بدأ اقتصاد الأعمال المتعلقة بالذكاء الاصطناعي يلوح في الأفق

5 دقائق
ماري جراي.

نشرت صحيفة ذا جارديان مؤخراً مقالة عن حقائق إنتاج جوجل أسيستانت؛ حيث إن هذا المساعد الرقمي يتمتع بقدرة "سحرية" على ترجمة 26 لغة، ولكن يكمن خلفها فريق ضخم من اللغويين الذين يعملون بصفة متعاقدين ثانويين، والذين يجب أن ينفذوا عملاً صعباً ورتيباً يتضمن تصنيف بيانات التدريب التي يعتمد عليها عمل هذا المساعد الرقمي. ويكسب هؤلاء العاملون أجوراً منخفضة في أغلب الأحيان، كما أنهم يُرغَمون على العمل لوقت إضافي مجاني بشكل متكرر، ويتم تجاهل أية شكاوى يقدمونها حول ظروف العمل.

إنها ليست سوى قصة واحدة من بين عشرات القصص التي بدأت تكشف كيفية عمل صناعة الذكاء الاصطناعي، فالعاملون البشر لا يقومون فقط بتصنيف البيانات التي تجعل الذكاء الاصطناعي يعمل، بل يلعبون دور الذكاء الاصطناعي نفسه في بعض الأحيان؛ حيث إن الذكاء الاصطناعي الذي يقوم بمراقبة المحتوى في فيسبوك يعتمد على الآلاف من مراقبي المحتوى، كما يعتمد أمازون أليكسا على فريق عالمي من أخصائيي التسجيل إلى نصوص مكتوبة، ويعتمد جوجل دوبليكس في بعض الأحيان على متصلين بشريين يقلدون الذكاء الاصطناعي الذي يقلد البشر. وإن الذكاء الاصطناعي لا يعمل عن طريق تعويذات سحرية، بل بجهود خفية من عشرات العاملين الذين يقومون بتدريب الخوارزميات بكل اجتهاد حتى تستحوذ في نهاية المطاف على وظائفهم.

في الكتاب الجديد "Ghost Work: How to Stop Silicon Valley from Building a New Global Underclass"، من تأليف عالمة الانسان ماري جراي وعالم الحاسوب سيدهارت سوري، يقول الباحثان إن هذا المد قد يصل إلى كل واحد منا قريباً.

وقد التقيت مع جراي مؤخراً لمناقشة سبب انتقال الناس إلى العمل الخفي (الذي يُصطَلح على تسميته بالعمل الشبحي) بهذه الطريقة، وكيف أن هذا الأسلوب يزيد من تعرضهم لظروف العمل المريعة، وكيف يمكن أن نجعل هذا النمط من العمل أكثر استدامة.

تم تعديل نص المقابلة التالية للتحكم في الطول وزيادة الوضوح.

كيف يُعرَّف العمل الشبحي؟

هو أي عمل يمكن تعهيده أو توقيته أو إدارته أو نقله أو بناؤه -على الأقل جزئياً- عبر واجهة تطبيق برمجي، أو الإنترنت، أو حتى بمساعدة الذكاء الاصطناعي. ويمكننا القول إنه يصبح شبحياً عندما لا يوجد أي بشر في هذه الحلقة، أي أنه مجرد برنامج يقوم بعمله.

مصدر الصورة: تقدمة من هيوتون ميفلين هاركورت

إذن، يتعلق التعريف بشكل أساسي على كيفية تسويق المنتج أو الخدمة النهائية. صحيح؟

أجل؛ إن العمل أو الناتج نفسه ليس سيئاً أو جيداً بحد ذاته، بل إن ظروف العمل بالضبط هي ما تضفي عليه هذه الصفة أو تلك. إن تقديم خدمة مثل الخدمات التي وصفناها في الكتاب -مثل كتابة الترجمة أو تدقيق بيانات التدريب أو تدريب الخوارزميات- غالباً ما يوصف بأنه عمل رتيب ومضنٍ. فكر مثلاً في عملية تعديل المحتوى حالياً وكيف تُوصف بشكل مبالغ فيه بأنها فظيعة ومريعة، غير أنها من وجهة نظر العاملين عمل يجب تأديته، بل إنه يتطلب في الواقع الكثير من الابتكار والمعلومات والحكمة. المشكلة هي أن ظروف العمل لا تعبر عن أهمية هذا الشخص بالنسبة لهذه العملية، بل تقلل من أهميته وتؤدي إلى ظروف عمل غير مستدامة.

هناك تاريخ طويل من استغلال الشركات لعمل الشرائح المستضعفة في المجتمع. وقد ذكرتم في كتابكم مثالاً عن ذلك في صناعة الموضة. فهل هناك شيء محدد خاص بالعمل الشبحي ويمكن أن يكون سبباً لمزيد من المخاوف؟

من بعض النواحي، يمكن أن نعتبر أن العمل الشبحي يمثل فعلاً استمرارية لإساءة معاملة الكثير من العمال. وبالنسبة لي، فإن النقلة النوعية تتمثل في أننا لم نشهد من قبل صناعات تروج لعمل المتعاقدين على أنه أتمتة على هذا المستوى، ولا يقتصر أثرها على صعوبة رؤية سلسلة التزويد بالنسبة للمستهلك كما يستطيع في صناعات النسيج والغذاء والزراعة، بل يمتد أيضاً إلى نفي وجود أي شخص يعمل هناك على الإطلاق. وتصيبني القشعريرة عندما أفكر في امتداد هذا الأسلوب إلى جميع القطاعات التي تبيع خدمات المعلومات، مما يؤدي إلى محو الكثير من الأشخاص ومحو مساهماتهم في الاقتصاد، كما يجعل من الصعب على هؤلاء العاملين تنظيم أنفسهم واستعادة حقوقهم.

