في السياسة الأميركية، لا صوت يعلو فوق صوت المال. وعلى مدى سنوات طويلة، تَركَّز جزءٌ كبير من السيطرة على الحملات والمسائل السياسية في أيدي الأثرياء الذين يقدمون تبرعات بآلاف الدولارات إلى مرشحيهم المفضلين.
غير أن هذا الواقع بدأ بالتغير في الفترة الأخيرة؛ حيث إن التبرعات الأصغر المقدَّمة إلى الحملات من مجموعات كبيرة من الناخبين بدأت تلعب دوراً أكبر في التأثير على الانتخابات، وذلك بفضل أدوات جديدة تعتمد على الإنترنت لجمع التبرعات.
وعلى الرغم من هذا، ما زالت تلك المجموعة الصغيرة من المتبرعين الكبار تحتفظ بنفوذ كبير على أولويات السياسة بمجرد أن تنتهي عملية الانتخاب، كما يقول بيل وارين، حيث إن السياسيين المنتخبين يصغون أكثر إلى "الأشخاص الذين يقدمون الشيكات الدسمة"، مما يعني أن المشاكل والقضايا الهامة للمتبرعين الصغار "غالباً ما يختفي أثرها".
ويعتقد وارين أن أنظمة البلوك تشين يمكن أن تساعد في هذه المسألة، ووفقاً لرأيه ورأي المؤسسين الآخرين لمؤسسة بيبس ديموكراسي، فإن التمويل الجماهيري والتصويت بالبلوك تشين والحوافز التي تعتمد على العملات المشفرة هي عوامل كافية لمنح المتبرعين الصغار صوتاً أكثر تأثيراً في السياسات الأميركية. وهم يعملون حالياً على بناء أول تطبيق لهم، وهو يحمل اسم وي ذا بيبس، حتى يتحول إلى منصة لجمع التبرعات بحيث "يسمح للناس العاديين بجمع الأموال من أجل قضايا أو مشاكل محددة، ومن ثم التصويت على كيفية إنفاقها"، وذلك كما يقول وارين، وهو الرئيس التنفيذي للشركة.
ولكن هناك منصة ذائعة الصيت للتبرعات الصغيرة، وهي منظمة لاربحية باسم أكت بلو، التي طورت أدوات يمكن للديمقراطيين المرشحين للانتخابات أن يستخدموها لجمع الأموال على الإنترنت. وتقول أكت بلو إنها جمعت أكثر من 3.5 مليار دولار منذ 2004، ووفقاً لتحليل من موقع فايف ثيرتي إيت ومركز النزاهة العامة، فإن أكثر من نصف التبرعات التي تلقاها مرشحو الكونجرس الديمقراطيون من الأفراد في 2018 قُدمت عبر تلك المنصة.
غير أن وارين يعتقد أن العامل المفقود في منصات التمويل الجماهيري على الإنترنت هو تولي المتبرعين للقيادة بدلاً من المرشحين، وهو ما يحاول تحقيقه بتطبيق وي ذا بيبس.
فنواة هذا النظام تعتمد على عملة مشفرة مبنية على إيثيريوم تحمل اسم بيبس، ويمنح الموقع عدداً معيناً من عملات بيبس للمستخدم عندما يسجل اشتراكه في الموقع، ويمكن استخدام هذه العملات في عمليات مختلفة على المنصة. وعلى سبيل المثال، عند إطلاق حملة لجمع التبرعات -التي تسمى "حركة"- يجب على المستخدم أن يخصص (أو "يرهن" وفق مصطلحات البلوك تشين) 10 عملات. ويمكن إطلاق هذه الحركات حول قضايا سياسية معينة.
وفي الاختبار الصغير الخاص الذي تجريه الشركة حالياً، قام أحد المستخدمين بإطلاق حركة حول التغير المناخي مثلاً. وإذا كبرت الحركة من حيث عدد الداعمين والالتزامات، يمكن للشخص الذي أطلقها أن يكتسب المزيد من العملات، وبالتالي المزيد من التأثير.
