لعقود من الزمن، اعتمدت صناعة الإعلان الرقمي التي تبلغ قيمتها أكثر من 600 مليار دولار على أساليب متنوعة لتتبع المستخدمين بغرض استهدافهم، مثل أدوات التتبع غير المرئية المزروعة داخل مواقع الويب والتطبيقات وملفات تعريف الارتباط من أجل متابعة أنشطة المستخدمين عبر الإنترنت، ومن ثم استهدافهم بالإعلانات المخصصة.
لكن هذه الأساليب أصبحت غير مجدية بنسبة كبيرة في الفترة الأخيرة، بعد تطبيق شركة آبل عام 2021 ميزات في أنظمة تشغيل أجهزتها تتيح للمستخدمين حظر التطبيقات التي تتبعهم دون إذنهم، وقرار شركة جوجل بمنع مواقع الويب من استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز)، التي تتبع أنشطة الأشخاص عبر المواقع في متصفح جوجل كروم بدءاً من العام القادم 2024.
نتيجة لذلك، بدأ المعلنون والناشرون على الويب وصانعو التطبيقات الآن بتتبع الأشخاص من خلال وسائل أخرى أشهرها حالياً هي عناوين البريد الإلكتروني، التي على الرغم من أن مهمتها الأساسية بالنسبة للكثيرين استخدامها في التواصل المهني والشخصي، فإنها أصبحت أداة مهمة للتتبع بغرض تقديم الإعلانات المستهدفة.
اقرأ أيضاً: كيف يستهدف قراصنة المعلومات الشركات باستخدام البريد الإلكتروني؟
أهمية عنوان البريد الإلكتروني للشركات ومواقع الويب
عندما تتصفح الويب، تطلب العديد من المواقع والتطبيقات جزءاً من المعلومات الأساسية التي ربما تقدمها ببساطة، ومن ضمنها عنوان بريدك الإلكتروني. وبالنسبة لك قد يبدو الأمر غير ضار وفي بعض الأحيان ضرورياً للوصول إلى الخدمة، ولكن عندما تدخل بريدك الإلكتروني فإنك تشارك أكثر من مجرد عنوان بريد إلكتروني، بل يمكن تشبيه الأمر بمثابة تسليم مفتاح غرفتك الخاصة لها.
حيث إن سبب رغبة الشركات وناشري الويب وصانعي التطبيقات في الحصول على عنوان بريدك الإلكتروني ليس فقط للاتصال بك، بل إنه بمثابة فتات خبز رقمية بالنسبة لهم لربط نشاطك عبر المواقع والتطبيقات لتقديم الإعلانات ذات الصلة لك.
اقرأ أيضاً: لماذا على الشركات العمل جدّياً على حماية بيانات عملائها وتعزيز ثقتهم؟
وهذا ما يفسره الرئيس التنفيذي لشركة الإعلانات الرقمية مودرن إمباكت (Modern Impact) مايكل بريم (Michael Priem): "يمكنني أخذ عنوان بريدك الإلكتروني والعثور على البيانات التي ربما لم تكن قد أدركت أنك أعطيتها لعلامة تجارية، حيث إن كمية البيانات المتوفرة لدينا كمستهلكين صادمة حرفياً، لذا من المفيد فهم ما تشاركه بالضبط عند إدخال عنوان بريد إلكتروني".
اقرأ أيضاً: ما البيانات التي تجمعها شركة آبل عنك وكيف يمكنك التحكم بها؟
كيف يتم استهدافك بالإعلانات بناء على بريدك الإلكتروني؟
لسنوات عديدة قامت صناعة الإعلانات الرقمية بتجميع ملفات تعريف المستخدمين استناداً إلى المواقع التي يزورونها على الويب، ومعظم عمليات جمع المعلومات غالباً ما تكون بطريقة سرية، بما في ذلك ملفات تعريف الارتباط وأدوات التتبع غير المرئية المزروعة داخل التطبيقات، ولكن بعد أن تم تقييد الشركات من استخدام هذه الأساليب، ظهرت تقنيات استهداف جديدة بالإعلانات.
وإحدى التقنيات التي بدأت باكتساب شهرة في صناعة الإعلانات الرقمية هي تقنية إطار عمل إعلاني قامت بتطويرها شركة تكنولوجيا الإعلانات تريد ديسك (Trade Desk)، تسمى يوني فيد آي دي 2.0 (Unified ID 2.0) اختصاراً يو آي دي 2 (UID2) تسمح للمعلنين والناشرين باستهداف المستخدمين دون الاعتماد على بيانات الطرف الثالث.
