قد لا تكون آي بي إم هي الشركة التكنولوجية العملاقة الأكثر جاذبية عند مقارنتها مع جوجل أو آبل أو أحدث الشركات الناشئة، ومع ذلك فإن وجودها منذ العام 1911 حتى الآن ليس عبثاً.
يكمن سر عمرها الطويل في قسم الأبحاث، حيث يتضمن 3,000 باحث موزعين على 12 موقعاً، وهم الذين تعتمد عليهم الشركة حتى تبقى في صدارة أحدث التوجهات في التكنولوجيا الناشئة. وعلى مدى عدة عقود، كانت الشركة تقوم سنوياً بإنشاء وتعديل وحدات العمل على ضوء أحدث الاكتشافات العلمية.
من المؤكد أن هذا الأسلوب ليس مثالياً؛ ففي ذروة نفوذها، كانت آي بي إم من أهم الشركات في أبحاث الذكاء الاصطناعي، وكانت مسؤولة عن إنجازات هامة مثل تعليم الآلة كيف تلعب الداما وتتغلب على أفضل لاعبي الشطرنج البشر. أما الآن، فقد أصبحت هذه العناوين الصحفية من نصيب شركات ومؤسسات جديدة، مثل أوبن إيه آي وديب مايند. أما آي بي إم، فقد دفعت في تلك الأثناء ثمناً كبيراً من سمعتها بسبب مبالغتها في إطلاق الوعود حول واتسون.
غير أن الشركة كانت تدرس كيفية العودة إلى المضمار منذ ذلك الحين، خصوصاً بعد أن عقدت شراكة مع جامعة إم آي تي منذ سنتين لمشاركة الباحثين والملكية الفكرية. وفي إيمتيك نيكست -الحدث الذي نظمته إم آي تي تكنولوجي ريفيو حول مستقبل العمل- دعونا صوفي فانديبرويك، نائبة الرئيس للشراكات في مجال التكنولوجيات الناشئة، لمشاركتنا إستراتيجيتها حول الابتكار بعيد الأمد.
جمعنا لكم فيما يلي بين مقتطفات من الحوار على المنصة وسلسلة من الأسئلة اللاحقة بعد الحدث، وقد تم تعديل الأجوبة للتحكم في الطول وزيادة الوضوح.
عندما انضممتِ إلى آي بي إم، كانت قد فقدت نفوذها إلى حد ما في مجال أبحاث الذكاء الاصطناعي. كيف تعاملت مع هذا التحدي منذ البداية؟
ما تفعله آي بي إم لتحقيق نظرة مستقبلية جيدة هو إجراء دراسة عالمية للتكنولوجيا GTO بشكل سنوي. ويساعدنا الباحثون في رؤية أحدث الاكتشافات والإنجازات، وذلك للتركيز على التوجهات الهامة التي يمكن أن تؤدي إلى إعاقة الشركة أو مساعدتها على تحقيق أرباح كبيرة. هذه طريقة تفكيرنا.
وعندما انضممتُ إلى آي بي إم، كنت أقود عملية GTO، وقررنا بسرعة أن الذكاء الاصطناعي هو أحد التكنولوجيات التي تتصاعد بسرعة استثنائية. لقد كان الذكاء الاصطناعي أحد التكنولوجيات التي لحظتها هذه الدراسات عدة مرات في الماضي، عندما تم إنشاء واتسون للأغراض الصحية وأغراض الحماية وغيرها مثلاً. ولكننا قررنا هذه المرة أن نغير أسلوبنا، وننظر إلى الموضوع بشمولية أكبر، آخذين بعين الاعتبار كل ما حدث منذ عدة سنوات حتى الآن.
إذن، كيف يتم إجراء هذه الدراسات؟
هذه الدراسة عبارة عن عملية تمتد على مدى سنة كاملة وتنتهي عندما يطرح قسم الأبحاث في آي بي إم اقتراحات حول التكنولوجيات الناشئة التي تمثل فرصة لتحقيق أرباح بمليارات الدولارات للشركة. ونعتمد على أدوات مثل موقع جيت هاب، حيث يمكن للناس نشر أفكارهم، حتى تكون العملية شفافة للغاية. ويمكن لجميع أفراد قسم الأبحاث في آي بي إم الذهاب إلى هناك والتصويت وتقديم النصائح، وعادة ما ينظر الفريق القيادي إلى نتائج هذه المشاركات.
