في سنة 2011، فُصِلَ ثلاثة شباب مصريّين وشاب فرنسيّ من العمل بسبب إغلاق قسم الطاقة المتجدّدة في شركتهم السابقة. كان الأربعة يشتركون في شغفٍ خاصّ بالطاقة المتجددة والنظيفة، والتي تلقى اهتماماً محدوداً في بلدهم بالرّغم من آفاقها وفرصها الكبيرة، فقرّروا أن يبدؤوا الاستثمار بها من مالهم الخاصّ. حصلت الشركة الناشئة على مشروعها الأول بعد شهور، ولكنَّها سرعان ما أخذت اتجاهاً جديداً ومختلفاً تماماً في تجربة الطاقة المتجدّدة عربياً.
تشيرُ الإحصاءات المعتمدة إلى أن حرارة المناخ العالمي ازدادت بمقدار 1.9 درجة مئوية في آخر 150 عاماً، وإلى أن نسبة ثاني أكسيد الكربون في الهواء وصلت إلى أقصاها منذ أكثر من نصف مليون عام، وإلى أن مستوى سطح البحر ارتفع أكثر من 17 سنتيمتراً، وهي -كلّها- تغيرات فائقة الخطورة ناتجة بالمقام الأول عن إحراق الإنسان للوقود الأحفوري (من نفطٍ وفحمٍ وغاز) لتوليد الطاقة التي تقومُ عليها الحضارة الحديثة.
فضلاً عن هذه المشكلات الكارثية، فإنَّ كمية الوقود الأحفوري في الأرض محدودةٌ ولن تكفي الإنسان فترةً طويلة، إذ إن الكثير من مصادره قد يشارف على النفاذ خلال السنين القادمة. في المقابل، فإنَّ مصادر الطاقة المتجددة قادرةٌ -إذا وُضِعَ فيها الاستثمار والعمل اللازم- على أن تحلَّ مكان الوقود الأحفوري بالكامل: ومن أهمِّ هذه المصادر، في الوطن العربي خصوصاً، الطاقة الشمسية.
بدأت كرْم سولار (KarmSolar) عملها الأول في صحراء مصر الغربية، ضمنَ منطقة في محافظة الجيزة تُسمَّى الواحات البحرية. وكان عملُ الشركة الناشئة -آنذاك- محصوراً بتطبيقٍ واحدٍ للطاقة الشمسية، وهو توظيفها في تشغيل مضخّات المياه بدلاً من وقود الديزل. ففي مثل هذه المناطق الصحراوية المنعزلة أو ذات الطّرق الصعبة تكون الحاجة للماء شديدة، إلا أنَّها -بسبب بعدها عن خطوط الكهرباء العموميَّة- تواجهُ تحدّيات جسيمةٍ في الحصول على الطاقة، إذ يضطرّ المزارعون فيها لتحمل تكاليف كبيرة لنقل الديزل أو غيره من أنواع الوقود الأحفوري وتشغيل المضخّات، وهي ظروفٌ جعلت من الألواح الشمسية خياراً مجدياً اقتصادياً وعملياً.
طوَّرت الشركة -لهذا الغرض- نظاماً يُسمَّى Maximum power point tracking أو (MPPT)، والذي حازت لأجله على براءة اختراعٍ مُسجَّلة في الولايات المتحدة، وهو يتضمَّن خوارزمية أكثر ثباتاً للتحكم في النظام الشمسي والتكيف مع تقلّباته، مما يزيد من الكفاءة وعمر إلكترونيات الطاقة. أنزلت كرم سولار من هذه الأنظمة -حتى الوقت الحالي- في الواحات الغربية ما تبلغُ قدرته الإجماليَّة نحو 1.5 ميغاواط، إلا أنَّ طموحات مؤسِّسيها كانت تتجاوزُ هذا المستوى بكثير.
“في سنة 2018"، تخبرنا لارا القلماوي، وهي مسؤولة التطوير الرياديّ في الشركة، في حوارٍ مع إم آتي تكنولوجي ريفيو، "أصبحت كرم سولار أول شركة طاقة شمسية في مصر تحصلُ على ترخيصٍ لتوزيع الطاقة الكهربائية". أدَّى الحصول هذا الترخيص إلى نقلة نوعية في عمل الشركة الناشئة، فبدلاً من أن تكتفي بإنتاج الطاقة الشمسية وتركيب أنظمتها، أصبحت كرم سولار تعملُ في خط إنتاج الطاقة بأكمله، بدءاً من التوليد إلى النقل والتوزيع وحتى وصول الطاقة إلى المستهلك، مثلها في ذلك مثل شركات الكهرباء الوطنية التي تتولَّى توفير الطاقة من الألف إلى الياء.