اقرأ أيضاً: كيف تحمي خصوصيتك عند تلقي هدية إلكترونية في موسم الأعياد؟
فقد بدأت مواقع الويب في دمج هذه التقنية في مواقعها لاستهداف المستخدمين بإعلانات مخصصة بناءً على سلوكهم عبر مواقع الويب. على سبيل المثال، إذا أدخلت عنوان بريدك الإلكتروني في أحد مواقع بيع الأحذية الرياضية، فبمجرد القيام بذلك تقوم تقنية UID2 المدمجة في الموقع بتحويل عنوان بريدك الإلكتروني إلى رمز مميز يتكون من سلسلة من الأرقام والأحرف.
ومن ثم عند تسجيل الدخول لاحقاً إلى إحدى خدمات بث الرياضة عبر الإنترنت بعنوان بريدك الإلكتروني نفسه، والذي تم ترميزه سابقاً في موقع بيع الأحذية الرياضية، سيتمكن المعلنون من ربط الحسابين معاً بناء على الرمز المميز، والبدء باستهدافك بإعلانات الأحذية الرياضية على تطبيق البث الرياضي لأنهم يعرفون أنك زرت موقع الأحذية الرياضية مسبقاً.
اقرأ أيضاً: كيف تحمي نفسك من التعقب عند قراءة بريدك على جيميل؟
كما أن هناك طرقاً أبسط تتبع بها مواقع الويب والتطبيقات نشاط الويب الخاص بالمستخدمين من خلال عنوان البريد الإلكتروني. على سبيل المثال، يمكن أن يحتوي عنوان البريد الإلكتروني على اسمك الأول واسم عائلتك أو تاريخ ميلادك.
وبافتراض أنك استخدمته لبعض الوقت، فهذا يعني أن شركات جمع البيانات قد قامت بالفعل بتكوين ملف تعريف شامل بناء على اهتماماتك التي يظهرها نشاط التصفح الخاص بك، ومن ثم لاحقاً يمكن لموقع ويب أو تطبيق تحميل عنوان بريدك الإلكتروني في قاعدة بيانات شركات جمع البيانات، لمطابقة هويتك بملف شخصي يحتوي على رؤى كافية من أجل تقديم إعلانات مستهدفة لك.
وهذا يعني أنه إذا كنت تتساءل عن سبب استمرار ظهور الإعلانات ذات الصلة عند زيارة مواقع الويب أو التطبيقات المختلفة على الرغم من تفعيل ميزات عدم التتبع في هاتفك أو استخدام أدوات منع الإعلانات في متصفحك، فذلك يرجع إلى حد كبير إلى أنك لا تزال تشارك عنوان بريدك الإلكتروني.
اقرأ أيضاً: كيف تحمي بريدك الإلكتروني من رسائل التصيد الاحتيالي؟
كيفية إيقاف شركات الإعلانات من استهدافك بناء على البريد الإلكتروني
هناك العديد من الخيارات للحد من قدرة شركات الإعلان على استهدافك بناء على عنوان بريدك الإلكتروني، ومن ضمن هذه الخيارات:
إنشاء مجموعة مختلفة من عناوين البريد الإلكتروني
في كل مرة يطلب فيها موقع أو تطبيق عنوان بريدك الإلكتروني، يمكنك إنشاء عنوان فريد لتسجيل الدخول إليه. على سبيل المثال، يمكنك إنشاء عنوان بريد إلكتروني خاص لتطبيقات وخدمات البث عبر الإنترنت، أو عنوان خاص بالنشرات البريدية أو عنوان خاص لاستخدامه في التسجيل للوصول للمحتوى الذي يتطلب التسجيل.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن اختبار النظام الأمني للشركة لمواجهة التهديدات السيبرانية بكفاءة؟
وبهذه الطريقة سيكون الأمر صعباً على شركات تكنولوجيا الإعلانات تجميع ملف تعريف عنك بناء على التعامل مع بريدك الإلكتروني، وفي حال تلقيت بريداً عشوائياً إعلانياً من موقع ويب معين فيمكنك معرفة الموقع الذي يشارك بياناتك مع شركات الإعلانات وإلغاء الاشتراك فيه.
استخدم أدوات إخفاء البريد الإلكتروني
إذا كنت من مستخدمي أجهزة شركة آبل، فيمكنك استخدام خدمة إخفاء بريدي الإلكتروني (Hide My Email) التي تتيح لك إنشاء عنوان بريد إلكتروني عشوائي تلقائياً من أجل تسجيل الدخول إلى أي تطبيق أو موقع ويب، ثم تتم إعادة توجيه رسائل البريد الإلكتروني المرسلة إلى عنوان البريد الإلكتروني العشوائي إلى عنوان بريدك الإلكتروني الحقيقي، وعبر متصفح الويب يمكنك استخدام خدمة فايرفوكس ريلاي (Firefox Relay).