هل ينقذ الذكاء الاصطناعي المزدهر الاقتصاد المتدهور؟

4 دقائق
هل ينقذ الذكاء الاصطناعي المزدهر الاقتصاد المتدهور؟
مصدر الصورة: ستيفاني أرنيت/ إم آي تي تي آر/ غيتي

لقد أصبحت الأمور عصيبة للغاية. فقد بدأت أثرى شركات العالم التكنولوجية بالإعلان عن عمليات تسريح واسعة النطاق، شركة تلو الأخرى. فمنذ فترة وجيزة وحسب، أعلنت ألفابت (Alphabet) عن تسريح 12,000 شخص. كما شهدت أمازون (Amazon) وميتا (Meta) ومايكروسوفت (Microsoft) وتويتر (Twitter) موجات تسريح قاسية أيضاً، ولم يقتصر تأثيرها على باحثي الذكاء الاصطناعي كأفراد، بل وصل إلى فرق كاملة تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: كيف سلطت عمليات التسريح الكبيرة في ميتا الضوء على قضية المهاجرين؟

الشركات التكنولوجية الكبرى تحت وطأة الركود الاقتصادي

وكان من المؤسف أن نقرأ حول كيفية اكتشاف بعض العاملين في جوجل (Google) في الولايات المتحدة لتسريحهم بقرار مفاجئ من الشركة. وعلى سبيل المثال، فإن دان راسل، وهو باحث علمي عمل في قسم محرك البحث جوجل لأكثر من 17 سنة، كتب أنه ذهب إلى المكتب لاستكمال بعض الأعمال في الساعة الرابعة صباحاً، عندما اكتشف أن بطاقة الدخول الخاصة به لا تعمل.

ويتوقع الاقتصاديون أن الاقتصاد الأميركي قد يدخل مرحلة ركود هذا العام في خضم مشهد اقتصادي عالمي يسوده غموض شديد. وقد بدأت الشركات التكنولوجية الكبيرة تشعر بوطأة هذا الركود منذ الآن.

في الماضي، كانت فترات الانكماش الاقتصادي تؤدي إلى إيقاف تمويل أبحاث الذكاء الاصطناعي. وتُعرف هذه الفترات باسم "شتاءات الذكاء الاصطناعي". ولكننا نشهد أمراً مختلفاً تماماً هذه المرة. فأبحاث الذكاء الاصطناعي ما زالت تجري على قدم وساق، كما أنها تحقق قفزات كبيرة، حتى مع بدء الشركات التكنولوجية التخفيف من نفقاتها.

وفي الواقع، فإن الشركات التكنولوجية الكبيرة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحقيق الأفضلية الاقتصادية.

اقرأ أيضاً: لماذا يعاني العاملون في قطاع الذكاء الاصطناعي المسؤول من الإرهاق؟

شتاءات الذكاء الاصطناعي

لقد تأرجحت شعبية الذكاء الاصطناعي بحدة بين الذروة والحضيض منذ أن تم تأسيس هذا الحقل في نهاية الخمسينيات. وشهد الذكاء الاصطناعي شتاءين، الأول في السبعينيات والثاني في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات. كما وقعت أبحاث الذكاء الاصطناعي من قبل ضحية نوبات الضجيج الإعلامي والتوقعات المبالغ فيها، والتي فشلت في تحقيقها، كما يقول أستاذ علوم الحاسوب في جامعة تكساس في أوستن، بيتر ستون، والذي كان يعمل في مجال الذكاء الاصطناعي في مختبرات بيل عندما كانت تابعة لشركة إيه تي أند تي (والمعروفة الآن باسم مختبرات بيل التابعة لنوكيا) حتى 2002.

على مدى عدة عقود، كانت مختبرات بيل أحد أهم مراكز الابتكار، وفاز باحثوها عدة مرات بجائزة نوبل وجائزة تورينغ، بمن فيهم يان ليكون، ويوشوا بينغيو، وجوفري هينتون. ولكن موارد المختبر تعرضت للتقليص مع بدء الإدارة بدفع المختبر نحو تحقيق المزيد من العوائد الفورية بناء على تطورات تكنولوجية صغيرة وتراكمية، وفي المحصلة، فشل المختبر في الاستفادة من ثورة الإنترنت في بداية القرن الجديد، كما قال جون جيرتنر في كتابه "مصنع الأفكار: مختبرات بيل والعصر العظيم للإبداع الأميركي" (The Idea Factory: Bell Labs and the Great Age of American Innovation ).

ويقول ستون إن فترات الانكماش الاقتصادي السابقة حدثت بعد أن فشلت أحدث تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي في تلك الفترات في تحقيق التقدم، وكانت غير موثوقة وصعبة الاستخدام. وسرعان ما أدركت الوكالات الحكومية التي كانت تقدم التمويل لأبحاث الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن هذه المقاربة لن تؤدي إلى نتيجة، وهكذا، أوقفت التمويل.

