كيف تحوّلت النفايات إلى مصدر للطاقة النظيفة؟

5 دقائق
كيف أصبح تحويل النفايات إلى طاقة حلاً واعداً للحصول على الطاقة النظيفة؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ ESB Professional

منذ انطلاق الثورة الصناعية في القرن السابع عشر كانت النفايات قضية بيئية رئيسية في جميع أنحاء العالم، وفي وقتنا الحالي لا تزال تُشكل مصدراً للكثير من المشكلات، حيث تنتج أوروبا وحدها أكثر من 2.5 مليار طن من النفايات كل عام، ما يؤدي إلى تأثير بيئي هائل للحياة البرية والنُظم البيئية وصحة الإنسان. نتيجة لذلك تم تطوير العديد من الطرق لتوليد الطاقة من النفايات.

ماذا يعني توليد الطاقة من النفايات؟

تحويل النفايات إلى طاقة (Waste-to-Energy) اختصاراً (WtE) هو مصطلح يستخدم لوصف التقنيات المختلفة التي تحوّل النفايات غير القابلة لإعادة التدوير إلى أشكال قابلة للاستخدام من الطاقة بما في ذلك الحرارة والوقود والكهرباء، حيث تهدف الأساليب المختلفة التي تستخدم خلال العملية إلى ضغط النفايات والتخلص منها أثناء محاولة توليد الطاقة منها.

وبشكلٍ أكثر تفصيلاً، تعمل عملية تحويل النفايات إلى طاقة عبر التقاط الحرارة الناتجة عن الاحتراق، والتي يمكن أن تسخن المياه أو تولد البخار أو تنتج الكهرباء عن طريق التوربينات التي تعمل بالبخار، بحيث يمكن استخدام الطاقة المولدة مباشرةً من المصنع أو تصديرها إلى المرافق المحلية أو الشركات القريبة.

علاوة على ذلك، تعتبر عملية تحويل النفايات إلى طاقة تطوراً ناشئاً ومبتكراً يهدف إلى خلق بيئة أفضل وأكثر استدامة، مع تطور تكنولوجيا تحويل النفايات إلى طاقة يوماً بعد يوم، حيث يرى الخبراء أنه يمكن أن تكون طريقة واعدة لحل مشكلة توفير الطاقة في العالم. وعلى الرغم من أن حجم توليد الطاقة عن طريق تحويل النفايات إلى طاقة لا يزال صغيراً في الوقت الحالي، فإنه يمكن أن يكون حلاً رائعاً لتوفير الطاقة في المستقبل القريب.

اقرأ أيضاً: عش يوماً كاملاً من حياة العاملين الهنود في نبش النفايات الإلكترونية

فوائد تحويل النفايات إلى طاقة

بشكلٍ أساسي، عند إلقاء النفايات في المكبات ستنتج عنها غازات دفيئة أكثر مما لو استخدمناها لتوليد الطاقة، لذا من خلال تقنيات معالجة النفايات الحديثة من الممكن منع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من مدافن النفايات والإضرار بالبيئة، بالإضافة إلى العديد من الفوائد الأخرى، بما في ذلك:

الحد من النفايات التي تذهب إلى مكبات النفايات

يقلل تحويل النفايات إلى طاقة من تكاليف نقل القمامة ودفن النفايات، بالإضافة إلى تقليل المساحة الكبيرة التي يمكن أن يشغلها مكب النفايات، وكذلك يمكن أن يحافظ على النفقات الكبيرة لنقل النفايات إلى مدافن النفايات، حيث إن الكثير من مكبات النفايات الكبيرة بعيدة إلى حد ما عن المناطق الحضرية.

اقرأ أيضاً: لماذا تُرسل إم آي تي تكنولوجي ريفيو المجلات مغلفة بالبلاستيك؟

التقليل من استخدام الوقود الأحفوري

يمكن لمرافق تحويل النفايات إلى طاقة استخدام هذه النفايات لإنتاج الغاز لتوليد الكهرباء والحرارة وأنواع الوقود الأخرى، وهذا يعني التقليل من استخدام الوقود الأحفوري. على سبيل المثال، يمكن لطن من النفايات توليد ما يصل إلى 700 كيلو وات في الساعة من الطاقة، وهو ما يكفي لإمداد منزل واحد بالطاقة لمدة شهر تقريباً.