إن السمة الأساسية هنا هي تفكيك العمالة.

- ماري جراي

في صناعة النسيج، يمكن للعاملين تنظيم أنفسهم نتيجة وجودهم في نفس المكان، وبالتالي يمكن لكل منهم أن يرى قضية مشتركة ويقول: "هذا لا يحدث معي فقط". أما في حالة العمل الشبحي، فإن قوة العمل موزعة في جميع أنحاء العالم بشكل غير مسبوق، مما يؤدي إلى تحدٍّ مختلف بالنسبة للعاملين، سواء من ناحية إثارة المسألة بين المستهلكين أو من ناحية إدراك المعاناة المشتركة.

 

إذن، فإن عدم معرفتهم ببعضهم يمنعهم من المطالبة بظروف عمل أفضل، كما أن عدم معرفة المجتمع بهم يؤدي إلى عدم وجود أية مسؤولية عنهم.

بالضبط، وذلك في العديد من النواحي، فسوف نلاقي العواقب في نهاية المطاف. ولطالما لجأت الكثير من الصناعات إلى العمال الأحرار والمؤقتين، ولكننا الآن بنينا اقتصاداً يقوم عليهم بالكامل، ولم يعد دورهم يقتصر على ملء نواقص كتلة العمل الأساسية المؤلفة من العمال الدائمين. هذا تغير كبير، ويجب حقاً أن نتمهل قليلاً؛ حيث إن نسبة كبيرة من الاقتصاد الحالي تعتمد على الوظائف المكتبية، وهو أمر سيصبح من الماضي. وليس هناك مسارٌ محتمل لهذا الاقتصاد سيؤدي بك إلى عمل مستقر بدوام كامل، وإذا لم نتدارك ما يحدث، فسوف تتحول كل الوظائف إلى وظائف شبحية. إن السمة الأساسية هنا هي تفكيك العمالة.

أجل! لقد تفاجأت كثيراً من كتابك عندما عرفت أنه يوجد عدد كبير من الأشخاص ذوي التعليم المتقدم ممن يقومون بعمل شبحي! إن نسبة حملة الماجستير ممن انتقلوا إلى العمل الشبحي تشير فعلاً إلى أننا سمحنا لهذا الاتجاه بالتفشي إلى درجة كبيرة.

إن المفارقة الكبيرة بشأن خدمات المعلومات المباشرة هي أن أتمتتها عملية صعبة، لأن أي عمل يتضمن تلبية حاجات شخص آخر يتطلب الكثير من الذكاء والعناية؛ ولهذا فقد أصبحت الشهادة الجامعية الحد الأدنى الجديد للتعليم على مستوى العالم، كما أن اشتراك الناس في هذه العملية أصبح أمراً أساسياً، غير أننا لا نعرف كيف نقدر قيمة هذا الأمر بوضوح.

إذن، ما التغيرات الشاملة التي تعتقدين أنها ضرورية حتى لا يبتلعنا العمل الشبحي جميعاً؟

إن الاعتماد على التعاقد يعني بشكل أساسي أننا نعتمد على توافر العاملين؛ أي أن الإجراء الأول الذي يحتاج إليه العاملون والشركات هو إعادة بناء العقد الاجتماعي للعمالة حول قيمة التوافر، وهو ما سيقوم على افتراض إمكانية المشاركة في الاقتصاد لجميع الراشدين في عمر العمل، وأن قيمتهم تقوم على استعدادهم لإضافة الميزات البشرية إلى المشاريع من أجل الاستجابة لطلبات الناس.

ونحن نبذل حالياً الكثير من الجهد للعثور على طرق لإيجاد وظائف عمالة كاملة، خصوصاً في الولايات المتحدة، وذلك لتأمين التعويضات. ويجب أن نتخلى عن فكرة محاولة تأمين التعويضات عن طريق مكان العمل، ونسأل أنفسنا بدلاً من ذلك عن التعويضات التي يحتاجها الناس للمشاركة في هذا النوع من الاقتصاد. وهم في الواقع يحتاجون إلى بضعة أشياء: الوصول إلى الرعاية الصحية، والإجازات المدفوعة، والوصول إلى أماكن عمل مشترك صحية المواصفات، ويحتاجون إلى زملاء في العمل وشبكات من الأقران، والوصول إلى التعليم المستمر من أجل تطوير قدراتهم ومؤهلاتهم وتوسيعها.

إضافة إلى هذا، فإن ما يحتاجه أغلب الأشخاص حتى يصبح العمل التعاقدي جيداً هو القدرة على التحكم في ثلاثة أشياء: الوقت، والفرص، وإمكانية المساهمة. ففي شبكات مختلفة من المتعاونين الذين سيعلمونهم أشياء جديدة عند الاشتراك في المشاريع اللاحقة، إذا قدمنا لهم إمكانية التحكم في مساهماتهم في الاقتصاد، أي إمكانية الدخول والخروج من السوق بشكل حر حسب الحاجة -للاستراحة والتعافي من المرض، أو إنشاء عائلة، أو تعلم قدرات جديدة من أجل مشاريع مختلفة- فسوف يقدمون كل ما لديهم للعمل التعاقدي بشكل أفضل.

المحتوى محمي