بينغ وجوجل: أين وصل صراع الجبابرة؟

5 دقائق
بينغ وجوجل: أين وصل صراع الجبابرة؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Tada Images

عادةً تبدو المنافسة في وادي السيليكون أشد ضراوة إذا كانت هذه المنافسة بين أكبر شركتين تكنولوجيتين في العالم، حيث بدأت المنافسة بين شركتي مايكروسوفت وجوجل في الفترة الأخيرة تحتل الكثير من العناوين العريضة، مع اتجاه كل منهما لإدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي وبالتحديد معالجة اللغات الطبيعية في محركات البحث الخاصة بهما، والذي يعتبر أحد أكثر القطاعات التقنية ربحاً.

هل ظهور بوت تشات جي بي تي هو بداية سباق محركات البحث؟

الحكاية بدأت بخروج بوت الدردشة المدعوم بالذكاء الاصطناعي تشات جي بي تي (ChatGPT) من مختبرات الشركة المطورة له أوبن أيه آي (OpenAI) في نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي 2022، حيث جذب بوت الدردشة اهتمام المستخدمين على مختلف شرائحهم (الخبراء والهواة) بشدة للطريقة غير التقليدية التي يقدم بها الإجابات والاستفسارات عن مواضيع يتم البحث عنها يومياً، وطريقته الفريدة في تلخيص المواضيع وكتابة المقالات ورسائل البريد الإلكتروني وغيرها من المهام.

حينها فقط اكتشف الكثيرون أن استثمار شركات التكنولوجيا في هذه النماذج موجود منذ فترة طويلة، وعلى رأسها شركة مايكروسوفت التي ظهر أنها من أكبر المستثمرين في شركة أوبن أيه آي، حيث لم تتأخر كثيراً في الإعلان عن دمج التكنولوجيا التي تقف وراء بوت الدردشة تشات جي بي تي في أحد أهم منتجاتها، وهو محرك البحث بينغ الجديد (New Bing) للحصول على جزء من الكعكة في سوق محركات البحث.

وبالمثل، لم تنتظر جوجل طويلاً حيث ضغطت على زر التحذير الأحمر لمواجهة التهديد القادم إليها ولتؤكد للجميع أنها جادة في الحفاظ على مكانتها في سوق محركات البحث، وكشفت مباشرةً عن بوت الدردشة بارد (Bard) المدعوم بالذكاء الاصطناعي، ومع ذلك ذكر رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في جوجل جيف دين (Jeff Dean) أن الشركة لن تخاطر بسمعتها في سوق محركات البحث من خلال التسرع في إدماج بوت دردشة قد يقدم معلومات خاطئة، لذا فهي سوف تتحرك بشكل أكثر تحفظاً من الشركات الناشئة.

اقرأ أيضاً: أيهما أفضل تشات جي بي تي أمْ جوجل عند البحث عن المعلومات؟

لماذا لم يصل محرك بحث بينغ لشهرة جوجل حتى الآن؟

يرى الكثير من الخبراء أن جزءاً من سبب عدم اكتساب محرك البحث بينغ للشهرة أو معدل الاستخدام العالي حتى الآن أنه بحلول الوقت الذي تم إطلاقه فيه في منتصف عام 2009، كان محرك بحث جوجل قد مضى على وجوده أكثر من عشر سنوات، وأصبح بالفعل البوابة الأولى والرئيسية وربما الوحيدة لمعظم المستخدمين للدخول إلى شبكة الإنترنت، خاصة مع بدء انتشار أجهزة الهواتف الذكية.

لكن مايكروسوفت واصلت العمل والبحث عن فرص لنشره على نطاق أوسع، حيث أبرمت صفقة مع شركة ياهو عام 2010 لجعل محرك بحث بينغ محرك بحثها الرئيسي لتعزيز قدرته على المنافسة في السوق، كما قامت عام 2012 بإعادة تصميمه بشكل كبير من خلال تضمين شريط جانبي لإظهار معلومات من منصات التواصل الاجتماعي متعلقة بالاستعلامات ذات الصلة.

