهو ما يمثّل 1% من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون العالمية.

اقرأ أيضاً: كيف تتصدى المباني الذكية لتحديات التغير المناخي والاستدامة؟

هل يمكن أن تساعد التكنولوجيا الرقمية في تقليل الانبعاثات الكربونية؟

يمكن أن تساعد التكنولوجيا أيضاً في مكافحة تغيّر المناخ إذا استُخدمت بطريقة مستدامة ومسؤولة، حيث يمكن لها تطوير مصادر الطاقة المتجددة و النظيفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية، وحصر وتخزين ثاني أوكسيد الكربون من الهواء أو العمليات الصناعية، وابتكار طرق جديدة للحد من الانبعاثات من الصناعات الثقيلة مثل النقل والطيران.

على سبيل المثال، يمكن لأجهزة الاستشعار المدعومة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المنتشرة في المصانع والمدن الذكية والمنازل الذكية، أن تكون لديها القدرة على تحويل المجتمعات والاقتصادات لتكون أكثر كفاءة واستدامة بشكل جذري، وللتفصيل أكثر نجد أن صناعة النقل والتي تعتبر القطاع الأكثر مساهمة في انبعاثات الكربون على مستوى العالم في طريقها لأكبر تحول لها منذ قرن.

وهذا يعود إلى أن جميع شركات تصنيع السيارات والشاحنات لديها خطط طموحة لتطوير السيارات والشاحنات ذاتية القيادة التي تعمل بالكهرباء، والتي من المتوقع أن تعمل على تسريع التحول في نموذج الأعمال التقليدي لملكية المركبات نحو التنقل والنقل كخدمة، وهذا يعني تقليل امتلاك السيارات والاتجاه بدلاً من ذلك إلى استخدام سيارات الأجرة الكهربائية ذاتية القيادة أو حافلات النقل الكهربائية ذاتية القيادة.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن لعمليات التحول الرقمي أن تساعد في الانتقال إلى عالم أكثر استدامة؟

ماذا تفعل شركات التكنولوجيا لتحسين الاستدامة؟

في الآونة الأخيرة، أصبحت لدى معظم الشركات الكبيرة والصغيرة والمتوسطة أهداف واضحة نحو المساهمة في الحد من انبعاثات الكربون، حيث أصبحت تضع أهدافها وكيفية الوصول إلى الاستدامة في عملياتها التشغيلية في أماكن بارزة في مواقع الويب الخاصة بها، متضمنة بيانات بمستويات متفاوتة من التفاصيل، تشير لمسؤوليتها البيئية والاجتماعية والتزامها بزيادة الاستدامة عبر سلاسل التوريد الخاصة بها.

وتتجلى هذه الجهود بشكل بارز في تقرير شركة الأبحاث آي أو تي أناليتكس (IoT Analytics) التي أشارت إلى أن معظم الرؤساء التنفيذيين على ما يبدو مقتنعون بأن الدفع نحو المزيد من الاستدامة سيكون مفيداً لشركاتهم، وهي وجهة نظر أيّدتها دراسة استقصائية أجرتها شركة غارتنر (Gartner)في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، والتي وجدت أن 87% من قادة الأعمال يتوقعون زيادة استثمارات شركاتهم في الاستدامة على مدى العامين المقبلين.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن للتكنولوجيا أن تساعد الشركات في تحقيق متطلبات الاستدامة البيئية؟

كما تشير مؤشرات مبادرة الأهداف القائمة على العلم (Science Based Targets Initiative) اختصاراً (SBTI)، وهي مبادرة عالمية توفر المساعدة التقنية والموارد للشركات التي ترغب في تحديد أهداف قائمة على العلم للوصول إلى الاستدامة، على أن ما يصل إلى 4382 شركة حول العالم  بدأت بالعمل بشكل جدي في اتخاذ إجراءات للحد من انبعاثات الكربون في عملياتها التشغيلية.

وفيما يخص شركات التكنولوجيا بشكل عام، فإن معظمها وخاصة الشركات الكبرى تتمتع بوضع جيد في مؤشرات المبادرة، حيث إن 14 شركة من 20 من المشاركين في المبادرة، أي نحو 70%، منهم أعربوا عن التزامهم لتحقيق الحياد الصفري بحلول عام 2050.

كما تأتي المزيد من الأدلة على الالتزام بالاستدامة من الشركات الرائدة المصنعة لأجهزة الحاسوب والهواتف الذكية، بما في ذلك شركات لينوفو وإتش بي وديل وآبل وسامسونج، التي تتبنى جميعها بشكل متزايد المواد المستدامة والمعاد تدويرها وتصمم المزيد من المنتجات القابلة للإصلاح، بالإضافة إلى تنامي سوق أجهزة الحاسوب التي تم تجديدها والمتوقع أن تصل قيمتها السوقية إلى 14 مليار دولار بحلول نهاية عام 2027.

اقرأ أيضاً: دراسة في الشرق الأوسط: كيف يؤثر تبني البلوك تشين على أخلاقيات العمل والاستدامة الاجتماعية؟

المستقبل أكثر إشراقاً ولكن بتعاون الجميع

تصبح للتكنولوجيا القدرة على تحقيق مستقبل مستدام وأكثر ثراءً للجميع مع توغلنا في الثورة الصناعية الرابعة، حيث يمكن لتكنولوجيات مثل شبكات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة أن تكون مفيدة للوصول إلى مستقبل أخضر يركز على المساهمة في تقليل النفايات والتلوث.

علاوة على ذلك، فإن الابتكار في مجالات مثل التقاط الكربون والطاقة المتجددة وتكنولوجيا البطاريات وإنترنت الأشياء والاستشعار عن بُعد والحوسبة السحابية وتكنولوجيا النقل والطاقة البديلة، سيكون له دور كبير في التخفيف من آثار تغير المناخ في المستقبل، كما أن تحقيق التحول الرقمي المدروس جيداً والمتمثل في شراء المعدات الصديقة للبيئة وتقليل وتبني سلوكيات موفرة للطاقة، قد يؤدي إلى تقليل النمو في استهلاك الطاقة ما يسهم في الحد من الانبعاثات الكربونية وغازات الدفيئة.

اقرأ أيضاً: طالبات من جامعة زايد يحصدن الجائزة الأولى في المؤتمر الدولي حول الاستدامة والبيئة

والأهم هو العمل بشكل جدي للانتقال إلى نموذج اقتصاد أكثر دائرية، بحيث يتم تمديد عمر الأجهزة الإلكترونية عن طريق الإصلاح والتجديد وإعادة الاستخدام، وتدويرها بشكل مدروس للحد من النفايات الإلكترونية التي تتسبب في تلوث البيئة وزيادة انبعاثات غاز الميثان، المسببة مزيداً من الضرر البيئي الذي أسهم في تفاقم مشكلات التغيّر المناخي.

ختاماً، على الرغم من أن التكنولوجيا قد أسهمت بشكل كبير في ظاهرة الاحتباس الحراري على مدار الخمسين عاماً الماضية، فإنها أيضاً يمكن أن تكون أداة فعّالة في مكافحة تغيّر المناخ، وتحسين الرفاه الاجتماعي والاقتصادي، وإنشاء حلول مبتكرة لمواجهة تحديات الاستدامة في الوقت الحالي والتخفيف من آثار تغيّر المناخ في المستقبل.

المحتوى محمي