طاقة موثوقة ومتوفرة

على الرغم من وجود تكاليف مرتبطة بتوليد الطاقة من النفايات، فإن الطاقة المنتجة في مرافق تحويل النفايات إلى طاقة هي طاقة حمل أساسية موثوقة، ما يعني أنه يتم توليدها على مدار 24 ساعة في اليوم، ويوفر بالتالي الفرصة لبيع الكهرباء على الشبكة.

تجنب دفن النفايات في الأرض

تعتبر مدافن النفايات هي الملاذ الأخير عندما يتعلق الأمر بإدارة النفايات، ما يتسبب في العديد من المشكلات مثل إطلاق غازات الاحتباس الحراري، واحتمال تسرب الملوثات إلى الأرض والمياه الجوفية، ومن ثم يمكن لعمليات تحويل النفايات إلى طاقة في محطات الحرق المتخصصة أن تقلل بشكلٍ كبير من حجم النفايات التي يتم دفنها.

وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن محطات تحويل النفايات إلى طاقة قادرة على تقليل حجم النفايات بنحو 87%، وتحويل 2000 رطل من القمامة عن طريق حرقها إلى رماد يزن ما بين 300 و600 رطل فقط.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن نمنع تلوث الماء؟

استعادة الموارد الثمينة

تعتبر عملية تحويل النفايات إلى طاقة بمثابة فرصة قيمة لاستعادة الموارد القيمة من النفايات مثل المعادن بعد الحرق، حيث يمكن بعد ذلك إرسالها لإعادة التدوير، وينطبق الأمر أيضاً على المواد المختلطة التي يصعب تدويرها بسبب صعوبة فصل مكوناتها، مثل الأكواب الورقية وأنابيب معجون الأسنان.

أبرز تقنيات تحويل النفايات إلى طاقة

يعتبر الحرق واحداً من أشهر تقنيات تحويل النفايات إلى طاقة، حيث يتم حرق النفايات الصلبة غير المعالجة في محرقة كبيرة لتعمل الحرارة المنبعثة من الاحتراق على تحويل الماء إلى بخار، ثم يتم إرساله إلى مولد التوربينات لإنتاج الكهرباء. ومع ذلك فهي ليست الطريقة الوحيدة لتحويل النفايات إلى طاقة، حيث توجد العديد من التقنيات التي تتم الاستفادة منها لجعل معالجة النفايات أكثر استدامة، من ضمنها:

تقنية التحويل إلى غاز

تم استخدام التغويز أو التحويل إلى غاز (Gasification) منذ فترة طويلة، إلا أن تطبيقه على النفايات بطريقة جادة لم يتم سوى في العقود القليلة الماضية. وتنطوي هذه التقنية على معالجة الكتلة الحيوية في درجات حرارة عالية للغاية دون احتراق، ما ينتج عنها غاز طبيعي قابل للاحتراق يسمى غاز التخليق (Syngas)، ثم يتم استخدام هذا الغاز كمصدر للوقود.

تقنية التخمير والتقطير

في هذه التقنية يتم تخمير الكتلة الحيوية وتقطيرها لإنتاج الإيثانول، ثم بعد ذلك استخدامها كوقود بديل للمحركات أو التطبيقات الأخرى، ويمكن استخدام هذه التقنية فقط للنفايات العضوية وغيرها من مجاري النفايات المماثلة.

الهضم اللاهوائي

عبارة عن سلسلة من العمليات البيولوجية التي تقوم بها الكائنات الحية الدقيقة بتفكيك المواد القابلة للتحلل (الكتلة الحيوية أو نفايات المواد الخام) في بيئة خالية من الأوكسجين، ما ينتج عنه غاز حيوي بتركيز مرتفع عن الميثان، والذي يمكن استخدامه كمصدر للوقود لإنتاج الكهرباء أو وقود للنقل.

يُنظر إلى هذه التقنية على أنها من الطرق الجيدة لتقليل غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، وأيضاً كبديل مناسب للوقود الأحفوري، ويرى الخبراء أن هذه العملية مفيدة للبلدان النامية لتوليد منخفض للطاقة يكفي للطهي والإضاءة في المنازل.