وتمثل الأشهر الستة الأولى مرحلة جميع الأفكار، ومع بداية الصيف، نبدأ بتجميع المواضيع تحت بنود عريضة شاملة هامة للغاية. وتكون النتيجة في بعض الأحيان بنداً واحداً فقط، كما حدث منذ سنتين عندما درسنا الذكاء الاصطناعي. وعلى مدى الصيف، تُنقح هذه البنود، وفي بداية الخريف، نبدأ بدراسة وجهات نظر أوساط رؤوس المال الاستثمارية وما تفعله الشركات المنافسة، كما نجري أبحاثاً إضافية حول الأسواق والمنافسين حتى ندعم الدراسة. وقد كان الدخول في مجال البلوك تشين أحد نتائج هذه العملية، واستخدام واتسون في مجال الأمن أيضاً.
آي بي إم شركة كبيرة يتجاوز عمرها قرناً من الزمن، وهي أشبه بسفينة ضخمة تحوي مئات الآلاف من الموظفين، ولهذا يجب أن نحرص على أن تُبحر في اتجاه ناجح. إن هذه العمليات تساعد فعلاً على اتساق عمل الشركة، وتركيز موظفيها على الأمور الهامة فعلاً.
عندما انضممتِ، قررت بسرعة تأسيس مختبر إم آي تي - آي بي إم للذكاء الاصطناعي واتسون. لماذا؟
تُعتبر المؤسستان من المؤسسات الاستثنائية في منطقة الساحل الشرقي لأميركا. وفي منطقة الساحل الغربي، هناك الكثير من الشركات التي تستثمر في الذكاء الاصطناعي والتي تعمل بالاشتراك مع الجامعات. بل إن بعض الشركات استحوذت عملياً على القسم بأكمله، كما حدث عندما استولت أوبر على قسم كبير من العاملين في مختبر الروبوتات الرئيسي في جامعة كارنيجي ميلون، وهو أسلوب سيئ بالطبع. لقد كنت أيضاً في اللجنة الاستشارية الهندسية لرئيس إم آي تي لمدة عقد. ويمكن للمؤسستين -وبزيادة طفيفة في الاستثمار- أن تنتقلا إلى المستوى التالي نحو "البحث عن الذكاء"، كما أطلقت عليه جامعة إم آي تي بعد تأسيس المختبر.
ولهذا قدمنا هذا الاقتراح مع الكثير من المساهمات من جميع زملائي في آي بي إم، بهدف تأسيس مختبر إم آي تي – آي بي إم للذكاء الاصطناعي واتسون. وفي آي بي إم، يعمل حوالي 1,500 شخص في مجال الذكاء الاصطناعي من بين مجمل باحثينا البالغ عددهم 5,000 (بما فيهم الطلاب والمتدربون)، إما على الخوارزميات الأساسية أو تطبيقاتها. ولهذا، فإن المختبر الجديد لن يركز على المشاكل التي كانت هذه المجموعة تركز عليها من قبل، بل نريد أن نركز على المشاكل الأكثر صعوبة، التي تتطلب أفضل وأذكى العقول في العالم.
وما هو الأثر الذي نتج عن هذا التعاون؟ وكيف أدى إلى تحسين الأبحاث الموجودة؟
أدى هذا التعاون إلى إعادة تركيز قسم الأبحاث في آي بي إم على حل المشاكل العلمية الأساسية الهامة في مجال الذكاء الاصطناعي، ولا تنفرد آي بي إم بالقرارات حول المشاريع التي سيعمل عليها المختبر، بل يتم هذا عن طريق لجنة إشراف تتضمن 3 أعضاء من إم آي تي و3 من آي بي إم، ويشترك في قيادتها مدير من كل مؤسسة. ونقدم مرة في السنة طلباً للاقتراحات في المجالات البحثية الأساسية التالية: الخوارزميات الأساسية في الذكاء الاصطناعي، وفيزياء الذكاء الاصطناعي، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الصناعات، والازدهار الناتج عن الذكاء الاصطناعي. وبعد ذلك، تُدرس هذه المشاريع وتُختار من قبل لجنة الإشراف. وقد حصلنا على 186 اقتراح في المرة الأولى، وقمنا بتمويل 49 اقتراح منها. وتدعونا هذه العملية إلى النظر في المشاكل العلمية البحثية الصعبة التي لم تُطبق حتى الآن.
ويمثل باحثونا أيضاً جزءاً من مجموعة أبحاث المنتجات، التي تتصف ببراعة كبيرة في وضع خرائط الإنتاج. وقد طبقنا خريطة إنتاج قانون مور لعدة عقود، حيث سعينا إلى تصغير الترانزستورات بشكل متواصل، على سبيل المثال. ولدينا خريطة إنتاج مماثلة للمجال الكمومي. وبالتالي، فإن الأبحاث الرئيسية تتمحور حول معرفة ما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفعله حالياً، وتوسيع هذه الحدود باستمرار.