ويمكن أيضاً أن يقترح المستخدمون أن تساهم حركةٌ ما في دعم أحد المرشحين لأحد المناصب الفدرالية، وعندها يمكن أن يصوت الناس على هذه الاقتراحات للتوصل إلى قرار حول التبرع. ويجب إنفاق البيبس لاقتراح السياسيين والتصويت عليهم. وعند انتهاء التصويت، يقوم برنامج خارجي لمعالجة الدفعات -باسم ديموكراسي إينجن- بتحويل الأموال إلى المرشحين الفائزين. ويأمل وارين وزملاؤه أن المنصة ستصبح في نهاية المطاف شهيرة بما يكفي حتى تدفع السياسيين إلى التنافس للحصول على هذه التبرعات.
وستحصل بيبس ديموكراسي على دخلها من استيفاء نسبة 4.75% فوق التبرعات، بشكل مشابه لمنصات التمويل الجماهيري مثل كيك ستارتر. وهي موجهة إلى المصوتين الذين تمثل لهم الشفافية في السياسة أهمية كبرى، خصوصاً للشريحة العمرية ما بين 15 و37 سنة.
يمكننا إذن أن ننظر إلى هذا المشروع على أنه نسخة لامركزية من لجان الحركة السياسية، وهي منظمات تجمع مئات أو آلاف أو ملايين الدولارات من المتبرعين الكبار، وتقدم الأموال إلى من تختارهم من المرشحين على شكل دفعات من 5,000 دولار. وهناك عدة أشكال منها، وتلتزم كل منها بشروط قانونية مختلفة. وعلى سبيل المثال، فإن لجان الحركة السياسية الضخمة تعد وسيلةً ذائعة الصيت لجمع مقادير هائلة من الأموال لدعم القضايا السياسية، ولكن لا يُسمح لها بالمشاركة في الحملات الانتخابية.
لطالما أثير الضجيج الإعلامي حول تكنولوجيا البلوك تشين بوصفها وسيلة لتعزيز الديمقراطية، بما أن شبكات البلوك تشين -على الأقل نظرياً- لا تخضع لسيطرة كيان واحد، ويكاد يكون من المستحيل فرض الرقابة عليها أو تخريبها. ويقول مناصروها إن قاعدة بيانات مشتركة للتعاملات المالية -التي يمكن أن تحوي أيضاً إحصائيات التصويت- ستكون بطبيعتها أكثر شفافية وانفتاحاً. ولكن أغلبية النقاشات قد تركزت -حتى الآن- حول استخدام البلوك تشين لتعداد الأصوات في الانتخابات، وهو ما يثير الكثير من الجدل والخلافات، حيث يقول الكثير من خبراء حماية التصويت إن أنظمة البلوك تشين ستؤدي إلى مشاكل أكثر من المشاكل التي ستحلها. أما استخدام هذه التكنولوجيا في التمويل الجماهيري للحملات الانتخابية -حيث توجد مشاكل أقل- فسوف يمنح الشركة فرصة لاستعراض فوائد هذه التكنولوجيا بشكل عملي.
ولن تكون وي ذا بيبس لا مركزية تماماً، على الأقل في البداية. وسيفرض الموقع الإلكتروني بعض السياسات للتصدي للمحتوى غير الملائم، وفقاً لوارين، ويضيف أن الهدف هو زيادة اللامركزية مع مرور الوقت، وفي نهاية المطاف "السماح للمستخدمين بتحديد القضايا التي تستحق مكاناً على بيبس والتي لا تستحق". وإذا نجح هذا، فقد يمثل خطوة نحو مستقبل سياسي يمكن فيه لأنظمة البلوك تشين والشبكات اللامركزية أن تساعد أوساط المتبرعين الصغار في التأثير على السياسيين بشكل يضاهي تأثير رؤوس الأموال حالياً.