اقرأ أيضاً: مفاعل يعمل بالطاقة الشمسية يحوّل البلاستيك وغازات الاحتباس الحراري إلى وقود

أبرز الدول التي تعمل على تحويل النفايات إلى طاقة

أصبحت عملية تحويل النفايات إلى طاقة طريقة مفضلة للتخلص من القمامة في الاتحاد الأوروبي، حيث يوجد الآن 420 مصنعاً في أوروبا يعمل على تحويل النفايات إلى طاقة لتوفير التدفئة والكهرباء لأكثر من 20 مليون شخص، وتحتل ألمانيا المرتبة الأولى من حيث استيراد النفايات، متقدمة على السويد وبلجيكا وهولندا. لكن النرويج تفتخر بأن لديها أكبر محرقة لتحويل النفايات إلى طاقة، والتي تستخدمها لتوليد المزيد من الطاقة من أجل التدفئة والكهرباء.

كما تشتهر السويد بتقليصها اللافت للنفايات المرسلة إلى مكبات النفايات، حيث إن أقل من 1% من النفايات المنزلية تجد طريقها إلى مدافن النفايات. ووفقاً لجمعية إدارة النفايات وإعادة التدوير السويدية، تتم إعادة تدوير نحو 49% من النفايات المنزلية، ونحو 50% من القمامة يتم حرقها في محطات توليد الطاقة.

في تايلاند المصنّفة كخامس أكبر مصدر للتلوث البلاستيكي المحيطي في العالم، أصبحت معالجة النفايات مصدرَ قلقٍ رئيسياً، لدرجة أن الحكومة وضعتها كجزء من جدول أعمالها الوطني، حيث يتم دفع عمليات تحويل النفايات إلى طاقة بشكلٍ متزايد كحل واعد لهذه المشكلة، إذ تمتلك البلاد أكبر محرقة لتحويل النفايات إلى طاقة تقوم بتحويل نحو 500 طن متري من النفايات الصلبة إلى كهرباء يومياً.

كما أن هناك أكثر من 1000 محرقة نفايات في اليابان، وأكثر من 500 في الدول الأوروبية مثل ألمانيا والسويد والدنمارك. تحرق آلاف الأطنان من النفايات كل عام وتستخدم الحرارة الناتجة عنها لتوليد نحو 4.2 غيغاوات في اليابان و 10.5 غيغاوات في أوروبا.

اقرأ أيضاً: قائمة المدن الأكثر استدامة في العالم عام 2022

تحديات تحويل النفايات إلى طاقة

  • انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون عالية عند الحرق: وهو ما يمكن أن يعادل أي وقود أحفوري آخر، وتنبعث منها انبعاثات ضارة من غازات الاحتباس الحراري.
  • إمكانية تدمير المواد القابلة للاسترداد: يمكن لعملية تحويل النفايات إلى طاقة أن تدمر الموارد التي كان من الممكن استردادها، بما في ذلك المعادن والخشب والبلاستيك، إذا لم تكن هناك عملية فصل دقيقة للنفايات الصلبة قبل الحرق.
  • تقليل جهود عمليات إعادة التدوير: إذا اعتقد المستهلكون أو الشركات أو الحكومات أن تحويل النفايات إلى طاقة هو مصدر طاقة مستدام قابل للتطبيق وتقنية فعّالة لإدارة النفايات، فمن غير المرجح أن يشاركوا أو يستثمروا في حلول أكثر تأثيراً، مثل التقليل أو إعادة الاستخدام أو إعادة التدوير.
  • تغذية تجارة النفايات غير المنظمة: من خلال إرسال البلدان المتقدمة نفاياتها إلى البلدان النامية لمعالجتها، والتي يمكن أن تحتوي على نفايات مختلطة يصعب فصلها ما يؤدي غالباً إلى حرقها أو دفنها ما سيكون له تأثير كبير على البيئة المحلية.

اقرأ أيضاً: كيميائيون ينجحون في تحويل خليط من البلاستيك إلى غاز البروبان

ختاماً، على الرغم من أن توليد الطاقة من النفايات ينطوي على الكثير من الأمل، فإننا بدلاً من ذلك نحتاج إلى التركيز على جعل المنتجات تدوم لفترة أطول، وعندما يتعذر إصلاحها حقاً يمكن الاجتهاد في إيجاد طرق لإعادة تدويرها وإعادة استخدامها، وفقط عندما يتم استنفاد هذه الخيارات يمكن التخلص منها من خلال تحويلها إلى طاقة.

المحتوى محمي