كانت كرم سولار، في أول الأمر، تبيعُ للمستهلكين أنظمة الطاقة الشمسية بأسعارها الكاملة (التي تتردَّدُ الكثير من المؤسسات بالاستثمار فيها بسبب تكلفتها المرتفعة)، وأما بعد حصولها على الترخيص فقد أصبحت قادرةً على شراء أراضٍ خاصَّة بها لبناء محطَّات توليد الكهرباء أو الاكتفاء بأرض المستهلكين، ومن ثمَّ تبيعُ للمستهلكين الطاقة نفسها وتتقاضى عليها تعريفة شهرية بحسب الاستهلاك بالكيلوواط، مثل الحال مع الكهرباء الحكومية. "بإمكاننا أن نعطي عملاءنا تعريفة أقلَّ من تعريفة الحكومة"، تقول القلماوي، "ولا زلنا -بالرغم من ذلك- نُحقِّقُ ربحاً كافياً، وهذا لأن الطاقة الشمسية هي أرخصُ مصدرٍ للطاقة في العالم الآن. فهي اقتصادية جداً".
بمرور الوقت، تطوَّرت أعمال كرم سولار ومشاريعها إلى مستوى جديد تماماً، ومن أهمِّها مشروع مزرعة جهينة في سنة 2015، بالواحات الغربية، والتي أخذَ بناؤها خمسة شهور، وهي تولّد الآن طاقة تكفي لتغطية حاجات مزرعة فيها 500 فدَّان من المحاصيل الزراعية وأكثر من 4,000 رأسٍ من البقر. في المرحلة الثانية من المشروع، ستُوسَّع المزرعة -مع طاقتها النظيفة- لتكون واحدةً من أكبر المزارع في العالم العربي.
"تُشغِّلُ كرم سولار ما مجموعه تسع محطَّات للطاقة الشمسية في مصر لتولّد بانتظامٍ طاقة مقدارها 12 ميغاواط، أي ما يُغني عن حوالي 20,000 لتر من المحروقات يومياً، وما بإمكانه -تقرييباً- أن يُغطّي حاجة ألفي منزلٍ من الطاقة".
- لارا القلماوي.
لكن اهتمامات الشركة لا تقتصرُ على توليد الطاقة الشمسية وتوزيعها، بل على التطبيقات المختلفة لها في زيادة التواؤم مع البيئة والطبيعة، والذي تشملُ مجالاتهُ العمارة النظيفة. في سنة 2013، تحوَّلت كرم سولار إلى مجموعة شركات تديرُ مؤسَّساتٍ مختلفة من ضمنها كرم للطاقة الشمسية وكرم للبناء (KarmBuild)، التي تعملُ على توظيف هندسة العمارة في خدمة البيئة واستدامتها وفي الاعتماد على الموادّ المحلية للبناء لتخفيض التكاليف.
"تبني كرم للبناء المنازل والأبنية بحيثُ تستهلك مقداراً أقلَّ من الطاقة"، تقول القلماوي، "وذلك بدراسة دقيقةٍ -مثلاً- لأماكن النوافذ وعددها بحيثُ يدخلُ منها ما يكفي من الضوء، للتعويض عن الإنارة الصناعية ولتخفيف استهلاك الكهرباء وزيادة كفاءة الطاقة بأقصى الدرجة. إضافةً إلى ذلك، وفي كلّ عملٍ تبنيه كرم، يجبُ أن يكون هناك دورٌ للطاقة الشمسية، وذلك بالتَّخطيط المسبق -أثناء تصميم البناء- لتثبيت الألواح الشمسية عليه باتجاه وزاوية تضمنُ الحصول على أكبر كمّية من الطاقة".
"في الوقت الحالي"، تقول القلماوي، "تُشغِّلُ كرم سولار ما مجموعه تسع محطَّات للطاقة الشمسية في مصر لتولّد بانتظامٍ طاقة مقدارها 12 ميغاواط، أي ما يُغني عن حوالي 20,000 لتر من المحروقات يومياً، وما بإمكانه -تقرييباً- أن يُغطّي حاجة ألفي منزلٍ من الطاقة". لكنَّ هذا الرقم لا يمثّل إلا جزءاً ضئيلاً من المشروعات المستقبلية التي تعملُ عليها الشركة، إذ أنَّها أعلنت عن عقد عدَّة شراكات في العام الماضي، تصلُ قيمة بعضها إلى 500 مليون جنيه مصريّ، أي ثلاثين مليون دولار، لبناء مجموعة محطَّات للطاقة الشمسية في مختلف أنحاء مصر بقدرة 166 ميغاواط، أي ما يكفي لتغطية مدينة متوسّطة الحجم بكامل احتياجاتها.
على الرغم من النجاح الكبير الذي حقَّقته كرم سولار، بدءاً من شركة ناشئة أسَّستها أيدٍ شابة ووصولاً إلى مشاريع عملاقة بعشرات الملايين، لا زالت بعضُ التحديات قائمة. حيث إنَّ عدم إقبال المستثمرين على قطاع الطاقة المتجدّدة وتخوفهم من الاستثمارات غير التقليدية لا زالَ عائقاً في نموّ الشركة وانطلاقها بمشاريع جديدة. من جهةٍ أخرى، قطعت كرم سولار شوطاً لا يستهانُ به في جلب الطاقة النظيفة إلى السوق العربيّ وفي تطويرها بأسلوبٍ رياديّ حديثٍ ومتجاوبٍ مع احتياجات السوق، والذي يمنحُ أملاً بمستقبلٍ أكثر أمناً واستدامةً اقتصادياً وبيئياً.