صدارة أبحاث الذكاء الاصطناعي على الرغم من الركود الاقتصادي

أما اليوم، فقد وصلت أبحاث الذكاء الاصطناعي إلى موقع الصدارة. قد يكون ثمة ركود اقتصادي جديد، إلا أن أبحاث الذكاء الاصطناعي ما زالت محافظة على مكانتها. يقول أستاذ علوم الحاسوب في جامعة أوكسفورد ومؤلف كتاب "موجز في تاريخ الذكاء الاصطناعي" (A Brief History Of AI)، مايكل وولدريدج: "ما زلنا نشهد إعلانات منتظمة عن أنظمة ذكاء اصطناعي جديدة قادرة على تحقيق أشياء غير مسبوقة".

ويعني هذا أن مجال الذكاء الاصطناعي ابتعد كثيراً عن سمعته في التسعينيات، عندما كان وولدريدج يعمل على استكمال أطروحة الدكتوراة. ففي تلك الفترة، كان الذكاء الاصطناعي مجرد مجال غريب وجانبي، وكان القطاع التكنولوجي بشكل عام ينظر إليه بشكل مشابه لنظرة الطب التقليدي إلى الطب البديل، كما يقول.

اقرأ أيضاً: ما الجديد بالنسبة للذكاء الاصطناعي في 2023؟

ويعود الازدهار الحالي لأبحاث الذكاء الاصطناعي إلى الشبكات العصبونية، والتي شهدت تحقيق إنجازات كبيرة في الثمانينيات، وتعمل عن طريق محاكاة أنماط الدماغ البشري. وفي ذلك الحين، وصلت التكنولوجيا إلى طريق مسدود، لأن الحواسيب لم تكن قادرة في تلك الفترة على تشغيل البرمجيات. أما اليوم، فلدينا الكثير من البيانات، ولدينا حواسيب تتمتع بقدرات خارقة، ما يجعل هذه الطريقة ممكنة من الناحية العملية.

ويبدو أننا نشهد إنجازات جديدة كل بضعة أشهر، مثل بوت الدردشة تشات جي بي تي (ChatGPT)، والنموذج الذي يحول التعليمات النصية إلى صور، ستيبل ديفيوجن (Stable Diffusion). ولكن التكنولوجيات الجديدة، مثل تشات جي بي تي، لم تُستكشَف بشكل كامل بعد، كما أن المؤسسات الصناعية والأكاديمية ما زالت تعمل على دراسة كيفية الاستفادة منها، كما يقول ستون.

وبدلاً من شتاء ذكاء اصطناعي كامل، من المرجح أن نشهد انخفاضاً في تمويل أبحاث الذكاء الاصطناعي بعيدة الأمد، وتزايد الدفع في اتجاه تحقيق الأرباح باستخدام هذه التكنولوجيا، كما يقول وولدريدج. ويضيف قائلاً إن الباحثين في مختبرات الشركات سيتعرضون إلى الضغوط لإثبات إمكانية دمج أبحاثهم في المنتجات لتحقيق المزيد من الأرباح.

وقد بدأ هذا الأمر بالتحول إلى حقيقة واقعة. فبعد نجاح تشات جي بي تي من أوبن أيه آي (OpenAI)، أعلنت جوجل (Google) حالة الطوارئ بوجود تهديد محتمل لمنتجها الأساسي، محرك البحث، وبدأت عملية محمومة لتعزيز محرك البحث بأبحاث الذكاء الاصطناعي الخاصة بها.

تخفيض ميزانية أبحاث الذكاء الاصطناعي قد يسبب خسارة الشركات لخبرائها

ويرى ستون أوجه تشابه مع ما حدث في مختبرات بيل. ويضيف أنه إذا قررت مختبرات الذكاء الاصطناعي في الشركات التكنولوجية الكبيرة، والتي تهيمن على هذا المجال، أن تبتعد عن الأبحاث العميقة بعيدة الأمد وتركز بصورة مبالغ بها على تطوير المنتجات في المدى القصير، فإن باحثي الذكاء الاصطناعي المستائين قد يتركونها ويتجهون إلى المؤسسات الأكاديمية، ما يعني خسارة تلك المختبرات الكبيرة هيمنتها على الإبداع في مجال الذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: كيف سيحدث بوت الدردشة تشات جي بي تي ثورة في مجال الأعمال؟

وليس هذا أمراً سيئاً بالضرورة. فهناك الكثير من الأشخاص الأذكياء والمؤهلين الذين يبحثون عن عمل حالياً. كما أن شركات رؤوس الأموال المغامرة تبحث عن شركات ناشئة جديدة حتى تستثمر فيها مع تراجع وهج العملات المشفرة، وقد أثبت الذكاء الاصطناعي التوليدي إمكانية تحويل هذه التكنولوجيا إلى منتجات.

وبالتالي، فإن هذه اللحظة تمثل فرصة لا تتكرر سوى مرة في الجيل الواحد لقطاع الذكاء الاصطناعي حتى يستكشف ويجرب جميع الإمكانات والقدرات الكامنة لهذه التكنولوجيات الجديدة. وبالتالي، فإن كل كآبة عمليات التسريح لا تنفي وجود مستقبل واعد.

المحتوى محمي