ما الذي دفعكم إلى اختيار هذا النموذج للتعاون؟
سبب هذا التعاون هو حرص شركة آي بي إم واهتمامها بالاطلاع على التفاصيل منذ بداية أي مشروع؛ حيث نقدم طلبات الحصول على براءات الاختراع بشكل مشترك، كما أن قسماً كبيراً من هذه التكنولوجيات مفتوح المصدر حتى يتمكن الطلاب -وضوحاً- من كتابة الأوراق البحثية وأطروحات الدكتوراه وغير ذلك. ولكن التواجد في المشروع منذ البداية سيسمح لهذه التكنولوجيات المفيدة بأن تتحول إلى عناصر ضمن خرائط الإنتاج.
منذ بضعة أشهر، قمنا بتوسيع الاتفاق مع إم آي تي لإتاحة المجال أمام شركات أخرى للانضمام إلى المجموعة. وبالتالي، إذا كانت شركتك مهتمة بالموضوع، يمكن أن تصبح عضواً في مختبر إم آي تي – آي بي إم للذكاء الاصطناعي واتسون. وليس شرطاً أن تكون الشركات جزءاً من المشاريع البحثية، ولكن يمكنها الاطلاع عليها، كما سيكون بإمكانها الاطلاع على الملكيات الفكرية لجزء من المشاريع. وقد انضمت أربع شركات حتى الآن.
ما الأشكال الأخرى من العمل المشترك التي تريدون الاستمرار في بنائها؟
نرغب في التعاون مع مجموعة منوعة من الصناعات. وكل ما سينتج عن هذه البرامج البحثية سيكون إيجابياً وهاماً لمعظم الصناعات إذا نجح العمل. ولهذا نرغب في اجتذاب حوالي 10 شركات هامة يمكننا أن نستفيد من خبراتها الفريدة، ونقاط ضعفها، وأحلامها، وبياناتها.
وعندما أسسنا المختبر الأصلي مع إم آي تي، لم نضع أية قيود على الأساتذة والطلاب لتأسيس الشركات الناشئة، ونأمل في أن تتفرع عن هذا المختبر الكثير من الشركات الناشئة التي تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي في كامبريدج وبوسطن. بالطبع، ما زال المختبر حديث العهد؛ حيث إن الذكرى الثانية لتأسيسه ستكون في سبتمبر، ولكننا نأمل في أن نرى ظهور هذه الشركات الناشئة قريباً حتى تؤسس لبيئة كاملة.
ما تصوركم للشراكات في التكنولوجيات الناشئة خلال 5 و10 سنوات؟
أعتقد أن النظام البيئي بأكمله -أي الشركات والجامعات والشركات الناشئة- بدأ يكتسب أهمية متزايدة. وعلى سبيل المثال، في عملنا مع الحوسبة الكمومية، قمنا بجعل العتاد الصلب مفتوح المصدر، بحيث أصبح متاحاً للجميع عبر الويب. وقد أجرى أكثر من 120,000 شخص من جميع أنحاء العالم تجارب صغيرة عليه، كما تم تأليف أكثر من 160 بحثاً تقنياً، وفيها بعض الأبحاث الرائعة. وينتمي هؤلاء الأشخاص إلى جميع القارات، بما فيها القطبية الجنوبية، وقد أجروا 10 ملايين تجربة.
ما أريد قوله هو أن الشراكات لا تقتصر على الشركات والشركات الناشئة وحسب، بل تمتد أيضاً إلى الأفراد، أي الباحثين والمطورين الذين يعملون بشكل منفرد. وآمل بأن منصات أخرى مفتوحة المصدر، مثل مجموعة الأدوات إيه آي فيرنيس 360 (التي تقدم موارد للعمل على مسألة التحيز في التعلم الآلي) ستجتذب أيضاً الكثير من الباحثين حول العام لجعلها أفضل ولاستخدامها.
وينطبق هذه أيضاً على منصة البلوك تشين مفتوحة المصدر، حيث يساهم الجميع، بدءاً من آي بي إم وصولاً إلى الأكاديميين، ويمكن بعد ذلك لعدة شركات أن تستخدم المنصة وتبني على أساسها. لقد أصبحت الشراكات أسلوباً جديداً لإجراء الأبحاث.