كما قامت عام 2014 بدمج محرك البحث في مساعدها الافتراضي الشخصي كورتانا  (Cortana)، ما ساعد محرك البحث بينغ لأول مرة في تحقيق أرباح بأكثر من مليار دولار في الربع الأول من العام المالي 2016، وبعد ثلاث سنوات، طرحت ميزة تسمح للشركات باستخدام محرك البحث بينغ بإنشاء نتائج بحث داخلية خاصة بحيث يتم استخدامه كمحرك بحث للشركات.

ومع ذلك، فإن جهود شركة مايكروسوفت حتى الآن لم تؤتِ الكثير من الثمار في انتشار محرك البحث الخاص بها والمنافسة في سوق محركات البحث، حيث لا تزال حصة محرك البحث بينغ في السوق متأخرة للغاية وبفارق كبير عن محرك بحث جوجل، الذي لا يزال مسيطراً سيطرة شبه مطلقة في السوق سواء من حيث الاستخدام أو الأرباح المحققة.

اقرأ أيضاً: كيف تعمل جوجل على الحد من تأثير بوت تشات جي بي تي على محرك البحث الخاص بها؟

هل تستطيع مايكروسوفت منافسة جوجل في سوق البحث حقاً؟

حتى شهر ديسمبر/ كانون الأول من عام 2022 تمكن محرك البحث بينغ من تسجيل نحو مليار زيارة شهرياً مقابل 89 مليار زيارة لمحرك بحث جوجل، ولكن في 7 فبراير/ شباط من العام الحالي 2023 (يوم الإعلان عن محرك البحث بينغ الجديد) فإنه استقبل نحو 30.3 مليون زيارة حول العالم عبر مختلف الأجهزة وارتفع في اليوم التالي إلى 32 مليون زيارة، وهو ما يمثّل زيادة بنسبة 15% على متوسط عدد الزيارات اليومية للأشهر الستة السابقة.

هذه البيانات قد تخبرنا أن استثمار مايكروسوفت في أوبن أيه آي ودمج الذكاء الاصطناعي في محرك البحث الخاص بها، يمثّل أمراً إيجابياً لها في البدء فعلياً في ردم الهوة تدريجياً بينها وبين شركة جوجل في سوق محركات البحث، والاقتراب منها أكثر فأكثر، ولكن بالتدقيق في الأرقام من الأكثر دقة القول إن البيانات المتاحة قد تحقق لشركة مايكروسوفت (أو حققت) مكاسب طويلة الأجل ذات مغزى لفترة من الوقت.

اقرأ أيضاً: كيف تعمل مايكروسوفت على تهديد جوجل في سوق محركات البحث؟

ولكن في الوقت نفسه لا تبين الأرقام أنها ستكون منافساً جديّاً لشركة جوجل لأن متوسط الزيارات لم يرتفع بشكل كبير مقارنة بمعدل زيارات محرك البحث جوجل. على سبيل المثال في شهر أغسطس/ آب من عام 2021 تمكن محرك البحث بينغ من تسجيل نحو 25.8 مليون زيارة يومياً ووصل إلى 27.5 مليون زيارة في الشهر نفسه.

وحتى في يوم 6 فبراير/ شباط من عام 2023، وهو اليوم السابق لإعلانها عن محرك البحث بينغ الجديد، تم تسجيل نحو 28.9 مليون زيارة، لذا على الرغم من أن محرك البحث بينغ شهد ارتفاعاً إيجابياً في الزيارات اليومية التي أعقبت الإعلان، فإنه بلغة الأرقام سيبدو الاستثمار بهذا المبلغ الذي يصل إلى 10 مليارات دولار في شركة أوبن أيه آي مخاطرة كبرى من مايكروسوفت، والسبب هو أن جوجل لن تكتفي بالجلوس والمشاهدة فهي أيضاً لديها أسلحتها ونموذجها اللغوي الكبير والذي قد تضطر إلى دمجه في محرك بحثها للحفاظ على مستخدميها.

اقرأ أيضاً: ما الذي يجعل اعتماد بوتات الدردشة بدلاً من محركات البحث فكرة سيئة؟

هل تسرعت مايكروسوفت في الإعلان عن محرك بحث بينغ الجديد؟

من المحتمل أن تؤدي تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إلى تكثيف الحرب من أجل الهيمنة على سوق محركات البحث بين كل من جوجل ومايكروسوفت، لكن الاعتقاد المبكر أن محرك البحث بينغ الجديد على وشك تجاوز محرك البحث جوجل هو عبارة عن افتراضات سابقة لأوانها، حيث بدأت الأخبار تظهر حول افتقار محرك البحث بينغ المدعوم بالذكاء الاصطناعي إلى الدقة في تقديم الإجابات الصحيحة أو المواكبة للأحداث.

ومع ذلك، بحسب العديد من الخبراء، فإن محرك البحث بينغ الجديد سيكون محط الأنظار ومن المتوقع أن يتضاعف عدد المسجلين في قائمة الانتظار في الشهور القادمة، والسبب كما يعتقد الكثير من المتابعين هو لرؤية مدى دقة وموثوقية إدماج تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في محرك البحث بينغ الجديد، خاصة وأن التكنولوجيا التي تقف وراءه والمتمثلة في بوت الدردشة تشات جي بي تي نفسه لا تزال تواجه الكثير من الانتقادات، على الرغم من تأكيد مطوريه أن هذا أمر طبيعي من واقع أن بوت الدردشة لا يزال تحت الاختبار.

ولكن مع شركة كبرى لها اسمها مثل مايكروسوفت فإن الخطأ هنا ممنوع بشكل قاطع، لأن مجرد ظهور دعاية سيئة حول عمل محرك البحث بينغ الجديد، مثلما حدث لبوت الدردشة الذي تطوره جوجل، يمكن أن يضعف آمالها في نمو محرك بحثها في المستقبل على الرغم من الاستثمارات الكبيرة التي أنفقتها، ومن ثم فإن محاولة ركوب الموجة لمجرد أن المنافسين قد أبدوا إشارات على استعدادهم لركوبها قد يضر بها أكثر مما يفيدها.

اقرأ أيضاً: كيف تسمم النصوص التي يولدها الذكاء الاصطناعي الإنترنت؟

حروب الذكاء الاصطناعي تستمر لعقود وليس سنوات

على الرغم من تأكيد مسؤولي شركة ألفابت أنها لن تشارك في حرب الذكاء الاصطناعي فيما يخص محركات البحث المدعومة بنماذج معالجة اللغة الطبيعية، والتركيز بدلاً من ذلك على توفير محرك بحث قوي يعمل فقط، فإنها قد تخسر الكثير إذا ظلت جالسة فقط لتشاهد. خاصة وأن تجربتها الوحيدة حتى الآن مع بوت الدردشة بارد (Bard) أخبرتنا أنها أيضاً سوف تعاني في هذا المجال، ولديها طريق طويل لتقطعه في سبيل توفير بوت دردشة موثوق وذي جودة عالية تحافظ بها على مكانتها الريادية في سوق محركات البحث.

وفيما يخص شركة مايكروسوفت فإن كل الاحتمالات حتى الآن تُظهرها بأنها تبدو بعيدة عن المنافسة في هذا المجال، من واقع أن سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي هو مجال يظهر تأثيره بعد عقود من العمل المتواصل مثلما فعلت شركة ألفابت، التي دأبت على إدخال ميزات الذكاء الاصطناعي في محرك البحث جوجل بطريقة مدروسة وببطء بمرور الوقت جعلتها تُهيمن على السوق.

كانت ألفابت حريصة على عدم القيام بالتغيرات الكبيرة والمكلفة التي من الممكن أن تقضي على هوامش أرباحها، ومع ذلك، إذا ظهر محرك بحث يتمتع بسمعة جيدة وموثوقية وذي جودة عالية ولا يهدد خصوصية المستخدمين، فقد لا تدوم هيمنة محرك البحث جوجل المطلقة على سوق محركات البحث طويلاً.

المحتوى محمي